المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

كيف يمكن عقد صفقة جديدة دائمة مع إيران؟

الثلاثاء 17/سبتمبر/2019 - 09:05 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مهاسا روحي-عرض: مرﭬت زكريا

على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الإدارة الأمريكية الحالية وتيار المحافظين داخل الولايات المتحدة الأمريكية بغرض الضغط على الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق ببرنامجها النووي والصاروخي، فضلاً عن نفوذها الإقليمي المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه من الواضح أن سياسة فرض القدر الأقصى من الضغوط لا تعمل في الحالة الإيرانية.

وفي هذا السياق أشارت الكاتبة الإيرانية "مهاسا روحي " زميلة أبحاث برنامج عدم الانتشار والسياسة النووية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن طهران قامت باتباع سياسة مضادة رداً على السياسات الأمريكية؛ حيث قامت بمجموعة من الاستفزازات في الملاحة البحرية بالخليج العربي واتخذت خطوات ملموسة لتقليص التزاماتها بقيود التخصيب بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. كما أنها في الوقت نفسه لم تحد من قدرات برنامجها الصاروخي الأمر الذي ضاعف من اعتمادها على الفاعلين من غير الدول في المنطقة.

واندلعت التوترات مرة أخرى في الشرق الأوسط أواخر أغسطس/أب لعام 2019 بعد أن شنت إسرائيل على ما يبدو ضربات على القوات الإيرانية ووكلائها في لبنان، سوريا والعراق. ومع انتقال حرب الظل هذه إلى النور، يجادل المسؤولون الإسرائيليون بأن هذه الهجمات تهدف إلى كبح نفوذ إيران الإقليمي المتوسع من خلال دعمها وتدريبها للجهات الفاعلة غير الحكومية وهو تهديد متزايد من منظور إسرائيل. يسلط أحدث تبادل بين إسرائيل وإيران الضوء على التحديات الأمنية التي تفرضها طهران على مصالح الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، والأهم من ذلك، لماذا تحتاج الحكومة الأمريكية إلى استراتيجية جديدة ومبتكرة في الوقت الحالي للتعامل الفعال مع إيران.

في حين أن الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين لديهم مخاوف مشروعة حول استغلال إيران لوكلائها في المنطقة، إلا أنهم لا يبدو أنهم يفهمون دوافعها جيداً. ومن هنا، فقد تبنوا سياسات أثبتت أنها غير فعالة وذات نتائج عكسية؛ حيث تسعى واشنطن اليوم إلى إجبار إيران على التخلي عن الركائز الثلاث لقدراتها الرادعة: برنامجها النووي، برنامجها الصاروخي والفواعل من غير الدول التابعة لها في المنطقة.

ولكن من وجهة نظر طهران، فإن التخلي عن كل هذه القدرات سوف يترك النظام بلا قوة حقيقية، الأمر الذي يشبه مُطالبة كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية بضمانات محدودة فقط من الأطراف الأخرى، ولكن لن تتنازل أي دولة عما تعتبره وسيلة للبقاء على قيد الحياة من أجل فوائد اقتصادية بحتة.

لذا، يتمحور السؤال الرئيسي حول ماذا بعد عقود من العقوبات والضغط، هل أدى الأمر حقاً لتغيير سلوك إيران في المنطقة؟

تري الكاتبة أن الخطوة الأولى تتمثل في أن تفهم واشنطن تفكير طهران الاستراتيجي، مما سيسمح لها بصياغة سياسات تحفز إيران على تقليص استخدام الوكلاء في المنطقة بدلاً من زيادة الاعتماد عليهم. فلدى إيران ثلاثة أهداف استراتيجية: ردع الضربات العسكرية من قبل الولايات المتحدة وشركائها، وبناء قوتها لتكون بمثابة قوة إقليمية مع الحفاظ على عدم الانحياز والاعتماد على الذات.

ولتحقيق هذه الأهداف، لجأت طهران إلى تكتيكات الحرب غير المتكافئة لتعويض قواتها العسكرية التقليدية المحدودة. ومع ذلك، أصبحت هذه الاستراتيجية سيف ذو حدين؛ حيث تشعر الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها الإقليميون عن حق بالتهديد من خلال تكتيكات الحرب الإيرانية غير المتماثلة، والتي بدورها لا تؤدي إلا إلى زيادة التهديد العسكري لإيران.

حيث تكشف المقارنة المباشرة للإنفاق العسكري عن التباين الهائل بين واشنطن وطهران؛ تم استثمار 1.5 تريليون دولار على مدار العامين الماضيين، إذا أضفنا إلى معادلة الإنفاق العسكري للمملكة العربية السعودية والتي تجاوزت 67 مليار دولار في عام 2018، وإسرائيل التي تقارب ميزانيتها 16 مليار دولار، فإن إنفاق إيران العسكري البالغ 13.2 مليار دولار خلال نفس الفترة الزمنية يصبح أقلهم. ولأن طهران تفتقر إلى الوسائل العادية للردع وإسقاط القوة، فقد طورت استراتيجية مبتكرة بما يشمل نهج التحوط النووي للردع على المدى الطويل، وبرنامج صاروخي متطور وعدد كبير من الوكلاء للدفاع عن مصالحها في المناطق ذات الصلة.

ولكن أجلت خطة العمل المشتركة الشاملة خيار التحوط النووي، الذي بدأ الآن في العودة تدريجياً في الوقت الذي تستجيب فيه إيران للضغوط الأمريكية بالتخلي عن الحدود التي قبلتها بموجب الاتفاق. ستبقى الصواريخ عنصرا أساسياً في موقف الردع الإيراني، لكن لا يمنح أي من هذه البرامج إيران من النفوذ الإقليمي الذي تسعى إليه.

توفر الجهات الفاعلة غير الحكومية لإيران فوائد رادعة بالإضافة إلى نفوذها الإقليمي من خلال تهديد المصالح الأمريكية والشركاء في المنطقة؛ حيث يحقق الوكلاء الإيرانيون ثلاثة أهداف يتمثل أولها في أن هذه الكيانات تعمل كرادع لأعداء طهران لأن لديها القدرة على إلحاق ضرر كبير بالقوات، القواعد، المصالح وشركاء واشنطن مما يجعل الصراع العسكري المحتمل أكثر تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ويميل بحساباتها من حيث التكلفة والعائد نحو ضبط النفس.

 ثانياً، وسعت الفواعل من غير الدول نفوذ إيران الإقليمي من خلال السماح لها بالمشاركة في النزاعات الإقليمية في سوريا، لبنان واليمن وأن تصبح بمثابة لاعب إقليمي هام لا يمكن تجاهله.  ثالثًا، وربما الأهم أنها تسمح لإيران بالمشاركة في مواجهات محدودة خارج حدودها والانخراط في الاستفزازات دون الانخراط المباشر؛ حيث تزود الفواعل من غير الدول إيران بالقدرة على الإنكار، فضلاً عن أنها باتت بمثابة أقوى سلاح إيراني خارج الجمهورية الإسلامية.

فكلما تعرضت إيران للتهديد والضغط، زادت من دعمها للوكلاء، الأمر الذي يعقد المسألة إلى حد كبير بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وشركائها أثناء سعيهم للرد. مع تصاعد الضغوط المالية، ستعتمد إيران بشكل متزايد على الفواعل من غير الدول وغيرها من التكتيكات العدوانية لردع التهديدات المتصاعدة ويبدو إن منطق طهران واضح في ذلك "إذا كانت الموارد المالية للبلاد في تراجع، فعليها أن تعمل عاجلاً وليس آجلاً ومن خلال أكثر وسائل سهولة للوصول إليها وبأقل تكلفة".

ومن هنا تقترح الكاتبة أن أكثر الأليات فاعليه يتمثل في السماح لإيران بإعادة بناء قدراتها العسكرية التقليدية تدريجياً، وخاصة سلاحها الجوي، الذي كان أحد أكثر الأسلحة تطوراً في العالم قبل ثورة 1979. لقد كانت إيران حريصة على تحديثه لتكون على قدم المساواة مع منافسيها الإقليميين وقد كانت تسعى للحصول على فرصة للقيام بذلك مقابل القبول بفرض قيود على برنامجها الصاروخي، مثل منعها من تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات والحد من نفوذها الإقليمي. ونتيجة لتعنت الولايات المتحدة الأمريكية، ستعتمد إيران بدرجة أقل على تكتيكات الحرب غير المتماثلة عن طريق زيادة نفوذها الإقليمي ولكن بطريقة تؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل ملحوظ.

في السياق ذاته، فإن استخدام إيران للفواعل من غير الدول غير متاح على المدى الطويل؛ فالدول التي يزدهر فيها وجود الوكلاء حالياً -مثل العراق، سوريا ولبنان -لن تكون دائمًا أرضًا خصبة لوجود إيران المتزايد كما هو الحال. ولذلك، فمن شأن القدرات العسكرية التقليدية أن تضمن بشكل أفضل القوة والردع التي تسعى إيران إلى تحقيقها خاصًة إذا لم يكن عليها أن تواجه تهديدًا وشيكًا من قوة عظمى لها عيون في جميع أنحاء إيران.

ولكن بالنسبة لواشنطن قد يبدو أن تعزيز القدرات العسكرية التقليدية لطهران هو أمر غير منصف يمثل تهديدًا أكبر لحلفاء أخرين في المنطقة، بما في ذلك بعض القوى الدولية. لكن المفاضلة بين القدرات التقليدية والفواعل من غير الدول هي تلك التي ينبغي على جيران إيران وخصومها أخذها بعين الاعتبار؛ حيث أدى دعم طهران للفاعلين من غير الدول إلى خلق أكبر التحديات الأمنية في المنطقة، التي فرضها "حزب الله" في لبنان، و"الحوثيون" في اليمن، وعدة ميليشيات أخري في العراق. كما أن الطبيعة العالية التأثير والتكلفة المنخفضة لوكلاء إيران تجعلهم يهددون بشكل خاص الدول الأخرى ويزعزعون استقرار المنطقة.

وأشارت الباحثة إلي أن الأمر الأكثر تهديداً بالنسبة لواشنطن يتمثل في تدريب طهران لوكلائها في المنطقة على الخبرة القتالية البحرية ، الأمر الذي يخلق تهديدًا أكثر خطورة  في الخليج العربي؛ حيث يقدر الخبراء أن تكلفة الحرب مع إيران بالنسبة لواشنطن ستتجاوز إلى حد كبير تكلفة حربها مع العراق، التي من المتوقع أن يصل تأثيرها إلي أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا واليمن إلى جانب وصول برنامجها الصاروخي إلى كل دول المنطقة، مما يعني أن الحرب بين الولايات المتحدة وإيران سوف تتصاعد بسرعة إلى أن تشمل المنطقة بأكملها.

في السياق ذاته، يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تنفق تريليونات الدولارات وتواجه تكلفة بشرية مذهلة في عدد الضحايا واللاجئين. والأهم من ذلك، من المحتمل أن ينجو فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وشبكته من خلال وكلائه في المنطقة المدربين تدريباً مهنياً على حرب العصابات والتعامل مع أي صراع عسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفاءها.   

ومع اتباع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة والذي بدأ بسحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان، وبالتالي، مع وجود مادي أقل في الشرق الأوسط، من الممكن لواشنطن أن تعود إلى وضعها السابق كوسيط إقليمي، مع دور أقل وضوحا. وهذا من شأنه أن يُحدث تحول كبير في الحسابات الاستراتيجية الإيرانية، مع إمالة حسابات التكلفة والعائد لصالح تقليص استخدام الفواعل من غير الدول لتعزيز مصالحها.

ففي الوقت الحالي، تكثف الولايات المتحدة الضغط والتهديدات العسكرية، والصفقة النووية آخذة في الانهيار، رداً على ذلك، فإن إيران منخرطة في السعي إلى الردع وبناء النفوذ. من غير المرجح في الوقت الحالي وضع العلاقة على مسار مختلف، لكن الأمر يستحق الاستكشاف.

قد يبدو اتفاق الحد من الأسلحة المصمم لتحويل سياسة إيران من تكتيكات الحرب غير المتماثلة إلى قدرات عسكرية تقليدية أكثر تعزيزًا بعيد المنال بالنظر إلى العقبات التي تعترض تطوير مثل هذا الاتفاق وتنفيذه والتحقق منه، الأمر الذي يتطلب التزامًا طويل الأجل من جميع الأطراف المعنية. على الرغم من أن مثل هذه الصفقة قد تكون صعبة، إلا أنه من الأفضل السعي إلى تحقيقها، بديلاً عن الاستمرار في حالة التصعيد الحالي أو اندلاع الحرب.

Mahsa Rouhi, How to Make a Lasting Deal with Iran, Foreign policy, 7/9/2019, available at:

 https://foreignpolicy.com/2019/09/07/how-to-make-a-lasting-deal-with-iran-proxies-missiles-nuclear-conventional-weapons-trump-rouhani/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟