المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

التوظيف السياسي للمساعدات .. التغلغل القطري في الداخل السوداني

الأربعاء 29/يناير/2020 - 04:10 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تعتبر قطر من أبرز الدول التي تحاول توظيف مساعداتها الإنسانية في خدمة مصالحها السياسية؛ حيث اتخذت الدوحة المساعدات الإنسانية بمثابة منفذاً للولوج للساحة السياسة في السودان، من خلال دعم منظمات المجتمع المدني، المؤسسات الخيرية و جماعات الإسلام السياسي التي عملت على تأجيج الأحداث التي أدت لانسحاب الرئيس "عمر البشير" من المشهد السوداني بإشرافها على تعزيز نفوذ جماعات و أحزاب محسوبة على تيار الإخوان المسلمين.

يوجد عدد كبير من المؤسسات الخيرية القطرية التي تتخفي وراء أهداف إغاثية و تقديم مساعدات إنسانية وعلى رأس هذه المؤسسات تأتى "قطر الخيرية" و "راف القطرية" و تأتى هذه الكيانات ضمن عدد كبير من المؤسسات التي تعمل في إطار القيام ببعض المشروعات من قبيل كفالة الأيتام و مساعدة الفقراء، و لكنها تحمل مآرب سياسية بحته تتمثل في دعم بعض الجماعات التي تساعد في تحقيق أهداف السياسة الخارجية القطرية.  

أولاً- التوظيف السياسي للمساعدات على المستوى النظري

لطالما كان وراء المساعدات الإنسانية هدف سياسي بحت، غالبا ما يكون له تأثير قوى على الاقتصاد السياسي للبلدان المتلقية، الأمر الذي يتأثر دائمًا بالاعتبارات السياسية للحكومات المانحة؛ فعلى الرغم من وجود الكثير  من التصريحات والممارسات من الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تبرير أن أعمالهم لا تقدم أي ميزة سياسية، وأنها تستند فقط على الحاجة، فإن المبادئ الإنسانية للحياد والنزاهة تتعرض لاعتداء مستمر(1).

وبداية من فترة التسعينات اصبحت المساعدات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني تتدخل بشكل كبير  في السياسة أو بمعنى أدق تروج لقيامها بالدعم الإنساني للتخفي وراء أغراض سياسية تتمثل في تكوين جماعات سياسية أو أحزاب تابعة للجهات المانحة تعمل على تحقيق أهدافها بالداخل، ومن أمثلة هذه الدول يمكن الإشارة للتدخلات الإيرانية و القطرية في المنطقة العربية دول أفريقيا جنوب الصحراء. ومن ناحية أخري، تعتبر قضية حقوق الإنسان و دعم الحريات السياسية من أهم الذرائع السياسية التي تتخذها الدول للتدخل في شؤون الدول الأخرى. كما يتم استغلال فترات الثورات و الاضطرابات السياسية؛ وهو الأمر الذي حاولت بعض الدول توظيفه بالطريقة المثلي للتدخل في بعض دول الشرق الأوسط أبان أحداث الربيع العربي لعام 2011(2).

ثانيًا- منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الخيرية القطرية في السودان

تعد مؤسسة قطر الخيرية التي صنفتها دول الممانعة (مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين) على قائمة المنظمات الإرهابية من أبرز كيانات المجتمع المدني للدوحة في السودان على خلفية قيامها بمجموعة كبيرة من المشروعات الخدمية مثل كفالة الأيتام، إقامة بعض المشروعات السكنية لتسكين الشباب بأسعار رمزية. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن "قطر الخيرية" تكفل ثمانية آلاف من الأيتام والفقراء والطلاب والمعلمين والمعاقين في أكثر من عشر ولايات سودانية، كما تعمل على توفير الحياة الكريمة لفئة الأيتام وأسرهم من خلال صرف مبالغ دورية لهم عبر صرافات منتشرة بالقرب من مناطق سكنهم. كما أسهمت "قطر الخيرية" في إنشاء مشاريع مدرة للدخل للمحتاجين في عدد من ولايات السودان، ومشاريع أخرى لتوطين النازحين وحل مشكلات الفقر في دارفور أطلقت عليها اسم "مشاريع الوئام"، فضلاً عن تنفيذ مشاريع صحية ودعم القطاعات الهشة بمحطات المياه ووفرت أجهزة طبية في بعض مناطق السودان(3).

والجدير بالذكر، أن كل هذه الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة "قطر الخيرية" تهدف إلي توظيفها في خدمة أهداف سياسية، وهو الأمر الذي دعا مفوضية العون الإنساني في السودان لتسليط الضوء على  الطريقة التي كانت تدار وتمول بها تلك المنظمات، مما أدى لحظر 24 منظمة من المنظمات، الاتحادات والمؤسسات المسجلة في البلاد؛ حيث اتضح أن معظم تلك المنظمات كانت تمول بتدفقات قطرية مباشرة أو غير مباشرة أو عبر دفعات شهرية من ميزانية القصر الجمهوري. ومن بين هذه المنظمات المحظورة "سند الخيرية" والتي كانت تديرها وداد بابكر زوجة الرئيس الأسبق عمر البشير ومنظمة "البر والتواصل" المملوكة لزوجة علي عثمان طه القيادي البارز في المؤتمر الوطني(4).

في السياق ذاته، امتد الدعم القطري المشبوه إلي عدد كبير من دول أفريقيا جنوب الصحراء و لم يقتصر فقط على السودان؛ حيث قامت مؤسسة "راف" القطرية ببناء 6 مدارس في مختلف المراحل الدراسية بواقع مدرستين في كل من جزر القمر وتشاد وموريتانيا، ومدرسة في كل من جيبوتي والنيجر وتونس، على أن يأتي ذلك كله في إطار  دعم المجال التعليمي وتوفير الدعم الاقتصادي للأسر الفقيرة لتفريغ أبنائهم للتعليم، ولكن في الواقع أن هذا الدعم يحمل خلفه العديد من علامات الاستفهام(5).

ثالثاً- جماعة الإخوان المسلمين و التدخل القطري في السودان

أدى نجاح القوى السياسية بالسودان في التوقيع على الوثيقة الدستورية مع المجلس العسكري إلي  إحباط مخطط الدوحة لجر السودان إلى حالة من الفوضى لإعادة إنتاج نظام الإخوان، بعد سقوط الرئيس السابق "عمر البشير"، و عليه انتقت قطر عدد من نشطاء الجماعة من أجل مهاجمة قرارات المجلس العسكري، وتنفيذ أجندتها في السودان، فضلاً عن ادعاء السلطات القطرية بوجود مؤامرة على الخرطوم من قبل السعودية، الإمارات ومصر لإجهاد الثورة السودانية، وإبقاء المجلس العسكري في الحكم دون تقديم أي دليل؛ حيث أعلنت الدوحة إنشاء حملتين تحت مسمى FreeSudan" وBlueForSudan" بزعم تعريف العالم بحقيقة الوضع في السودان، و لكن يتمثل الهدف الحقيقي وراء ذلك في إعادة اختراق السودان، وتكريس النفوذ القطري فيها.  

يتوازى ذلك، مع قرار المجلس العسكري الانتقالي في السودان بإغلاق مكتب شبكة الجزيرة القطرية بالخرطوم وسحب تراخيص العمل لمراسليها في البلاد، بعدما اتضح دور هذه الشبكة في دعم جماعة الإخوان للوصول إلى السلطة بأي ثمن، الأمر الذي يؤكد رفض القيادة الجديدة في السودان لدور قطر المشبوه في البلاد، الذي حول السودان إلى مأوى لجماعة الإخوان في عهد الرئيس السوداني الأسبق "عمر البشير"(6).

                ومن اللافت للانتباه، إشارة الكثير من المحللين إلي أن جماعة الأخوان لطالما اعتمدوا على أن أسلوب العنف والانقلابات لا يزال هو الوسيلة الوحيدة، التي تم تجربتها لوصول تنظيمهم إلى السلطة في البلاد، و هو الأمر الذي يتم بالتعاون مع قطر و مؤسسات المجتمع المدني التابعة لها، لكن  لم تجد هذه الجماعة  التي تتبنى نهجا متطرفا، قبولاً كبيرا لدى معظم شرائح الشعب السوداني الذي يميل بطبعه إلى نهج الوسطية والاعتدال في التدين. ونتيجة لذلك، يمكن القول أن جماعة الإخوان المسلمين باتوا معزولين في وسط المجتمع السوداني نتيجة لارتباطهم المشبوه بقطر، و سعيهم الدائم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية على حساب المواطن السوداني الذي يعانى الوضع الاقتصادي المتدهور و الحالة غير المسبوقة الاضطرابات السياسية التي سبقت خروج البشير من سدة الحكم(7).

                في النهاية، يمكن القول أن التوظيف السياسي للمساعدات بات بمثابة منفذ قوى تستخدمه كثير من الدول المارقة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، الأمر الذي اتضح في توظيف قطر للمنظمات الخيرية و لجماعة الأخوان المسلمين لتكون بمثابة ذريعة للتأثير على المشهد السياسي في السودان، ولكن من غير المتوقع أن يستمر هذا الدور المشبوه كثيراً لاسيما في ظل وضوح ماهية الأهداف الحقيقة وراء هذا الدعم.

الهوامش

1.             Mohammed Haneef Atmar, Politicization of Humanitarian Aid and its Consequences for Afghans, Conference Paper, Norwegian Church Aid Afghanistan Programme, evidence ideas change,  2001, pp. 1-6.

2.              André Pasquier, Politics and Humanitarian Aid: Debates, Dilemmas and Dissension, Commonwealth Institute, International Committee of the Red Cross, 2001, pp 1-8.

3.      قطر الخيرية.. أيقونة العمل الإنساني بالسودان، 22/6/2017، الجزيرة. نت، متاح على الرابط التالي  https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews .

4.      السودان.. منظمات تاجرت بالمحتاجين عبر أموال الدوحة المسمومة، 27/11/2019، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي  https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1300965 .

5.      أذرع قطر السوداء بالقارة السمراء.."العمل الخيرى" ستار الدوحة لدعم الإرهاب بأفريقيا، 27/7/2019، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي  https://cutt.ly/1rR5HuG .

6.      عادل عبدالمحسن، الصحف السودانية تفضح تمويل الدوحة لشباب الإخوان لإعادة نفوذها بالسودان، روزل اليوسف، 8/8/2019، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/HrR6yHq .

7.      إخوان السودان وحلم العودة على أشلاء الأبرياء، 26/7/2019، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/orTqzLv

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟