المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات المساومة: تونس وجهود الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة غير الشرعية

الأحد 25/يونيو/2023 - 10:29 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

أثارت زيارة الوفد الأوروبي الأخيرة إلى تونس الكثير من التساؤلات حول الدور المطلوب من تونس في مكافحة ما يسمى الهجرة غير النظامية التي تؤرق المسؤولين الأوروبيين الذين يستعدون لمناقشة إصلاح نظام الهجرة واللجوء داخل البرلمان الأوروبي والتصديق عليه قبل تطبيقه، خاصة أن الأوروبيين يريد اتفاقًا مع تونس يكون في صالح الطرفين من خلال عرض مساعدات مالية كبيرة على تونس لتشجيعها على القيام بإصلاحات، وليس من أجل ابتزازها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن استعداده تقديم مساعدة مالية لتونس، دعما لاقتصادها المتعثر، شريطة وقف تدفق المهاجرين لأراضيها. وخلال زيارتها إلى تونس رفقة رئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ميلوني، ورئيس وزراء هولندا، مارك روته، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن الاتحاد مستعد لتقديم ما يصل إلى 900 مليون يورو لدعم الاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى 150 مليون يورو إضافية ستقدم بشكل فوري لدعم الميزانية بمجرد التوصل إلى الاتفاق المطلوب، فيما بدت هذه المحاولة بمثابة استغلال الأزمة الاقتصادية في تونس، من أجل تحقيق منفعة أوروبية بملف المهاجرين.

وتُعد تونس، التي تجري الآن مناقشات بشأن قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولي، بوابة رئيسية للمهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط المحفوف بالمخاطر إلى أوروبا. وكانت حكومات الاتحاد الأوروبي اتفقت على خطوات لتسريع عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان العبور التي تعتبر آمنة بما في ذلك تونس، بعد أن تعرضت لضغوط لتقليص عدد الوافدين إليها من المهاجرين غير الشرعيين.

اتجاهات التوافق

تقود إيطاليا جهود الاتحاد الأوروبي للحد من تدفقات الهجرة القادمة من دول الشمال الأفريقي وخاصة تونس، وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي تزور فيها ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، لتونس في غضون أسبوع بعد لقاء سعيد، وذلك لأن تونس تبعد حوالي 150 كيلومترًا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وكانت شواطئُها منذ فترة طويلة نقطة انطلاق للمهاجرين، ومعظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يسعون إلى حياة أفضل في أوروبا.

وفيما يتعلق بمشكلة الهجرة، ووفقا لبيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد تم منع 14 ألفًا و963 شخصًا من مغادرة تونس عن طريق البحر خلال الربع الأول فقط من العام الجاري وحسب المصدر نفسه، فقد تم تسجيل 534 ضحية ومفقودًا في حوادث غرق قوارب المهاجرين في الفترة من يناير إلى مايو 2023.

وتضاعفت في الفترة الأخيرة أعداد المهاجرين إلى أوروبا عن طريق تونس، التي تضرر اقتصادها القائم على السياحة بشدة بسبب جائحة كوفيد، والتي تمر الآن بأزمة اقتصادية خطيرة وارتفاع في معدلات التضخم والبطالة. وتعتبر تونس المثقلة بالديون كانت قد توصلت إلى اتفاق من حيث المبدأ العام الماضي للحصول على قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولي يبلغ حوالي ملياري دولار. لكن المحادثات تعثرت منذ ذلك الحين بسبب الإصلاحات التي طالب بها الصندوق، لا سيما في الشركات التي تديرها الدولة والدعم الحكومي للمنتجات الأساسية؛ حيث يرفض الرئيس التونسي قيس سعيد برنامج الإصلاح الذي ينص على إعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عمومية تونسية مثقلة بالديون، ورفع الدعم الحكومي عن بعض المواد الأساسية، واعتبرها إملاءات.

وتنص مقترحات الاتحاد الأوروبي على مساعدة مالية للاقتصاد الكلي تصل إلى 900 مليون يورو فور إبرام الاتفاقات اللازمة، في ظل معاناة تونس من الديون التي تبلغ حوالي ثمانين بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي ولم تعد قادرة على الاقتراض من الخارج مما يؤدي إلى نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية مثل الدقيق والسكر والأرز، التي تشتريها الدولة وتستوردها.

وتنص النقاط الخمس التي اقترحها الاتحاد الأوروبي على زيادة الاستثمار في تونس ولا سيما في دعم القطاع الرقمي، واستثمارات في تصدير تونس للطاقات المتجددة وتوسيع برنامج تبادل الطلاب (إيراسموس). ويتعلق أحد مقترحات بروكسل بمكافحة "الأعمال المشينة" للهجرة السرية التي من أجلها سيقدم الاتحاد الأوروبي لتونس "هذا العام 100 مليون يورو لمراقبة حدودها والبحث عن المهاجرين وإنقاذهم"، بحسب فون دير لايين.

يذكر أن وكالة فيتش خفضت تصنيف تونس إلى مستوى "سي سي سي سلبي" (CCC-)، مرجعة ذلك إلى تعطل الاتفاق مع صندوق النقد وعدم قدرتها على تعبئة موارد الاقتراض الضرورية لتمويل موازنتها هذا العام وتآكل مخزون العملة الصعبة، مما يزيد احتمال تخلفها عن سداد ديونها. في حين تعد تونس اقتراحًا بديلًا لطرحه على صندوق النقد الدولي، بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد، ما وصفه بـ "إملاءات الصندوق" بشأن حصول بلاده على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار تم التفاوض حوله العام الماضي.

سياسات عديدة

إن تصويت 27 بلدًا أوروبيًا على قانون دبلن الذي ينص على إعادة المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى الفضاء الأوروبي إلى بلدان العبور ومن ضمنها تونس، لن يكون التشريع سيئًا بالمطلق لتونس إن قبلت به، شريطة أن تعرف كيف تستثمره لصالحها خاصة أن السلطات التونسية استطاعت أن تجعل من ملف الهجرة في وقت وجيز، نقطة تفاوض كبرى، ليس مع الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما مع صندوق النقد الدولي، معتبرا ذلك مكمنا لبراغماتية الدبلوماسية التونسية، إنه تم إذابة الجليد بين السلطة في تونس، والاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت العلاقة متوترة، وإن السلطات التونسية أعطت مثالًا لتحفيز السلطات الأوروبية على تقديم الدعم، حينما شددت الرقابة خلال أحد الأشهر الماضية، ما قلل أعداد المهاجرين بشكل واضح، فالدول الأوروبية تحاول منع انهيار تونس اقتصاديًا وسياسيًا، في سياق مساعيها لدفع الأخيرة لبذل جهد أكبر في ملف الهجرة غير النظامية.

من ناحية أخرى ترفض السلطات التونسية بشكل واضح، أن يتم ذلك عبر توطين المهاجرين في تونس، ولن تقبل بأن تكون "رواندا شمال أفريقيا"، كما أن ضخ مبلغ 150 مليون يورو، وهو مبلغ قليل جدا، وهو ما يؤكد أن الهدف الأساسي للزيارة هو إذابة جليد العلاقة بين الطرفين. وأن هذه المشكلة سيتم حلها، لوجود رغبة متبادلة، ومساع أوروبية حقيقية لإخراج تونس من مأزقها، ومساعدتها في حل خلافاتها مع صندوق النقد الدولي.؛ حيث أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد إن البلاد لن تعمل كحرس حدود للدول الأوروبية، وإن الحل لن يكون على حساب تونس، في حين استنكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زيارة الزعماء الأوروبيين الثلاثة ووصفها بأنها محاولة لابتزاز تونس بعرض دعم مالي مقابل تكثيف الرقابة على الحدود.

وبينما يحتدم الجدل داخل دول الاتحاد الأوروبي حول السبيل الأمثل للتعاطي مع ملف الهجرة، تتواصل المأساة الإنسانية لطالبي اللجوء، إذ غرق منذ بداية العام الجاري 44 شخصا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفق المنظمة الدولية للهجرة. وكان العام الماضي الأكثر مأساوية بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولتحقيق هذا التقارب، تحدثت فون دير لاين التي زارت تونس مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، عن التعاون في مجال التجارة والاستثمار في القطاع الرقمي. وأشارت إلى مشروع "ميدوسا كابل" الرقمي الذي يهدف بحلول عام 2025 الربط بين 11 دولة على ضفتي المتوسط بهدف خلق فرص عمل بتمويل يبلغ 150 مليون يورو من قبل صندوق الاستثمار الأوروبي. وتشمل الإجراءات التعاون في مجال الطاقة والطاقة المتجددة وبرامج التعليم. وإقامة شراكة في مجال الطاقة المستدامة والتنافسية، من شأنها المساهمة في تحقيق الانتقال الطاقي الأخضر في تونس وخفض التكاليف ووضع إطار ملائم للتبادل في مجال الطاقات المتجددة والاندماج في السوق الأوروبية المشتركة.

وحددت فون دير لاين سلسلة من الجهود الأوروبية طويلة الأجل لمساعدة الاقتصاد التونسي بما في ذلك مشروع لتصدير الطاقة المتجددة بقيمة 300 مليون يورو. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي سيوسع كذلك الفرص أمام الشباب التونسي للدراسة والعمل والتدريب في دول الاتحاد لمساعدتهم على تطوير المهارات التي يمكن استخدامها لتعزيز الاقتصاد التونسي.

في الختام: يمكن أن تستخدم تونس ورقة المهاجرين في وجه دول أوروبا من أجل الحصول على استثمارات مالية، ومساعدات للحد من الفقر والخصاصة، وخفض أعداد المهاجرين، وإن إيطاليا باتت تطالب الدول الأوروبية بالضغط على أعضاء صندوق النقد الدولي لتمكين تونس من قرض مالي لتحسين أوضاعها الاقتصادية خاصة وأن الرغبة الأوروبية تتمحور حول إيجاد وتعزيز فرص الاستقرار السياسي والاقتصادي في دول الشمال الأفريقي للحيلولة دون تفاقم أوضاع المهاجرين لديهم.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟