المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
هاني سليمان
هاني سليمان

الدبلوماسية الدفاعية: الكتاب الأول من سلسلة مفاهيم دبلوماسية للدبلوماسي العراقي د. ياسر عبد الحسين

السبت 02/أغسطس/2025 - 08:16 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

صدر مؤخراً عن دار ومكتبة عدنان في بغداد كتاب (الدبلوماسية الدفاعية: الوجه الناعم للقوة الصلبة) للمستشار الدبلوماسي والأكاديمي العراقي الدكتور ياسر عبد الحسين، وهو الكتاب الأول من سلسلة مفاهيم دبلوماسية التي سوف تصدر تباعاً.

يعالج الكتاب موضوع أصبح مهما في عالم اليوم حيث إذا ما ذُكرت التحالفات الدوليَّة، ومبادرات الشراكات، واتفاقيَّات الدفاع المشترك، وتنويع مصادر التسليح، والمناورات المشتركة، ودراسات المخاطر والتهديدات على مستوى المنطقة والعالم، وتبادل الاستخبارات والمعلومات وبرامج التدريب العسكري والمهني ومشاريع الصناعة العسكريَّة، وتوظيف برامج الذكاء الاصطناعي وغيرها، فإنَّ جميع ما ذُكر في أعلاه يدخل في ساحة مفهوم الدبلوماسيَّة الدفاعيَّة.

لهذا؛ يمكن للدبلوماسيَّة الدفاعيَّة أن يكون لها دورٌ بارزٌ في حلِّ النزاعات وجهود حفظ السلام، من خلال تسهيل الحوار والتعاون بين الدول، وتعزيز تدابير بناء الثقة، ويمكنها أيضًا أن تساعد في منع تصعيد النزاعات وتعزيز الاستقرار في المناطق التي تشهد توتُّرات شديدة، ولا يوجد أكثر من منطقة الشرق الأوسط التي تشهد أزمات كبيرة وعلى حافَّة تحدِّيات هائمة ومستمرَّة.

ويقول هنري كيسنجر: إنَّ اوتو فون بسمارك كان نموذجًا لأبرز النجاحات الدبلوماسيَّة الذي عُيِّنَ لاحقًا وزيرًا رئيسًا لبروسيا، وسبق أن عمل دبلوماسيًّا بصفة سفيرٍ لدى روسيًّا؛ حيث نجح في توحيد ألمانيا وإعادة تنظيم أوروبَّا الوسطى، وفي غضون تسع سنوات انتصر على أمراء الولايات الألمانية في حربين، وحشدهم في حرب ثالثة، وكسب الرأي العامَّ بمنحه حقَّ الاقتراع العام للذكورة، جاعلًا بروسيا من أوائل الدول الأوروبية التي تفعل ذلك، أنجز بسمارك كلَّ هذا دون قيادة جنديٍّ واحدٍ، ودون السيطرة على أغلبيَّةٍ برلمانيَّةٍ واسعةٍ، ودون دعم حركة جماهيريَّة، ودون أيَّة خبرة سابقة في الحكم، بالمقابل لم يُرَ يومًا بسمارك علنًا دونَ زيٍّ عسكريٍّ، ومع ذلك لم يخدم في الجيش أبدًا، وكان يُنظر إليه عمومًا بريبةٍ من قِبل القادة العسكريين آنذاك لما عدّوه اعتدالًا مفرطًا، حافظ من خلال الدبلوماسيَّة الدفاعيَّة على التوازن الاستراتيجي لأوروبَّا. حافظ بسمارك طوال 28 عامًا من خدمته مستشارًا لألمانيا على ما بناه بدبلوماسيَّة دفاعيَّة متحفّظة وحكيمة، التي كانت العنصر الأهمَّ في الحفاظ على السلام في أوروبَّا، حتى قال في معرض مقاومته للضغوط لامتلاك المستعمرات في القارَّة السمراء: "خريطتي لإفريقيا تقع في أوروبَّا"، وردَّ على اقتراح شنِّ حربٍ استباقيَّةٍ ضد روسيا قائلًا: "ويلٌ لرجل الدولة الذي لا تكون حججه لدخول الحرب مقنعة في نهايتها كما كانت في بدايتها".

ففي تاريخ العلاقات الدوليَّة على المستوى الأوروبِّي، كان لحرب عام 1870 بين فرنسا وبروسيا تأثيرٌ مفصليٌّ في سياق أمن القارَّة عبر هزيمة فرنسا ومعاهدة فرانكفورت، وتأسيس الإمبراطورية الألمانية، ممَّا دفعها إلى سلم الدول الأوروبية الكبرى، ممَّا أحدث تحوُّلًا في نظام توزيع القوَّة، ولهذا سعى بسمارك من خلال الدبلوماسيَّة الدفاعيَّة إلى إقناع القوى الأوروبِّيَّة الأخرى بأنَّ الإمبراطوريَّة الألمانيَّة الموحَّدة قوَّة قائمة بذاتها ولا تشكِّل أيَّة تهديدات أمنية لها من خلال دبلوماسيَّة دفاعيَّة وأمنيَّة متينة؛ حيث سعى إلى الحفاظ على علاقات ودِّيَّة مع الدول الأخرى، وكان جزء أساسي من تركيزه على بناء تحالف سلميٍّ وودِّيٍّ مع النمسا وروسيا. ومن خلال أزمة البلقان اقترح تشكيل عصبة الأباطرة الثلاثة؛ من أجل تخفيف التوتُّرات بين النمسا وروسيا بشأن المطالبات الإقليمية في البلقان، وكذلك منع التدخُّل في أيِّ صراعٍ محتمَلٍ بين ألمانيا وفرنسا. وعلى الرغم من أنَّ التحالف لم يكن له مكوّن عسكري فيه مباشر، كان أقرب لمنهج تعاون عسكري دبلوماسي، وسعى من خلاله إلى عزل فرنسا، وخوفًا من الاستعداد العسكري الروسي شعر بسمارك بأهمِّيَّة الحليف، وتمكَّن من خلال دبلوماسيَّة دفاعيَّة نشطة الدخول في تحالف عسكري مع الإمبراطورية النمساوية المجرية التي أساسها أنَّ النمسا وألمانيا ستساعدان بعضهما الآخر في حالة تعرُّضهما لهجوم من روسيا، ثم انضمَّت إيطاليا لاحقًا إلى التحالف ليصبح التحالف الثلاثي.

وبفضل مهارته الدبلوماسيَّة، تفاوض بسمارك على تحالفٍ دبلوماسيٍّ دفاعيٍّ، وقد ضمنت شروط المعاهدة الحياد في حالة تعرُّض أيٍّ من الطرفين لهجوم، لذلك يعزى نجاح بسمارك في الحفاظ على السلام في أوروبا لما يقارب عقدين من الزمن إلى استخدامه الأدوات العسكريَّة والدبلوماسيَّة عبر الدبلوماسيَّة الدفاعيَّة لتهدئة النمسا وروسيا، وقدرته على ضمِّ هاتين القوَّتين إلى تحالفٍ دفاعيٍّ مع ألمانيا، وبذلك ضمن بقاء فرنسا معزولة. يقول بسمارك: "كن مهذَّبًا، اكتبْ بطريقة دبلوماسيَّة، حتَّى في إعلان الحرب يجب مراعاة قواعد الأدب". وهكذا يتَّضح لنا أهمِّيَّة استخدام الأدوات الدفاعيَّة في العمل الدبلوماسيِّ.

ويرى المؤلف الدكتور ياسر عبد الحسين إنَّ بناء الدول وصياغة منهجها البنائي والمؤثّر في العلاقات الدوليَّة يقف على ثلاث مهن، هي: (الجنديُّ والدبلوماسيُّ والسياسيُّ)، ولنقل ثلاثة من وظائف تبنى عليهم تصوُّرات أيَّة دولة، من تفاعلهم تنتج صيرورة الدولة في العمل السياسي الخارجي.

على الرغم من أنَّ الأدوات الثلاثة تختلف عن بعضها بعضًا، فقد تشترك أحيانًا، لكن عادةً لا سلاح الجندي يقترب من حقيبة المفاوض الدبلوماسي، ولا صندوق انتخابات السياسي له صلة بالاثنين من حديث الاستخدام والسيكولوجيا، لكن يبدو أنَّ شكل العَلاقة الهرميَّة ونسَقَها هو من يصنع شكل فعلها المؤثِّر في البيئة الخارجية كما يرى المؤلف.

فيما تبقى أن القوَّة الوطنية هي المفردة الجامعة لتلك الوظائف، ونسقها يتغيَّر من حديث الطرف الأعلى والفوقيَّة، ولنقل التراتبية في هيكلية الأدوار المؤثّرة يعتمد على نمط وشكل النظام السياسي، وإذا ما وقفنا أمام أدوات التنفيذ الحاسم للمصالح الوطنية تكون أمامنا الدبلوماسيَّة السلاح الأهم، لكن إذا ما جمعنا عنصري (الدبلوماسيَّة) و(الدفاع) نكون أمام دبلوماسيَّة بالمعنى التقليدي لمهمَّة وزارة الخارجية، لنصبح أمام مهمَّة أساسيَّة أصبحت لدى معظم الدول، بل تُدوّن وثائق خاصَّة حولها.

ويعالج الكتاب فكرة الجمع بين نقيضين من حيث التوجُّهات الشاملة والعمل الوظيفي قد يكون جزءًا من تناقض ظاهري، لكن يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية القوَّة الشاملة لأيَّة دولة ترغب في أن تكون لاعبًا إقليميًّا أو عالميًّا، وتقدِّم تجربة مؤثِّرة في سياق قوَّتها الناعمة والصلبة.

ولهذا تُشكِّل الدبلوماسيَّة الدفاعيَّة عنصرًا مهمًّا في السياسة الخارجية لأيِّ بلد؛ حيث تسمح باستخدام الموارد العسكريَّة والدبلوماسيَّة لتعزيز مصالح الأمن الوطني. بالمقابل نحن أمام تناقض لفظي، وعلى فرضيَّة المستبدِّ العادل؛ حيث لا يستقيم العدل مع الاستبداد، فهل نحن أمام السياق نفسه، إذا كانت الدبلوماسيَّة تعني إدارة العلاقات الدوليَّة لتحقيق المكاسب عبر الأدوات السلمية، بينما يشمل الأمن المفاهيم الدفاعيَّة والعسكريَّة والهجوميَّة والأسلحة وغيرها، فكيف يجري التوافقُ بين المفهومين؟... هذا ما يحاول الكتاب الإجابة عليه.

حيث لم تعد تقتصر الدبلوماسيَّة على النخبة الدبلوماسيَّة من رجال العمل المهني في وزارات الخارجية، ولم يعد يقتصر الأمن على رجال الأمن وصولًا إلى مفهوم الأمن المجتمعي، أو نظريَّة أمنَنة المجتمع، وقد يعدُّ هذا الأمر سياقًا طبيعيًّا؛ بسبب تعرّض القضايا الخاصَّة بالدولة مثل الهُويَّة والانتماء، وتآكل مفهوم السيادة ورضوخ مفهوم المواطنة تحت ضغط العولمة، ومن ثَمَّ لم تعد هناك بوَّابات حقيقية لإيقاف مرور أيَّة مفاهيم أو تطوُّرات قادمة من خارج الحدود.

وإنَّ عمليَّة ممارسة المؤسَّسة العسكريَّة كالجيش في العمل الدبلوماسي يمكن أن تُحقِّقَ مكاسب سياسيَّة وأمنيَّة تُعزِّز النفوذ الاستراتيجي الإقليمي والدولي، فضلًا عن أنَّها تُتيح الفرص في المجال الأمني، وهي فوائد أساسيَّة تُعزّز المصلحة الوطنية، ومع ذلك لا يُمكن أن تُحقّق هذه القوَّة فعَّالية إلَّا بدعمها وتقويتها من خلال أدوات غير عسكريَّة.

ميزة هذا الكتاب أنه جاء وسط ندرة الدراسات الأكاديمية التي تناولت دبلوماسيَّة الدفاع، ولم يكتسب المصطلح رواجًا إلَّا مؤخَّرًا، ونعتقد أنَّ هذه الدبلوماسيَّة الخاصَّة سوف تشكِّل أهمِّيَّةً بارزةً في بناء مُناخ من الثقة والتقارب بين الدول وحتَّى الشعوب، في المقابل ليست هي دعوة "العسكرة الزاحفة" نحو الدبلوماسيَّة والسياسة الخارجية بقدر ما هي إعادة توظيف الأدوات الفعليَّة لقدرة الدولة على تحقيق مصالحها، وتبقى بمنزلة أداةٍ لمنع الأزمات عبر الاستخدام السلمي (غير التصادمي) للقوَّات المسلَّحة والبنية التحتية ذات الصلة، ولا سيَّما وزارات الدفاع بوصفها أداةً للسياسة الخارجية والأمن والعمل الدبلوماسي.

في كثيرٍ من المواقف والأحداث لا تتطلَّب القوَّة العسكريَّة عمومًا استخدام القوَّة فعليًّا في الميدان، وقد تطوَّرت الدول على وفق نماذج دبلوماسيَّة عسكريَّة متميِّزة ويعرض الكتاب العديد من النماذج التي سطرها المؤلف بحكم ممارسته الدبلوماسية الاكاديمية والنظرية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟