المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التجربة الصينية: مسيرة وفرص الريادة الاقتصادية للعالم

الخميس 19/أبريل/2018 - 01:05 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. طارق ثابت

الصين ذلك العملاق الاقتصادي والجغرافي (9 مليون وستمائة ألف كم مربع تقريباً) والتي تعرضت للغزو من اليابان خل الحرب العالمية الثانية وكانت تعانى من زيادة سكانية رهيبة (مليار وثلاثمائة وثمانين مليون نسمة تقريباً - تعداد 2017) ونظام إقطاعي ينفرد فيه أصحاب الأراضي بمعظم ثروة البلاد وتدنى الخدمات مثل الصحة والتعليم والنقل والاتصالات قامت بعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بجهود جماعية من خلال نظام اشتراكي للنهوض بالخدمات وتوفير الغذاء ومن خلال عدة خطط خمسية تم تجاوز أهداف برامج إعادة التأهيل لإعادة الاقتصاد إلى مستواه الذى كان قائماً قبل الحرب ومضت في برامج لتحقيق فائض للتصدير وتصنيع وسائل الإنتاج واستيراد التكنولوجيا الحديثة من الدول الأوروبية وتعديل ما يلزم من قوانين لمواكبة تغيرات العصر الاقتصادية إلى أن وصلت لأن تصبح ما يطلقون عليه مصنع العالم وأن تصبح عام 2010 أكبر مصدر في العالم وعام 2016 أكبر اقتصاد في العالم حيث بلغ إجمالي الناتج الوطني 11,9 تريليون دولار (لسنة 2017) ومتوسط دخل سنوي 8500 دولار للفرد .

ومن خلال هذه الدراسة سنتعرض لما قامت به الصين منذ عام 1949 وحتى الآن حتى وصلت لما هي فيه الآن من تفوق اقتصادي رغم نظامها الاشتراكي .

   بعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 انتقلت ملكية المؤسسات التجارية والصناعية للدولة وبحلول 1952 أصبحت الدولة تستحوذ على أكثر من 60% من الناتج الصناعي الوطني و80% من الإنتاج الصناعي الثقيل، كما تم تطوير وسائل إنتاج النفط وماكينات إنتاج الحديد والصلب وفي نفس العام بلغ إنتاج وسائل الإنتاج 43,8% من إجمالي الناتج الوطني مقابل 32,5% عام 1949.

وخلال الخطة الخمسية الأولى بدأت مرحلة التنمية الاقتصادية علـى نطـاق واسع كما اتخذت الصين عدة خطوات للإصلاح والتصنيع الزراعي ووضع حد للتضخم، وفي الاجتماع الثالث للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عام 1950 قال ماو تسى تونج أن هناك ثلاثة شروط للنهوض بالاقتصاد وهى استكمال الإصلاح الزراعي، وإصلاح الوضع القائم للصناعة والتجارة، وإيجاد اقتصاد منتج على نطاق واسع مع خفض الإنفاق الحكومي ومع تطبيق تلك الشروط استطاعت الصين تحقيق تحسن في أقل من ثلاث سنوات حيث تم توزيع الأراضي الزراعية التي تم مصادرتها من ملاكها الإقطاعيين على فقراء الفلاحين، كما أنشأت الدولة أكثر من ألفي مزرعة تستخدم أحدث نظم الميكنة الزراعية وتعمل كمراكز للتعليم الزراعي للمزارعين في القرى المجاورة وفي عام 1952 زاد الإنتاج الزراعي بنسبة 40% مقارنة بعام 1949 كما زاد إنتاج القطن بنحو 200%.

وبالنسبة للطرق كان إجمالي خطوط السكك الحديدية العاملة عام 1947 (6884 كم) وفي عام 1951 تم إعادة تأهيل خطوط السكك الحديدية العاملة ليصل إجمالها إلى 23785 كم ثم بدأت بعد ذلك في بناء خطوط جديدة، في حين بلغ إجمالي الطرق البرية السريعة 112000 كم.

وقد تمكنت الصين من خلال نظامها الاقتصادي الذى كان سائداً قبل تسعينات القرن المضي من تعبئة فائض الإنتاج المتاح لديها واستغلاله في زيادة النسبة الموجهة للاستثمار من الناتج الوطني، وفي عام 1978 خصصت الصين 25% مـن إجمالي ناتجها الوطني للاستثمار بما يوازى 111 بليون دولار وظلت المصانع الصينية تعمل بماكينات قديمة نظراً لقلة المخصصات المالية اللازمة لشراء ماكينات تعمل بتكنولوجيا أحدث كما ظلت الأعمال الزراعية تتم بشكل تقليدي من خلال العامل البشرى والحيوانات إلا أن عملية التحديث سارت بشكل تدريجي وعملت الصين على استغلال الميزة النسبية لكل منطقة للعمل على نمو الاقتصاد وذلك من خلال تطوير قدرات النقل.

وكان هدف الحزب الشيوعي الصيني منذ أتى للحكم عام 1949 أن يجعل الصين دولة اشتراكية قوية حديثة وكان يعنى هذا من الناحية الاقتصادية تطوير الصناعة وتحسين مستوى المعيشة وتضييق الفوارق بين الدخول وتصنيع المعدات الحربية، كما أخذت الصين تقوم بتعديل سياساتها بالنظر إلى التطورات الدولية والاقتصادية فلم تقف ساكنة أو جامدة نحو متغيرات العصر .

وفي بداية حكم الحزب الشيوعي الصيني كان هناك خلاف بين قادة الحزب حيث كان يرى بعضهم أن الأهداف الاشتراكية المتمثلة في تحقيق المساواة في الدخول وزيادة الوعى السياسي يجب أن تكون لها الأولوية على التصنيع والتحديث الاقتصادي من أجل تحقيق نظام اشتراكي ناجح .

فترة ما بعد الاستقلال (1949-1952)

في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 قام الاتحاد السوفييتي السابق بتفكيك قرابة نصف المصانع في المناطق الصناعية الرئيسية في الصين وقام بنقلها إلى الاتحاد السوفييتي مما تسبب في انخفاض الإنتاج بشكل كبير كما تأثر الاقتصاد الصيني بشدة بسبب الحرب مع اليابان حيث كانت معظم المصانع مدمرة وأصيبت قطاعات النقل والاتصالات والطاقة بأضرار بالغة بسبب نقص أعمال الصيانة وكان إنتاج الحبوب أقل بثلاثين بالمائة من الاحتياجات الفعلية .

وضع الحزب الشيوعي خطة خمسية لتحسين الاقتصاد (1949 – 1952) وإعادته لمستواه العادي وبدأت أعمال إصلاح قطاعات النقل والاتصالات وتم تأميم البنوك ووضعها تحت إشراف بنك الشعب الصيني وتم توحيد النظام النقدي لخفض نسبة التضخم مع خفض الإنفاق الحكومي وضمان قيمة العملة وتم تنشيط القطاع التجاري من خلال إنشاء شركات حكومية للتجارة وأصبحت معظم المشروعات بيد الحكومة المركزية، وبعد توزيع الأراضي الزراعية على صغار المزارعين تم من خلالهم تكوين فرق أُطلق عليها فرق المساعدة التبادلية تقوم بالمساعدة في أحد مراحل الإنتاج وبحول عام 1952 استقرت الأسعار وانتعشت التجارة واستعادت الصناعة والزراعة أقصى مستوىً لها للإنتاج وبعد تلك الخطوة بدأ الحزب الشيوعي الصيني في وضع خطة للنمو الصناعي وتوجيه الدولة أكثر نحو الاشتراكية وطبقت الصين في ذلك النموذج السوفييتي السابق والذى يعتمد على ملكية الدولة لقطاع الإنتاج والتخطيط المركزي للاقتصاد وقامت الصين بتكوين ما يسمى بـ" تعاونيات المنتجين المتقدمة " حيث يتم توزيع الدخل على العاملين حسب عددهم بمنطقة ما كما تم السماح لكل أسرة عاملة بالاحتفاظ بقطعة أرض يخصص إنتاجها لهم وأصبحت تلك التعاونيات بحلول عام 1957 تشكل حوالى 93,5% من العاملين بالقطاع الزراعي، كما توسعت الصين في إرساء الصناعات الأساسية مثل الحديد والصلب والإسمنت واستخراج الفحم وتوليد الكهرباء وصناعة الآلات بتكنولوجيا حديثة وفيما بين عامي 1952 و1957 زاد الإنتاج الصناعي بمعدل سنوي بلغ 19% وزاد الدخل الوطني بنسبة 9% سنويا إلا أنه بقيت مشكلة الوفاء باحتياجات الشعب من الغذاء.

قبل نهاية الخطة الخمسية الصينية الأولى ( 1953-1957 ) أيقن القادة الصينيون أن هناك فجوة متزايدة بين نسب النمو في القطاعين الزراعي والصناعي إضافة إلى عدم المرونة في عملية اتخاذ القرار مما أقنع قادة الحزب الشيوعي الصيني أن النموذج المركزي السوفييتي غير ملائم للصينيين وفي عام 1957 اتخذت الصين عدة إجراءات لتحويل جزء كبير من عملية اتخاذ القرار الاقتصادي للأقاليم.

وخلال الخطة الخمسية الثانية (1958 – 1962) ظهر جلياً نقص رأس المال اللازم للاستثمار في المجالين الزراعي والصناعي فبدأت الصين في استغلال رأس مالها البشرى في القطاع الزراعي من خلال بناء مشروعات ضخمة في مجال الري والمياه يعمل بها أعداد ضخمة من المزارعين لم يكن يتم استغلالهم على النحو الأمثل إضافة إلى استخدام فائض العمال في آلاف من المشروعات الصغيرة ومشروعات لإنتاج الآلات المستخدمة في المكينة الزراعية وظل نظام المجموعات الضخمة هو النمط الأساسي للعمل في القطاع الزراعي حتى أوائل الثمانينات .

خطة الانتعاش الزراعي والصناعي (1961 – 1965)

كانت أهداف تلك الخطة استعادة الإنتاج الزراعي لمستواه بعد هبوطه أواخر الخمسينات وأوائل الستينات وأصبح هناك ما يسمى بفرق الإنتاج ولها سلطة اتخاذ القرار في العملية الإنتاجية وتوزيع الدخل على أعضائها وتم تخفيض الضرائب على الإنتاج الزراعي وخلال الفترة من 61 إلى 1966 زاد الإنتاج الزراعي بنسبة 9,6% سنوياً، وبالنسبة للقطاع الصناعي ظلت إدارة معظم المشروعات الصناعية بيد الإدارات المحلية وتم استيراد الماكينات الحديثة من اليابان والدول الغربية بعد توقف المساعدات السوفييتية للصين وزاد الإنتاج الصناعي بنسبة 10,6% سنوياً ويرجع السبب الأكبر في زيادة الناتج الصناعي إلى عودة المصانع المتوقفة إلى العمل وانتشار الصناعات الصغيرة و الريفية وظل النظام الأساسي للملكية واتخاذ القرار واستراتيجية التنمية التي تم صياغتها أوائل الستينات بلا تغيير جوهري حتى تم إدخال إصلاحات عليها خلال الثمانينات .

فترة الثورة الثقافية (1966-1976)

تعرضت الصين خلال تلك الفترة إلى مرحلة من القلاقل السياسية بسبب رغبة زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي دونج التخلص من خصومه بالحزب بدعوى أنهم برجوازيين (طبقيين) ووجدت تلك الرغبة حماسة كبيرة من جموع الطلبة والذين تم استخدامهم لتكوين ما يسمى بالحرس الأحمر للتخلص من هؤلاء الطبقيين في أرجاء الصين كافة مما جعل البلاد تنغمس في أتون حرب أهلية لعشر سنين وخلال تلك الفترة انخفض الإنتاج الزراعي والصناعي بسبب انشغال الطلبة والعمال في تلك الثورة، واضطراب قطاع النقل بسبب قيام القطارات والشاحنات بنقل الحرس الأحمر لكافة مناطق الصين مما كان له أثر كبير على توافر المواد الخام للمصانع، إضافة إلى تولى اللجان الثورية وجيش التحرير الصيني إدارة المصانع رغم افتقارهم لخبرات الإدارة وتم سجن العلماء والمهندسين مما أفقد القطاع الصناعي خبراتهم .

وخلال الفترة من 1970-1974 بدأت الأمور في الاستقرار وبدأت المصانع تعود للعمل وتم إعادة المهندسين والعلماء إلى مواقعهم الأصلية وقدمت القيادة الجديدة للحزب الشيوعي بقيادة زهو إنلاي برنامجاً للتطوير للمؤتمر الوطني الشعبي الرابع شمل مكينة الزراعة وخطة لتطوير الاقتصاد ككل بحلول نهاية القرن العشرين وأصبح هناك اهتمام بالبحث العلمي ونظم التعليم .

ومرة أخرى في مؤتمر اللجنة المركزية الحادي عشر للحزب الشيوعي في 22 ديسمبر 1978 قرر قادة الحزب تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي بعد أن وجدوا أن أسلوب التخطيط المركزي للاقتصاد أخفق في تحقيق نتائج مرضية وأن الصين أصبحت تقف خلف دول بدأت معها مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وكان الهدف من الإصلاح الاقتصادي إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي هو جعل النظام الشيوعي يعمل بشكل أفضل وليس التخلي عنه إضافة إلى خفض سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج .

خلال الفترة من 79 إلى 1981 تم اتخاذ عدة إجراءات لزيادة الصادرات وتحسين الطرق والاتصالات وزيادة معدل نمو الصناعات الخفيفة مع تخفيض الاستثمارات في الصناعات الثقيلة، ومن أجل تحسين مستوى معيشة الفقراء في المناطق الريفية قدمت الحكومة نظام "المسؤولية التعاقدية "الذى يسمح للأسر العاملة في المزارع بالعمل في قطعة أرض يعود دخلها لهم مقابل توريد مقدار معين من الإنتاج وبحلول عام 1987 بدأت الإصلاحات تؤتى ثمارها وأصبحت السلع الاستهلاكية متوافرة وأوجدت فرص عمل وأصبح هناك نظام يسمح بتلقي أرباح مقابل زيادة الإنتاج بدلاً من تحويلها للدولة كما كان توزيع المنتجات على المناطق المختلفة يخضع لحساب الكميات المطلوبة التي يتم توريدها من تلك المنطقة وفي حالة وجود عجز في سلعة ما فإنه يتم استيرادها كحل أخير.

كما تم السماح من خلال تلك الإصلاحات أن تقوم المصانع بتقديم سلع (خارج خطة الإنتاج) لبيعها بالأسواق بأسعارها الفعلية وتوزيع أرباحها على العاملين مقابل زيادة الإنتاج والاحتفاظ بنسبة من الأرباح لاستخدامها في إعادة الاستثمار كما تم السماح للأفراد بالقيام بأعمال بسيطة خاصة بهم مثل تفصيل الملابس والباعة الجائلين والذين أصبحت رؤيتهم مشاهد مؤلفة بالشوارع وفي عام 1984 تم تحويل وزارة التجارة الخارجية لتصبح وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والتجارة كما تم السماح للأفراد بالقيام بأعمال تجارية خاصة بشكل مباشر مع الشركات الأجنبية كما قامت الصين بالسماح بالاعتمادات الائتمانية مع الشركات الأجنبية مما جعلها تدخل مجال التجارة الدولية.

سياسة الإصلاح والانفتاح

كان هدف الصين من تلك السياسة التي بدأت منذ عام 1984 هو إصلاح الاقتصاد والانفتاح على التجارة الخارجية وبدأت الصين تحت قيادة دنج زياوبنج في جنى ثمار ذلك التوجه حيث زاد معدل نمو الناتج المحلى وتم توسيع دور الأسواق الحرة المخصصة لبيع منتجات المزارع مما عمل على زيادة الإنتاج وفي المقابل ارتفاع دخول تلك المزارع، كما تم خفض فوائد القروض وتحت قيادة زياوبنج أصبحت التجارة الخارجية مصدراً هاما لتمويل الاستثمار وجلب التكنولوجيا الحديثة وتم السماح بالاستثمارات الأجنبية بالمشاركة مع الشركات الصينية وأصبح للمستثمرين الأجانب الحق في تملك المشروعات الاستثمارية كما تم ( خلال عام 1979 ) إقامة أربع مناطق اقتصادية خاصة في الأقاليم الساحلية للاستثمارات الخارجية ثلاث منها قرب هونج كونج والرابعة قرب تايوان وكان الغرض من تلك المناطق الاقتصادية إيجاد فرص لنقل التكنولوجيا الحديثة من الشركات الأجنبية لنظيرتها الصينية وبحلول عام 1987 أصبح أمام المواطن الصيني كم كبير من البضائع التي تقدمها الشركات الحكومية أو الخاصة أكثر من أي وقت مضى.

نتج عن تلك السياسات الانفتاحية تباين كبير بين دخول من أصبحوا أغنياء عمن سواهم مع زيادة التضخم وهو ما دفع سكرتير عام الحزب الشيوعي هو ياوبانج للاستقالة عام 1987 وأعقب ذلك مناقشات حول مستقبل الإصلاحات الاقتصادية والحاجة لإيجاد توازن بين حوافز اقتصاد السوق وبين حاجة الحكومة لفرض سيطرتها على الأسواق وانتهت المناقشات إلى التأكيد على الحاجة لمزيد من الإصلاحات .

وفي عام 1985 تم إنشاء "جهاز المحاسبة الوطني" على النظام الغربي بدلاً من نظام المحاسبة السوفييتي حيث تم نشر أول بيانات عن الناتج الإجمالي الوطني للصين على نهج البنك الدولي حيث قامت الصين بإجراء عدة تعديلات اقتصادية وفق ظروف الصين ليتم نشر تلك البيانات كما تم حساب الناتج الوطني بالدولار الأمريكي وفق أسعار صرف العملة المحلية وتحليل معدل النمو ونسبة إسهام كل مكون من مكونات الاقتصاد في نسبة النمو.

وفي نفس العام حقق القطاع الصناعي نسبة تشغيل بلغت 17% من قوة العمل حققت إنتاجاً بلغ 46% من إجمالي الناتج الوطني وكان هناك عدد كبير من المصانع الحديثة في مجالات المنسوجات والصلب والمُخصبات الكيماوية والبتروكيماويات واستطاعت الصين إنتاج معظم منتجات الدول الصناعية بكميات محدودة كما قامت الصين باستيراد الآلات الحديثة كوسيلة أساسية لنقل التكنولوجيا الأوروبية .

وبالنسبة للمجال الزراعي فقد بلغت نسبة تشغيل القطاع الزراعي قرابة 63% من قوة العمل حققت إنتاجاً بلغ 23% فقط من إجمالي الناتج القومي بسبب نقص الماكينات الحديثة واستخدام العمالة اليدوية، وبلغت نسبة التجارة الخارجية 20% من إجمالي الناتج الوطني والتي كانت تحت إشراف وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والتجارة والبنك المركزي الصيني وكانت المنسوجات على رأس قائمة الصادرات وكانت الآلات على رأس قائمة الواردات وخلال عام 1986 كانت اليابان هى الشريك التجاري الأول للصين بنسبة 28,9% من الواردات الصينية مقابل 15,2% للصادرات وخلال نفس العام أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي ثالث شريك تجارى للصين على مستوى العالم .

الفترة من 1990- 2000

خلال تلك الفترة قام سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني دينج زياوبنج بمزيد من الإصلاحات السياسية لتحفيز الاقتصاد وأوضح مؤتمر الحزب الشيوعي الرابع عشر عام 1992 أن مهمة الصين الرئيسية خلال هذا العقد هو إيجاد اقتصاد سوق اشتراكي والاستمرار بنفس النظام السياسي القائم مع إجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة كأساس للتنمية خلال تلك الفترة وخلال عام 1993 زادت الاستثمارات بشكل كبير من خارج ميزانية الدولة وزاد حجم الاقتصاد من خلال إقامة أكثر من 2000 منطقة اقتصادية خاصة (Special Economic Zones) مما ساعد على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية واستمرت الدولة في الهيمنة على كثير من الصناعات الرئيسية وهو ما عُرف بــ "اقتصاد السوق الاشتراكي" وانخفض معدل التضخم من 17% إلى 8% خلال عام 1996، وخلال الفترة من 1995 إلى 1999 هبط معدل التضخم بدرجة أكبر بفضل السياسة النقدية وإجراءات الحكومة للسيطرة على أسعار الغذاء.

وفي أواخر هذا العقد تخلت الصين عن فكرة ملكية الدولة للمشروعات وأعلن المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي في سبتمبر 1997 عن خطط لبيع أو دمج غالبية المشروعات المملوكة للدولة وتشجيع الملكية الخاصة.

وفي أكتوبر 2003 أعلن الحزب الشيوعي الصيني عن عدة تعديلات على الدستور كان أبرزها حماية الملكية الخاصة وفي مارس 2004 وافق مؤتمر الشعب الوطني على إجراءات لتوزيع الدخل بشكل متوازن بين الريف والحضر بما يحافظ على العدالة الاجتماعية، وفي عام 2005 وافق الحزب الشيوعي الصيني على الخطة الخمسية الحادية عشر (2006 – 2010) والتي تهدف لبناء " مجتمع اشتراكي متناغم " من خلال التوزيع المتوازن للثروة وتطوير التعليم والرعاية الطبية والأمن الاجتماعي وخلال الفترة من 1990 وحتى 2004 بلغ معدل النمو السنوي 10% وهو ما أدى إلى توفير قرابة 15 مليون فرصة عمل للصينيين سنوياً وهو أعلى معدل نمو في العالم وخلال عام 2006 بلغ حجم التجارة الصينية 1,76 تريليون دولار مما جعل الصين في المركز الثالث عالمياً من حيث حجم التجارة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، وخلال الفترة من 1978 إلى 2005 زاد دخل الفرد من 153 دولار إلى 1284 دولار سنوياً.

وقد صاحب ذلك تباين كبير بين مستوى معيشة المناطق الساحلية القريبة من المناطق الاقتصادية وبين المناطق الريفية الداخلية حيث أفادت الأمم المتحدة في 2007 أن قرابة 130 مليون صيني معظمهم يعيشون في المناطق الريفية من الفقراء بدخل يبلغ أقل من دولار أمريكي في اليوم فقامت الصين بمزيد من الإجراءات لتحفيز الاقتصاد مثل خفض الضرائب على المشروعات الصناعية ومبيعات العقارات والبضائع وضخ مزيد من الاستثمارات لتطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية والطرق والمطارات، وفي يناير 2009 قال البنك الدولي أن الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الألماني بـــ 15% كما قال الاقتصادي الصيني تينج لو أن الصين يمكن أن تفوق الاقتصاد الياباني خلال ثلاث أو أربع سنوات وخلال عام 2012 بلغت قيمة التجارة الإلكترونية للصين 660 بليون دولار أمريكي.

وخلال السبعينات والثمانينات كانت الحكومة الصينية تحدد أسعار السلع وهو ما كان ينتج عنه بيع سلع بأقل من تكلفتها الفعلية وبدأت الحكومة في التحرك لجعل السلع تباع وفق أسعارها الحقيقية من خلال العرض والطلب وتم تطبيق ذلك الأسلوب بالنسبة للسلع التي يتم إنتاجها (خارج نطاق المؤسسات الحكومية) كما تخلت الحكومة عن وضع أسعار الحبوب عدا أسعار الحبوب التي تشتريها الدولة من المزارع الخاصة لبيعها للمواطنين فكان يتم بيعها بأسعار مخفضة كما تم تحرير أسعار منتجات المشروعات الخاصة في المدن والريف.

وبالنسبة لمشاركة الشركات الصينية في السوق الخارجي فقد كانت هناك طريقتين لذلك إما الاندماج أو الاستحواذ لكنها فضلت الاندماج كطريقة سريعة للوصول للأسواق الخارجية وعدم التعرض لمخاطر اقتصادية في تلك البلدان والاستفادة من العمالة الرخيصة فيها وعدم فرض رسوم على المنتجات الصينية الواردة لتلك البلاد وقد ساعدت الحكومة الصينية الشركات الوطنية على التوسع في أعمالها بالخارج من خلال خفض الفوائد على رؤوس الأموال، وفي بداية الانفتاح على الأسواق الخارجية كانت الشركات الحكومية الصينية هي المهيمنة على فرص الاستثمار في الخارج وبداية من عام 2005 بدأت كثير من الشركات الخاصة في الاستثمار في الأسواق الخارجية وخلال عام 2007 بلغت أجور العمال بالمشروعات الخاصة قرابة 200 دولار شهرياً وخلال عام 2016 بلغ أجر العمال في مجال إنتاج السلع المصنعة المعدة للتصدير 424 دولار شهرياً إلا أنه وبسبب هيمنة الدولة على المشاريع الكبرى ومحدودية الحرية الاقتصادية في الصين فقد أدى ذلك خلال عام 2014 إلى هجرة قرابة عشرة ملايين شخص بما لديهم من مدخرات ورؤوس أموال من الصين.

خاتمة

لقد تحولت الصين تحولاً كاملاً من الناحية الاقتصادية خلال العشرين عاماً الماضية فلم يكن قادة الحزب الشيوعي جامدين تجاه متغيرات العصر الاقتصادية فقد واكبت هذا التغير وأصبح محفزاً لتحويل الصين إلى دولة قوية حديثة فقد أدى التطور الاقتصادي الصيني إلى وجود مخصصات مالية وفيرة يتم توجيهها للتعليم والبحوث ودعم القوات المسلحة الصينية التي أصبحت قوة لافتة للنظر في آسيا تفرض نفوذها في المنطقة وخاصة أمام اليابان في المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة ولا تعتبر أن لليابان نصيب فيها .

   فمنذ بدأ العالم في التوجه نحو العولمة ونظام اقتصاد السوق أخذت الصين تغير سياساتها الاقتصادية بما يتواكب مع تلك المتغيرات، فالنقلة النوعية للاقتصاد الصيني حدثت خلال الثمانينات من خلال السماح لعدد كبير من المحظورات مثل الاستثمار الأجنبي والسماح للأفراد بإقامة مشروعات خاصة صغيرة وإقامة مناطق اقتصادية خاصة مع استمرار إدخال التعديلات اللازمة وقت الحاجة على القوانين القائمة .

ورغم جمود الوضع السياسي في الصين حيث لا توجد انتخابات لاختيار رئيس الحكومة إذ أن مؤتمر الشعب والذى يعقد كل خمس سنوات هو من يقرر ذلك ورغم ذلك فإن قادة الحزب كان لهم نظرة بعيدة مرنة تجاه الوضع الداخلي للصين حيث كان الأهم دعم الاقتصاد لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين من صحة وتعليم واتصالات ونقل ومواد غذائية وهو ما نجح فيه الحزب الشيوعي الصيني والذى تخلى فعلياً على أرض الواقع عن النهج الاقتصادي الاشتراكي، رغم الإعلان في اجتماعات الحزب ومؤتمرات الشعب عن عدم التخلي عن النظام الاقتصادي الاشتراكي، وهو ما أدى إلى دعم وضعية الحزب في الحكم وهو ما يمكن أن يؤدى لاحقاً إلى تحريك البيئة السياسة في الصين لتحذو حذو الديمقراطيات الأوروبية واليابان .

إن التحول الصيني الضخم والتوجه نحو اقتصاد السوق والانفتاح على التجارة العالمية (مع العمل على موازنة أسعار السوق لتقديم سلع بأسعار معتدلة للشعب) أدى إلى وجود مؤشرات بأن تصبح الصين القوة الأولى ومركز القرار العالمي بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأن تعد الصين المثل والأنموذج الفعلي لدول نامية كثيرة ومنها مصر أن تأخذ ما يناسبها من التجربة الصينية التي نجحت نجاحاً باهراً جعل الصين تدخل نادى الكبار لتكون من بين أكبر المقرضين والمستثمرين في العالم بعد أن كانت تعد دولة منهارة تكاد تفي بحاجة سكانها من الغذاء.

المراجع

1-      New Times ,Industrial Development in China,  Issue no. 21 , May 20 , 1953 , Moscow

2-      Economic history of China ( 1949 – Present )

https://en.wikipedia.org/wiki/Economic_history_of_China_(1949%E2%80%93present)

3-      http://en.wikipedia.org/Economy.of_china-wikipedia

4-      http://www.cia.gov/library/publcations/the-world-fact/fields/2116.html#ch

5-      https://en.wikipedia.org/w/index.php?title=Economy_of_the_People%27_Reublic_of_China&redirect=no

6-      China Economic Journal : http://www.tandf.co.uk/journals/titles/17538963.asp

7-      China Economic Quarterly: http://www.theceq.info

8-      How is China shaping the global economic order , http://chinapower.csis.org/how-is-china-shaping-the global-economic-order/

9-      China vows to stabilize prices , prevent price hikes" http://english.gov.cn/2008-01/09/content_853969.htm

10-  The New York Times , Fighting Inflation ,China Freezes Energy Prices:

https://www.nytimes.com/2008/01/09/business/worldbusiness/09cnd-yuan.html

11-  China overtakes US as the biggest importer of oil ,http://www.bbc.co.uk/news/business-24475934

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟