المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

إعادة التفاوض .. قمة سوتشي وخريطة جديدة للتفاعلات في الشمال السوري

الإثنين 28/أكتوبر/2019 - 03:46 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهد يوم 22 أكتوبر 2019، في سوتشي قمة روسية – تركية، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، للتباحث حول مستقبل العملية العسكرية التركية (نبع السلام)، في الشمال السوري، ومستقبل التسوية السياسية والعسكرية، ووفق ما أعلنه الكرملين فإن هناك تخوفات روسية بشأن العواقب الإنسانية المحتملة للحملة التركية في شرق الفرات، وأن العملية التركية في شمال شرقي سوريا تسببت في زيادة مستوى التداخلات والتوتر في المنطقة، الأمر الذي سيكون محور مهم ضمن أجندة المفاوضات المقررة بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سوتشي بجنوب روسيا.

الجدير بالذكر أن أهمية القمة الروسية - التركية تتمثل في كونها تأتي بالتزامن مع انتهاء فترة الهدنة المؤقتة للعملية العسكرية التركية التي تم الإعلان عنها من جانب نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في 17 أكتوبر 2019، بالتنسيق مع الجانب التركي وفق ما جاء في بنود الاتفاق التي بلغت 13 بند مقابل إلغاء العقوبات التي كانت ستفرضها على تركيا على خلفية العملية العسكرية.(1)

تفاعلات متداخلة

هناك مؤشرات عدة على أن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري أفرزت بيئة تفاعلية جديدة لم تكن حاضرة من قبل، فبعد أن كانت منطقة الشمال السوري تحت سيطرة ونفوذ 3 فاعلين، إلا أنه ظهر مؤخرًا فاعلين آخرين، فتحولت السيطرة من الولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديموقراطية التي كانت تستحوذ بصورة كاملة على هذه المنطقة، إلى عدة دول أخرى؛ حيث تمكنت روسيا وقوات النظام السوري من الاتفاق المبدئي مع الأكراد بتواجد القوات السورية في مناطق عين العرب كوباني ومنطقة منبج بمعاونة الدعم الروسي، بالإضافة إلى الانسحاب الأمريكي من مناطق الشمال السوري تجاه العديد من المناطق في سوريا والعراق.

وفي هذا الإطار شهدت منطقة الشمال السوري الكثير من المخرجات سواء فيما يتعلق بخريطة التفاعلات الداخلية السورية أو على مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية، ومن ثم تداخلت التفاعلات بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والأكراد باعتبارهم القوى الفاعلة في تلك المعادلة المتشابكة، وإن كان هناك تباين كبير بين حدود الدور المتعلق بكل جانب وحجم  المكاسب والخسائر على خلفية العملية العسكرية التركية هناك.(2)

نتائج قمة سوتشي 2

على الرغم من أن الاتفاق المعلن لوقف العملية العسكرية التركية كان بين الجانب الأمريكي والتركي إلا أن الرئيس التركي أردوغان يدرك بالدور المحوري الذي أصبحت عليه روسيا في هذه المنطقة بعد وساطتها بين النظام السوري والمكون الكردي فيما يتعلق بالتواجد العسكري السوري والروسي في هذه المنطقة التي لم تكن متواجدة داخلها منذ عام 2014؛ حيث أعلنت أنقرة أنها ستوقف عمليتها العسكرية في سوريا بعد توصلها لاتفاق مع روسيا خلال أردوغان إلى سوتشي؛ حيث أبرم اتفاقًا مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين حول تحويل الصيغة المؤقتة للاتفاق الأمريكي التركي إلى صيغة دائمة للاتفاق التركي الروسي.

ويتألف الاتفاق من عشر نقاط ويؤكد على خروج وحدات حماية الشعب وكل تجهيزاتهم العسكرية من منبج وتل رفعت، كما يتخذ الطرفان بموجب الاتفاق "الخطوات الضرورية" لمنع تسلل الوحدات "الإرهابية" ويبدآن مساعي مشتركة لإعادة اللاجئين طوعياً وبصورة تضمن حمايتهم، وسيواصل الطرفان العمل على إيجاد حل دائمي سياسي للأزمة السورية في إطار آلية أستانة ومساندة اللجنة الدستورية، والحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة بين تل أبيض ورأس العين.

وتأسيسًا على الاتفاق الروسي التركي فإن القوات الروسية تمكنت من إنشاء قاعدة عسكرية لها في منطقة عين العرب شمال شرق سوريا، كما تمكنت من إطلاق دوريات عسكرية على الحدود السورية التركية، إضافة إلى أن الجيش السوري سينشئ 15 نقطة مراقبة على طول الحدود مع تركيا، وذلك وفق مذكرة التفاهم المبرمة بين روسيا وتركيا لخفض التوتر في شمال شرق سوريا على خلفية عملية "نبع السلام" العسكرية، التي ينفذها في المنطقة الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

ومن ضمن البنود المهمة في الاتفاقية بين الجانبين يتمثل في تأكيد الطرفان أهمية "اتفاق أضنة"، وستقوم روسيا الاتحادية عند اللزوم بتقديم التسهيلات لهذا الاتفاق، ويعد هذا الاتفاق أحد الأورواق السياسية التي تحاول بها موسكو أن تمهد لحلحلة الأزمة السورية سياسيًا، كبديل عن المناطق الآمنة التي اقترحتها تركيا والولايات المتحدة بإقامة منطقة عازلة بعمق اثنين وثلاثين كيلومترًا، إلا أن موسكو  تسعى إلى الوصول إلى تطبيق هذا الاتفاق من خلال العمل مع الأطراف الفاعلة على الأراضي السورية خاصة أنقرة؛ حيث قدمت موسكو إلى أنقرة اقتراحًا بتفعيل اتفاق أضنة الذي يعود إلى عام 1998 ويسمح للجيش التركي بالتوغل شمال سوريا بعمق 5 كيلومترات فقط، كما أن هذا البند سيحقق العديد من الأهداف المستقبلية أهمها؛ أنها ستكون مدخلًا مهمًا لحل المشكلات العالقة بين دمشق وأنقرة؛ حيث سيتعين على النظام التركي التعامل الرسمي مع النظام السوري بشكل مباشر بهدف الوصول إلى تفاهمات حول هذه الاتفاقية، وبذلك تمثل الاتفاقية اعترافًا رسميًا من جانب أنقرة بالنظام السوري، بعد أن كانت لا تعترف به مطلقًا في السابق.

كما أن الاتفاق على هذه البنود الواردة في الاتفاقية لن تسمح لتركيا بتحقيق هدفها المتعلق بالمنطقة الآمنة بالشراكة مع واشنطن، خاصة في ظل الرفض الروسي والسوري، وبذلك يحقق النظام السوري ومعه روسيا بالعديد من الأهداف المتعلقة بسيطرة القوات الحكومية السورية على تلك المنطقة وتأمينها وهو ما سيؤدي إلى خروج الأتراك من هذه المناطق، خاصة بعدما أدى قرار الانسحاب الأميركي إلى تعزيز حملة الجيش السوري المدعوم من روسيا لإعادة فرض السيطرة على البلاد.(3)

مقترح أوروبي

أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين عن مبادرة  بخصوص إنشاء منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، تشرف عليها موسكو وأنقرة، والتي أعلنت موسكو بأن السماح للقوات التركية بالبقاء في سوريا هو أمر يمكن للحكومة الشرعية السورية فقط أن تقرره.

الجدير بالذكر أن موقف الدول الأوروبية يعد الأكثر ثباتًا منذ بداية العملية العسكرية التركية في منطقة الشمال السوري؛ حيث شكل الموقف الأوروبي تجاه التدخل العسكري التركي في سوريا أحد أهم المتغيرات المهمة التي أثرت بشكل كبير على مسار العملية، خاصة وأن هناك إجماعًا أوروبيًّا على إنهاء هذه العملية، ومنذ اللحظات الأولى من بداية العملية أعلنت الدول الأوروبية معارضتها للتحركات التركية ودعت هولندا، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن؛ لمناقشة الأوضاع في سوريا يوم 10 أكتوبر 2019، تبع ذلك اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج؛ لبحث أزمة التدخل التركي في شمال سوريا، وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على أنقرة.

ولعل الموقف الأوروبي يختلف بصورة جذرية عن الموقف الأمريكي المتذبذب حيال الموقف من تركيا ويمكن إرجاء ذلك إلى أن الدول الأوروبية تحاول التحرك بصورة منفردة تجاه الأوضاع في سوريا بعدما أدركت بأن واشنطن تتحرك وفق آلياتها الخاصة التي تغفل الكثير من مصالح الدول الأوروبية التي تمتلك العديد من الأهداف في هذه المنطقة، خاصة وأن في ظل ازدياد المخاوف الأوروبية من أن تؤثر العملية على النجاحات التي تم تحقيقها من قبل المتعلقة بالقضاء على تنظيم داعش، خاصة أن الأكراد يمثلون القوى الميدانية التي حاربت التنظيم، وعلى خلفية هذه التخوفات دعت العديد من الدول الأوروبية تركيا بوقف هجومها على شمال شرق سوريا، معربين عن خشيتهم من أن تؤدي العملية العسكرية التركية إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة.(4)

إعادة رسم خريطة التفاعلات

إن التداخل الدولي والإقليمي في منطقة الشمال السوري أفضى إلى العديد من المخرجات التي من شأنها أن تؤثر على مسار التفاعلات الإقليمية والدولية ولعل أبرز تلك المظاهر:

1) المكاسب الروسية – السورية: يعد التواجد السوري والروسي في مناطق الشمال السوري تغيرًا كبيرًا في خريطة التفاعلات في هذه المنطقة؛ الأمر الذي سمح بالتأثير في المعادلة السياسية في هذه المنطقة بعدما كانت الولايات المتحدة وتركيا والأكراد يستحوذون على هذه المساحة الجغرافية، كما أن الاتفاق التركي – الروسي في سوتشي فتح الباب أمام إمكانية زيادة فرص هذا التأثير في المستقبل القريب.

2) تراجع النفوذ الأمريكي: لا شك إن قرار الانسحاب الأمريكي من مناطق الشمال السوري قبل العملية العسكرية التركية، أوجد بيئة صالحة لملء هذا الفراغ، خاصة وأنها لم تقدم الدعم المطلوب للقوات الكردية الحليف القوي لواشنطن داخل الأراضي السورية، وبالتالي أتجه الأكراد نحو التعاون مع الجيش السوري من خلال الوسيط الروسي لملء هذا الفراغ واستبدال القوات الكردية بأخرى سورية لمواجهة التدخلات التركية، ما أفضى في النهاية إلى تهميش الوجود الأمريكي في هذه المنطقة وزعزعة الثقة في القرارات الأمريكية، بل إن الأمر امتد ليشمل إعلان القوات الكردية استعدادها لمناقشة الانضمام للجيش السوري بعد التسوية السياسية السورية.

3) تنامي الدور الأوروبي: يعد الموقف الأوروبي من أكثر الأدوار التي أثبتت فاعليتها في هذه المنطقة وإن كانت تحركاتها جاءت بصورة منفردة إلا أنها كان لها تأثير مضاعف على مجريات التفاعلات في هذه المنطقة، وبرغم عدم التواجد الأوروبي بصورة مكثفة في الداخل السوري إلا من خلال التحالف الدولي، إلا أن هناك دول أوروبية تبحث عن تأثير فعال في سوريا وخاصة فرنسا، وعلى الرغم من أن الجانب الروسي هو المستفيد الأكبر من هذه التفاعلات، إلا أن الجانب الأوروبي لا يزال يستحوذ على الكثير من أوراق الضغط في اتجاه تعظيم دوره ومصالحه وذلك في ظل تضارب السياسة الخارجية الأمريكية.

4) المساومة التركية: حاولت تركيا الاستفادة من كافة الأدوار المتناقضة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا والجانب الروسي لتحقيق أكبر قدر من الأهداف من وراء عمليتها العسكرية نبع السلام، ولكن عند النظر إلى الواقع الميداني في منطقة الشمال السوري بالنسبة لتركيا، فإن أنقرة لم تتمكن من تنفيذ أهدافها بصورة كاملة فيما يتعلق بحدود المنطقة الآمنة بطول 480 كم، وبعمق 40 كم، إضافة لذلك فإن السيطرة التركية على بعض المناطق الجديدة في الشمال السوري لن تكون قادرة على ضمان استمرار سيطرتها، خاصة أن هناك توجه من جانب روسيا نحو إحكام السيطرة الكاملة على هذه المناطق تمهيدًا لتحقيق التسوية السورية الشاملة، ولعل تصريح الرئيس التركي بأنه بمجرد اكتمال أعمال صياغة الدستور وضمان وحدة أراضي سوريا ووحدتها السياسية ستنتقل جميع الأراضي إلى الحكومة السورية الشرعية المقبلة، دليل على تقليل فرص الحضور التركي في مناطق الشمال السوري، فيما يحاول الجانب الأمريكي استعادة الحضور مجددًا وفق ما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، بشأن القلق الأمريكي لعمق التقارب الروسي التركي في قمة سوتشي، مؤكدًا على ضرورة توجيه أنقرة نحو مسار آخر.

5) المكون الكردي: تعد قوات سوريا الديموقراطية الخاسر الأكبر من هذه العملية برغم توقف العمليات العسكرية التركية، لأنها لم تتمكن من الاحتفاظ من المناطق التي كانت تسيطر عليها بصورة كاملة، إضافة إلى عمليات النزوح التي تعرضوا لها جراء هذه العملية، كما أن هذه العملية تسببت في تغيير خريطة التفاعلات الكردية بالتحول من الولايات المتحدة إلى الجانب الروسي والسوري.

                ختامًا، انعكست تداعيات العملية العسكرية التركية في الشمال السوري إلى تعقيد المشهد الداخلي والإقليمي والدولي في مسار العلاقات البينية بين العديد من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، الأمر الذي أوجد فرص لبعض الفاعلين وقيود أمام الفاعلين على الجانب الآخر، ولعل هذه التغيرات ستؤثر في عملية التسوية السياسية السورية بصورة كبيرة، بل وستمتد تداعياتها على عدة ملفات أخرى على المستويين الإقليمي والدولي.

المراجع

1) اتفاق تركي روسي حول تمديد الهدنة في شمال سوريا، على الرابط: https://cutt.us/JBY7w

2) تعرف على بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا حول كوردستان سوريا، على الرابط: https://cutt.us/tHy2L

3) تركيا توقف غزو شمال سوريا.. وروسيا تعيد النظام للحدود، على الرابط: https://cutt.us/jDHnD

4) البنتاغون قلق لعمق التنسيق الروسي التركي، على الرابط: https://cutt.us/Hm3uB

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟