المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مأزق النمو المستدام ...ومعضلة اقتصاد المقاومة الإيراني

الجمعة 23/أبريل/2021 - 10:50 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
جواد صالحي أصفهاني- عرض: مرﭬت زكريا

عندما تم التصديق على انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية  في يناير 2021 ، ارتفعت قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار بنسبة 20%، ورغم أن الكثير من الإيرانيين كانوا يأملون أن يؤدى هذا الفوز إلى عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ووضع حد لحملة "الضغط الأقصى" التي جعلت الأزمة الاقتصادية العالمية المصاحبة لوباء كورونا أسوأ بشكل غير مسبوق بالنسبة للإيرانيين العاديين، ولكن في غضون أسبوع من تولي بايدن الرئاسة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أن واشنطن لا تزال بعيدة عن الانضمام إلى الاتفاق النووي، الأمر الذى أدى لارتفاع الدولار في مقابل الريال مرة أخرى.

تبين أن إدارة بايدن ليست في عجلة من أمرها لإصلاح الأمور مع إيران، كما لم يُظهر قادة إيران اهتمامًا كبيرًا بالعودة السريعة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم التأثير السلبي غير المسبوق  الذى خلفته العقوبات على الاقتصاد الإيراني، لكن أكد بعض المسؤولين الإيرانيين إن إيران ستخرج من الأزمة باقتصاد أكثر مقاومة للضغوط الخارجية، وبالتالي، فهي معزولة عن العقوبات الأمريكية المستقبلية. لكن يؤكد أصفهاني أن كلا الجانبين يلعبان لعبة انتظار، لكنهم بذلك يقرؤون إشارات مختلفة؛ حيث يفهم البعض في الولايات المتحدة الأمريكية ألم الناس العاديين على أنه قنبلة موقوتة ستضطر الحكومة الإيرانية في النهاية إلى نزع فتيلها، في حين يضع مكتب المرشد الأعلى الإيراني عينه على تداعيات الآمد الطويل؛ حيث قد تكون المعاناة قصيرة الأمد ثمناً يستحق دفعه مقابل الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل.

أولاً- معضلة العقوبات

لقد تحققت العديد من التوقعات الأمريكية الأكثر تشددًا بشأن الاقتصاد الإيراني، ولكن بطريقة كلفت الشعب الإيراني كثيرًا ولم تكسب واشنطن سوى القليل جدًا؛ حيث تسببت العقوبات في انخفاض قيمة العملة الإيرانية، وارتفاع نسبة التضخم، فضلاً عن التدهور الاقتصادي، الأمر الذى أدى إلى تصاعد احتجاجات بالفعل، لكن هؤلاء قوبلوا بقمع مميت في نوفمبر 2019 ولم يجعلوا السلطات في طهران أكثر خضوعًا؛ حيث تراجعت مستويات المعيشة في إيران، تدريجيًا في البداية ثم تراجعت دفعة واحدة. فابتداءً من منتصف التسعينيات، تمتعت البلاد لمدة 15 عامًا بمستويات المعيشة المرتفعة وانخفاض كبير في معدلات الفقر، ثم فرض الرئيس باراك أوباما عقوبات ثانوية على إيران في عام 2011، مما أدى إلى عقد من التدهور الاقتصادي من خلال القضاء على المكاسب السابقة التي حققتها البلاد: ففي الاثني عشر شهرًا المنتهية في 20 مارس 2020 ، وجد الإيرانيون أنفسهم قادرين على شراء نفس القدر - في المتوسط - ​​ كما فعلوا قبل 15 عامًا. وتعرضت الأسر الريفية لمزيد من التراجع حتى عام 1998، وانضم أكثر من 4 ملايين شخص إلى صفوف الفقراء منذ عام 2012، ثلاثة أرباعهم منذ أن أعاد ترامب فرض العقوبات على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو لعام 2018.

وفي عام 2011 ، ساعد الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد في تهدئة آلام العقوبات من خلال إصدار تحويلات نقدية للمواطنين، ولكن في المقابل، لم تقدم حكومة الرئيس حسن روحاني الكثير من المساعدات؛حيث أصابت عقوبات ترامب المصدر الرئيسي للدخل الحكومي المتمثل في عوائد النفط، الأمر الذى جعلها أصعب بكثير من سابقاتها، ورغم استمرار التحويلات النقدية التي بدأت في عام 2011، لكنها باتت لا تساوي 19 دولارًا فقط للفرد شهريًا في تعادل القوة الشرائية بالدولار الأمريكي، بانخفاض يعادل 90 دولارًا في بدايتها. أما التحويلات الحكومية الأخرى، التي يتأهل لها الفقراء بشكل أساسي، فهي أصغر ، حيث يبلغ متوسطها 6 دولارات شهريًا بنسبة 20 % كحد أدنى من توزيع الدخل.

وعليه، يتضح إن قيادة الجمهورية الإسلامية ليست غير مبالية بمحنة مواطنيها - وخاصة الفقراء - لكنها منقسمة بشأن الضرورة الملحة لإنهاء العقوبات؛ حيث انتُخب المعتدل روحاني، في عامي 2013 و 2017 بناء على وعود بإنهاء العقوبات الأمريكية وإصلاح العلاقات مع الغرب، لكن الواضح أن  روحاني حريص على اغتنام وعد بايدن بإحياء الاتفاق النووي لأنه يعتقد أن طريق إيران إلى الازدهار الاقتصادي يمر عبر التكامل العالمي والسلام مع العالم الغربي، وبالتالي، سيكون الاتفاق أكثر قدرة على البقاء إذا تمكن روحاني من فعل ذلك قبل انتخاب رئيس جديد محافظ على الأرجح في انتخابات الرئاسة القادمة في يونيو 2021.

وعلى الناحية الأخرى، يصطف المحافظون ضد هذا الرأي؛ حيث لم يعجب البعض في هذا المعسكر أبدًا بالاتفاق النووي، في حين يتنافس آخرون فقط على المناصب ويرغبون في أن يكونوا ممن يملكون زمام الأمور للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن لا يزال آخرون - ومن بينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي - يقدرون التكنولوجيا المتقدمة والتكامل العالمي لكنهم يسعون لإثبات أن إيران يمكن أن تحقق هذه الأشياء دون إعادة توجيهها نحو الغرب، فضلاً عن إنها ستواصل تحدي الهيمنة الأمريكية في جوارها بغض النظر عن العقوبات والضغوط القصوى. وتجادل هذه المجموعة أيضًا بأن العقوبات ستساعد  إيران على تقليل اعتمادها على النفط وعلى الغرب، الأمر الذى ينتهى  بفكرة "اقتصاد المقاومة" التى صاغها المرشد الأعلى لأول مرة في عام 2014.

ثانيًا- اقتصاد المقاومة

لا ينظر المحافظون الإيرانيون إلى مستويات المعيشة لتأكيد رؤيتهم بعدم جدوى الاتفاق النووي ولكن إلى أداء الاقتصاد بشكل عام؛ حيث أعلن البنك المركزي الإيراني في بداية مارس 2021 أن إيران حققت نموًا اقتصاديًا إيجابيًا للأشهر التسعة المنتهية في 20 ديسمبر 2020. في حين تشير تقديرات المركز الإحصائي لإيران أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض لفترة التسعة أشهر بنسبة 1.2٪ مقارنة بـ في الفترة نفسها من العام الماضي، على الرغم من ارتفاعها في الربع الأخير بنسبة 0.8 % عن الخريف السابق.

ليس من المستغرب أن يكون قطاع النفط الإيراني هو الأكثر تضررًا ، لكن فكرة اقتصاد المقاومة تنحرف بالتحديد عن التخلص من اعتماد البلاد على النفط. قبل ثلاثة عقود ، كان النفط يمثل أكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، بينما انخفضت هذه الحصة في 2020 إلى 15%.وفي السياق ذاته، تمكنت جميع القطاعات الأخرى من الحفاظ على مستويات إنتاجها وتوظيفها ثابتة في ظل العقوبات، حتى أن التصنيع قد تحسن؛ حيث أدت عقوبات ترامب إلى انخفاض هائل في قيمة العملة، مما جعل الواردات أقل تكلفة، وساهم التصنيع المحلي في ردء بعض الفجوات، وزادت معدلات الإنتاج والتوظيف والمبيعات المحلية.

رغم أن هذه المكاسب المتواضعة قد لا تكون دليلاً على ولادة اقتصاد المقاومة، لكن مؤيدي هذه الرؤية يعتقدون أنه مع مرور الوقت، وخاصًة في ظل العقوبات، قد تصبح قضية الاستقلال الاقتصادي لإيران أكثر إقناعًا للجماهير داخل وخارج إيران، وبالتالي، فإن العقوبات ليست مجرد أدوات للمعاناة قصيرة المدى، بل هي الحافز المحتمل لمستقبل أكثر استدامة.لكن يؤكد الكاتب على أن ما قد لا يعترف به بينهم هو أن بقاء العقوبات، من الممكن أن يؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في المستقبل المنظور. ورغم أن النمو البطيء قد يكون مستدامًا بينما تنتظر إيران لترى ما ستفعله الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن، إلا أنه على المدى الطويل، يجب على الجمهورية الإسلامية الوفاء بالميثاق الاجتماعي الذي استمر لمدة أربعة عقود: أي يجب أن تعود إلى نوع النمو الاقتصادي المستدام والحد من الفقر الذي شهدته البلاد قبل العقوبات، وللقيام بذلك، سيتطلب من إيران التوفيق بين طموحاتها السياسية - كقوة إقليمية يمكنها تحدي الولايات المتحدة الأمريكية - مع هدفها الاقتصادي المتمثل في تحقيق النمو.

والجدير بالذكر، إن مفهوم اقتصاد المقاومة كما تتم مناقشته في إيران لا يعني الاكتفاء الذاتي، بل يعترف بالحاجة إلى أن تستبدل إيران إمداداتها الوفيرة من النفط والغاز بالواردات والتقنيات الجديدة. كما إن الدعوة إلى "التوجه شرقًا"، كما حث المرشد الأعلى، قد لا تقدم حلاً لأحجية إيران؛ حيث لم يساعد الشرق كثيرًا في محاربة عقوبات ترامب. فرغم اعتبار روسيا مصدراً للمواد الهيدروكربونية إلى جانب الأسلحة ، لكن ليس لديها الكثير لتقدمه لإيران، في الوقت الذى تجنبت فيه القوى الاقتصادية الآسيوية مثل الصين والهند واليابان وكوريا التجارة الرسمية مع إيران، خوفًا، من فقدان الوصول إلى الأسواق الأمريكية.

في النهاية: يؤكد الكاتب على إنه طالما أن الجمهورية الإسلامية قادرة على إدارة واحتواء استياء مواطنيها، فإن توقع بلينكين بأن تخفيف العقوبات هو "طريق طويل" قد لا يبدو وكأنه أخبار سيئة لمعارضي الاتفاق النووي في إيران. ولكن لتحقيق اقتصاد مقاومة فاعل، تحتاج إيران إلى الاتفاق النووي، ولهذا السبب، قد تمضي المفاوضات قدمًا حتى بعد انتخابات يونيو التي ستنذر برحيل حكومة روحاني ووزير خارجيتها القدير محمد جواد ظريف.

Djavad Salehi-Isfahani, The Dilemma of Iran’s Resistance Economy: Imperviousness to Sanctions Will Require Growth, Foreign Affairs, March 17, 2021, available at https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-03-17/dilemma-irans-resistance-economy

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟