المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الاحتواء ... هل هي الاستراتيجية الأمريكية المناسبة تجاه إيران؟

الثلاثاء 11/فبراير/2020 - 03:26 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
ستيفن كوك - عرض: مرﭬت زكريا

أدى التصعيد الأمريكي الإيراني الأخير  في العراق على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني" إلي حالة غير مسبوقة من الارتباك في دوائر صنع السياسة الخارجية الأمريكية، ولاسيما بشأن أفضل الاستراتيجيات التي من المفضل إتباعها إزاء التعامل مع طهران في الشرق الأوسط؛ حيث أدت الصدمات التي حدثت في أواخر سبعينيات القرن الماضي وأوائل الثمانينيات إلى جعل أجزاء من مجتمع السياسة الأمريكية متوتراً بلا داعٍ، والبعض الآخر يتسم بالحذر الشديد، والقلق المتبقي من كليهما  يرتكز في البحث عن استراتيجية معقولة لتعديل سلوك إيران.

وفي هذا الإطار أقر الزميل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "ستيفن كوك" بأن الاحتواء بات هو الاستراتيجية المثلى تجاه التعامل مع إيران، كما أن الأمر الواضح هو  أن النهج الحالي للولايات المتحدة الأمريكية يحتاج إلى بعض التطوير. فعلى الرغم من نجاح السياسة الأمريكية فيما يتعلق باغتيال سليماني، إلا أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما يريد الرئيس  الأمريكي تحقيقه بشأن إيران؛ حيث جمع ترامب بين الخطاب المحافظ و الأسلوب القائم على الاغتيالات و تصفية المعارضين بالإضافة إلي الرغبة في التفاوض، مع إتباع سياسة "الضغط الأقصى" التي لم تلجأ لاستخدام القوة العسكرية حتى وقت قريب.

و الجدير بالذكر، إن الأمر مازال يتوقف على التيار السياسي و الشخص الموجود داخل البيت الأبيض؛ فغالبًا ما تسعى الإدارة الأمريكية إما إلي عقد صفقة نووية كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، إما أن تسعي لتغيير النظام بالكامل والتعامل من خلال استراتيجية أقصى قدر من الضغوط، و هو ما فعلته إدارة الرئيس الحالي "دونالد ترامب". لكن هناك حالة من الغموض داخل الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا على خلفية اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية الرئاسية والتي اعلن والتي أعلن فيها جميع المرشحين الرئيسيين عن عزمهم على العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA طالما استمرت إيران في التزامها بالاتفاق بما يتضمن (جو بايدن ، بيت بوتيج ، إليزابيث وارين و حتى بيرني ساندرز) دون أي شروط.

ويشير الكاتب إلي أنه ليس لمجرد أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب تحمل تصور معين لقضية العلاقة مع إيران، يعنى ذلك أنه من الواجب تطبيقه، بل توجد الكثير من البدائل الأخرى و التي يتمثل أهمها في "صفقة كبرى" مع إيران من شأنها تسوية جميع القضايا العالقة لاسيما البرنامج النووي، استخدام إيران وكلاء للتدخل في المنطقة وإطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في طهران بين البلدين. ومع ذلك يرى الكاتب أن  الخيار الأكثر عقلانية في ظل الظروف الحالية هو استراتيجية أخرى لم تعد مطروحة أمام صناع القرار  في واشنطن و التي تتمثل في الاحتواء.

أما بالنسبة للاستراتيجيات الأخرى و التي يتمثل أبرزها في تغيير النظام على سبيل المثال باتت غير مناسبة؛ حيث أصبح تغيير النظام لأسباب واضحة مصطلحًا مخيفًا وسياسة يرغب المسؤولين والمحللين في تجنبها نظرًا للتجربة الأمريكية في العراق، لكنه يظل خيارًا فقط لأن صناع القرار يواصلون الدعوة إليه. على الجانب الأخر ، تمثل العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة  JCPOA أو التفاوض على اتفاق نووي جديد - يعالج بعض العيوب في الاتفاقية الأصلية - الفشل في وضع قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية و هو الجانب الآخر من النقاش المطروح في واشنطن بشأن إيران.

والجدير بالذكر، أن إحياء JCPOA يعني قبول حق إيران المزعوم في تطوير التكنولوجيا النووية، تخفيف العقوبات وتطبيع علاقات طهران التجارية مع العالم، فضلاً عن إنه يتطلب قبولًا ضمنيًا لدور إيران في المنطقة، وخاصًة مواقعها المؤثرة في لبنان وسوريا. في السياق ذاته، سيكون من الصعب الوثوق في إيران، ليس فقط لأن دول المنطقة ما زالوا لا يثقون أبدًا في أن طهران سوف لن تلتزم بالصفقة ولكن لأنه لم تعد هناك ثقة في أن ترامب  سوف يُحمل طهران المسؤولية عن أي انتهاكات قد تحدث.

                وعلى الناحية الأخرى، يشير الكاتب إلي أن عدم كفاءة خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA ستُحلينا ضرورة إيجاد صفقة أوسع؛ ولكن في هذا السيناريو، ستتخلى إيران عن قدراتها النووية للحصول على اعتراف أمريكي صريح بدورها كقائد إقليمي. حيث سيتمحور الافتراض الرئيسي لصفقة كبيرة حول أنه بمجرد الاعتراف بمطالب إيران للحصول على مقعد نووي، فإنها ستنهي جميع أنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، وعلى الرغم من أنها فكرة مغرية ولكنها غير واقعية على الإطلاق، بالنظر إلى الغياب التام للثقة في المنطقة ولاسيما فيما يتعلق بسلوك طهران، وغياب الضمانات اللازمة لإقناع إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة بحكمة مثل هذه الصفقة - بما في ذلك وضع حد لدعم إيران لحلفائها في المنطقة، وبالتالي من المقرر أن تواجه نفس مصير صفقة أوباما.

وعليه، تصبح الإستراتيجية الأكثر واقعية بالنسبة لإدارة دونالد ترامب فيما يتعلق بالتعامل مع إيران في الاحتواء؛ حيث يشير سجل التعامل مع طهران على مدار العقود الأربعة الماضية إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تغيير سلوك إيران من خلال الإكراه أو الحوافز. إن الاحتواء، الذي أنقذ واشنطن في مواجهتها للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، و هو وسيلة تستطيع بها الولايات المتحدة الأمريكية كبح إيران وجهودها لتقويض السياسات والأهداف الأمريكية في المنطقة.

كما اتبعت إدارة كلينتون هذه السياسة - إلى جانب احتواء العراق - بنجاح في التسعينيات، كانت هناك مشاكل مع طهران في ذلك الوقت بالتأكيد، لكن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران كانت أكثر استقرارًا في هذا الصراع المباشر وكان التصعيد أقل احتمالًا؛ وذلك لأن كل من واشنطن وطهران أقامتا توازنًا من النوع الذي فهم فيه الجميع بعض القواعد الأساسية للعبة التي مكنتهم في النهاية من إدارة الأزمة. كما تتطلب سياسة الاحتواء زيادة عدد القوات الأمريكية في المنطقة، وربما استخدام بعض العنف من أجل الخروج بما هو مقبول، لذا، فإنها استراتيجية ليست خالية من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا النهج من شانه أن يقلل من احتمالية التصعيد.

                في النهاية: يشير الكاتب إلى أن الاحتواء لن يحول دون الحوار بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بل قد يدفع به نحو التقدم؛ الأمر الذي سيمنح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لوجود المجال الدبلوماسي التي تعتبر في أمس الحاجة إليه للمساعدة في إدارة الأزمات الإقليمية مثل اليمن وسوريا والعراق. والأهم من ذلك، أن احتواء إيران يمثل التقييم الأكثر واقعية لما يمكن للسياسة الأمريكية أو الإيرانية أن تتحمله، فالاحتواء يقلل في الوقت نفسه من مخاطر اندلاع حرب، ويحمى الأمريكيين، ويجعل الوجود الأمريكي في المنطقة أقل تكلفة.

Steven A. Cook, The Only Sensible Iran Strategy Is Containment, Foreign policy, JANUARY 29, 2020, available at:

 https://foreignpolicy.com/2020/01/29/iran-strategy-containment-suleimani-trump-nuclear-deal/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟