المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

ارتدادات غزة ....ما هي أبرز ملامح توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل؟

الإثنين 25/ديسمبر/2023 - 10:50 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

كشفت بعض التقديرات عن أن روسيا حاولت استغلال عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس الفلسطينية في مواجهة تل أبيب في السابع من أكتوبر 2023 لخلق رواية لصالحها في العالم العربي، والتي روجت من خلالها إلى إهمال الولايات المتحدة الأمريكية للحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، الأمر الذى عزز شرعية روسيا ووجودها في العالمين العربي والإسلامي.

وفي هذا السياق، يمكن القول أن هذه العملية ألقت بظلالها على التحولات الكبيرة التي تمر بها علاقات موسكو وبكين، ولاسيما أن جاءت بعد أسابيع قليلة من توقيع الطرفين لاتفاقية تعاون كبيرة في سبتمبر الفائت، وكان هذا الاتفاق، الذي قوبل باعتراض رسمي من الخارجية الأمريكية، تأكيداً من تل أبيب على  عدم تأثير الحرب الأوكرانية على جهودها الرامية إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو، وسبباً لتجاهل الضغوط الأمريكية، الهادفة  لعزل روسيا على المستوى الدولي.

 وما يعضد ذلك هو الموقف الإسرائيلي الرافض لتسليم واشنطن وحلفائها في الغرب أنظمة دفاع صاروخية لأوكرانيا، بل ورفض مساعدة كييف عسكرياً حتى لا تتأثر علاقتها مع موسكو، ولكن الجدير بالذكر، أن ذلك كان بمثابة ورقة ضغط لدى تل أبيب كانت تلوح بها وقت الحاجة في مواجهة روسيا.

أولاً- نقطة تحول جديدة

بعد 10 أيام من هجوم حماس المفاجئ على مستوطنات قطاع غزة في 7 أكتوبر2023 ، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعرب عن تعازيه في مقتل عدد من ضحايا هجوم حماس، لكنها خطوة جاءت متأخرة بعض الشيء من وجهة نظر تل أبيب بالمقارنة مع الدعم الكبير الذى تلقته تل أبيب من  زعماء الدول الغربية الذين أعلنوا تضامنهم مع إسرائيل على الفور.

وفي هذه المحادثة، أعلن بوتين استعداده للمشاركة في الحل السلمي لهذه الأزمة، في حين أعربت معظم الدول الغربية عن دعمها الكامل للهجوم على غزة، لكن بعد المكالمة، اتخذت روسيا خطوات أثارت غضب إسرائيل، بما في ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وإدانة حماس. ومن ناحية أخرى، قدمت موسكو مشروع قرار بديل يطالب بوقف فوري ودائم للحرب في غزة، وقال مندوب روسيا في الأمم المتحدة في ذلك:  "إننا سمعنا ادعاءات حول وجود قواعد لحماس في المستشفيات والمساجد، ولكن حتى الآن لم نر أي وثائق في هذا الصدد".

وكان الإجراء الذي أثار غضب إسرائيل أكثر هو استضافة وزارة الخارجية الروسية لوفد من حركة حماس برئاسة أحد قادة حماس موسى أبو مرزوق، وهو ما أدانته إسرائيل. وفي هذا الصدد، اتهم مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد إردان، موسكو باستغلال هجوم حماس للتغطية على عملياتها المكثفة في أوكرانيا، وقال إن روسيا هي آخر دولة يمكنها تلقين إسرائيل درساً أخلاقياً.

وعليه، طالب البعض في إسرائيل بتغيير السياسة تجاه موسكو وشددوا على ضرورة توحيد المواقف في الغرب بشأن تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن إسرائيل تدرك جيداً أن هذه الأسلحة المتقدمة من الممكن أن تقع في أيدى روسيا، والتي يمكن أن تتشاركها مع إيران التي يمكن أن تستغلها لتهديد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بشأن التحليق في الأجواء السورية.

ثانياً- بدء التوتر بين موسكو وتل أبيب

ظهر التوتر بين روسيا وإسرائيل مع بدء الحرب في أوكرانيا ومع تعميق العلاقات الإيرانية الروسية والتي اتضحت في تعزيز التعاون الوثيق فيما بينهما في مواجهة العقوبات التي فرضها الغرب وإرسال طائرات بدون طيار من طهران إلى روسيا. واتضحت هذه البوادر في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة، عندما قال وزير الخارجية آنذاك يائير لابيد في أبريل 2022 إن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا.

وهو ما وصفت الخارجية الروسية في بيان مفصل حينها تلك التصريحات بأنها غير مقبولة، مؤكدة على أن إسرائيل تحاول صرف الانتباه عن الوضع في أوكرانيا إلى معاناة أكثر من 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية ومعاناة المواطنين في غزة. وفي الشهر التالي، دعت موسكو وفداً من حماس برئاسة موسى أبو مرزوق، ثم استضافت رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ثم قامت وزارة العدل الروسية بتعليق أنشطة المنظمة اليهودية في القدس بموسكو، والتي تم تصفية أعمالها فيما بعد.

ثالثاً- استغلال موسكو للحرب في غزة

ومع بدء الحرب الأخيرة على غزة حققت موسكو إنجازات كان أبرزها صرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا وانخراط الولايات المتحدة  الأمريكية في جبهة جديدة، مما أدى إلى تقليص إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا. كما حاولت موسكو تسليط الضوء على زيف الادعاءات الغربية حول حقوق الإنسان والعدال العالمية وشرعية المؤسسات الدولية، فضلاً عن النزاهة والشفافية التي تتمتع بها القوى الغربية.

وبالتوازي مع ذلك، تحاول روسيا إظهار حرب غزة كسبب لفشل السياسات الغربية في الشرق الأوسط، الأمر الذى يكشف عن ضرورة السعي نحو نظام عالمي جديد يتسم بالتعددية القطبية لإصلاح ما فشلت به الأحادية الأمريكية،  وإظهار نفسها كوسيط وباحث عن السلام لإصلاح ما أفسدته الهيمنة الأمريكية على العالم، التي لديها الاستعداد الكامل لتعزيز شن الحروب لمساعدة حلفائها.

وفي هذا السياق، شددت روسيا على أنها لا تعتبر حماس منظمة إرهابية، والشاهد على ذلك، أنها استضافت وفداً منها بعد عملية طوفان الأقصى. وبالتالي، يمكن القول أن روسيا تستخدم الحرب في غزة لتعزيز مكانتها الدولية واستغلال تداعياتها  للتنديد بالجرائم الغربية في حق الإنسانية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

في النهاية: يمكن القول إنه تجمع روسيا وإسرائيل علاقات جيدة؛ حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور إسرائيل في عام 2005 ثم في عام 2012، وخلال العقود الثلاثة الماضية، كانت لروسيا وإسرائيل مصالح مشتركة، وأعربتا عن قلقهما إزاء ما سمى بثورات "الربيع العربي". ولم تكن إسرائيل مستاءة من التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، لأنها رأت فيه عقبة أمام توسع حزب الله اللبناني وقوات الحرس الثوري الإيراني في جنوب سوريا بالقرب من الجولان المحتلة.

وتطلبت هذه الاعتبارات تعزيز العلاقات العسكرية والدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا من أجل منع نشوء صراع فيما بينهما في سوريا والتنسيق بشأن الهجمات على أهداف سورية وإيرانية في سوريا، وأيضاً كانت تل أبيب تأمل من علاقاتها المتقدمة مع روسيا في أن تقف هذه الأخيرة كحجر عثرة أمام التوسع الإيراني في سوريا. وبالتالي، يمكن القول أن التوتر سيكون العنوان الذى سيخيم على العلاقات بين موسكو وتل أبيب خلال الفترة القادمة، ولكن ستجبر المصالح المشتركة كلا الطرفين على خفض حدة التصعيد والحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟