المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
اسراء خليل العبيدي
اسراء خليل العبيدي

تايوان وفصل جديد من التصعيد الساخن بين واشنطن وبكين

الأربعاء 10/أغسطس/2022 - 07:47 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

   أثناء السجال الانتخابي المحموم بين بايدن وترامب احتلت الصين صدارة هذا السجال. حيث تبارى المرشحين في إظهار سياساتهم ووسائلهم الحازمة للتصدي للخطر الصيني. وهو ما يدل بأن التصدي للصين أصبح الأولوية القصوى للاستراتيجية الأمريكية، والتي بدورها تتجاوز الانقسام الحزبي الحاد في الولايات المتحدة.

   وصف بايدن الصين إبان حملته الانتخابية الصين بالتهديد الأخطر على النظام الدولي ومكانة الولايات المتحدة في العالم وفى آسيا تحديدا.  وكانت المفارقة العجيبة لبايدن بعد انتخابه، هو السير على درب ترامب في الكثير من سياسته العنيفة تجاه الصين مثل استمراره في الحرب التجارية والتكنولوجية وتقوية التحالفات العسكرية في آسيا خاصة تحالف كواد "الرباعى"؛ على الرغم من انتقاداته العنيفة لنهج ترامب الأحادي تجاه الصين.

     والأعجب من ذلك، هو اتخاذ بايدن لخطوات تصعيدية عنيفة غير مسبوقة تجاه الصين في عدة ملفات كقضية بحر الصين الجنوبي وتايوان. وهو ما يشير إلى تحول تام في نهج الديمقراطيين الناعم نسبيا تجاه الصين البعيد عن العدائية والتصعيد العنيف، وفتح مجال للتعاون في القضايا المشتركة كالتغير المناخي والبرنامج النووي لكوريا الشمالية. لكن ما من تفسير لهذا التحول إلا شعور دوائر صنع القرار القوية والعميقة في واشنطن لتصاعد خطورة التهديد الصيني إلى مستوى قياسي يجب إيقافه فوراً. بسبب تمكن الصين من تطوير قوتها الشاملة خاصة العسكرية بشكل يجعلها قادرة على فرض هيمنتها في آسيا ومناطحة النفوذ العسكري الأمريكي. فضلا عن مبادراتها الاقتصادية الضخمة وعلى رأسها مشروع الحزام والطريق الذى وسع النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي للصين بشكل رهيب وسريع.

      رغم إعلان بايدن في أكثر من مناسبة التزامه بسياسة الصين الواحدة ذات النظامين. ومع ذلك، اتخذ بايدن منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض عدة خطوات خطيرة تجاه ملف تايوان، تفوق ما اتخذه ترامب، تشير إلى نوايا جادة لإيقاف مساعي الصين لتوحيد الجزيرة. ففي يوم تنصيبه دعا سفير تايوان في واشنطن لحضور حفل التنصيب. كما عزز من العلاقات "غير الرسمية" مع تايوان المنقطعة منذ 1997 في إطار التزام واشنطن بسياسة الصين الواحدة. كما وقع على مرسوم يقضى بتكثيف مبيعات الأسلحة المتطورة لتايوان وتعزيز التدريبات المشتركة بين الجيشين الأمريكي والتايواني.

        وبعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، صرح بايدن بما لم يجرؤ أي رئيس أمريكي على فعله من قبل، حينما قال بشكل مباشر لا لبس فيه أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا لحماية تايوان إذا تم مهاجمتها أو توحيدها بالقوة من قبل الصين. إذ ربما قد تصور بايدن أن الصين بصدد غزو تايوان بعد نجاح روسيا في غزو أوكرانيا دون أي رد فعل أمريكي حاسم. كذلك لإرسال رسائل تطمينيه لشركاء الآسيويين.

     وفسرت بكين هذه الخطوات على أنها مسعى صريح وخطير من جانب بايدن لتعزيز التوجه الانفصالي الغالب في تايوان. لكن من جانبنا نرى أنه مسعى جاد لردع محاولات الصين الجادة المتصاعدة لضم تايوان بالقوة. أي المحافظة على الوضع الراهن "دولة واحدة ذات نظامين".

     على غير عادة التوترات بين واشنطن وبكين التي تشهد موجة تصعيد كلامي صاخب، أو تحرك عسكري محدود لا يتعدى كونه إبراز للقوة، سرعان ما ينتهى وتعود حالة استقرار الوضع الراهن. أثارت زيارة "نانسي بيلوسى" رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان حالة من التوتر الكلامي والعسكري العنيف بين البلدين. إذ فور زيارة بيلوسى، اتخذت الصين سلسلة من التصعيدات العسكرية غير المسبوقة تجاه تايوان والتي شملت اختراق أكثر من 20 طائرة حربية للجزيرة، وتدريبات عسكرية حاشدة بالذخيرة الحية بالقرب من تايوان. ومعاقبة الجزيرة اقتصاديا عبر منع استيراد بعض المنتجات التايوانية. ومن المعروف أن الصين أكبر شريك تجارى لتايوان.

   وما استدعى الصين لهذا التصعيد العسكري، هو تصورها المعلن أن زيارة بيلوسى تعنى دعم صريح لدعم التوجه الانفصالي في تايوان وانتهاك لسياسة الصين الواحدة، باعتبارها أول زيارة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى لتايوان منذ 1997. خاصة وأن هذه الزيارة قد أتت بعد تصريحات بايدن المباشرة بحماية تايوان.

    وصفت زيارة "بيلوسى" بأوصاف متعددة حتى من جانب الإدارة الأميركة وذلك من قبيل "العادية" "المتهورة" "الغامضة". لكنها في حقيقية الأمر زيارة "مدروسة" تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية إيفاد رسالة محددة للصين، مفادها "أن سيناريو أوكرانيا لن يتكرر في تايوان" خاصة وأن هناك شعور لدى الصين بضعف الإرادة الأمريكية تجاه أوكرانيا. علاوة على هزائم الولايات المتحدة المعنوية التي تلقتها خلال السنوات الماضية والتي عززت هذا الشعور لدى الصين، وكان آخرها انسحابها المهين من أفغانستان دون تحقيق أي انتصار يذكر.

     وإن كان ضعف الإرادة الأمريكية لمنع روسيا من غزو أوكرانيا وإنهاء هذا الغزو صحيح بدرجة كبيرة، لكن هذا لا يمنع من دفع واشنطن بكل قوتها بما ذلك العسكرية لمنع الصين من ضم تايوان. لأن نجاح الصين في ضم الجزيرة يعنى انكسار تام للهيمنة والهيبة الأمريكية في العالم، وربما تأسيس نظام دولي جديدة بقيادة الصين.

    وهذا يدفعنا للقول، أن تصعيد الصين تجاه تايوان لن يستمر طويلاً ولن يتطور إلى حرب عسكرية مع واشنطن، لأنها الصين تدرك أن واشنطن ستندفع دفعا إلى الحرب، ذات العواقب المدمرة للطرفين، رغم عدم رغبتها واستعداها لها. علاوة على ذلك، فأن تكلفة هذا التصعيد حتى دون غزو الجزيرة أو الحرب ستكون لها مالات خطيرة على التجارة العالمية والاستقرار في آسيا. ومن ثم، على مكانة الصين وقوتها الاقتصادية.

   إذن نخرج مما سبق لاسيما في سياق الرد الصيني العنيف تجاه زيارة بيلوسى، أن الصراع على تايوان بدأ يشهد فصل جديد من التوتر العنيف الذى ربما قد يفضى في المستقبل المنظور إلى صراع عسكري لا تحمد عقباه.

    

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟