المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

سياقات محفزة...هل عكس الاتفاق السعودي – الإيراني سيطرة خامنئي على صنع السياسة الخارجية؟

الخميس 27/أبريل/2023 - 03:18 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

كشفت تقارير عدة عن أن بروز دور كبير لسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، في الاتفاق بين طهران والرياض والذى تم التوصل إليه في 10 مارس 2023 يعد بمثابة مؤشر قوي على التأثير المباشر للمرشد الأعلى علي خامنئي  على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية.

وهو الأمر الذى يمكن تفصيل أبرز محدداته على النحو التالي:

أولاً-  صعود دور المجلس الأعلى للأمن القومي

يمكن القول أن اتفاق إيران والمملكة العربية السعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية يعد تطوراً كبيراً على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ حيث تم توقيع الاتفاق عقب اجتماعات في بكين بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني ومستشار الأمن القومي السعودي ووزير الدولة مسعد بن محمد العيبان.

ومن المؤكد أن تؤدي هذه الصفقة التي توسطت فيها الصين إلى تغيير علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي على نطاق أوسع، الأمر الذى من شأنه أن يترك أثاراً كبيرة على مواقف الصين والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولكن النقطة الأكثر إشكالية في هذا الإطار، هو أن هذا الاتفاق يلقى المزيد من الضوء على الجهة المسؤولة عن عملية صنع السياسة الخارجية في إيران.  

واللافت للانتباه في هذا الإطار، أن هذه المبادرة الدبلوماسية الأخيرة لم تكن بقيادة وزارة الخارجية الإيرانية، بل وبالأحرى تم تهميشها بشكل كبير، وخضع دور شمخاني القيادي في المحادثات للتدقيق داخل إيران وخارجها، وفسّرها الكثيرون على أنه علامة ضعف فيما يتعلق بموقف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. ولكن رد عبد اللهيان على هذا الجدل الدائر بشأن هذا الموضوع من خلال تغريدة له على منصة التواصل الاجتماعي توتير، مدعيا أن شمخاني انضم إليه مسؤولون في وزارة الخارجية، وأنه بسبب  الاختلاف الذى يحظى به النظام الإيراني في هذا الإطار، ولاسيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التى تشارك في صنعها مؤسسات عديدة داخل النظام وخاصة المجلس الأعلى للأمن القومي الذى يحظى بتنسيق عالي المستوى مع المرشد الأعلى مباشرة، فإنه لا ينبغي اعتبار مشاركة شمخاني في المحادثات دليلاً على وجود خلاف في الداخل الإيراني، بل أن الأمور تسير في مسارها الطبيعي.

ثانياً- تلبية لرغبة المملكة العربية السعودية

كشفت بعض التقارير، عن أن مشاركة شمخاني في العملية الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، جاءت كاستجابة لطلب من الرياض. وهو الأمر الذى يتوافق مع ما أشار إليه وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف  خلال التسجيل المسرب له في وقت سابق والذى فهم من خلاله أن صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية ينقسم بين "الدبلوماسية" و "المجال العسكري".

فبينما كان وزير الخارجية هو الشخصية الرسمية المشاركة في العلاقات الدبلوماسية، كان لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الراحل اللواء قاسم سليماني نفوذاً كبيراً على استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية والجهود الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة. كما اعترف ظريف، بإنه كان يتم التضحية في أحيان كثيرة بالدبلوماسية من أجل تحقيق مكاسب في ساحة المعركة.

 وبالتالي، جاءت رغبة المملكة العربية السعودية فى أن يكون القرار نابعاً من مجلس الأمن القومي التابع مباشرة للمرشد الأعلى علي خامنئي، إنطلاقاً من إدراك المسؤولين في جميع أنحاء الشرق الأوسط بثنائية هذا المسار الموجودة داخل النظام الإيراني. وبافتراض عام أنه بينما كانت وزارة الخارجية منخرطة في دبلوماسية رفيعة المستوى، كانت المفاوضات غير فعالة دون موافقة صانعي القرار الآخرين. لذلك، قد يكون انخراط شمخاني في المفاوضات مع المملكة العربية السعودية رداً على افتراض القادة السعوديين أنه سيكون في وضع أفضل من وزارة الخارجية لعقد صفقة دائمة، وبالتالي، يمكن القول إنه ربما كان حضور شمخاني في بكين يهدف إلى طمأنة الرياض بأن إيران ستحترم هذه الاتفاقية.  

ثالثاً- بروز دور خامنئي في السياسة الخارجية

أكدت بعض التقديرات على أن الدور الكبير الذى لعبه شمخاني في المحادثات الإيرانية السعودية يعد بمثابة مؤشراً قوياً على التأثير المباشر لخامنئي على صنع القرار في السياسة الخارجية الإيرانية. وعلى الرغم من جهود النظام لتصوير مجلس الأمن القومي الأعلى على أنه آلية بناء توافق تجمع ممثلين من مجموعة مختلفة من المؤسسات، فقد استخدمه خامنئي كأداة لتوطيد السلطة والتأثير على جميع جوانب السياسة الإيرانية.

والجدير بالذكر، أن المجلس الأعلى للأمن القومي تأسس عام 1989 من خلال تعديل دستوري، ويتألف من مجموعة من المسؤولين وهم؛ رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية، ورئيس منظمة الميزانية والتخطيط، وعضوين يعينهما المرشد الأعلى مباشرة، ووزراء الخارجية والاستخبارات والدفاع، والقائد العام للجيش.

وقد يبدو المجلس ممثلاً على نطاق واسع للنظام السياسي الإيراني، ولكن في الواقع يتم تعيين معظم أعضاء المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل المرشد الأعلى. ووفقاً للدستور الإيراني، فإن المرشد الأعلى هو أيضاً القائد الأعلى، مما يمنحه سلطة على جميع التعيينات العسكرية العليا، كما إنه المسؤول عن اختيار رئيس السلطة القضائية، وتتم الموافقة على بعض المسؤولين الآخرين، مثل وزير الدفاع والاستخبارات ورئيس البرلمان، بشكل غير رسمي من قبل المرشد الأعلى قبل تعيينهم.

وعلاوة على ذلك، فإنه بموجب المادة 176 من الدستور والخاصة بالمجلس الأعلى للأمن القومي، لا يمكن تنفيذ قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي إلا  بعد موافقة المرشد الأعلى، لذا، فإن  قيادة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني للوفد الذى عقد الاتفاق مع المملكة العربية السعودية في بيكن يكشف عن موافقة خامنئي المباشرة عن هذا الاتفاق، وبالتالي، تعزيز فرص الالتزام به من قبل طهران.

ومن ناحية أخرى، تعكس استضافة بكين للمحادثات ودور الوساطة الذى قامت به في هذا الإطار، مدى توافق ذلك مع فكر المرشد الأعلى مع ملامح بروز الدور الصيني المتصاعد بنطقة الشرق الأوسط، وبالفعل عكست خطابات خامنئي حول أفول قوة الغرب وبداية ظهور قوى عالمية جديدة مثل روسيا والصين مثل هذا التوجه.

وعلي هذا النحو، يرى خامنئي أن هذا النظام العالمي الجديد من شأنه أن يوفر فرص حيوية لإيران للعب دور أكبر داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وهو الأمر الذى يمكن تحقيقه من خلال التعاون مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية مثل موسكو وبكين. كما يتضح من الدور القيادي الذي لعبه شمخاني في مفاوضات بكين، إمكانية أن يصبح تدخل خامنئي في صنع القرار المتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية وتأثير رؤيته للعالم أكثر بروزاً وفاعلية خلال الفترة القليلة القادمة. وعلى الرغم من أن شيخوخة خامنئي قد لا تسمح له بالبقاء في السلطة لفترة طويلة، إلا أنه حريص على بناء إرث يدوم بعده يمكن من خلال حكم إيران، والسماح لها بأن تكون ليس فقط قوة إقليمية بارزة، بل وعالمية أيضاً.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟