المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

استعادة الدور .. أوروبا بين الاعتماد على تركيا والبحث عن دور جديد في سوريا

الخميس 19/مارس/2020 - 02:31 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

عقدت كل من دول الاتحاد الأوروبي وتركيا اجتماعًا في 9 مارس 2020 حول الأوضاع الخاصة باللاجئين وذلك بعد العملية العسكرية التي قام بها الجيش العربي السوري في منطقة إدلب في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من جانب تركيا، وهو ما تسبب في زيادة عدد النازحين من مناطق المواجهة إلى الحدود التركية، وهذا الأمر استثمرته تركيا في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي لتقديم دعمًا لها في مواجهة هذه العمليات،  ولعل موقف حلف الناتو والدول الأوروبية من هذه العمليات ظهر بصورة واضحة بعدما رفضت التدخل المباشر وغير المباشر في هذه الأزمة بعدما اقتنعت الدول الأوروبية بأن تركيا لم تعد تحافظ على المصالح الأوروبية بعدما حاولت منذ توقيع اتفاق اللاجئين في عام 2016، استغلال هذا الملف لتعزيز مكاسبها الداخلية والخارجية.

وبناء عليه يمكن الإشارة هنا إلى الكثير من الانعكاسات سواء على مستوى العلاقات الأوروبية التركية أو على مستوى الدور الأوروبي في مواجهة أزمة اللاجئين والسياسة التركية في الأزمة السورية، وذلك بعدما طلبت كل من اليونان وبلغاريا اللتان تواجه احتشادًا للمهاجرين على حدودهما مع تركيا بسبب قيام الأخيرة بفتح حدودها مع العضوين في الاتحاد الأوروبي المحاذيتين لها، في مسعى للضغط على الاتحاد الأوروبي، والحصول على دعمه في العملية العسكرية في سوريا، ويظل هذا ضمن الخلاف بين الجانبين في ملفات عديدة، أبرزها مخاوف الدول الأوروبية البارزة من إصرار أنقرة على التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية لجزيرة قبرص المقسمة، والتي لا يعترف الاتحاد الأوروبي، بشطرها الشمالي، بوصفه دولة ذات سيادة، يحق لها الحصول على نصيب من موارد النفط في مياهها الإقليمية. لذلك، ففي الوقت الذي كانت فيه أنقرة تطلب الدعم الأوروبي في مواجهة النفوذ الروسي في إدلب السورية؛ حيث كان للاتحاد الأوروبي يصدر عقوبات ضد مسؤولين أتراك على صلة بالتنقيب التركي عن النفط، في مياه قبرص الإقليمية.

استثمار أزمة اللاجئين

يعد ملف اللاجئين من أهم الملفات المرتبطة بالأمن الأوروبي لما له من تأثيرات عديدة على مصالح الدول الأوروبية والذي تحاول تركيا برغم اتفاق الجانبين على هذه القضية استثمار الموجات المتزايدة من تدفق اللاجئين للضغط على السياسات الأوروبية تجاهها، وضمن هذا السياق فقد أكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل على احترام الاتفاق المبرم بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في  عام 2016 بشأن الحد من تدفق المهاجرين إلى دول الاتحاد وهو الأمر الذي لم تلتزم به تركيا، ويجب الإشارة هنا إلى أن تركيا تستضيف نحو 3.6 مليون لاجئ من سوريا وأوقفت مد الهجرة لأوروبا بموجب اتفاقية اللاجئين  هذه، مقابل مساعدات تقدر بـــ 4.7 مليار يورو من أصل 6 مليارات تعهد الاتحاد الأوروبي منحها لها، صرف منها 3.2 مليارات وفق المفوضية الأوروبية.

وبالفعل أعلن شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي استعداد الاتحاد لزيادة الدعم الإنساني لمنطقة إدلب في شمال غرب سوريا وهي من آخر المناطق التي تسيطر عليها معارضة مدعومة من تركيا تقاتل قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من موسكو، وعلى الرغم من ذلك إلا أن العلاقات بين الجانبين الأوروبي والتركي تشهد توترات متصاعدة؛ حيث توترت العلاقات بينهما منذ أن قام أردوغان بحملة كبيرة ضد المعارضين له في تركيا في أعقاب محاولة انقلاب فاشلة على حكمه في 2016، وفي الفترة الأخيرة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أنقرة بسبب عملياتها بالتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، كما أن العلاقات متوترة بين كل من تركيا واليونان العضو في الاتحاد الأوروبي بسبب هذه العمليات أيضًا.

وحاولت تركيا العمل على تعزيز موقفها من خلال حلف شمال الأطلسي الناتو من خلال إعلانه بأنه على حلف الناتو دعمها غير المشروط بعدما أدت العملية العسكرية التي يشنها الجيش العربي السوري في منطقة إدلب، آخر معقل لمجموعات معارضة وجهادية، بدعم من موسكو، إلى كارثة إنسانية مع نزوح أكثر من مليون شخص إلى مناطق محاذية لها وتخشى أنقرة دخولهم إلى أراضيها.

ويزيد من أهمية تركيا بالنسبة لتهديد الأوضاع الأوروبية كون الدول الأوروبية تعتمد على تركيا لوقف تدفق المهاجرين ومنع عودة ظهور أزمة أضعفت السلطة السياسية للكتلة الأوروبية قبل خمس سنوات، وحفّزت صعود الحركات اليمينية والعنصرية عبر القارة، وهو ما تم من خلال الاتفاق مع تركيا في مارس 2016، للحد من عدد المهاجرين الذين يدخلون إلى اليونان عبر تركيا، ومعظمهم سوريون قادمون من بلدهم الذي تمزقه الحرب، مقابل مليارات اليوروهات من المساعدات، وضمن السياق ذاته فقد أدت العملية العسكرية المشتركية بين سوريا وروسيا إلى مقتل 33 جنديًا تركيًا في إدلب، وعلى أمل الضغط على أوروبا من أجل الحصول على مساعدة في سوريا، سمحت تركيا للمهاجرين بالتدفق غربًا. وأعلن أردوغان بأن تركيا تواجه الآن عددًا كبيرًا من اللاجئين ولا تملك القدرة على تحمل موجة ثانية من اللاجئين.

الخيارات الأوروبية في مواجهة تركيا

هناك مسارات عديدة يمكن للاتحاد الأوروبي الاعتماد عليها في مواجهة السياسات التركية تجاه ملف اللاجئين في سوريا وهذه الاتجاهات تتراوح ما بين العمل على مواجهة هذه الضغوط أو من خلال البحث عن دور أكثر تأثيررًا في هذه الأزمات بما يتناسب مع مصالحها دونما الاعتماد عليها، وضمن هذا الإطار يسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا لإيجاد صيغة ناجعة للتعامل مع أزمة اللاجئين على حدوده بعد أن ألغت تركيا رقابتها على الحدود، في مسعى منه لمنع تكرار موجة اللجوء الكبيرة عام 2015، وتجنب تكرار فوضى تدفق المهاجرين في عامي 2015 و2016 لاتخاذ موقف بعدما قالت تركيا إنها لن تلتزم بعد الآن باتفاق مبرم عام 2016 كانت تمنع بموجبه اللاجئين والمهاجرين من التوجه إلى أوروبا، ومن ثم برزت العديد من الخيارات من أهمها:

1) تقديم مساعدات إنسانية

                أعلن الاتحاد الأوروبي وفق شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، عن استعداد  دول الاتحاد لزيادة الدعم الإنساني الموجه للاجئين ودعم تركيا ماليًا وفق الاتفاق بينهما الذي تم توقيعه في مارس عام 2016، ولكن هذه الخطوة من جانب الاتحاد جاءت كمرحلة أولية لمواجهة السياسة التركية تمهيدًا للقيام بخطوة أخرى أكثر تأثيرًا في ظل حالة الضعف الأوروبي بسبب اعتماده السابق على تركيا في هذا الملف، ومن ثم  سوف تتجه دول الاتحاد إلى تقديم المزيد من الأموال لأكثر من 3 ملايين لاجئ تستضيفهم تركيا، وتكثيف المساعدات الإنسانية داخل سوريا، ودعم اليونان وبلغاريا في خط المواجهة في مراقبة الحدود الخارجية له.

2) إنشاء مناطق آمنة

                رفضت دول الاتحاد الأوروبي من قبل إنشاء مناطق آمنة تخضع للنفوذ التركي في سوريا بسبب عمليتها العسكرية السابقة في أكتوبر 2019، داخل المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ولكن في ظل تزايد حجم الضغوط المباشرة التي يتعرض لها دول الاتحاد فمن الممكن أن توافق بصورة مرحلية على هذه السياسة بسبب هذه التهديدات، وكامتداد للخيار الأول فمن الممكن أن يتم الاتجاه نحو التماشي مع السياسة التركية من منطلق عدم قدرة دول الاتحاد في مواجهة التهديات التركية بعدما فتحت الأخيرة حدودها أمام تدفق الاجئين من خلال حدودها مع اليونان وبلغاريا.

3) استمرار التفاوض مع تركيا

                إن مواصلة المفاوضات خيار لا يمكن استبعاده مع أنقرة برغم الخلافات المتصاعدة بينهما ؛ حيث أن هناك توجه أوروبي نحو الاقتناع بأهمية التعاون مع تركيا لمواجهة الارتدادات السلبية للأزمات الإقليمية، وبخاصة موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية وقضية العائدون من التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش وزيادة مخاوف دول الاتحاد من احتمال وقوع هجمات إرهابية داخل الأراضي الأوروبية في ظل الإدراك الأوروبي بأهمية تركيا في حماية حدودها.

4) فرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية

                شهدت العلاقات التركية الأوروبية مراحل متعددة من التوتر والتي شهدت تصاعدًا خلال المرحلة السابقة؛ حيث  وقع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي 11 نوفمبر 2019 على الإطار القانوني الذي يسمح بفرض عقوبات على تركيا على خلفية أنشطة التنقيب عن الغاز التي تقوم بها قبالة سواحل قبرص. ويهدف القرار لمعاقبة أنقرة على انتهاك المنطقة الاقتصادية البحرية القبرصية بالحفر قبالة الجزيرة المقسمة، وتعكس هذه الخطوة تدهور علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، كما أنها تأتي بعد قرار منفصل بوقف مبيعات السلاح الجديدة من حكومات الاتحاد الأوروبي لأنقرة بسبب توغلها في 9  أكتوبر 2019  في شمال شرق سوريا حيث استهدفت المقاتلين الأكراد، ومن ثم تظل سياسة العقوبات أداة مهمة في سياسة دول الاتحاد لمواجهة السياسة التركية التي تستهدف الضغط عليه.

5) القيام بدور إقليمي مؤثر

                قد تتجه دول الاتحاد الأوروبي إلى زيادة مستوى تعاونها مع الكثير من الدول المؤثرة في الأزمة السورية بما يحقق مصالحها هناك، وتقليل اعتمادها على تركيا في هذه الملفات، ومن ثم الانخراط في الأزمة السورية بصورة أكثر تأثيرًا، سواء بالتعاون مع الولايات المتحدة أو مع الجانب الروسي الذي يمتلك نفوذًا كبيرًا في ظل الارتباط الكبير والمؤثر ما بين انعكاسات تفاقم الوضع في سوريا على الأمن الأوروبي، وهو ما يمكن أن يتم بصورة متصاعدة من خلال المشاركة الأوروبية في تسوية الأزمة السورية والمشاركة في مشروعات إعادة الإعمار لمواجهة أزمتي اللاجئين والتنظيمات الإسلامية المتطرفة.

                ختامًا: يبقى أمام الدول الأوربية العديد من الخيارات سواء على مستوى علاقاتها مع تركيا أو فيما يتعلق بنفوذها الإقليمي في الأزمة السورية، وهو الأمر الذي سوف تتضح ملامحه في المرحلة القادمة.

المراجع:

1) أوروبا تبحث خيارات مواجهة تدفق اللاجئين عبر تركيا، على الرابط:

http://algiwarpress.com/news/news.aspx?id=12968

2) خيارات الاتحاد الأوروبي في مواجهة تدفق المهاجرين من تركيا، على الرابط:

https://ahvalnews.com/ar/khyarat-alathad-alawrwby-fy-mwajht-tdfq-almhajryn-mn-trkya/trkya-walathad-alawrwby

3) طوفان لاجئين تلوّح به تركيا.. ما هي خيارات أوروبا؟، على الرابط:

https://www.eqtsad.net/news/article/29237/

4) إردوغان ينتقم لـ"مجزرة إدلب" من أوروبا!، على الرابط:

 https://cutt.us/n5Sls

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟