المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أحمد سامي عبد الفتاح
أحمد سامي عبد الفتاح

الصراع الأوروبي الروسي في مجال الطاقة.. كيف تستفيد تركيا؟

الجمعة 01/يوليو/2022 - 06:10 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تعد تركيا من الدول الفقيرة في مجال الطاقة وتعتمد بشكل رئيسي على الاستيراد من الخارج لتغطية احتياجاتها السنوية. ونتيجة لذلك، لتحاول تركيا فرض نفوذها بالقوة في شرق المتوسط من أجل الاستفادة من الموارد الهائلة التي تحتويها هذه المنطقة. كما قامت تركيا بتبني سياسة خارجية تخدم هذا المسعي، حيث تدخلت عسكريا في ليبيا من أجل دعم حكومة الوفاق بهدف الحفاظ على الاتفاق الثنائي الذي تم توقيعه في نوفمبر 2019 والذي يهدف إلى شرعنة الوجود التركي في مناطق متنازع عليها مع اليونان.

ورغم الإدراك التركي بوجود كميات هائلة من الغاز في شرق المتوسط، إلا أنها لم تتوقف عن التنقيب في البحر الأسود الذي يعتقد أنه يحتوي على الآخر على كميات هائلة من الطاقة. ففي يونيو 2021، أعلنت تركيا اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي قدرت بنحو 135 مليار متر مكعب بجنوب البحر المتوسط، ليبلغ اجمالي ما تم اكتشافه بنحو 540 مليار متر مكعب.

وتعد عملية الاستخراج تحدي جديد لتركيا لأنه يتطلب بنية تحية كبيرة وهذا الأمر يستغرق سنوات طويلة لبناء بنية تحتية آمنة. ولا تمتلك تركيا خبرات كبيرة في هذا الأمر كونها دولة مستوردة بالأساس. على الرغم من ذلك، أعلنت تركيا أنها تطمح لاستخدام الغاز المستكشف من حقل سكاريا وغيره من الحقول في عام 2023. وليس من المعلوم إذا كانت تركيا سوف تكون قادرة على تحقيق هذا الأمر في الوقت الراهن أم لا.

وقد ثارت العديد من التساؤلات حول موقف سياسة تركيا الخارجية، وعما إذا كانت هذه الاستكشافات سوف تسهم في تهدئة الأوضاع في شرق المتوسط أم لا. من الجدير بالذكر أن تركيا تتبنى سياسة الوطن الأزرق بهدف الدفاع عن الثروات الطبيعية في المناطق المتنازع عليها والتي تطالب بها تركيا. ولذلك، من المتوقع أن تصبح تركيا أكثر عدوانية في الدفاع عن المناطق المتنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط لأنها تدرك أن الغاز المستكشف يعني المزيد من النفوذ على أوروبا خاصة في ظل التطورات الحالية التي تعاني فيها أوروبا من الابتزاز الروسي في مجال الطاقة. وتسعى تركيا لتكون لاستغلال هذه الأزمة بهدف فرض سياساتها الخارجية من أجل دفع أوروبا لتغيير موقفها من الأزمة.

وفي هذا الإطار، قامت تركيا بتبني سياسة خارجية تصالحية مع عدد من دول المنطقة التي تتشارك معها حدودا بحريا، فضلا عن دول أخرى لديها نفوذ للتأثير على خطوط إمداد الطاقة من الشرق الأوسط لأوروبا مثل الإمارات.

من الجدير بالذكر أن النظام التركي يحاول استخدام الغاز ونزاعه مع اليونان من أجل تحقيق مكاسب داخلية، حيث تعاني البلاد من ارتفاع نسب التضخم بسبب تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار، ما يعني أن استخراج الغاز الجديد من شرق المتوسط سوف يمنح تركيا قوة مالية كبيرة وسوف يجذب المستثمرين، الأمر الذي سوف يرفع من التصنيف الائتماني لتركيا وما يصحبه من ازدياد في قيمة العملة التركية. علاوة على ذلك، يحاول النظام التركي استخدام الصراع مع اليونان من أجل تعبئة النزعة القومية للأتراك، الأمر الذي يسهم في ازدياد شعبية الحزب الحاكم. من المعروف علميا أن بعض الأنظمة الحاكمة التي تعاني من أزمات داخلية ربما تلجأ لافتعال أزمات خارجية بهدف إيجاد مبرر لتدهور الأوضاع داخليا، فضلا عن استخدام هذه الأزمة من أجل دفع الناخبين لدعم الحزب الحاكم في أي استحقاق انتخابي مقبل. علاوة على ذلك، قد أشارت العديد من الدراسات أن الناخبين لا يميلون لتغيير الأنظمة الحاكمة في وقت الأزمات لأن هذا الأمر لا يشعرهم بالأمان. فضلا عن ذلك، يعتبر الناخبون أن الحكومة التي تدير الأزمة ربما تكون أكثر دراية بالأزمة من حكومة جديدة قد تحتاج وقت للتكيف وفهم الأمور على حقيقتها.

ورغم أزمات الطاقة في شرق المتوسط، إلا أن تركيا تحاول تقديم نفسها كحل أساسي لا يمكن تجاوزه في حل أزمة الطاقة في أوروبا، حيث قد تلعب تركيا دور المورد بشكل رئيسي، إذا نجحت بالفعل في فرض سيطرتها بالقوة أو إقناع أوروبا بدعمها، أو لعب دور الوسيط الذي ينقل الغاز من وسط آسيا لأوروبا. وتراهن تركيا أن تعليق الأزمة مع اليونان ومنع استخراج الغاز من المناطق المتنازع عليها ربما يدفع أوروبا لتقديم تنازلات في صالح تركيا بسبب حاجة الأخيرة لخطوط إمداد طاقة بشكل عاجل.

في النهاية، من المتوقع أن تزداد تركيا تمسكا بمطالبها في شرق المتوسط لكنها بكل تأكيد سوف تصبح أكثر عقلانية سوف تراهن على عامل الوقت من أجل إجبار أوروبا على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية. علاوة على ذلك، سوف تعمل تركيا على المزيد من تحسين علاقاتها مع كل الدول الشرق أوسطية صاحبة النفوذ في الشرق الأوسط والتي لها دور في تصدير الغاز لأوروبا من أجل تحقيق المزيد من المكاسب.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟