المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات تصعيدية: العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية

الخميس 27/أبريل/2023 - 03:03 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

كشفت روسيا عن عقيدة محدثة لسياستها الخارجية تشير إلى تزايد مخاطر الصدام بين القوى الكبرى، وتتحدث عن سعي موسكو لإقامة نظام عالمي جديد وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الخلافات بين روسيا والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على خلفية الحرب في أوكرانيا. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه وقّع مرسوما يعتمد النسخة المحدثة من عقيدة السياسة الخارجية الروسية. وأضاف بوتين مبررا تبنّي هذه الخطة الجديدة أن "الاضطرابات على الساحة الدولية" تجبر روسيا على "تكييف وثائق التخطيط الإستراتيجي الخاصة بها".

وقال بوتين خلال اجتماع مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي اليوم بعد توقيع المرسوم: لقد تطلبت منا التغييرات الجذرية في الحياة الدولية أن نعدل بجدية وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية ومن بينها مفهوم السياسة الخارجية لروسيا والذي يحدد مبادئ ومهام وأولويات النشاط الدبلوماسي. ومن ناحية أخرى فقد جاء هذا الإعلان بالتزامن مع تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي لمدة شهر أبريل بأكمله، وأعلنت موسكو أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيترأس وفدها.

وقد أثار تولي روسيا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، غضبا أوكرانيا ومخاوف غربية، في الوقت الذي تتصاعد فيه الحرب في كييف قبيل معركة الربيع المنتظرة. الجدير بالذكر أنه كانت آخر مرة تولت فيها موسكو الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في فبراير 2022 حينما بدأت قواتها عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

ملامح جديدة

تقدم العقيدة الروسية المحدثة الولايات المتحدة والغرب على أنهما مصدر "تهديدات وجودية" لموسكو في أجواء الخلافات المتصاعدة المرتبطة بالنزاع في أوكرانيا. وتتضمن عقيدة السياسة الخارجية الروسية المحدثة محاور عدة أبرزها الإشارة إلى تنامي مخاطر الصدام بين الدول الكبرى، بما فيها الدول النووية، وتزايد احتمال الانتقال إلى حرب كبرى.

وتقول العقيدة المحدثة إن روسيا ستسعى لعدم خلق ظروف تؤدي إلى استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل، وتتضمن أيضا استخدام موسكو القوات المسلحة لصد ومنع هجوم مسلح عليها أو على حلفائها.

كما تقول إن روسيا ستسعى جاهدة لإقامة نظام عالمي يوفر الأمن الموثوق به والفرص المتساوية للجميع، وتقول إن إحدى أولوياتها تتمثل في إزالة "بقايا الهيمنة الأميركية" وهيمنة الدول غير الصديقة على الشؤون الدولية. وتعول روسيا -ضمن هذه العقيدة المحدثة- على العودة مع الوقت إلى التنسيق مع الغرب على مبدأ المساواة واحترام المصالح. ويعتبر المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للسياسة المعادية لروسيا، كما يؤكد بوضوح أن موسكو ليست لديها نوايا عدوانية تجاه الدول الأنجلوسكسونية وأوروبا. وتقول العقيدة المحدثة إن مشروع روسيا الرائد للقرن الحادي والعشرين هو تحويل أوراسيا إلى فضاء مشترك للسلام والاستقرار والازدهار وفيما يلي أبرز البنود التي تضمنتها العقيدة:

1) روسيا لا تعتبر نفسها عدوا للغرب ولا تنعزل عنه وليس لديها نوايا معادية.

2) تعتمد روسيا على الغرب في إدراك عدم جدوى المواجهة والعودة إلى التفاعل المتكافئ.

3) موسكو تنظر إلى المسار الأميركي باعتباره المصدر الرئيسي للمخاطر على أمنها وسلامها الدولي.

4) ستعطى روسيا الأولوية لإزالة بقايا الهيمنة الأميركية في العالم.

5) ستستخدم روسيا الجيش لصد ومنع أي هجوم مسلح ضدها أو ضد أي من حلفائها.

6) المشروع الرائد بالنسبة لروسيا في القرن الحادي والعشرين هو تحويل أوراسيا إلى مساحة متكاملة يعمها السلام والاستقرار والازدهار.

7) تعارض روسيا سياسة خطوط التقسيم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

8) تعد مكافحة "الروس وفوبيا" (رهاب الروس) في مختلف المجالات من أولويات السياسة الإنسانية لروسيا في الخارج.

9) ستقوم روسيا بالتحقيق في التطوير المفترض للأسلحة البيولوجية والسمّية.

10) الهدف الرئيسي "الخارجي" هو تحويل المنطقة إلى منطقة سلام وحسن جوار وازدهار.

11) تسعى موسكو جاهدة لضمان الأمن على قدم المساواة لجميع الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.

12) السعي لتعميق العلاقات بشكل شامل مع الصين والهند في كافة المجالات.

13) تعرّف روسيا نفسها بأنها معقل العالم الروسي ومهد إحدى الحضارات الأصيلة التي تحافظ على التوازن العالمي.

وتعتبر الوثيقة الولايات المتحدة الأميركية المحرك الرئيسي والمصدر الأساسي للسياسة المعادية لروسيا وأكبر تهديد يواجه العالم وتطور البشرية. كذلك ستستخدم روسيا الجيش لصد ومنع أي هجوم مسلح ضدها أو ضد أي من حلفائها. كما ستتعامل روسيا مع الدول الأخرى بالمثل. وتهتم روسيا على نحو خاص بتعزيز العلاقات والتنسيق بشكل شامل مع مراكز القوة العالمية الصديقة مثل الصين والهند.

اتجاهات الحركة

يشار إلى أن الإصدار السابق لمفهوم السياسة الخارجية الروسية كان قد صدر في نوفمبر 2016، وجرى العمل على تحديثه خلال السنوات القليلة الماضية، وفي يناير 2022، جرى تقديم الوثيقة المعدة للمناقشة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي، إلا أن الرئيس الروسي أعاد مسودة المفهوم للمراجعة وجرت الموافقة عليها في 31 مارس 2023.

وقد حددت الوثيقة المجالات ذات الأولوية والأهداف ومهام الأنشطة الدولية للبلاد، وهي خارطة طريق لوزارة الخارجية الروسية والوزارات والإدارات الأخرى، وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن المفهوم الجديد للوثيقة يتحدث عن إعادة هيكلة جادة للاقتصاد العالمي، مؤكدا أن المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية يعكس منطقيا التطورات الثورية في الشئون الدولية.

لم يحدث منذ تشكيل مجلس الأمن القومي الروسي في يونيو عام 1992، أن أقر علنًا إقحام الجيش الروسي بشكل مباشر في هندسة وتنفيذ السياسة الخارجية الروسية. كما ما لم يقله بوتين صرح به وزير خارجيته سيرغي لافروف، الذي أكد أن موسكو ستلجأ إلى القوة العسكرية في حال شن أي هجوم يستهدف بلاده أو أيا من حلفائها، وهو كلام يفسر التحركات النووية الروسية الأخيرة في بيلاروسيا والتجارب الصاروخية في سيبيريا.

كما لا تركز الخطة الإستراتيجية الروسية الجديدة على الرد العسكري فقط، بل تنص على ضرورة تكثيف التعاون وتقوية العلاقات مع الصين والهند، وكذا الدول التي تنطق باللغة السلافية، والتي تتوزع جغرافيًا في شرق وجنوب شرق أوروبا وشمال آسيا والمحيط الهادي.

وتعتبر هذه الوثيقة بمثابة إعلان تعبئة فبوتين عندما يتحدث عن المناطق السلافية والناطقين بالروسية، فهو يعي جيدًا بأنها قنبلة موقوتة للعديد من الدول الأوروبية، كما يمكن النظر إليها باعتبارها تعبير عن قطيعة مع العهد السابق، وعودة إلى أجواء الحرب الباردة، لأنها تكرس نهائيًا القطيعة مع الغرب، الذي يوصف بأنه مصدر للتهديد، وإقحام البعد العسكري، فضلًا عن تكريس البعد الآسيوي لروسيا.

في الختام: سيكون القضاء على أساسيات الهيمنة من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون الدولية إحدى أولويات روسيا. كما أن المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية، يشير إلى الولايات المتحدة على أنها المبادر والمحرض الرئيسي للخط المعادي لروسيا، وأن الغرب بشكل عام يتبع سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي، وهذا بدوره يتبع سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي. يعتبر نوعًا جديدًا من الحرب الهجينة. في ظل مخاطر تفاقم النزاعات التي تشمل دولا كبيرة، فضلا عن تصعيدها إلى حرب محلية أو عالمية. وأن عامل القوة يحدد بشكل متزايد العلاقات بين البلدان.

 

 

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟