المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نورهان علي محمد
نورهان علي محمد

دبلوماسية اللقاح وأزمة توفيره

الثلاثاء 01/يونيو/2021 - 10:50 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

منذ شهر مارس الماضي ومع إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا بأنه جائحة عالمية، أدركت الحكومات بخطورة الوضع الصحي العالمي، وباتت ردود الأفعال العالمية متشابهة إلى حد كبير، فلجأت أغلب دول العالم إلى غلق تام للمطارات وتطبيق الإجراءات الإحترازية؛ كإلزام المواطنين بالحجر الصحي وإرتداءالكمامات والتقليل من الإختلاط مما سبب غلق كامل لمدن كبرى. ونتيجة إلى ذلك، ومع مرور أولى موجات الجائحة كان من المتوقع أن يمر العالم بركود إقتصادي وأزمات مالية عديدة لم يشهدها منذ الحرب العالمية الأولى.

ولهذا بدأت العديد من الدول كالصين والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدةوروسيا بالإنضمام إلى سباق إنتاج لقاح سليم مئة بالمئة قادرعلى تقويض الفيروس من الإنتشار، ومع حالة عدم اليقين وندرة المعلومات المتعلقة بمعظم اللقاحات، أخذت دول العالم منحنى آخر لتناول صناعة اللقاح وسياسة توزيعه، فتم التشكيك بنوايا الدول العازمة على توفير اللقاح بشكل سريع لدول نامية، كالصين على سبيل المثال ووصف ما تقوم به من مساعدات وإمدادات ما هو إلا لتحسين صورتها الدولية، وتعزيز قوتها الجيوسياسية والإقتصادية.

سباق اللقاح كقوة ناعمة

                وجدت الدول الكبرى من سباق إنتاج اللقاح وسيلة للتواجد المستمر على الساحة الدولية والتأثير على صنع القرارات الدولية، ومع الإنسحاب التام للإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب من COVAX، وهو عبارة عن اتحاد بين كل من CEPI و Gavi ومنظمة الصحة العالمية بالإضافة الى اليونيسف، للمساعدة في توفير اللقاح وتوزيعه بشكل منصف لكافة دول العالم، فقد أدركت الصين أنها أمام فرصة لا يمكن التنازل عنها من أجل تحسين صورتها الدولية، ونتيجة على ما سبق قامت بالفعل بإرسال إمدادات من الدعم الطبي والكمامات لعدد من الدول كإيطاليا وصربيا.

                وإضافة إلى ما سبق، اهتمت الصين بإرسال جرعات من اللقاح إلى عدد من الدول الفقيرة حسب ما تم وصفه من قبل وزير خارجيتها وانج وين "بأن الدولة عازمة على إرسال شحنات من اللقاح إلى 14 دولة نايمة"، وبالفعل تم إرسال جرعات لباكستان والإمارات والجزائر وجمهورية مصر العربية. وفي المقابل تم إطلاق مصطلح " دبلوماسية اللقاح" على السياسة التي تتبعها الصين من خلال الوعود الدائمة لتوفير جرعات من اللقاح بأسعار منخفضة لكافة دول، فمنذ انتشار الجائحة كانت أصابع الإتهام دوماً ما تتجه إلى الصين كالمسبب الأساسي للفيروس، ومع إعتياد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوصف الفيروس بأنه" فيروس صيني" ، توجب على الصين منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الصورة تلك باستخدام سياساتها في مساعدة جيرانها والدول النامية.

                وفي السياق ذاته، فإن الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكة اتهمت الصين بأن ما تقوم به من مساعدات وإمدادات ليس إلا لتقوية مبادرة الحزام والطريق التي تضم أكثر من 70 دولة حول العالم، وأن مع عدم التثبت من فعالية اللقاح الصيني والإفصاح عن معلوماته بشكل كامل، فيظل اللقاح أفضل من لاشيء بالنسبة للدول الفقيرة، أما بالرجوع إلى وكالة أنباء شينخوا الرسمية الصينية فإن الحكومة الصينية لا تفضل إستخدام الدبلوماسية الصينية كمصطلح، لأن ما تقوم به الصين هو واجب كدولة كبرى داخل النظام السياسي الدولي، وادعت بأن إرسال المساعدات والإمدادات ليس السبيل منها تحقيق أي مصالح إقتصادية أو جيوسياسية.

                وبالإضافة إلى الصين، فلم تكن هي الوحيدة التي تسعى إلى الظهور دولياً كمساعد ورائد دولي، فتؤكد روسيا على أن حوالي 20 دولة طالبت للحصول على لقاح Sputnik V، كما المكسيك التي تعاقدت لتلقي 7.4 مليون جرعة بين فبراير وأبريل. وتأتي الهند التي تعتبر من أكبر الدول المنتجة الدول الجنيسة في العالم، في المرتبة الثالية محاولة للتواجد الدولي من خلال بإرسال ما يقارب 3.2 مليون جرعة مجانية إلى البلدان المجاورة، وقامت بالتعاقد مع حكومات أخرى لتزويدها بالجرعات اللازمة خوفاً من نفاذ الكمية لديها.

                ومع فوز الرئيس جو بايدن بالإنتخابات الرئاسية الأمريكية، اتجهت إدارته إلى الإنضمام مرة أخرى إلى ال COVAX، وتعهد بتقديم مساعدات بقيمة أربع مليارات دولار لحملة التطعيم الدولية، وتم التأكيد بأن الإدارة الأمريكية تقوم بالمحادثات مع الهند واليابان وأستراليا لتوفير اللقاح في آسيا،إن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية منذ تولى الرئيس بايدن الحكم أعادتها إلى سباق اللقاح الدولي كمساعد دولي وداعم قوي على الساحة الدولية. إن ما يسعى له الرئيس بايدن من عودة الصقر الأمريكي مرة أخرى في النظام الدولي كالمنقذ الوحيد في الأزمات الدولية، يعكس الؤوى المختلفة لسياسته الخارجية التي بالكاد ستقوم على إعادة سبل التعاون والتكامل بين الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم، إن الإختلاف الجلي بين بايدن وترامب في كيفية تناول الأزمة الصحية الدولية الراهنة تجعل الرئيس الحالي جو بايدن في خطر توازن الأمن الصحي الداخلي والخارجي.

أزمة توفير اللقاح

                إنتهاء الجائحة لا يتطلب فقط الوصول إلى اللقاح المناسب، ولكن عملية توفيره إلى كافة دول العالم هو ما سيقلل من إنتشار الفيروس وتحوره إلى أشكال جديدة يصعب القضاء عليها، ولهذا فقد التزمت الصين بإرسال أكثر من عشرة أضعاف الجرعات إلى الخارج، بالرغم من ضرورة تطعيم ما يقارب 70% إلى 80% من الشعب الصيني من أجل الوصول إلى مناعة القطيع، وكنتيجة لإستمرار الصين بإنتاج اللقاحات بسرعتها الحالية مع حملة المساعدات الخارجية، فإن نسبة التطعيم داخل الصين لن تتجاوز ال60%، فهنا تقف الصين أمام سيناريوهان إذا لم تسرع من وتيرة الإنتاج، إما أن لا تفي بوعودها أمام الدول وهذا ما سيفقدها المصداقية الدولية وسيعيق من مشاريعها الإقليمية، أو أنها تكمل مع احتمال حدوث سخط شعبي داخلياً.

                إن من أسباب أزمة توفير اللقاح وجود فجوة إقتصادية متباينة بين دول العالم، فمع تلقيح ما يقارب 14 في المائة من الشعب الأمريكي، فإن مجمل نسبة التلقيح في الدول النايمة يصل إلى 7 في المئة، أي نصف نسبة التلقيح في  الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإضافة إلى ما سبق تثير هذه الفجوة التساؤلات مرة أخرى المتعلقة بمن يملك ومن لا يملك، وكنتيجة لهذه الفجوة من الممكن أن يتضاعف سعر اللقاح عالمياً ويصبح من الصعب أن تقوم معظم الدول بشرائه، ويصبح اللقاح ورقة ضاغطة على الحكومات للإنصياع. 

خاتمة:

                إن التعاون الدولي لتوفير اللقاح أمر واجب وضروري، والعمل من خلال المنظمات الدولية المعنية بذلك سيقلل من التلاعب في سياسة إنتاجه وتوفيره وتوزيعه، وسيقلل من إحتمالية تفشي الجائحة مرة أخرى، فالعمل من خلال الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وال COVAX، سيعمل على توفير الجرعات اللازمة للعالم بشكل عام، دون الدخول في مزايدات المساعد الأقوى والقوى العظمى المسيطرة، لأن الإحتمالات تؤكد أن لا يوجد الفائز المطلق، إما أن نحيا أجمعين، أو لا ينجو أحد.

المصادر:

1.       بثينة خليفة قاسم، دبلوماسية الفاكسين،تاريخ الدخول 22-3-2021،  متاح على:

https://www.albiladpress.com/news/2020/4433/columns/682787.html

2.             Yanzhong Huang, Vaccine Diplomacy Is Paying Off for China, access date 22-3-2021,availableon: https://www.foreignaffairs.com/articles/china/2021-03-11/vaccine-diplomacy-paying-china

3.             Vaccine nationalism – and how it could affect us all, access date 22-3-2021, available on: https://www.weforum.org/agenda/2021/01/what-is-vaccine-nationalism-coronavirus-its-affects-covid-19-pandemic/ 

4.             By the edit broad,  The Era of Vaccine Diplomacy Is Here, access date 22-3-2021,available on: https://www.nytimes.com/2021/02/28/opinion/covid-vaccine-global.html

5.              https://www.who.int/initiatives/act-accelerator/covax

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟