المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

تداعيات وخيمة...كيف أثرت الحرب على الأمن المائي في غزة ؟

الإثنين 25/مارس/2024 - 12:01 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

يواجه قطاع غزة، وهو قطاع ساحلي مكتظ بالسكان، أزمة مياه حادة ومتفاقمة. وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية، تعرضت غزة للدمار بسبب الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، وفي هذا السياق، تعد إحدى  التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه سكان القطاع هي الوصول إلى المياه؛ حيث يقوم 2.2 مليون فلسطيني يعيشون في غزة بتقنين ما بين 1 إلى 3 لترات يومياً لجميع استخداماتهم، وكثيراً ما يلجأون إلى مياه الشرب من البحر أو من مصادر أخرى غير آمنة. وينتشر الجفاف والأنفلونزا والأمراض الجلدية الناجمة عن نقص إمدادات المياه الآمنة والكافية.

إن أزمة المياه هذه، رغم أنها أكثر خطورة بشكل مدمر، ليست جديدة على غزة، فلقد كان لانعدام الأمن المائي تأثير كبير على الأمن البشري، والصحة العامة، والتنمية الاقتصادية، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ لعقود من الزمن. وتتفاقم أزمة المياه الحادة الأخيرة هذه بسبب التحديات الأساسية التي يواجهها قطاع المياه في غزة. ويتطلب كشف أبعاد هذه القضية المعقدة فهم العوائق الحاسمة التي تحول دون الوصول إلى المياه النظيفة والعواقب المدمرة لانعدام الأمن المائي الحاد لفترات طويلة.

أولاً: تأثير الهجمات الإسرائيلية على غزة

لقد ضربت غزة صدمة كبيرة، لكنها ليست صدمة مناخية؛ حيث أعلنت  إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة، بما في ذلك القطع الفوري لإمدادات المياه والكهرباء القادمة من بعض المدن الإسرائيلية. وإثر ذلك، أصبحت هناك وصلة واحدة فقط من وصلات المياه الثلاثة الممتدة من إسرائيل إلى غزة هي التي تعمل بسعة 47% فقط. وشهدت مرافق المياه، بما في ذلك أكثر من 60 بئراً ومنشآت تحلية المياه الثلاث في غزة، توقفًا كاملاً أو جزئياً - مع تشغيل 17% فقط من آبار المياه الجوفية. وحالياً، يتم تشغيل اثنتين من مرافق تحلية المياه؛ ومع ذلك، لا يمكنها توليد المياه إلا بقدرة 25% فقط بسبب نقص الوقود.

وأفادت  بعض التقارير بأن أكثر من نصف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة قد تضررت بسبب الغارات الجوية، ولا يوجد إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة في شمال غزة. وحتى عندما تعمل المرافق، وإن كانت أقل بكثير من طاقتها، فقد تم تدمير الشبكات ومحطات الضخ في جميع أنحاء القطاع. وبالتالي، يتم استخدام الصهاريج لتوصيل المياه إلى السكان، مما يعرض مقدمي الخدمات لخطر كبير. وقد قُتل موظفون في أكبر مرافق المياه في غزة، وهي مصلحة مياه بلدية الساحل، في غارات جوية أثناء تقديم هذه الخدمات.

وعلاوة على ذلك، تعرضت جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي المركزية الثلاث في غزة – والتي تم الانتهاء من بنائها فقط في السنوات القليلة الماضية – للأضرار في الغارات الجوية. ولا يمكن رؤية مدى الضرر إلا من خلال صور الأقمار الصناعية، حيث لا يستطيع الموظفون الوصول إلى المواقع. إن محطة معالجة مياه الصرف الصحي الوحيدة العاملة في غزة، وهي منشأة صغيرة في رفح تحتاج إلى إعادة تأهيل منذ فترة طويلة، وتعاني حالياً من طاقتها الزائدة؛ يقوم الموظفون بتحويل مياه الصرف الصحي المعالجة جزئياً إلى البحر الأبيض المتوسط. ومع تدمير أجزاء كبيرة من شبكة الصرف الصحي في جميع أنحاء القطاع، تغمر مياه الصرف الصحي الشوارع.

ثانياً: التداعيات طويلة الأمد لانعدام الأمن المائي في غزة

رغم إنه من الصعب تقييم الآثار طويلة المدى لهذا الدمار بشكل كامل وسط أعمال العنف المستمرة، ولكن أشارت بعض التحليلات المبكرة إلى أن أكبر الآثار البيئية والمناخية لهذه الحرب تتضح في الانبعاثات الهائلة الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية والغزو البري لغزة. فوسط عمليات القصف، أصبح السكان يعتمدون بشكل متزايد على إمدادات المياه من مصادر غير آمنة للبقاء على قيد الحياة، حيث يقدر متوسط استهلاك المياه حاليًا بين 1.5 و3 لتر للشخص الواحد يومياً، وأعلنت المنظمات الإنسانية أن 15 لتراً من المياه هي الحد الأدنى اللازم في حالات الطوارئ، والتي تشمل مياه الشرب والطهي والنظافة، في حين أن 3 لترات هي الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة.

وهذه الكميات منخفضة بشكل مدمر، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل انتشار الجفاف والالتهابات الجلدية، في حين تتزايد المخاوف بشكل خاص بشأن الأمراض الأخرى التي تنقلها المياه مثل الكوليرا. وحتى 12 مارس من العام الجاري، توفي 27 شخصاً في غزة بسبب الجفاف وسوء التغذية. وكإجراء طارئ، تم تركيب محطة صغيرة لتحلية المياه على الجانب المصري من معبر رفح، لتوصيل إمدادات الطوارئ إلى السكان في رفح. ومع ذلك، فإن عدد الشاحنات التي تقوم بتوصيل المياه وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية أقل بكثير من الطلب، وكثيراً ما تم منعها من دخول غزة من قبل السلطات الإسرائيلية والمتطرفين الإسرائيليين.

ثالثاً: سبل التغلب على هذه التحديات

 بعيداً عن الاحتياجات الفورية، فإن الأمن المائي على المدى الطويل يتطلب إصلاحاً جوهرياً للحواجز المفروضة على قطاع المياه في غزة، بما يتضمن رفع القيود المفروضة على دخول المواد حتى يتمكن قطاع المياه من تطوير وصيانة البنية التحتية الخاصة به. كما أن بناء محطات تحلية المياه لتوليد إمدادات بديلة يمكن أن يقلل من اعتماد غزة على مصادر المياه الإسرائيلية، وكذلك فإن تعزيز قدرات تحلية المياه سيسمح لمقدمي خدمات المياه بتخفيف عمليات استخراج المياه الجوفية وإعادة تأهيل طبقة المياه الجوفية الساحلية، وهو أمر حيوي لتحقيق القدرة على الصمود على المدى الطويل.

وفي السياق ذاته، يلعب الدعم السياسي والمالي الدولي دوراً حاسماً في هذا الأمر؛ حيث سيكون تمويل تطوير البنية التحتية ضرورياً، خاصة عندما يتمكن قطاع غزة من الانتقال إلى فترة إعادة الإعمار، ومن شأن هذه الاستثمارات أن توفر فرصة لدعم قطاع المياه في منح الأولوية للنُهج القادرة على التكيف مع تغير المناخ في برامج البنية التحتية والإمدادات؛ وينبغي تطبيق أحدث التكنولوجيا وأفضل الممارسات لدعم هذه البرامج.

وفي النهاية: يمكن القول أن الصراع المتواصل أدى إلى تفاقم الأوضاع بشكل كبير؛ حيث يواجه سكان غزة تحديات طويلة الأمد في كفاحهم من أجل ضرورات الحياة الأساسية. وبالتالي فإن معالجة كارثة المياه هذه تتطلب نهجاً متعدد الجوانب، بما يضمن توفير الإغاثة الإنسانية العاجلة ويعالج السبب الجذري لانعدام الأمن المائي الذي طال أمده في غزة.

كما أن وقف إطلاق النار والدخول الفوري للمساعدات الإنسانية الكافية أمر ضروري في الوقت الحالي، في حين تتطلب الحلول المستدامة طويلة الأجل رؤية أوسع.؛ حيث أن التوصل إلى حل سياسي دائم ودائم أمر بالغ الأهمية وينبغي أن يعمل على تمكين الأراضي الفلسطينية المحتلة من حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة، بما يتضمن إعادة بناء أنظمة المياه والصرف الصحي في غزة بالكامل وتعزيز الاعتماد على الذات في هذا المورد الأساسي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟