المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

اللاجئون السوريون بين التلاعب التركي والرفض الأوروبي

الأحد 08/مارس/2020 - 12:30 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت جزيرة ليسبوس اليونانية، والتي لا تبعد كثيرًا عن الساحل التركي و"نقطة ساخنة" للاجئين القادمين من تركيا، توترات وعنفًا غير مسبوقين عقب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول فتح الحدود التركية الذي سيزيد من حدة التوتر بين البلدين بشكل خاص وبين تركيا وأوروبا بشكل عام. وفي هذا التقرير سيتم عرض كيف استغلت أنقرة لسنوات عدة قضية اللاجئين واستخدمتها كسلاح لابتزاز الاتحاد الأوروبي، وعرض ردود الفعل الأوروبية على ذلك وتأثير قرار أردوغان على اليونان وبلغاريا المتخامتين لتركيا.

استغلال تركي لقضية اللاجئين

كثيرًا ما يقوم أردوغان باستخدام ملف اللاجئين كأداة ضغط للحصول على الدعم الأوروبي ماديًا وعسكريًا بما يمكنه من تحقيق مخططاته في المنطقة، وحينما تراجع هذا الدعم قام يوم 28 فبراير، بفتح الحدود مهددًا أوروبا بوصول ملايين المهاجرين إليها بعد فتحها مخلًا بالاتفاق الذي أبرمه مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 (1). ويأتي فتح الحدود من جانب تركيا في وقت تسعى فيه للحصول على الدعم في سوريا، رغم تبرير أنقرة فتح الحدود بعدم قدرتها على مواجهة موجة هجرة جديدة، حيث شنت عملية عسكرية كبيرة تسمى "درع الربيع" ضد نظام بشار الأسد، بعد أن تكبدت خسائر فادحة. فأسقطت القوات التركية طائرتين سوريتين وقتلت عشرات الجنود مما دفع النظام السوري –المدعوم من روسيا- لصد هذا الهجوم بشن هجوم مماثل لاستعادة محافظ إدلب –آخر معاقل المتمردين والجهاديين في سوريا-.

بعدما وجدت تركيا نفسها وحيدةً في هذا الهجوم العسكري وتخلي روسيا عنها بدعمها النظام، قرر الرئيس أردوغان استخدام 3.7 مليون مهاجر ولاجئ موجودين على أرضه كعملة للحصول على دعم أوروبي في عملياته في سوريا وحث حلفائه في الناتو على الانضمام إليه على الجبهة السورية. ويوكد هذا الاحتمال توقيت إصدار القرار فتح الحدود، حيث أتى بعد مقتل 33 جنديًا تركيًا في غارات جوية منسوبة للنظام السوري يوم 28 فبراير (2)، وبعد ساعات قليلة تم تشجيع المهاجرين الموجودين في تركيا على الانتقال إلى الحدود البرية لليونان وبلغاريا.

على إثر هذا القرار استمر الآلاف من المهاجرين في التدفق إلى الحدود بين تركيا واليونان على أمل العبور، على الرغم من التدابير الحثيثة التي اتخذتها أثينا، والتي أطلقت قواتها قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. وتمكن 1300 طالب لجوء من الوصول إلى جزر بحر إيجة حتى يوم 2 مارس (3). واستغل الرئيس أردوغان سياسات اليونان لوقف التدفق، فاتهمها بقتل اثنين من المهاجرين والتسبب في إصابة ثالث بجروح خطيرة دون إثبات اتهاماته، ونشرت أنقرة مقطع فيديو "مزيف" يظهر خفر السواحل اليونانية يقومون بإطلاق طلقات تحذيرية.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الرئيس أردوغان الاتحاد الأوروبي كي يدعمه في سوريا، ففي 10 أكتوبر 2019 قال إنه إذا حاول الاتحاد تأطير عمليات تركيا كغزو فإنه سيقوم بفتح الحدود ويرسل 3.7 مليون مهاجر، وذلك ردًا على الانتقادات الأوروبية للهجوم التركي في شمال سوريا. 5 سبتمبر هدد بفتح الحدود إذا لم يتلقى الدعم الدولي لإنشاء منطقة آمنة للاجئين(4)، وكرر هذا الخطاب ضد القادة الأوروبيين عدة مرات منها خطابه في شهر نوفمبر من ذات العام الذي قال فيه "سواء تلقينا الدعم أم لا، فسوف نستمر في مساعدة الضيوف الذين نستضيفهم، لكن إذا لم ينجح ذلك، فسيتعين علينا فتح الأبواب" (5). توضح جملة هذه التصريحات العدوانية أن استغلال المهاجرين السوريين أصبح مكونًا أساسيًا وأداة في يد حزب العدالة والتنمية لجني المكاسب رغم ادعاء رئيسه التفوق الأخلاقي على غيره من قادة الدول من خلال التأكيد في السابق على الميزة الإنسانية لسياسة الباب المفتوح "الصديقة للاجئين"، كالتزام أخلاقي مستمد من التقاليد الإسلامية. لكن في الواقع حول الرئيس أردوغان السوريين إلى أسلحة ضد الاتحاد الأوروبي، وأصبح تسليح اللاجئين –أي استخدامهم كسلاح- سمة أساسية في تعريف التفاعلات بين تركيا وأوروبا بما سمح لأنقرة بجني فوائد جمة من مساوماته مع الاتحاد الأوروبي.

ردود الفعل الأوروبية

أوضحت ردود الأفعال الأوروبية أن محاولة الضغط التركي لم تنجح في تحقيق الأهداف المتوقعة. فخلال اجتماعهم بناءً على طلب تركيا يوم 28 فبراير، لم يقدم أعضاء الناتو أي وعد ملموس حقيقي بمساعدة تركيا في سوريا (6). وشجبت دول الاتحاد الأوروبي "الابتزاز غير المقبول" من جانب تركيا لها للحصول على الدعم في سوريا مستغلة القلق الأوروبي من حدوث أزمة هجرة مماثلة لأزمة عام 2015. فقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنه "من غير المقبول" أن تمارس تركيا ضغوطًا على الاتحاد الأوروبي "على حساب اللاجئين". وحذر المفوض الأوروبي للهجرة مارجريتس شيناز من أن "لا أحد يستطيع ابتزاز الاتحاد الأوروبي". وفي مواجهة أردوغان ولإظهار تضامنهم توجه قادة المؤسسات الأوروبية إلى المناطق الحدودية في اليونان يوم 3 مارس، كما أعلنت وكالة مراقبة الحدود الأوروبية أنها نشرت تعزيزات ورفعت مستوى التأهب عند الحدود اليونانية التركية. وقد تقرر عقد اجتماع استثنائي لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في بروكسل في يوم 4 مارس لمساعدة اليونان وبلغاريا. وفي هذا السياق أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تضامن فرنسا الكامل مع هاتين الدولتين المتاخمتين لتركيا ورغبته في تقديم مساعدة سريعة وحماية الحدود كجزء من الجهود الأوروبية، ورفضه لابتراز أوروبا (7).

توترات في اليونان وتأهب في بلغاريا

عقب تصريحات الرئيس أردوغان، بدأ إضراب عام قاده الحركات اليمينية المتطرفة في اليونان تحت شعار "نريد عودة جزرنا، نريد عودة حياتنا" في إشارة إلى وجود رفض شعبي لوجود اللاجئين وتدفقهم إلى اليونان. هذا الرفض ليس شعبيًا فقط بل حكوميًا أيضًا؛ فقد حاولت الحكومة المحافظة منذ توليها السلطة في يوليو 2019 وقف عمليات نقل المهاجرين واللاجئين إلى أثينا عبر وضع قانون جديد للجوء يكاد يكون من المستحيل استيفاء شروطه، وقد أعلن كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء اليوناني عن رفضه السماح لطالبي اللجوء بالانضمام إلى القارة، وترحيل جميع الذين تم رفض طلباتهم. وفي مواجهة هذه الموجة الجديدة من الهجرة، قرر مجلس الأمن القومي اليوناني رفع مستوى الحماية الحدودية إلى الحد الأقصى بزيادة تعزيز الدوريات على الحدود البحرية والبرية في الشمال الشرقي لليونان، وأعلن ميتسوتاكيس أن بلاده ستنشر حوالي 4000 جندي وشرطي بالإضافة إلى طائرات بدون طيار على الحدود الشمالية وتم إرسال 52 قاربًا، بما في ذلك سفن حربية، للقيام بدوريات في بحر إيجه  لحماية الحدود في مواجهة تدفق الآلاف من المهاجرين من تركيا.

وأعلنت الحكومة اليونانية أنها سترفض لمدة شهر تلقي أي طلب لجوء جديد قدمه مهاجرون دخلوا أراضيها بطريقة غير قانونية. وأنشأت أثينا أيضًا نظامًا نصيًا تلقائيًا للهواتف المحمولة الأجنبية التي تقترب من الحدود، مع الرسالة التالية: "لا يمكن لأحد عبور الحدود اليونانية، سيتم حظر أولئك الذين يحاولون الدخول بطريقة غير قانونية". كما قامت القوات اليونانية بمنع عشرة آلاف مهاجر من العبور واعتقلت حوالي 200 شخص، وقامت الشرطة باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه بما دفع المهاجرون للرد عليها وهو ما تسبب في اندلاع العنف على الحدود البرية (8).

وفيما يتعلق ببلغاريا، فقد قررت السلطات إرسال قوات إلى حدودها البرية والبحرية مع تركيا في ذات اليوم الذي أعلن فيه الرئيس أردوغان عن فتح الحدود، وأعلنت نشر تعزيزات على الحدود لمنع أي محاولات لتدفق اللاجئين إليها (9).

ختامًا؛ نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي أظهر من خلال سياساته مع تركيا فيما يتعلق بقضية الهجرة أن هذه القضية هي نقطة ضعفه، تأكد ذلك بتوقيع اتفاقية الهجرة بين الطرفين في 2016، قامت أنقرة باستغلال اللاجئين كسلاح لابتزاز دول أوروبا إلى حد تنفيذ تهديداتها بفتح الحدود والسماح للاجئين بالعبور إلى أوروبا. ولوقف هذا يجب على الاتحاد الأوروبي اتباع سياسات مغايرة مع تركيا والمساهمة في إعادة الاستقرار في سوريا كحل جذري لأزمة اللاجئين.

الهوامش

(1) “Erdogan Says, ‘We Opened the Doors,’ and Clashes Erupt as Migrants Head for Europe,” The New York times, 29/2/2020, available at: https://www.nytimes.com/2020/02/29/world/europe/turkey-migrants-eu.html.

(2) " الحرب في سوريا: مقتل 33 جنديا تركيا في غارة للجيش السوري في إدلب"، بي بي سي، 28/2/2020، متاح على: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-51658671

(3) "مقتل طفل بعد غرق قارب للمهاجرين في طريقه من تركيا إلى اليونان،" SBS Arabic 24، 2/3/2020، متاح على: https://www.sbs.com.au/language/arabic/greek-coastguard-target-migrant-boat-fires-shots-across-bow.

 (4) “Turkey’s Erdogan Threatens to open the Gates for Migrants to

Europe,” Euronews, 5/9/2019, available at: https://www.euronews.com/2019/09/05/turkey-s-erdogan-threatens-to-open-the-gates-for-migrants-to-europe.

 (5) “Erdogan says Turkey will let refugees into Europe if EU does not support it,” Reuters, 7/11/2019, available at: https://www.reuters.com/article/us-syria-security-turkey-migrants/erdogan-says-turkey-will-let-refugees-into-europe-if-eu-does-not-support-it-idUSKBN1XH26G.

(6) "بسبب إدلب.. اليونان توجه صفعة قوية لتركيا في الناتو،" صدى البلد، 29/2/2020، متاح على: https://www.elbalad.news/4193544

(7) "أردوغان يطلق حرب اللاجئين وأوروبا ترفض الابتزاز،" الاتحاد، 3/3/2020، متاح على: https://bit.ly/2wlENuq.

(8) Silvia Amaro, “You will be turned back: Greece warns new influx of migrants leaving Turkey,” CNBC, 2/3/2020, available at: https://www.cnbc.com/2020/03/02/another-migration-crisis-greece-deals-with-a-new-influx-from-turkey.html؛ Tamar Lapin, “Greek island fed up over wave of migrants from Turkey,” New York Post, 2/3/2020, available at: https://nypost.com/2020/03/02/greek-island-fed-up-over-wave-of-migrants-from-turkey/.

(9) Bethan McKernan, “Greece and Bulgaria crack down on Turkish borders as refugees arrive,” The Guardian, 28/2/2020, available at: https://www.theguardian.com/world/2020/feb/28/tensions-rise-between-turkey-and-russia-after-killing-of-troops-in-syria.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟