المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

اللامركزية الشكلية...والاستراتجية الروسية لمواجهة (كوفيد 19)

السبت 06/يونيو/2020 - 07:49 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
ألكسندر بونوف: عرض- مرﭬت زكريا

يجب على المعارضة الروسية التى لطالما وصفت نظام الحكم بالاستبدادى، واعتادت مقارنة نظام الرئيس فلاديمير بوتين بشكل غير مواتٍ مع الديمقراطيات  الغربية الأكثر فعالية، أن تتقبل إخفاقات الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تفوق عدد كبير  من دول  العالم فيما يتعلق بحالات الإصابات والوفيات. لكن يشير  زميل مركز كارنيجى بموسكو ألكسندر بونوف إلى أن الدولة الروسية قدمت نموذجًا يحتذى به فيما يتعلق بتفويض السلطات على المستوى المحلى لمواجهة أزمة تفشي فيروس (كوفيد 19) المعروف بكورونا، على الرغم من وجود بعض السلبيات بداخله.

فعندما تفشى وباء كورونا في روسيا، تصادف ذلك مع حدوث مناسبتان عامتان كانت الأولى يوم 22 إبريل الذى كان مقرر فيه إجراء استفتاء على التغييرات الدستورية التي تهدف إلى تعزيز سلطاته، والثانى يوم 9 مايو (يوم النصر أو العيد الوطنى الروسي)، توقع العديد من الروس أن يتمسك بوتين بهذه المناسبات على حساب السلامة العامة، كنظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الذى أقام عرضًا عسكريًا لبلاده في 9 مايو ، بل وواصل الدوري الوطني لكرة القدم كالمعتاد. لكن بوتين فاجأ الجميع بإرجاء  الاستفتاء وإلغاء الاحتفال باليوم الوطنى.

كان عدد حالات COVID-19 في روسيا منخفضًا في البداية،الأمر الذى دفع بعض المشككين إلى التكهن بأن بوتين شارك في التستر على هذا الأمر  على غرار واقعة تشيرنوبيل، لكن هدأت هذه الأصوات عندما بدأت السلطات الروسية في الكشف علنًا عن عدد متزايد من الحالات وصل إلى ما يقرب من 300000 حالة في جميع أنحاء البلاد بحلول منتصف مايو. ولكن استقرت الزيادة اليومية في الإصابات عند حوالي 10000 حالة جديدة في جميع أنحاء البلاد، مع تواجد 5000 حالة في موسكو، أكثر المناطق سكانًا وتضرراً من تفشي هذه الجائحة، وبدأ عدد الإصابات الجديدة في الانخفاض بشكل طفيف، مما يشير إلى أن الذروة قد انتهت.

لا شك في أن بوتين وجد في هذا الوباء فرصة جيدة لروسيا لاثبات تفوقها على العديد من الديمقراطيات الغربية؛ ففي مارس سارعت الصين وروسيا إلى إرسال بعض المساعدات الطبية إلى كل من حلفائها التقليديين والديمقراطيات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. ويشير الكاتب إلى أن هذه المساعدة لم تكن مجرد تعبير عن التضامن، بل أداة لإبراز القوة الناعمة وإظهار التفوق، ولكن في غضون أسابيع قليلة، كانت روسيا تتلقى أجهزة تنفس صناعى كمساعدة من واشنطن.

في البداية، كانت خسارة روسيا جزئية؛ حيث أصاب الوباء موسكو  في وقت متأخر عن الوقت الذى أصاب فيه دولًا أخرى، كان بإمكان موسكو الحصول على دروس من الخارج من أجل الاستعداد بشكل أفضل، لكنها لم تفعل ذلك. فكثيراً ما تحدث المسؤولون الروس عن التمحور نحو الشرق والسعي إلى تحالف مع الصين، ولكن عندما تفشت الجائحة كانت روسيا من أولى الدول التى سعت لإغلاق حدودها مع الصين والدول الآسيوية الأخرى، لكنها كانت بطيئة جدًا في فعل الشيء نفسه مع الغرب، ونتيجة لذلك، وصل الفيروس إلى الشرق الأقصى الروسي ليس من الصين بل من أوروبا.

وفي هذا السياق، يشير الكاتب إلى إنه على الرغم من فرض موسكو إجراءات الإغلاق والقيود والغرامات بشكل كبير، لكن لم تحتاج السلطات الروسية إلى بذل الكثير من الجهود في هذا الإطار؛ حيث حيث قامت بتتبع حركات الأشخاص الذين يستخدمون رموز QR والسيارات التي تستخدم كاميرات المراقبة، وكانت الشوارع فارغة لأنه لم يكن هناك مكان للذهاب إليه، أجبر بوتين أصحاب الأعمال على وضع القوى العاملة في عطلة مدفوعة الأجر، وتم اغلاق المتاجر والمطاعم.

على الرغم من أن بوتين يبدو وكأنه اغتنم فرصة هذه الجائحة لإظهار بعض اللامركزية أو  القيادة القوية للجمهور، إلا أن تدخلاته ظهرت على أنها متأخرة ومربكة؛ حيث لم يلق خطابه الأول حول تفشي الوباء إلا في 25 مارس 2020، بعد ثلاثة أيام من إعلان عمدة موسكو "سيرجي سوبيانين" عن إجراءات تقييدية للسيطرة على انتشار الفيروس. من تلك النقطة، بدا وأن المعلومات وحتى القيادة تنبع من موسكو بدلاً من الحكومة المركزية، حتى أن بوتين لم يعلن حالة الطوارئ وبدا وكأنه يتتبع سير الأحداث بدلاً من كونه المتحكم الرئيسي فيها.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الموضوع، هو أن تحفظ بوتين العام قد امتد إلى سلوكه فيما وراء الكواليس، فهو القائد الذي كان يتوقع المرء أن يعمل على تعزيز سلطاته في هكذا أزمة، لكنه بدلاً من ذلك أعاد الكثير من سلطات اتخاذ القرار إلى حكام الأقاليم، لذا، تبدو  هذه الخطوة مثيرة للفضول بشكل كبير لأنه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، عمل بوتين باستمرار على نزع السلطة من المحليين وإسنادها إليه، ولكن عندما تكون الأخبار قاتمة والسياسات مقيدة، يختار بوتين الحكام المحليين للعب دور الأشرار المسؤولين عن فشل الرعاية الصحية والقيود الشخصية، واختار لنفسه دور المحسّن، المانح للأجازات مدفوعة الأجر والإعانات المالية.

وعليه، يؤكد الكاتب على أن اللامركزية الصورية التى ظهرت أثناء الاستجابة الروسية للوباء، لم تضر هيبة بوتين فقط، بل ساعدت على تكثيف الصراع على السلطة بين فصائل نظامه أيضًا؛ حيث أضعف الوباء منصب رئيس الوزراء المعين مؤخرًا "ميخائيل ميشوستين" الذي كان يُنظر إليه لفترة من الوقت على أنه خليفة محتمل لبوتين، ولاسيما بعد أن أصيب بالفيروس، مما أدى لاختفائه تمامًا خلف الكواليس. كما تقع موسكو في قلب أعنف قتال بين الفصائل السياسية، بميزانيتها الضخمة ومكانتها المؤثرة كعاصمة للدولة؛ حيث يرى العديد من اللاعبين أن الأزمة باتت بمثابة فرصة سانحة لإزاحة عمدة مدينة موسكو "سرغي سوبيانين" والاستيلاء على منصبه.

في النهاية: كشف الوباء عن مدى تعقيد هيكل العالم؛ حيث تبين أن أنماط الحياة والأنشطة الترفيهية والثقافة اليومية أكثر أهمية من الأنظمة السياسية في احتواء الفيروس أو عدم احتوائه؛ حيث يمكن للديمقراطيات إعادة ضبط نفسها بتغيير الحكومات من خلال الانتخابات، وهو الأمر الذي جعل مستقبل بوتين السياسي مرهونًا بعوامل لا يمكن التنبؤ بها مثل إنحسار وباء كورونا والانتعاش الاقتصادي العالمي.  

Alexander Baunov, Where Is Russia’s Strongman in the Coronavirus Crisis? Putin Lets Local Leaders Take the Credit and the Fall, Foreign Affairs, May 27, 2020, available at :

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟