المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات الوساطة: الصين وموقفها من الأزمة السودانية

الإثنين 22/مايو/2023 - 06:28 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تواصلت عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان حيث تقترب المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في غياب أي أفق لإنهاء الاشتباكات. ومع استمرار أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في الخرطوم ومدن أخرى، تمكنت عواصم غربية وإقليمية من فتح مسارات آمنة لإخراج الرعايا الأجانب بضمان الطرفين المتصارعين، بينما تتواصل جهود الوساطة الدبلوماسية التي تقترحها دول إقليمية عدة.

وقد دفع صمت الصين عن تأييد أي طرف في الصراع المسلح الجاري في السودان، إلى التطلع إليها كـوسيط محل ثقة، لوقف القتال، خاصة مع حرصها على تأمين مصالحها هناك. وحتى اللحظة لم تعلن الصين موقفا معلنا من أطراف الصراع في السودان، لكنها دعت إلى وقف الاشتباكات والجلوس على مائدة التفاوض.

الجدير بالذكر أنه بعدما وضعت الإدارة الأميركية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفرضت عقوبات عليه، ما أدخله في عزلة دولية، لجأت الحكومة السودانية وقتها إلى الشرق، ونمّت علاقاتها مع الصين، ولا سيما في مجال النفط. كما أنه قبل الانقسام إلى دولتين في عام 2011، كان السودان وجهة مهمة لاستثمارات الصين في الطاقة، حيث يمثل أكثر من 5 بالمئة من واردات النفط الخام الصينية.

ولا تزال بكين أكبر مشترٍ للنفط من جنوب السودان، والذي يمثل نحو 2 بالمئة من احتياجات الصين النفطية، ورغم أن جنوب السودان لديه معظم احتياطيات النفط فإن معظم خطوط الأنابيب ومنشآت المعالجة مملوكة للسودان، ما يحدد تدفق النفط إلى حد كبير.

وضمن السياق ذاته، تتمتع الصين بحضور كبير في شركات النفط في كل من السودان وجنوب السودان، حيث تغطي مجموعة واسعة من القطاعات من التنقيب عن النفط إلى إنشاء خطوط أنابيب النفط. بجانب ذلك تعتبر بكين واحدة من أكبر المستثمرين في السودان، حيث تعمل 130 شركة صينية في قطاعات البنية التحتية كالنقل والكهرباء والإنتاج كالزراعة، ولديها حصة سوقية تزيد على 50 بالمئة في الأعمال المتعاقد عليها. علاوة على ذلك، السودان يضم قوة عاملة صينية كبيرة منذ عام 2020.

أدوار وساطة متعددة

تصاعدت إمكانية وضع حد للمعارك الدائرة في السودان، فيما تخوض جهود الوساطة والمبادرات السلمية الإقليمية والدولية سباقا مع الزمن لإسكات المدافع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط مخاوف من تمدد الصراع إلى الإقليم ونشر الفوضى في المنطقة برمتها.

كما أن مساعي الوساطة تهدف لتحويل الهدنة إلى وقف دائم للعداء، وتشكيل فريق يشرف على الجوانب الإنسانية، وفتح ممرات للمساعدات الدولية، كما تدعو لتشكيل فريق آخر للإشراف على التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتشكيل لجنة مشتركة تضم طرفي الصراع وممثلين للآلية الثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف الأعمال العدائية، ويتوقع مراقبون أن تتكامل الجهود الدولية والإقليمية مع الإفريقية لإقامة منبر موحد “هجين” لتسوية الأزمة السودانية عبر تطوير الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار، واستئناف العملية السياسية لاستكمال التحول المدني الديمقراطي.

وضمن هذا السياق، أدت الصين دور الوسيط في عدد من النزاعات التي كانت دائرة في أفريقيا، بدءاً من السودان بين عامي 2007 و2008، وزيمبابوي 2008، والكونغو/ راوندا 2008، إلى السودان/ جنوب السودان 2008 حتى 2011.

وعلى الرغم من ذلك، ومع مرور أيام عديدة على بدء النزاع الدائر في السودان حالياً، لم تعلن الصين استعدادها للتوسط بين طرفي النزاع المسلح، بل دعت إلى حل النزاع عبر الحوار وتجنب التصعيد. ويعدّ النزاع الدائر في السودان اختباراً لرغبة الصين في تحقيق السلام في القرن الأفريقي ومدى جديتها في ذلك.

والآن، بكين تحت أعين الدول الأفريقية التي ترى فيها شريكاً موثوقاً، فقد أعلنت سعيها لتأمين الاستقرار في القارة الأفريقية في مناسبات عديدة. مثلاً، تناول "الكتاب الأبيض" الذي أصدرته عام 2021 قبيل انعقاد منتدى التعاون الصيني الأفريقي التعاون في مجالات السلام والأمن.

وفي إطار جهودها لدعم السلام والأمن في القارة، عيّنت الصين العام الماضي مبعوثاً صينياً للقرن الأفريقي، عرض التوسط في النزاعات على أساس إرادة دول القارة، وعقدت مؤتمراً حول السلام والتنمية في القرن الأفريقي في أديس أبابا العام الماضي، لتوفير منصة لدول المنطقة لتسوية خلافاتها من خلال المفاوضات، في محاولة لحل النزاعات. وتضمنت البرامج السبعة التي أعلنها الرئيس الصيني في كلمته خلال افتتاح المؤتمر الوزاري الـ8 لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) عام 2021 برنامجاً خاصاً بالسلام والأمن.

مسارات التعامل

التزمت الصين حتى الآن موقفًا محايدًا من القتال الدائر في السودان، بين الجيش السوداني النظامي وقوات الدعم السريع. كما أن موقف بكين من الأزمات التي كانت تدور في السودان واضح، إذ إنها كانت تدعو الأطراف إلى تجاوز الخلافات عبر الحوار والانتقال السلس، وتدعو المجتمع الدولي إلى إعادة دعم السودان ومساعدته في التغلب على الصعوبات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترفض التدخلات الأجنبية في شؤونه، وتدعو إلى رفع العقوبات عنه.

ومع اندلاع النزاع في السودان في الآونة الأخيرة، حثّت الصين طرفي النزاع المسلح على وقف إطلاق النار وتجنب المزيد من التصعيد وإجراء الحوار. وقد شهدت الأشهر الأخيرة حركة نشطة للصين في التوسط لحل النزاعات القائمة والدخول إلى المسرح العالمي كقوة عظمى، فقامت بأداء دور الوسيط في المصالحة السعودية الإيرانية، وأبدت استعدادها للتوسط في محادثات "سلام" إسرائيلية فلسطينية، كما أعلنت عن وثيقة سلام بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.

وحتى الآن، لا تزال بكين تراقب الأوضاع في السودان من كثب، وربما ستدعم أولاً معالجة الأزمة عبر الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة أو الوساطات التي تعرض لحل الأزمة. ويتوقف إعلان بكين رغبتها في أداء دور الوسيط في النزاع السوداني على مصالحها الاقتصادية واستثماراتها في السودان ورغبتها الجدية في المساهمة في حل النزاعات في العالم لإرساء مجتمع المصير المشترك الذي ينادي به الرئيس الصيني دائماً.

وتجب الإشارة هنا إلى أنه من مصلحة الصين التوسط لحل الأزمة السودانية لحماية مصالحها ومواطنيها في السودان عبر مبعوثها الخاص بالقرن الأفريقي أو مبعوثها الخاص بالشرق الأوسط، اللذين زارا السودان العام الماضي، ولضمان ثقة الدول الأفريقية ببكين وزيادة استثماراتها في القارة الغنية بالموارد الطبيعية ووقوف هذه الدول إلى جانبها في المحافل الدولية، ولا سيما دعمها مبدأ سياسة الصين الواحدة، وتعزيز فرصة أن يكون لها موقع ونفوذ وانتشار في العالم وتأسيس عالم متعدد الأقطاب يقوم على الاستقرار والسلام والعدالة.

لقد تبنت الصين نهجا أكثر حذراً تجاه الصراع في السودان حيث تسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مصالحها الاقتصادية والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فبينما واصلت الصين الاستثمار في قطاع النفط في السودان وفي قطاع المباني والإنشاءات، دعت أيضًا إلى حل سلمي للصراع وعرضت التوسط بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ينبع اهتمام الصين باستقرار السودان في المقام الأول من رغبتها في تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية وتوسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة.

في الختام: يبدو المشهد العسكري الراهن في السودان بعيد إلى حد كبير عن نجاح أي أطراف دولية أو إقليمية في إحداث اختراق سريع يسفر عن حالة مستقرة لوقف إطلاق النار، وأن قدرة أي وساطة، محدودة، في المرحلة الحالية، على وقف إطلاق النار في السودان حتى لو وجدت دعمًا دوليًا، وأيضًا يبدو الوصول إلى هذه المرحلة متطلبا لفترة زمنية أكبر، خصوصًا مع انفجار الأوضاع في دارفور وسعي قوات الدعم السريع للسيطرة على المنشآت الحكومية هناك تحسبًا ربما لهزيمة في الخرطوم، وتأسيسًا لمرحلة جديدة وطويلة تمارس فيها تمردًا على السلطة المركزية كعادتها، ولكن الإشكالية هذه المرة أن هذه الأوضاع قد تمهد لانفصال دارفور عن السودان على المدى المتوسط.

ومن ثم، يمكن القول إن استمرار النزاع في السودان سيؤثر في مصالح الصين في البلاد؛ فبكين هي أكبر شريك تجاري للخرطوم، وهناك أكثر من 130 شركة صينية تعمل في السودان، كما أنه سيؤثر سلباً في مبادرة "الحزام والطريق" التي انضم إليها السودان. ويعد موقع السودان الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر أساسياً في المبادرة الصينية، وهو يشكل بوابة الصين نحو أفريقيا، فضلاً عن غناه بالموارد الطبيعية، إذ يعدّ ثالث منتج للذهب في أفريقيا.

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟