المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات الاستدارة: سياسة أردوغان الجديدة تجاه الخليج

الإثنين 24/يوليو/2023 - 03:27 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في ظل تنامي العلاقات السياسية ما بين تركيا والدول العربية، يتجه رجب طيب أردوغان صوب الخليج، في محاولة لرأب صدع التضخم، والتدهور الاقتصادي في بلاده، وكذلك تعزيز التعاون السياسي؛ حيث وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية في مستهل جولة خليجية يعلق عليها آمالًا كبيرة لجذب استثمارات وتمويل بهدف تحفيف الضغط على الميزانية وتقليل التضخم المزمن والتغلب على ضعف العملة. كما تشكل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى كل من السعودية وقطر والإمارات ٍمحطة أخرى في مسار التحول الذي تشهده السياسة الخارجية لتركيا تجاه قوى إقليمية كانت على خصومة معها استمرت لسنوات. خاصة أن هذه الجولة الخليجية هي الأولى من نوعها للرئيس أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحديثه عن ضرورة تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج باعتبارها دولًا شقيقه.

وتأتي هذه التحولات بعدما أدركت أنقرة أنه لا بد من إقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة لا سيما الدول الخليجية على أساس نهج يحقق الفائدة للجميع وتطبيق فعلي للشعار الذي ترفعه تركيا زيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم. وذلك بعدما ساعدت استثمارات وتمويلات من دول خليجية في تخفيف الضغوط على اقتصاد تركيا واحتياطياتها من العملة الصعبة منذ 2021، وهو العام الذي بذلت فيه أنقرة جهدًا دبلوماسيًا لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات.

وذكرت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أنه سيجري خلال الزيارة استعراض كل أبعاد العلاقات الثنائية بين تركيا وكل من السعودية وقطر والإمارات، كما سيناقش الرئيس أردوغان التعاون القائم مع الدول الخليجية الثلاث في مختلف القطاعات، ولا سيما المشاريع الاقتصادية والاستثمارية. كما وتسعى تركيا لتقارب أكبر مع الدول العربية وفي مقدمتها الدول الخليجية ومصر، حسب التصريحات الأخيرة للجانب التركي، في حين تظل أزمة الثقة بين الأطراف العربية وتركيا قائمة، بالنظر للتوترات السابقة التي لم يتم تجاوزها بشكل نهائي حتى الآن.

 

 

رؤية مختلفة

تتوقع تركيا أن تضخ دول الخليج استثمارات مباشرة تقدر بنحو عشرة مليارات دولار مبدئيًا في أصول محلية نتيجة لجولة أردوغان في المنطقة. وعلى وقع ذلك، يرى أردوغان زيارته الخليجية بعد إعادة انتخابه في مايو الماضي ضرورية لدعم الاقتصاد التركية وتعزيز قيادته داخل البلاد في ضوء أن دول الخليج الغنية بالنفط قد ساعدت أنقرة في حل أزمة العملات الأجنبية على الأقل على المدى القصير من خلال اتفاقيات مبادلة العملات المباشرة وإيداع أموال مباشرة في حسابات الدولة التركية.

صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده ستتيح الفرصة أمام السعودية والإمارات وقطر لشراء «أصول معينة» في تركيا، بما يراعي مصالح البلاد، كما أكد أن تركيا قطعت مسافة مهمة في علاقاتها مع دول الخليج خلال الفترة الأخيرة، لافتًا إلى أن بلاده شهدت كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي من دول الخليج عقب كارثة الزلزال الذي وقع شهر فبراير الماضي. وأشار إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الخليج من 1.6 مليار- نحو 22 مليار دولار، خلال العقدين الأخيرين.

وضمن السياق ذاته، لفت أردوغان إلى أن تعزيز التعاملات التجارية والاستثمارية التركية مع السعودية وقطر والإمارات خلال الفترة المقبلة، ستكون على رأس أولويات أجندة جولته الخليجية، التي ستركز على تقييم ما يمكن لجميع الأطراف القيام به وفق مفهوم رابح – رابح. ويشير ذلك إلى الأهمية الاقتصادية التي يوليها أردوغان إلى جولته الخليجية خاصة في ظل الضغوط التي يتعرض لها اقتصاد بلاده بفضل ما يعتبره اقتصاديون من سياسات أردوغان غير التقليدية حاول من خلالها معالجة المشاكل الاقتصادية.

وتتزامن الجولة مع تسجيل معدلات التضخم مستويات قياسية مع انخفاض قيمة الليرة إلى مستويات قياسية فيما باتت السيطرة على عجز ميزانية الحكومة أمرًا صعب التحقيق، ولتجاوز ذلك عين أردوغان يلماز وشيمشك بعد الانتخابات لأسباب منها رغبته في إجراء تحول جذري بعد سنوات من السياسة الاقتصادية غير التقليدية التي أدت إلى زيادة التضخم وهبوط صافي الاحتياطيات الأجنبية إلى مستوى قياسي. وفي إطار ذلك، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 650 نقطة أساس الشهر الماضي.

وتجب الإشارة هنا إلى أنه منذ عام 2021، تبذل أنقرة جهودًا دبلوماسية لإصلاح علاقتها مع دول المنطقة بعد توتر أصاب العلاقات خلال العشر سنوات الماضية، وعلى الرغم من ذلك فإن تدفق الأموال الخليجية إلى إسطنبول العاصمة الاقتصادية والمالية لتركيا ووجهة العرب الاستثمارية الأولى لن يكون شيكًا على بياض، فقد تصر دول الخليج على إصلاحات اقتصادية أعمق من قِبل أنقرة عبر خصخصة شركات حكومية.

اتجاهات عديدة

إن الزيارة التركية للدول الخليجية تأتي لأهداف اقتصادية في المقام الأول، في ظل الأزمة المالية التي تمر بها أنقرة، فيما يسعى أردوغان لتعزيز العمل السياسي المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإيجاد قواسم مشتركة في ملفات مهمة على رأسها الملف السوري والليبي.

وقد أعلن رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، نائل أولباك، إن أكثر من 200 رجل أعمال تركي في المجلس، سيرافقون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولته الخليجية، وأعلن مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، أن جولة الرئيس رجب طيب أردوغان تتضمن إقامة منتديات أعمال، في السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، على هامش الجولة الخليجية. وأن العلاقات الجديدة المدفوعة بالمحرك الاقتصادي سوف ترسم الاستقرار في المنطقة.

وكان الرئيس أردوغان سبق أن أرسل نائبه جودت يلماز ومعه وزير المالية محمد شيمشاك إلى الإمارات وقطر والسعودية قبل زيارته إلى هذه الدول الثلاث بهدف المساهمة في إقناع حكامها للاستثمار بما لا يقل عن خمسين مليار دولار في تركيا. على الجانب الآخر، تتوقع المعارضة لأردوغان أن يقترح على زعماء الدول الثلاث شراء العديد من مؤسسات القطاع العام والتي ستتم خصخصتها خلال الفترة المقبلة، وأهمها شركة الطيران ومؤسسة النفط والموانئ الاستراتيجية.  ومن المتوقع أيضًا أنه سيكون هناك المزيد من تدفق رأس المال إلى تركيا، قسم منها سيتحقق فوريًا، وقسم آخر سيكون خلال مدة معينة، باعتبار أن المحادثات بين تركيا ودول الخليج لا تدور حول الأموال الساخنة، وإنما تستهدف تأمين رؤوس أموال أو تأمين تمويل طويل الأجل. وأن التعاون سيعود بالنفع على كلا الجانبين، خاصة في مجال الاستثمارات الدولية المباشرة.

إن تركيا بحاجة إلى تعاون اقتصادي قوي مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، كما تسعى لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية، ذلك بعدما ارتكبت أنقرة في الماضي أخطاء كبيرة، من بينها تدخل الحكومة التركية في الشئون الداخلية للدول العربية، لكن الآن ومع تغير السياسة والنهج، من الممكن أن تجد ترحيبًا عربيًا بالخطوات التركية ومواقفها، خاصة مع أهميتها باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة العضو في حلف الناتو. كما أن الخطوات التركية والتطبيع مع الدول العربية قد تنعكس على عودة العلاقات مع سوريا، وقد يكون هناك دور للمملكة العربية السعودية ومصر في الكثير من الملفات، سواء في سوريا أو ليبيا وغيرها من الملفات الأخرى.

في الختام: إن سعي تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع دول الخليج إلى جانب مصر إنما هو مؤشر واضح على أن أردوغان يدرك أن الأولوية أضحت للمصالح الاقتصادية وليس للأيدولوجيا، وأن التحركات التركية الأخيرة تجاه الخليج يهيمن عليها البعد الاقتصادي. كما أن التقارب الاقتصادي التركي الخليجي وإن كان يخدم مصلحة الطرفين إلا أنه من المنتظر أن يكون دافعًا لإيجاد مجال مشترك وطرح مبادرات لحل الصراعات في المنطقة بما يحفظ المصالح الاستراتيجية لكل من تركيا ودول الخليج.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟