المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
وليد سلام جميل
وليد سلام جميل

الصين والهيمنة العالمية.. مذكرة التفاهم الإيرانية-الصينية وتأثيرها على النظام الدولي والعراق

الأحد 06/يونيو/2021 - 11:48 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

ملخص

تبحث هذه الورقة الإتفاقية الإيرانية الصينية وتأثيراتها على مستقبل النظام الدولي بشكل عام والعراق بشكل خاص. إذ أنّ هذه الإتفاقية لا تنتهِ بحدود الصين وإيران، بل تتعداهما حتى تصل إلى تخندقات المعسكرين، الغربي والشرقي. خصوصًا وأنّ العالم يمرُّ بمرحلة جديدة من التغيّر الدراماتيكي على مستوى التحالفات والأقطاب. حيثُ نلاحظ ذلك من خلال تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين وتعبيره عن قلقه من هذه الإتفاقية، وردّ أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني على هذه التصريحات بقوله: «إنّ التعاون الإستراتيجي مع الصين سيسرع وتيرة تراجع قوة الولايات المتحدة»(1). بهذا يتضح مدى تأثير الإتفاقية وحساباتها على المستوى الدولي.

مقدمة عامة

المصلحة الوطنية هي «المفتاح الأساسي» في السياسة الخارجية(2). وتُوصف المصلحة الوطنية على أنها: «الأهداف العامة المستمرة التي تعمل الأمّة من أجلها، وطبقًا لهذا التعريف تتميز المصلحة الوطنية بعموميتها واستمرارها وارتباطها بالعمل السياسي»(3). يحكم النظام العالمي -حسب منهج المدرسة الواقعية- مبدء القوة كمبدأ أساسي للتفوق والهيمنة وتشكيل التحالفات والعلاقات الدولية. لذلك تسعى القوى الصاعدة بشكل حثيث للحيازة على مصادر القوة بكل الوسائل الممكنة(4). كما أن السنن التاريخية تبيّن أن الإمبراطوريات والدول لا يمكن أن تستمر على حال واحد، إذ أنها تمرّ بقوس الصعود والنزول(5). تتمثّل أشدّ الصراعات العالمية اليوم في قطبين رئيسيين؛ يتمثل الأول بالقطب الأمريكي وحلفائه والثاني بالقطب الصيني وحلفائه. وفقًا لذلك ترسم كلّ دولة تحالفاتها الإستراتيجية. في الحالة الإيرانية -موضوع الدراسة- فإنّ الحليف المفضل هو الصين. لذلك يعمل البلدان على عقد إتفاقيات على صعد متعددة تتضمن إتفاقات إقتصادية كبيرة. ستؤثر هذه الإتفاقات -إن تمّت- على المنطقة والعالم بشكل عام والعراق بشكل خاص. وفق هذه المعطيات الرئيسية، سنحاول بيان أثار هذه الإتفاقية من خلال تحليل مواضيع عديدة تصبّ في صلب موضوع الدراسة لتشعباتها الكثيرة.

النظريات المفسّرة للعلاقات الدولية

إنّنا في محاولة مقاربة الإتفاقية الإيرانية-الصينية وسلوك الولايات المتحدة المتوقّع، نعتمد مقاربات المدرسة الواقعية. ذلك أنّنا نتصوّر أنّ طبيعة العلاقات ما بين الدّول المعنية تسوده مطبّات كبيرة، فإيران كدولة إسلامية يقوم نظامها على فكرة (الموت لأمريكا)، ولا يمكن لنظامها القائم على أيدلوجية إسلامية أن يستمر من دون صناعة العدوّ، المتمثل هنا بأمريكا، في حين أنّ الصين أيضًا تمثّل القوى العظمى الصاعدة في منافستها وصراعها المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك سنقوم هنا ببيان وجيز لأهم المدارس في تفسير العلاقات الدّولية، ثمَّ نشرعُ بمواصلة دراسة الحالة بناءً على النظرية الواقعية.

لقد تعددت النّظريات التي تفسّر العلاقات الدولية، لطبيعة النّظام الدّولي ومتعلقاته، حسب تعدد إتجاهات المفكرين والسياسيين العاملين في دراسة هذا المجال، إذ يمكن تقسيمها إلى ثلاث نظريات أو مدارس رئيسية، تتمثل بكلّ من: المدرسة الليبرالية المثالية، المدرسة الماركسية والمدرسة الواقعية(6).

بالنسبة للمدرسة الليبرالية، فهي تشمل عدد من وجهات متعددة (مثل تلك التي تركز على الحقوق والمصالح والدور السلمي للتجارة، والمنظمات الدولية). تقدم هذه المداخل تفسيرات متباينة الى حدّ ما عن ظاهرة الحرب. إلا أنها تجتمع كلها تحت مظلة فرضية واحدة رئيسية تقول بأن «اندلاع الحروب يرجع بالأساس لوجود قادة تسلطيِّين ومستبدين لديهم ميول لاستخدام العنف ضد الأخرين، وبأنها ستنتهي عندما تكون كل المجتمعات البشرية قادرة على انتخاب حكوماتها وقادتها بحرية»(7). في حين تفسّر المدرسة الماركسية العلاقات الدولية باستخدام منهج تاريخي حتمي، غايته إقامة مجتمع مثالي خالٍ من العيوب والنزاعات، والمجتمع الدولي ما هو إلا انعكاس لواقع الدولة الممثلة لطبقة اجتماعية سائدة، فالحروب والنزاعات الدولية ما هي في الواقع إلا نتاج التنافس بين هذه الطبقات الحاكمة، إذ أنّ الطبقة الرأسمالية المسيطرة على الدولة الرأسمالية تدخل في منافسة ونزاعات مثيلاتها للسيطرة على مصالح اقتصادية ومادية خارج حدودها. وعليه فالمِنظار الإقتصادي والصّراع الطبقي يشكّل صلب الرؤية الماركيسية لتفسير العلاقات الدولية(8).

وهناك أيضًا المدرسة البنائية، التي تفترض أن النمط الطبيعي للعلاقات بين الدول ليس الصراع الكامل أو السّلم الدائم، وإنما التنافس السلمي الذي قال به الفيلسوف «جون لوك». والحرب بالنسبة لهم تقع عندما يحدث الإختلاف بين الوحدات الدولية حول القواعد والقيم المنظمة للعلاقات الثنائية والجماعية فيما بينها، وهو ما يجعل النمط الهوبزي )الصّراعي) هو السائد في النظام الدولي. ومادام هناك حالة من الإتفاق والتوافق حول هذه القواعد والقيم والمعايير الدولية السائدة في المجتمع الدولي، فإن النمط الكانطي )السّلمي) سيكون هو السائد بين وحدات النظام الدولي كافة، وهي عندهم ليست فقط الدول القومية، ولكن الأفراد والجماعات والمنظمات الدولية و الفاعلون غير الرسميين أيضًا.(9)  

أمّا المدرسة الواقعية السياسية «Realpolitik» أو سياسة القوة فتُعَدُّ أقدم نظرية في تفسير العلاقات الدولية وأكثرها إستخدامًا(10). إن الرائدين الفعليَّين للمدرسة الواقعية الحديثة في العلاقات الدولية هما نيكولو مكيافيللي -مؤلف كتاب «الأمير» (1532) وتوماس هوبز -مؤلف كتاب «اللوياثان» (1651)-، وقد رأيا أن السياسة الدولية هي صراع مستمر على السلطة، لا تترتب عليه لزامًا حروب علنية متواصلة، ولكنه دائمًا ما يستلزم التأهب لخوض الحرب. وفي خِضَم حالة الفوضى السياسية المستمرة هذه، يكون المسار الحصيف الوحيد أمام الأمير هو شحذ أكبر قدر ممكن من القوة، وإعمالها في حماية المصلحة الوطنية لبلاده والسعي وراءها. ولهذا الغرض كانت القوة العسكرية هي المطلب الأهم، وعُدَّت الثروة المتكونة عن التجارة والصناعة وسيلةً في المقام الأول لاكتساب القوة العسكرية اللازمة(11).

هل يمكن للصين أن تنهض بسلمية من دون خوض الحروب؟

من هذا السؤال ينطلق أحد روّاد الواقعية، البروفسور الأمريكي جون ميرشايمر في كتابه «مأساة سياسة القوى العظمى»(12)، متبنيًا منهج المدرسة الواقعية، ليصل لنتيجة حتمية مفادها؛ عدم إمكانية نهضة الصين بسلمية من دون حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية.(13) يتبنّى ميرشماير فكرة يسمّيها «الواقعية الهجومية» ويفترض أنّ الصين ستنتهج سلوكًا مشابهًا لسلوك الولايات المتحدة الأمريكية للدخول لـ«نادي العمالقة» كما يسميه. إذ أنّ (القوة) ضرورية لكل دولة من أجل البقاء، ولكن من أجل التوسع والسيطرة على العالم، فلا تكفي القوة وحدها بل تحتاج إلى فرض (الهيمنة). تقوم النظرية التي يقدمها الكتاب لتفسير سلوك القوى العظمى وتنافسها الدائم على القوة ونضالها من أجل الهيمنة، على خمس فرضيات حول النّظام الدولي، توجب هذه الفرضيات على الدول أن تتصرف بطريقة عدوانية وتنافسية(14):

1.      إنّ النظام الدولي نظامٌ فوضويّ بسبب عدم وجود سلطة مركزية أعلى من الدول، تجبرها على إحترام القانون الدولي وتسهر على حماية حقوق الدول، كبيرها وصغيرها.

2.      إنّ القوى العظمى تمتلك بطبيعة الحال قدرًا من القدرة العسكرية الهجومية، تمكّنها من إلحاق الأذى أو حتى الدمار ببعضها البعض.

3.      إنّ الدول لا يمكن أن تتيقن من نوايا الدول الأخرى أو أن تتأكد من أنّ الدول الأخرى لن تستخدم قدرتها العسكرية الهجومية لمهاجمتها.

4.      إنّ البقاء هو الهدف النهائي للقوى العظمى، وتحديدًا أنّ الدول تسعى للحفاظ على سلامة أراضيها واستقلال نظامها السياسي الداخلي.

5.      إنّ القوى العظمى فاعل عقلاني، يدرك بيئته الخارجية ويخطط إستراتيجيًا للبقاء فيها.

لو تتبعنا نشوء الإمبراطوريات والدول عبر التاريخ، فسنلاحظ أنّ سلوكها متشابه أو متقارب في الغالب، حسب الظروف التّاريخية والموضوعية. إنّ الإمبراطوريات تنشأ بطموحات بسيطة وتقديم تطمينات إلى القلقينَ من نموّها وتوسّعها، وما أن تتكامل مصادر القوة وتضعف الإمبراطوريات القائمة حتى تكشّر القوى الجديدة عن أنيابها وطموحاتها الحقيقية. في هذه المرحلة، مرحلة تكامل عناصر القوة، تبدأ القوة الصاعدة بالإنتقال خارج حدودها، لفرض الهيمنة على الدول الأخرى واحدة تِلوَ الأخرى، حسب إمكانياتها في الإنتشار. لعلّ منهج التوسع يختلف من قوة عظمى إلى أخرى، بعضها تنتهج نهجًا إقتصاديًا ينتهي بالإحتلال والهيمنة على الدول الأضعف، كما فعلت بريطانيا في بدايات توسعها وكما تعمل الصين الآن حسب تصوّرنا، فيما البعض الآخر ينتهج نهج السلوك العدواني المباشر كما حصل في الإمبراطوريات الساحقة وأمريكا في العصور الحديثة، وغزو العراق مثالًا لذلك.

من هذه المقدمة نخلصُ إلى أن القوى العظمى لن تتوقف حتى تسيطر إلى أقصى حدٍّ ممكن، وتسحق مَن يواجهها أو مِنَ المحتمل أن يواجهها في طور صعودها ونموّها. من المهم أيضًا بيان أن القوى العظمى تمرّ في مرحلة ما بالضعف، نتيجة التوسع الكبير الخارجي والترهل الداخلي، فتعود أدراجها لتظهر قوة جديدة تحتلّ مكانها، وهذا ما يحدث الآن في مسألة الصين وأمريكا. ولا غرابة أن نسمع ما يحذّر منه ثعلب السياسة الأمريكية كيسنجر، الذي قال في مقابلة صحفية تمت معه حديثًا، إنّ ما يجري في الشرق الأوسط هو مرحلة تمهيدية لحرب عالمية ثالثة بين الصين وروسيا وإيران من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى(15). ثمّ عاد كيسنجر وأكّد ذلك في سنة 2020 بقوله: «إن الولايات المتحدة والصين يجب أن تضعا حدودًا للمواجهة، وإلا فإنّ العالم سيجد نفسه في وضع مماثل للحرب العالمية الأولى». وأكّد الوزير الأمريكي الأسبق كيسنجر، قناعته بأنّ الوقت قد حان لتدرك الولايات المتحدة  الأمريكية المتغيرات في العالم الحديث، وهي أمور لفتَ إلى أنّها معقدة للغاية، بحيث لا يمكن لدولة واحدة أن تستمر في الحفاظ على هيمنتها في نفس الوقت، سواء في الاقتصاد أو في المجال الإستراتيجي(16).

قطعًا فإنّ إستشراف كيسنجر للحرب ليس من فراغ، وهو القريب من مراكز الأبحاث العالمية ومراكز صنع القرار الأمريكية، لكنّ كلامه يتوقف على عوامل عديدة، أهمها، الموقف الأوربي والحلفاء في الشرق الأوسط، حلفاء أمريكا الإستراتيجيين، الذين بدؤوا بالتفكير بشكل مختلف بخصوص مسألة صعود الصين، وهذا ما نلاحظه من تصريحاتهم وسلوكياتهم وتعارضهم مع أمريكا في بعض الملفات الحيوية. أتصوّر أنّ أمريكا لا يمكنها إلّا أن تتراجع خطوة إلى الوراء وإلّا فإنّ مصير العالم هو الحرب المدمّرة بين القوى النووية الفتّاكة وهذا لن يصبّ بصالح أيٍّ من الطرفين.

الصين من الدولة إلى الإمبراطورية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح العصر عصرًا أمريكيًا بامتياز، خاصة بعد سقوط وتفكّك الإتحاد السوفيتي أثر الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية. منذ ذلك الوقت وأمريكا تهيمن على العالم وتتوسع في كلّ الإتجاهات. رغم ذلك فإنّ المفكرين والمحلّلين والقيادات الأمريكية تنبّهت إلى خطورة صعود الصين في القرن الواحد والعشرين بعد سقوط الإتحاد السوفيتي. ظهرت تيارات عديدة بخصوص «المعادلة الصينية»، تبلورت في تيارين رئيسيين، هما(17):

 التيار الأول: والذي يرى أنصاره أنّ القوة الصينية ستتجاوز نظيرتها الأميركية، وأنّ القرن الحالي سيكون صينيًّا بامتياز. ومن أنصار هذا التيار(مارتن جاك) الذي تظهر رؤيته من عنوان كتابه «حينما تحكم الصين العالم»(18)، الذي يرى فيه أنّ الصين لن تكون القوة الإقتصادية العظمى المقبلة فحسب؛ بل ستسعى لتأسيس نظام عالمي مختلف عن النظام الذي أنشأته وتتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا. ويؤكد في كتابه على أنّ الصين لديها نظام اقتصادي وسياسي وثقافي وإجتماعي مختلف عن الذي تتبناه الدول الغربية، مما سيؤدي إلى إزاحة الغرب وإنشاء عالم جديد بالكامل.

التيار الثاني: يرى أنصاره أنّ القوة الإقتصادية الصينية في تنامٍ، لكنّها لا تُهدِّد المكانة الأميركية عالميًّا. هذا التيار هو الأكثر رواجًا بين الكُتّاب والمحللين الأميركيين. ومن أنصاره (جوزيف ناي)، منظّر مفهوم «القوة الناعمة»، في كتابه «هل انتهى القرن الأميركي؟»(19)، الذي يُؤكّد فيه أنّ القوة الاقتصادية الصينية في تنامٍ مقارنة بالقوة الإقتصادية الأميركية إستنادًا إلى القوة الشرائية، لكنّ هذا لا يعني تفوّق القوة الصينية على نظيرتها الأميركية في صورتها الكلية.

يتبيّن مما تقدّم ذكرهُ أنّنا أمام صراع أمريكيّ صينيّ متصاعد، خاصة بعد أزمة «Covıd-19»، التي ضربت العالم وأثّرت بشكل كبير على موازين القوى، حيث تنامت الصين بشكل أكبر من المتوقع في ظلّ التراجع الأمريكي على الصعيد الاقتصادي وأزمة كورونا والخلل الداخلي الذي حصل إبّان الانتخابات وما رافقها من أزمات بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية. ما زال التقدم التكنلوجي والإقتصادي والعسكري والفضائي في صالح أمريكا، إلّا أنّ الصين تتحرك بسرعة فائقة للّحاق بهذا التفوق الأمريكي والعمل على اجتيازه.  

مبادرة الحزام والطريق

تحاول الصين في هذا المشروع العملاق، الذي يُعدُّ أضخم مشروع للبنى التحتية في تاريخ البشرية، إحياء طريق الحرير، طريق التّجارة البريّة والبحريّة القديمة، الذي فقد أهميته في القرن التاسع عشر، عبر مسارٍ بريّ «الحزام» وبحريّ «الطريق»، لربط الصين بالعالم من جهاته الأربع، وحسب الخطة الصينية فإن تاريخ إنتهاء المشروع سيكون عام 2049، والذي سيتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وهي السنة التي يُتوقع أن تتربع فيه الصين على عرش العالم كأقوى قوة على وجه الكرة الأرضية. يمكن القول أنّ بؤرة هذا المشروع وروحه هو الشرق الأوسط الملتهب، الذي ستمرّ عبره أكثر المسارات وأهمّها. تصف الحكومة الصينية هذه المبادرة بأنها «محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقًا».(20)

حتى الآن أصدرت أكثر من 130 دولة في العالم موافقتها على الخطة الصينية، التي تشمل مشاريع البنى التحتية، الموانئ، السكك الحديدية، الطرق السريعة، محطات الطاقة، الطيران والإتصالات. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها من الدول الغربية وبعض دول جوار الصين كالهند واليابان فأظهرت مخاوفها من هذا المشروع، وتبنّت أمريكا مشروعًا مضادًّا أطلقت عليه «استراتيجية المحيطَين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة (FOIP)». تتخوّف الدول المعارضة لهذا المشروع، إذ تتصوّره بأنّه شكل جديد من أشكال الإستعمار، الذي يستخدم استراتيجية «فخ الديون»(21)، لرهن مصير الدول التي تشترك بهذا المشروع أو غيره بيد التنين الصيني، كما حدث مع سيريلانكا وكينيا وباكستان وبنغلادش وغيرها.

إنّ أي مشروع عملاق كهذا لا بُدّ له من قوة عسكرية لحمايته، وهذا ما تعمل عليه الصين حسب اتفاقياتها مع الدول التي تتعاون معها. هي تقوم ببناء البنى التحتية والإستثمارات الهائلة، لكنّها في نفس الوقت تسيطر على شرايين الحياة للدول الأخرى، فتسعى للسيطرة على الموانئ وشراء جزر وأراضٍ لمدة طويلة الزمن وربّما ستعمل على نشر قواعد عسكرية لها هناك في المستقبل. علمًا أنّ أول قاعدة عسكرية رسمية للصين كانت في دولة جيبوتي سنة 2017، حيث تُعَدُّ جيبوتي من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم.

تسعى الصين لإنشاء مجموعة من القواعد العسكرية، أو ما تسميه في أدبياتها «نقط القوة الاستراتيجية» عبر مختلف مناطق العالم. ففي عام 2013، دعت أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الصيني إلى بناء قواعد في الخارج، خصوصًا في المحيط الهادئ والمحيط الهندي، من شأنها أن تقدم الدعم إلى العمليات العسكرية في ما وراء البحار، وممارسة النفوذ السياسي والعسكري على المناطق الإقليمية المختلفة(22). من حسن حظ الصين أنّ روسيا حليفتها الأبرز وضعت موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، بالتحديد في دولة سوريا، التي باتت مستعمرة روسية بامتياز، وهذا ما سينفع الصين كثيرًا لبدء نشر قواتها في مناطق نقل الطاقة وخاصة مضيق هرمز بعد التقارب القوي مع إيران حليفة روسيا أيضًا، وتوقيعهم على مذكرة تفاهم لإقرارها في قادم الأيام كإتفاقية شراكة استراتيجية بين البلدين، سنتكلم عنها في محور لاحق.

ضرورة القوة والهيمنة على العالم

بمراجعة تاريخية سريعة لنشوء الدول وزوالها، نجدُ أنّ عنصر القوة والهيمنة كان حاسمًا في زوال دول وظهور أخرى. إنّ حركة تاريخ الدّول تتجلى في ثلاث نقاط رئيسية:

الأولى: إنّ القوة وحبّ السيطرة ضرورة ملحّة لنهوض الدّول، بالذات تلك التي تحمل مشاريعًا إمبراطورية. الثانية: إنّ دوام القوّة لأي دولة أو إمبراطرية مُحال، فلكل مرحلة تاريخية دولها ورجالها، تُشرق دولة فتأفل دولًا، ومن ثمّ تأفل الدول التي أشرقت نتيجة بروز دول جديدة، وهكذا تجري سنن التاريخ. من أمثلة ذلك الإمبراطورية البابلية، الفارسية، العربية الإسلامية، العثمانية، بريطانيا العظمى وأمريكا في عصرنا الحالي. الثالثة: الهيمنة على الآخرين، فإنّ أي دولة صاعدة تحتاج لنشر قوتها وأفكارها لفرضها على الآخرين، لأنّ مخزون القوة إذا تعاظم ولم يتحرك في إتجاهات عديدة سينفجر لينهي الدولة ذاتها من الداخل، وهذا ما يدفع الدّول التي تملك قوة عسكرية هائلة لنشر جيوشها في مناطق عديدة من العالم خوفًا من حدوث الإنقلابات أو المشاكل الداخلية أو غيرها.

بناءً على ذلك، نخلص إلى أنّ القوى العظمى لا بُدّ لها من أن تهيمن على الآخرين وأنّ تفرض قوتها في كلّ مكان بالعالم. السؤال هو: أتعمل الصين على ذلك أم لا؟

تُقدّمُ مراكز الدراسات العسكرية الصينية خططًا ونماذج عديدة لمستقبل القواعد العسكرية الصينية، وهذا ما ما يثبت أنها تسعى لذلك بشكل جاد. سنكتفي بالنماذج التي وضّحها (أحمد المرابطي) في دراسته القيّمة بعنوان «هل تملك الصين استراتيجية للتوسع العسكري في البحر المتوسط؟»(23). إذ يمكن أن تتّخذ القواعد العسكرية الصينية أشكالًا عدِّة. حسب المرابطي، يميّز مركز دراسات الشؤون العسكرية الصينية في إطار تقويمه واستشرافه العمليات البحرية للجيش الصيني في الخارج بين ستة نماذج يمكن تبنّيها من القادة الصينيين لدعم العمليات الخارجية، وهي(24):

النموذج الأول: يقوم على استخدام الجيش مرافق الموانئ التجارية لتعويض النقص الحاصل على مستوى القواعد الخارجية، حيث تعتبر هذه المرافئ بمنزلة محطات توقف «Pit Stops» لتقديم الخدمات الأساسية، مثل إعادة تزوّد سفن القوات البحرية بالوقود. في هذا الإطار، هناك بعض المُنظّرين العسكريين الصينيين يدعو الدول إلى استقبال هذه القواعد، بالترحيب بها لأنها تساهم في تعزيز الإقتصاد المحلي وتنشيط المنشآت التجارية القائمة.

النموذج الثاني: تُستخدم فيه القواعد العسكرية لدعم المصالح الوطنية الخارجية أكثر مما تُستخدم وتُوظَّف في تعزيز قوتها العسكرية وعرضها.

النموذج الثالث: يقوم على الإستخدام المزدوج للقواعد البحرية في الخارج؛ إذ تَبيّنَ للصين، بعد مشاركة قواتها في عمليات مكافحة القرصنة البحرية في خليج عدن والساحل الصومالي في عام 2008، أنّ عدم وجود قواعد عسكرية تابعة لها في الخارج، عائقٌ كبير أمام صمود القوات البحرية في وجه التّحديات التي تواجهها في أعالي البحار، ولهذا السبب كان يُلحّ قائد القوات البحرية الصينية الأسبق (دي شو) على ضرورة إنشاء قواعد لوجستية ذات استخدام مزدوج تجاري/عسكري لتسهيل مأمورية حماية المصالح القومية في الخارج.

النموذج الرابع: يتجسّد في ما يسمى عقدًا أو سلسلة اللآلئ «String of pearls»، وهي نظرية مفادها أنّ الصين بحاجة إلى إقامة شبكة من المنشآت والعلاقات العسكرية والأمنية على طول خطوط المواصلات البحرية لحماية مصادر الطاقة في المحيط الهندي. ويمكن أن تستخدم الصين، بحسب هذا النموذج، البنية التحتية للموانئ التجارية غطاءً لبناء مخازن سرّية للعتاد والأسلحة التي يمكن اللجوء إليها لدعم العمليات العسكرية في الأزمات.

النموذج الخامس: طوّره الإنكليز ما بين الحربين العالميتين، ويقوم على الإكتفاء بعدد قليل فقط من القواعد ذات التجهيز الجيد، عِوضَ إنشاء شبكة عالمية من القواعد العسكرية. ومن إيجابيات هذا النوع، المساعدة في حصر الدول الحليفة بشكل دقيق، إضافة إلى التقليل من التداعيات السياسية والأمنية المحتملة التي قد تنجم عن هذا الوجود العسكري الصيني في الخارج.

النموذج السادس: نموذج الولايات المتحدة الأميركية، التي تملك شبكة معقدة من القواعد، موزّعة جغرافيًا على المحيطات والبحار الرئيسة كلّها في العالم، على نحوٍ يسعفها دائمًا في إمداد سفنها ودعم مختلف العمليات البحرية الحربية التي تقوم بها قواتها، إضافة إلى حماية مصالحها القومية في أعالي البحار.

الصين ككُلِّ دولةٍ عظمى صاعدة مهتمة بالجانب العسكري إهتمامًا بالغًا وتعمل على تطوير أسلحتها وجيشها بشكل كبير، لمنافسة جيش الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. من المتوقع أن نشهد قريبًا، إنتشار الجيش الصيني بأماكن عديدة في العالم، إستعدادًا للهيمنة الكبرى.

الإتفاقية الصينية الإيرانية وأثرها على العراق والمنطقة

تواجه إيران ضغوطًا سياسية واقتصادية وأمنية هائلة، نتيجة العقوبات الأمريكية المشّددة عليها، بالأخص في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب. كان السبب الرئيسي لهذه العقوبات القاسية هو «الاتفاق النووي الإيراني»، تلك الإتفاقية الدولية حول البرنامج النّووي الإيراني، والتي تم التوصل إليها في سنة 2015 بين إيران ومجموعة (5+1)، المتمثلة بالأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا والإتحاد الأوروبي. إنسحب دونالد ترامب من هذه الإتفاقية في سنة 2018، مما دفع إيران إلى عدم الإلتزام بمبادئ الإتفاقية وزيادة تخصيب اليورانيوم بشكل أكبر، زاد من فرص إمتلاكها لسلاح نووي في وقت قريب مستقبلًا، حسب خبراء وكالة الطاقة الذرية. ساهمت العقوبات الأمريكية في الإضرار بالإقتصاد الإيراني بشكل كبير وهبوط عملتها وتدهور الأوضاع الداخلية. قال وزير الخارجية الإيراني (جواد ظريف)، في مقابلة مع قناة «برس تي في» الإيرانية قبل أكثر من شهر، في ردٍ على دراسة أمريكا للعودة إلى المفاوضات، إنّ «تعويض إيران عن خسائرها التي بلغت تريليون دولار بسبب العقوبات الأمريكية سيكون في صلب المحادثات لو عادت واشنطن للإتفاق النووي».(25) يبيّن هذا التّصريح حجم الخسائر الهائلة التي تعرّضت لها إيران نتيجة العقوبات الأمريكية المشدّدة، ناهيك عن أزمة كورونا والهجوم السيبراني المتكرر على منشآتها الحيوية وتفجيرها، إضافة إلى إغتيال أهم شخصياتها كقاسم سليماني والعالم النووي محسن فخري زادة واضطرابات داخلية تحدث بين فترة وأخرى.

في ظلّ ما تقدّم، تفكّر إيران مَلِيًا بالتحالف مع دول عظمى تساعدها في الوقوف بوجه الولايات المتحدة الأمريكية. إنّ الحلفاء المفضلين لإيران هما روسيا والصين. يشكّل هذا التحالف الثلاثي قوّة رادعة كبيرة، لإمتلاك إيران خزينًا كبيرًا من الطاقة وإطلالة بحرية على أهم معابر نقل البترول وما شابه، بالذات مضيق هرمز، وقوة ردع لا يُستهان بها. فيما تمتلك روسيا موارد طاقة هائلة أيضًا، إضافة لقوتها العسكرية والنووية وسيطرتها على سوريا التي تزخر بموارد طاقة هائلة وموانئ مهمة وموقع استراتيجي مميز. من جانب آخر فإنّ الصين تمتلك قوة عسكرية ونووية صاعدة وإقتصاد ينمو بشكل سريع وهائل، غير أنّها تفتقد لمصادر الطاقة. بتحالفهم الثلاثي ودولًا أخرى، سيشكّلون قوة عالمية عظمى من الناحية الإقتصادية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية. 

                وقّعت الصين وإيران قبل فترة مذكرات تفاهم كبيرة بانتظار الموافقة عليها من قبل البرلمان الإيراني لتتحول إلى إتفاقية نافذة. الواضح أنّها ستمضي لأنّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي موافق عليها والحكومة كذلك، وهذا يعني أن الحرس الثوري الإيراني موافق عليها أيضًا، وسترى الإتفاقية النور قريبًا. في نفس السياق أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن قلقه من هذه المذكرة، فيما ردّ أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن التعاون الإستراتيجي مع الصين سيسرع وتيرة تراجع قوة الولايات المتحدة.(26) بهذا يتبين أنّ المسألة أكبر من مذكرة تفاهم للبناء والإعمار والتعاون المشترك. وفي تتمة كلام شمخاني عبارة مهمة، حيث عبّر عن هذه المذكرة بأنها جزء من (إستراتيجية بلاده للمقاومة). هذا يعني أنّ تأثير هذه المذكرة سيطال الدول التي تعتبرها إيران من دول (محور المقاومة والممانعة)، وهي كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، وتدخل أيضًا في حرب زعامة العالم بين الصين وحلفائها من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى، رغم ما صرّح به المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي من أنّ «مذكرة التفاهم للشراكة الاستراتيجية مع الصين ليست موجهة ضد دولة ثالثة، وأنّها مستعدة لإبرام اتفاقيات مشابهة مع أي دولة ترغب بتنمية التعاون التجاري والأمني مع إيران».(27) من الجدير بالذكر، أنّ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، كان قد انتقدَ مصادقة الحكومة الإيرانية برئاسة حسن روحاني، على مسوَّدة خطّةٍ للتعاون بين إيران والصين لمدَّة 25 عامًا، وقال دون ذكر اسم شخصٍ بعينه: «هل أنت مالكُ الدولة، لتمنح الآخرين من مُمتلكات الأُمّة دونَ إخبارِها؟ لقد صنعنا ثورة، حتّى لا يكون هناك شيءٌ خفيٌ على الأُمّة، ولا يَعتبرُ أحدٌ نفسه يمتلكُ الأُمّة». وحذّر أحمدي نجاد، بحسب موقع «دولت بهار» الذي يغطِّي أخباره، دون ذكر اسم مسوَّدة خطّة التعاون، من أنّ «عقد اتفاقيةٍ سرِّية مع أطرافٍ أجنبية، يتعارض مع مصالح الدولة والشعب». وقال خلال لقاءٍ مع حشدٍ من أهالي محافظة جيلان: «لقد سمعتُ أنّهم يُجرون مفاوضات، ويرغبون في إبرام اتفاقيةٍ مع دولةٍ أجنبية لمدة 25 عامًا، ولا أحد يعلم شيئًا عن الأمر».(28) فالواضح أنّ نجاد قلق من هذه الإتفاقية، التي ترهن بلاده إلى الصين بإتفاقات سرّية حسب تعبيره. لا نعرف رأي نجاد اليوم، لأنّ هذه التصريحات كانت قبل سنة من الآن. بعد بيان وِجهات النّظر بخصوص مذكرات التفاهم هذه، سنقوم بمناقشة بعض بنودها التي نُشِرَت حديثًا، والتي تهمّنا في مجال هذه الدّراسة.

فما هي مذكرة الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران وما تأثيراتها على المنطقة والعراق؟

أشار محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، في حديث تلفزيوني إلى أبعاد متعددة بشأن مذكرة التفاهم. طُرِحَت هذه المبادرة، خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى طهران في سنة 2016، وحسب محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، أشار بأنّه قد جرت محادثات تناولت الجوانب الإقتصادية والقضايا الإقليمية والعلاقات الثقافية بين البلدين، وكان من الواضح لكِلا البلدين أنّ العلاقات وصلت إلى نقطة تمكنّهما من العمل معًا كشريكين مستقبليين(29)... بقيت المبادرة قيد الدراسة والنقاش من قبل إيران، ولعلّ ذلك يعود إلى وضعها المستقر حينها، بعدما تمّ التوقيع على الإتفاق النووي في سنة 2015 ولم تكن تتوقع أن يأتي ترامب بعد سنوات لينسحب من الإتفاقية ويفرض عقوبات قصوى عليها. حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وافقت الصين على استثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عامًا مقابل إمدادات ثابتة من النفط لتغذية اقتصادها المتنامي بموجب إتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه يوم السبت(30). بهذا فإننا أمام توجه صيني بكامل قوتها نحو إيران والمنطقة في تحدٍ واضح للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. أضافت نيويورك تايمز بأنّه، يمكن أن يعمّق الاتفاق نفوذ الصين في الشرق الأوسط ويقوّض الجهود الأمريكية لإبقاء إيران معزولة عن العالم. لكن لم يتضح على الفور حجم الاإفاق الذي يمكن تنفيذه، بينما لا يزال الخلاف الأمريكي مع إيران بشأن برنامجها النووي دون حل(31). هذا بيت القصيد الذي يجعل من هذه الإتفاقية -بعد التّصويت عليها- تشكّل أهمية ونزاعًا كبيرًا على عكس إتفاقيات مشابهة لو حدثت في مكان آخر ومع دول أخرى، فأصل القلق والخشية الأمريكية وحلفائها هو تنامي النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط، والتنامي يحتاج إلى قوة عسكرية تحمي الأنشطة الصينية، بالذات نشاطها الأكبر المتمثّل بمشروع الحزام والطريق، أي أنّنا سنشاهد في قادم الأيام، قوات صينية تنتشر في المنطقة، على غرار إنتشار القوات الأمريكية.

لم تعلن إيران عن تفاصيل الإتفاقية قبل التوقيع عليها، ولم تُقدّم الحكومة الصينية تفاصيل عنها. لكنّ الخبراء قالوا: إنّها لم تتغير إلى حدٍّ كبير عن مسودة من 18 صفحة حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي. وتتحدّثُ المسودّة عن 400 مليار دولار من الإستثمارات الصينية في عشرات المجالات، بما في ذلك المصارف والإتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. في المقابل، ستحصل الصين على إمدادات منتظمة ومخفضة من النفط الإيراني(32). عدّت صحيفة «وول ستريت جورنال» هذه المذكرة بأنّها؛ «صفقة كبيرة تعزّز المصالح الاستراتيجية لكلا الجانبين، على حساب الولايات المتحدة والإستقرار في الشرق الأوسط»(33).

حسب البيانات الأولية المتوفرة، فإنّ الإستثمارات الصينية ستكون في مجالات متعددة، بما في ذلك، المصارف، المواني، السكك الحديدية، الاتصالات، الرعاية الصحية، تكنولوجيا المعلومات، وتعميق التعاون العسكري بين الجانبين، الذي يشمل التدريبات، تطوير الأسلحة، تبادل المعلومات الإستخباراتية والبحوث المشتركة(34). إنّ إستثمارات ضخمة بهذا الحجم، وفي هكذا منطقة صراع ونفوذ ملتهبة في العالم، تحتاج لحماية عسكرية متناسبة معها، وهذا من ضمن مصادر القوة والنفوذ والهيمنة، التي تكلمنا عنها أعلاه. حسب تقرير نشرته مجلة «بتروليوم إيكونومست» الشهرية المتخصصة في الطاقة في عددها الحالي، يتناول اتفاق الشراكة السماح للصين بوضع 5 آلاف جندي في إيران لحماية هذه الاستثمارات الضخمة.(35) ولا نعرف حقيقة عدد الجنود المحتملين ولا أماكن قواعدهم العسكرية بالشكل الدقيق، لكنّنا نتوقعُ أن نشاهد في قادم الأيام إنتشارًا عسكريًا صينيًا في مناطق معينة في إيران ولربّما دولًا أخرى في المنطقة بعد عقد إتفاقات معها، وهذا يقودنا إلى بيان المخاطر التي نتوجّسها على العالم والمنطقة والعراق على وجه الخصوص.

التّماس العسكري الصيني-الأمريكي في الشرق الأوسط

منذ مُدّة طويلة والولايات المتحدة الأمريكية تنشر قواعدها العسكرية برًا وبحرًا وجوًّا، من دون منافس حقيقي ينازعها، وانتشرت في أماكن عديدة من العالم، بالخصوص في منطقة الشرق الأوسط، كتركيا والعراق وسوريا والسعودية والأردن والكويت وغيرها، كما انتشرت في البحار والمضائق المهمة المؤثرة في حركة التجارة العالمية. تُعدُّ الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة تمتلك قواعد عسكرية عاملة في الخارج. حيث تمتلك عشرات القواعد العسكرية، تضطلع بواجبات عديدة، كالخدمة الوطنية والحماية وحماية المدنيين وفرض النّفوذ الأمريكي وفق مفهوم القطب الواحد. منذ سنة 2018 إلى سنة 2020 وحدها، نفذت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ما وصفته بأنشطة «مكافحة الإرهاب» في 85 دولة حول العالم، وتشير الخارطة أدناه، التي نشرتها (Costs of War) لمواقع العمليات الأمريكية في هذه السنوات فقط.(36)

United States Counterterrorism Operations 2018–2020.

أمّا الصين وروسيا، وهما القوتان اللتان تليان الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانتا لمدة طويلة محبوستين داخل حدودهما الجغرافية. بدأت روسيا منذ سنوات قليلة بالإنتشار خارج حدودها واللعب بموازين القوى في مناطق عديدة من العالم، كأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وأخيرًا سوريا وليبيا، والدخول إلى سوريا هو الأهم من وجهة نظري، لأنّه مكنّها من وضع قدم لها في الشرق الأوسط، في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. في حين أنّ الصين بدأت بالإنتشار العسكري خارج حدودها بشكل رسميّ في سنة 2017، عبر بناء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وهناك أقوال كثيرة عن امتلاكها لقواعد غير رسمية وسرّية في دول أخرى. فالثّلاثي الصيني الروسي الإيراني توغّل سياسيًا وإقتصاديًا وعسكريًا بعدّة مناطق في الشرق الأوسط، وهنا أتكلم عنهم كجبهة واحدة وليس كدول منفصلة، حتى لا يُقال بأننا لا نرى جيوشًا صينية في المنطقة. ولا ننسى بأنّ الشرق المتوسط والبحر الأبيض المتوسط يشهد حملاتٍ عسكرية ضخمة وتحرك للجيوش والأساطيل البحرية ومناورات عسكرية بين دول مختلفة، ومن هذه الجيوش، الجيش الأمريكي، البريطاني، الفرنسي، الروسي، الإيراني، التركي وغيرهم، في صراع حادٍ على الثروات والنفوذ. إنّ هذا يشير إلى مدى الصراع الكبير، الذي يجعل المقاربات الموضوعية والتنبّؤات المستقبلية، أصعب مما يمكن تصوّره.

في هذا السّياق أرى أنّ مراجعة مقولات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ضرورية، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل وصعودها، كون ذلك لا ينفكّ عن محاولتنا لبيان آثار الإتفاقية الصينية-الإيرانية، إذ أنّ كيسنجر تحدّث عن أقطاب صراعٍ عديدة، سترسم مستقبل العالم، وهذا ما يدفعنا لمحاولة قراءة رؤاه بجدّية ومقاربتها مع موضوع الدّراسة. تحدّث كيسنجر في المنتدى العالمي للسياسات الجغرافية والإقتصاد سنة 2011 عن رؤيته مستقبل العالم والشرق الأوسط. نشرت صحيفة «الديلي سكويب» تصريحاته في مقال يحمل عنوان «هنري كيسنجر: إن كنت لا تسمع قرع طبول الحرب فلا بُدَّ أنّك أصم». قال فيه: «الولايات المتحدة تستغل الصين وروسيا، وستكون إيران المسمار الأخير في النعش، والذي هو بالطبع الهدف الرئيسي لإسرائيل. لقد سمحنا للصين بزيادة قوتها العسكرية وسمحنا لروسيا بالتعافي من الحقبة السوفيتية، لمنحهم إحساسًا زائفًا بالتبجح، وسيؤدي ذلك إلى سرعة زوالهم. نحن مثل مطلق النار الحاذق الذي يتحدى الرامي الهاوي لأن يلتقط البندقية، وعندما يحاول ذلك، سيكون الإنفجار مدوّيًا. ستكون الحرب القادمة شديدة لدرجة أن قوة عظمى واحدة فقط هي التي يمكن أن تنتصر، وهي نحن [أمريكا]». تابع كيسنجر: «أخبرنا الجيش أنّه سيتعين علينا الإستيلاء على سبع دول في الشرق الأوسط من أجل مواردهم وقد أكملوا عملهم تقريبًا. نعلم جميعًا ما هو رأيي في الجيش، ولكن يتحتم علي أن أقول أنهم أطاعوا الأوامر بشكل كبير هذه المرة. إنّها مجرد نقطة الانطلاق الأخيرة، أي إيران التي ستقلب الميزان حقًا. إلى متى يمكن أن تقف الصين وروسيا جانبًا وتراقبان أمريكا تكنس؟ سوف يستيقظ الدب الروسي العظيم والمنجل الصيني من سباتهما وهذا هو الوقت الذي ستضطر فيه إسرائيل للقتال بكل قوتها وأسلحتها لقتل أكبر عدد ممكن من العرب. وإذا سار الأمر كما خُطط له، فإنّ نصف الشرق الأوسط سيكون إسرائيليًا... من الرماد سنبني مجتمعًا جديدًا ونظامًا عالميًا جديدًا. ستكون هناك قوة عظمى واحدة متبقية، وستكون تلك هي الحكومة العالمية التي ستفوز».(37) إنّ الإتفاقية الإيرانية-الصينية ستكون من العوامل المهمة في إعادة رسم قواعد اللعبة الدولية وقراءة الواقع بشكل جديد.

السيناريوهات المحتملة والخاتمة

إنّ مشروع طريق الحرير الصيني العملاق، لا يمكنه أن يستمر نحو التكامل من دون توفير الأمن، بالذات في الشرق المتوسط، لأنّه من أهم المراكز التي يستند لها هذا المشروع الضخم. لذلك نتوقع أنّ المتضرر الأكبر في حال حدوث نزاع مع الولايات المتحدة الأمريكية سيكون الصين، لأن الشرط الأساسي لمواصلة المشروع الصيني المتمثل بالأمن سيكون في خطر جسيم. حسب المخطط له فإنّ هذا المشروع سينتهي في سنة 2049(38)، أي بعد ما يقارب 28 سنة، وهي مدّة قصيرة في عمر الدّول العظمى والحضارات. أهم ما يقوم عليه هذا المشروع هو البنى التحتية، من خطوط سكك حديدية وموانئ وجسور وطرق برية، تربط العالم كله بالصين، لتصبح الصين كالقلب النابض، شرايينه هذه البنى التحتية العملاقة.(39) ينتهي المشروع حتمًا بهيمنة صينية إخطبوطية على العالم، وهنا تكون نقطة الصِدام مع الولايات المتحدة الأمريكية(40). لذا ستعمل الصين في هذه الفترة، بتبني استراتيجية الهيمنة على الدول التي يمرّ من خلالها المشروع أولًا، بعد ذلك تنتقل لمواجهة أمريكا، إن كان لا طريق سوى المواجهة. الصين تقوم بالفعل بالهيمنة عن طريق قوتها الإقتصادية والمالية الهائلة، وتعمل على الإستحواذ على مقدرات الدول، بالذات موانئها ومواردها الطبيعية، مقابل مشاريع إستثمارية ضخمة، كما من المتوقع أن يحدث ذلك مع إيران أيضًا. يمكننا تلخيص هذه الرؤية، في عبارة لكيسنجر، بقوله: سيطروا على الطاقة للتحكم بالدول وعلى الغذاء للتحكم في الشعوب.(41) والصين تتبع هذه الإستراتيجية بالفعل، ككلّ القوى العظمى التي سبقتها، لكنّها تمارس عملها بهدوء ومن دون ضجيج وهذا ما يميّزها عن الولايات المتحدة الأمريكية.

عند مراجعة التاريخ والأدبيات المتعلقة بنهوض الدول والحضارات وسقوطها وما كُتِبَ وصُرِّحَ به من قبل مسؤولين كبار أو مفكرين أو محللين سياسيين مرموقين، فيمكننا تصور سيناريوهات عديدة، يمكن إيجازها بالآتي(42):

السيناريو الأول: إتفاق صيني أمريكي للتعاون المشترك بدل الصِدام وتقديم تنازلات من قبل الطرفين لمنع أي صِدام عسكري مباشر.

السيناريو الثاني: المصالحة الأمريكية الإيرانية عن طريق تنازل أمريكا عن العقوبات التي فرضها ترامب سابقًا وتقديم تعويضات وتنازلات لإيران لعدم تمرير الإتفاقية مع الصين، مقابل تقديم دعم أمريكي وتعهدات صارمة.

السيناريو الثالث: طرح مشاريع أمريكية حقيقية تتفوق على المشروع الصيني في المنطقة، تهتم بشكل أساس بالجانب الاقتصادي والإستثماري، كما تفعله الصين اليوم، وإنهاء الحروب في المنطقة عن طريق صفقات جديدة تقدّم الاقتصاد والتنمية على حساب الحروب.

السيناريو الرابع: تغيير معادلة التحالفات وتفكّكها، لنشهد معسكرين جديدين، يضمّان دولًا تنتقل من معسكر إلى آخر، وهذا يضرّ أمريكا أكثر مما يضرّ الصين. لأن الكثير من دول المنطقة المتحالفة مع أمريكا، تشعر بقلق شديد حيال أمريكا ومواقفها الضعيفة في الفترة الأخيرة، بسبب الهجمات المتكررة على القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق وإزدياد هجمات الحوثيين على الداخل السعودي، الذي أظهر عجزًا أمريكيًا وسعوديًا للرد على ذلك. كذلك فإنّ هناك دولًا رئيسية صاعدة في المنطقة، كتركيا حليفة الأمريكان وعضو حلف الناتو، بدأت تفكر بواقعية وتميل شيئًا فشيئًا إلى المحور الروسي الصيني، خاصة أنّ أمريكا بدأت بمهاجمة تركيا ومحاربتها دبلوماسيًا وإقتصاديًا، بالذات ما يحمله الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن من مواقف معادية لتركيا وأردوغان بالتحديد، ما جعل تركيا تفكّر بشكل جديّ في مستقبلها مع أمريكا من جهة والإتحاد الأوربي الذي لديه مشاكل عديدة كبيرة مع تركيا، على رأسها الأزمة مع اليونان وفرنسا.

السيناريو الخامس: الصِدام العسكري ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة والصين وحلفائها من جهة أخرى. هذا السيناريو الكارثي يضرّ بالأطراف جميعًا، خاصة دول المنطقة وشعوبها، وينهي حلم طريق الحرير الصيني، إلّا أنه من المحتمل أن يضعف أو ينهي النفوذ الأمريكي في نفس الوقت. إنّ هذا السيناريو هو الذي طرحه كيسنجر ومَن يتبنون فكرًا مشابهًا له، لوقف الصين عن تمددها وصعودها. يُعَدّ هذا السيناريو من أسوء ما يمكن أن يفكر فيه المرء، لأنّه يعني حربًا عالميًة ثالثة، أقوى من كل الحروب التي شهدتها البشرية إلى الآن، بسبب تطوّر الأسلحة ووجود الأسلحة النووية والتطور التكنلوجي الهائل. (43) ليس كيسنجر وحده أشار إلى هذا التوجه، بل حتى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، ففي الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 1990؛ وجّه بوش خطابًا إلى الأمم المتحدة، متحدثًا عن النّظام العالمي الجديد «N.W.O  New World Order»(44)، قال فيه: «لدينا القوة والعزيمة لبناء نظام عالمي جديد، عالم يحكمه القانون، لا قانون الغاب، حكومة أممية موحدة».(45) ويقصد خضوع العالم لقانون واحد وحكومة واحدة تحكم العالم بأسره.

إنّ مشروع طريق الحرير الصيني، مشروع استراتيجيّ، لا يمكن أن تتنازل عنه الصين بسهولة، إذ ستنتفع منه الصين أولًا ودولًا عديدة أخرى ثانيًا. إنّه المشروع الذي يسمح للتنين الصيني بمدّ أياديه الإخطبوطية للسيطرة على العالم، ثمّ إعلان نفسه سيدًا عليه، متربعًا على عرشه، وفقًا لمفهوم القوة والهيمنة الذين تحدثنا عنهما في البداية. ليس أمام الولايات المتحدة الأمريكية سوى التنازل أو التوافق على أقل تقدير مع الصين، للحيلولة دون حدوث حرب كارثية بكلّ المقاييس. أعاد هذا المشروع التموضعات، وربّما سنشهد قريبًا تغييرًا في التحالفات الكلاسيكية التي تشكّلت بعد الحرب العالمية الثانية. ستسمح خطوط القطارات السريعة الممتدة من الصين إلى إيران عبر باكستان، بإمكانية نقل الجيش الصيني بسرعة كبيرة للأراضي العراقية أو التركية، في حال حدوث أي صِدام عسكري مباشر أو غير مباشر. سيكون العراق في وضع صعب، نظرًا لوجود قوات أمريكية على أراضيه، وروسية على حدوده السورية، وإيرانية ومحتملًا صينية على حدوده الإيرانية، فيما يواجه مشكلة من الشمال تتمثل بتوغل الجيش التركي داخل الأراضي العراقية وإنتشاره على الشريط الحدوديّ وفي داخل إقليم كردستان في تهديد واضح للأمن القومي العراقي، بل مُجددًا أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أنّ بلاده تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في شمال العراق بدعوى محاربة حزب العمال الكردستاني (P.K.K)(46) ، إضافة إلى قواعدها العسكرية الموجودة فعلًا.

ربّما يُعدُّ الأمن القومي للعراق وتركيا، الأكثر تهديدًا من قبل الصين مستقبلًا، إذا لم يحسما خياراتهما الإستراتيجية. لن تستطيع دول العالم في قادم الأيام، خاصة دول الشرق الأوسط، البقاء على الحياد، فإما الإنصهار مع المعسكر الصيني أو الأمريكي أو تأسيس تحالفات ومعسكرات جديدة، لكنّ لو حدثت هذه التحالفات الجديدة فمن المرجح أن تكون ضعيفة في مواجهة المعسكرين العملاقين. سينتهي مشروع طريق الحرير بعد 28 سنة، وفي هذه السنوات سيكون من الضروري أن تحسب الدول حساباتها وتحسم خياراتها الإستراتيجية. أخيرًا لا ننسى بأنّ هناك إتفاقًا عراقيًا إيرانيًا لمدّ خطوط سكك حديدية من إيران إلى سوريا عبر العراق، تكمن خطورتها بإمكانية إستخدامها مستقبلًا من قبل الجيش الصيني والروسي لنقل ونشر قواتهم إلى منطقة الشرق الأوسط بسهولة وسرعة وتكاليف قليلة. ليس من مصلحة الصين أن تشعل الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّ إشعال الحرب يعني إنهاء مشروع طريق الحرير، وبالتالي تدمير حلم الصين الكبير، وكلّ ما بنته خلال هذه السنوات. ربّما ستكون الدولة الإيرانية من أهم محطات الجيش الصيني مستقبلًا.

إنّ هذا التحول الدراماتيكي على مستوى موازين القوى سيغيّر كثيرًا من قواعد اللعبة في الشرق الأوسط والعالم مستقبلًا، حينها لا يمكن الوقوف على الحياد، ولن تنفع سياسة الوقوف على الجبل. من المهم أن تتنبّه دول المنطقة وبالذات العراق للتطورات الجديدة وتأثيراتها المستقبلية، من أجل وضع سياسات استراتيجية تتناسب مع الوضع الجديد، عبر دراسات مكثّفة وتوصيات أكاديمية رصينة موضوعية، ترسم صورة متكاملة لأصحاب القرار السياسي، لتطبيق السياسة المناسبة، طبقًا لما يقتضيه الوضع الجديد في العالم والمنطقة، بناءً على حسابات الأمن القومي والمصالح الوطنية العليا.

الهوامش

1)      "بايدن قلق بشأن الشراكة بين الصين وإيران"، شبكة الجزيرة نت الإعلامية، 29/03/2021، شوهد في 02/05/2021، في: https://bit.ly/3ues0Tk .

2)      جوزيف فرانكل. العلاقات الدولية، ترجمة غازي بن عبد الرحمن القصيبي. (جدّة: تهامة للنشر والتوزيع، 1984، ط2)، ص 52. https://bit.ly/3ePj9RE.

3)      المرجع نفسه، ص 52.

4)      بن صايم بونوار. المدخل للعلاقات الدولية. (جامعة أبو بكر بلقايد –تلمسان كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، 2019)، يمكن مراجعة الصفحات من 61-62.

5)      تُراجع مقدمة بن خلدون.

6)      المرجع نفسه، يمكن مراجعة الصفحات من 57-69.

7)      أحمد محمد أبو زيد. (2019). نظريــات العلاقات الدولية والحرب: مراجعة للأدبيات (2-2). مجلة الناقد, (03), 41-56. ص 19.

8)      بن صايم بونوار. المدخل للعلاقات الدولية. (جامعة أبو بكر بلقايد –تلمسان كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، 2019)، ص 59.

9)      أحمد محمد أبو زيد. (2019). نظريــات العلاقات الدولية والحرب: مراجعة للأدبيات (2-2). مجلة الناقد, (03), 41-56. ص 20.

10)  سكوت بورتشيل وآخرون. نظريات العلاقات الدولية، ترجمة محمد صفار. (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014، ط1)، ص 51. https://bit.ly/3gVlsFr.

11)  بول ويلكينسون. العلاقات الدولية مقدمة قصيرة جدا، ترجمة لبنى عماد تركي. (المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي سي آي سي، 2017)، ص 10.

12)  جون جي ميرشايمر. مأساة سياسة القوى العظمى، ترجمة مصطفى محمد قاسم. (الرياض: جامعة الملك سعود مركز النشر العلمي و المطابع، 2012).

13)  وليد سلام جميل."الصراع الأمريكي-الصيني: من المدرسة الواقعية إلى عنترة العبسي مرورًا بابن خلدون"، ساسة بوست، 04/07/2020، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/39xJkdW.

14)  جون جي ميرشايمر. كتاب مأساة سياسة القوى العظمى، ترجمة مصطفى محمد قاسم. (الرياض: جامعة الملك سعود مركز النشر العلمي و المطابع، 2012)، ص 2-3.

15)  د. أحمد القطامين. "كيسنجر: ما يجري في الشرق الاوسط يمهد للحرب العالمية الثالثة"، وكالة عمون نيوز الإخبارية، 25/10/2014، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/2QOPgZm.

16)  "كيسنجر يحذر من بوادر حرب عالمية وشيكة"، وكالة RT الروسية، 09/10/2020، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3wdAw6N.

17)  عمرو عبد العاطي. "هل انتهى القرن الأميركي؟"، مركز الجزيرة للدراسات، 19/04/2015، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3ue6ga4.

18)  مارتن جاك. حينما تحكم الصين العالم، ترجمة فاطمة نصر، ط1. (بغداد: إصدارات دار سطور الجديدة للنشر والتوزيع، 2010).

19)  جوزيف ناي. هل انتهى القرن الأميركي؟، ترجمة محمد إبراهيم العبد الله، ط1. (الرياض: دار العبيكان للنشر، 2016).

20)  ويكيبيديا، حزام واحد طريق واحد. https://bit.ly/3xAbHT0.

21)  دبلوماسية فخ الديون: هي نوع من الاستراتيجيات الدبلوماسية التي تستخدم فيها الدول الكبرى قوتها الاقتصادية والمالية لإغراق الدول التي تتعامل معها بديون هائلة غير قادرة على سداداها، ثمّ بعد أن تتعثر هذه الدول عن السداد، تطالبها بالتنازل عن أجزاء من أراضيها أو موانئها أو السماح لها ببناء قواعد عسكرية لها أو غير ذلك من المصالح، أي أنها نوع من أنواع الاستعمار الدبلوماسي. مارتن غريفيش وتيري أوكالاهان. المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، ترجمة مركز الخليج للأبحاث. (دبي: مركز الخليج للأبحاث، 2008، ط1)، ص 321. https://bit.ly/3vAUS8D.

22)  أحمد المرابطي. "هل تملك الصين استراتيجية للتوسع العسكري في البحر المتوسط؟"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28/09/2020، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/31Aw7g3.  

23)  المرجع نفسه.

24)  المرجع نفسه.

25)  "ظريف يتحدث عن الاتفاق النووي ويكشف لأول مرة خسائر إيران من العقوبات"، وكالة أنباء سبوتنيك، 21/02/2021، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3sGRisH.

26)  "بايدن قلق بشأن الشراكة بين الصين وإيران"، شبكة الجزيرة نت الإعلامية، 29/03/2021، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3sCcS1r.

27)  "إيران: مذكرة التفاهم مع الصين ليست ضد دولة ثالثة"، وكالة RT الروسية، 30/03/2021، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3m7wrfG.

28)  "أحمدي نجاد ينتقد اتفاقية حكومة روحاني مع الصين لمدَّة 25 عامًا: هل أنت مالكُ الدولة؟"، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 29/06/2020، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3u7IZWY.

29)  فاطمة الصمادي. "إيران والصين ومعاهدة الـ25 عاما: هل تتحول العلاقات إلى شراكة استراتيجية عميقة؟"، مركز الجزيرة للدراسات، 14/07/2020، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3whi4db.

30)   Farnaz Fassihi and Steven Lee Myers . "China, With $400 Billion Iran Deal, Could Deepen Influence in Mideast", The New York Times, Published 27/03/2021, Updated 29/03/2021, https://nyti.ms/3drGZ5q.

31)   Ibid.

32)   Ibid.

33)   The Editorial Board. "The China-Iran Axis Beijing gains influence and helps Tehran evade U.S. sanctions", The Wall Street Journal, 29/03/2021, https://on.wsj.com/3fzercW.

34)   Farnaz Fassihi and Steven Lee Myers  (Published 27/03/2021, Updated 29/03/2021). Former reference.

35)  "الصين تغزو الخليج.. اتفاقية شراكة استراتيجية مع إيران لمدة 25 عاما"، موقع الخليج الجديد، 11/09/2019، شوهد في 31/03/2021، في: https://bit.ly/3wl3u4o.

36)   Stephanie Savell. United States Counterterrorism Operations, 2018-2020. Watson Instıtute For Internatıonal And Publıc Affaırs, February 2021. https://bit.ly/2QMyXws.

37)   Alfred Heinz. Henry Kissinger: “If You Can’t Hear the Drums of War You Must Be Deaf”, The Daily Squib, 27/11/2011, https://bit.ly/31ApMRP.

38)  ويكيبيديا، حزام واحد طريق واحد. https://bit.ly/3xAbHT0.

39)  المرجع نفسه.

40)  البروفيسور جون ميرشايمر. الواقعية الجديدة والنهوض الصيني. درس لتلاميذه عبر فيديو منشور. https://youtu.be/Dk-34WkUJ5w.

41)   Henry Kissinger. "Control oil and you control nations; control food and you control people".   The Tribune. https://bit.ly/3e9pOHl. & Alfred Heinz. Henry Kissinger: “If You Can’t Hear the Drums of War You Must Be Deaf”, The Daily Squib, 27/11/2011, https://bit.ly/31ApMRP. 

42)  إنّ هذه التصورات بُنيَت على مراجعات تاريخية، كمراجعة وقائع حدثت في عصور منصرمة أو كتب معتمدة كمقدمة بن خلدون أو بنظرة شمولية لمتبنيات المدارس الفكرية المتعددة في فهم سلوك الدول.

43)   Alfred Heinz. Henry Kissinger: “If You Can’t Hear the Drums of War You Must Be Deaf”, The Daily Squib, 27/11/2011, https://bit.ly/31ApMRP.

44)  مدني قصري. النظام العالمي الجديد: هل هناك حكومة سرية تدير العالم؟، صحيفة حفريات الإلكترونية، 01/10/2018، شوهد في 03/05/2021، في: https://bit.ly/2Rj80Av.

45)   George Bush New World Order. https://www.youtube.com/watch?v=Rc7i0wCFf8g.

46)  "تركيا توسع نفوذها بإنشاء قاعدة عسكرية شمال العراق"، موقع العرب الإلكتروني، 30/04/2021، شوهد في 03/05/2021، في: https://bit.ly/3aXbSy0.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟