المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تغيرات جذرية .. ملامح الشرق الأوسط الجديد

السبت 21/نوفمبر/2020 - 01:08 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

على الرغم من أهمية الجغرافيا السياسية في تفسير ملامح الشرق الأوسط من حيث التغيرات، إلا أن العامل الأكثر تأثيرًا في بلورة هذه التغيرات يتمثل في مدى التواجد أو الانسحاب الأمريكي في المنطقة، وعلى الرغم من القوة الكبيرة التي تمتلكها الولايات المتحدة للتأثير على مجريات الأوضاع الإقليمية والدولية إلا أن هناك مجموعة من المؤشرات الداخلية والتي ظهرت بصورة واضحة من جانب مرشحي الرئاسة دونالد ترامب وجو بايدن اللذان أعلنا بصورة أو بأخرى بأن هناك توجه من جانبهم بتحجيم دخلاتهم الدولية في القضايا متأثرين بذلك بأن الأمريكيون والرأي العام الداخلي الولايات يريدون في دعم هذا التوجه في منطقة الشرق الأوسط وقد عبروا عن هذا التفضيل في سياسة الولايات المتحدة الخارجية خلال دورات الحملة الرئاسية السابقة ولكنها ظهرت بصورة واضحة خلال حملتي الرئيس الأمريكي ترامب والمرشح الآخر بايدن.

اختلاف التوجهات

إن ما يزيد من أهمية هذا التوجه كونه يتمثل في أن دول منطقة الشرق الأوسط تعاملت مع ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة(بوش الأبن – أوباما – ترامب) انحرف كل منهم بطرق مختلفة عن الدور التقليدي للولايات المتحدة المتمثل في الحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن.

ومن جهة أخرى فإن الناخبين الأمريكيين يرون الآن بأن القرارات المتعلقة بتخفيض القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان مدفوعة بضغوط الرأي العام على المرشحين في الانتخابات وليس الاستراتيجية الخارجية، وفي الوقت الحالي فإنهم يسمعون إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكرر على أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في الحفاظ على التدفق الحر للطاقة، وهو الأمر الذي حدد وجود القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لمدة أربعين عامًا.

ويجب الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة تواجه خلل وظيفي كبير في سياساتها الخارجية، بالإضافة إلى الانقسامات الكبيرة داخل الرأي العام الأمريكي في ظل التساؤلات المثارة حول الدور الإقليمي والدولي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكيف يستعدون لهذا في المستقبل؟

ونتيجة لذلك؛ فإن النظام الدولي  يشهد تغيرات متعددة من بينها ولادة نظام جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط من المحتمل أن يكون أقل استقرارًا مع وجود عدد أكبر من الجهات الفاعلة ومستقبل أكثر غموضًا.

قوى إقليمية ودولية بديلة

تعد الصين من أهم الدول المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي، وشريكًا تجاريًا للكثير من دول العالم، ومستهلكًا لا غنى عنه للطاقة بالنسبة لبعض الدول، وعلى الرغم من هذه الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها الصين لكنها لم تصبح بعد لاعبًا رئيسيًا في الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تتحرك في هذا الاتجاه في العقود المقبلة حيث تستخدم الصين ذات التوجه التجاري المتزايد وأسطولها البحري المتنامي لحماية شريان الحياة للطاقة. لكن في الوقت الحالي، لا تزال الصين بعيدة بشكل أو بآخر عن السياسات الداخلية للمنطقة وتواصل الابتعاد عن الضمانات الأمنية الأمريكية.

وضمن هذا الإطار هناك ثلاث قوى أخرى غير عربية هي إيران وتركيا وروسيا يسعون بالفعل إلى الدخول في الفراغ الناشئ عن تصور الانسحاب الأمريكي، وبخاصة إيران من بين هذه الدول، وأنه منذ العقدين الماضيين وبفضل الأخطاء الاستراتيجية الأمريكية عززت إيران وجودها ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان، وتعمل إيران جنبًا إلى جنب مع وكلائها وتزودهم بأسلحة متطورة لاستهداف المدنيين في الدول العربية ومنطقة الخليج، كما تقوم بعمليات سرية مزعزعة للاستقرار بين المواطنين في الدول العربية، ومؤخرًا استخدمت القوة العسكرية المباشرة عبر الحدود وفي المياه الدولية.

                ومن ناحية أخرى يبدو أن قرار الولايات المتحدة باستخدام طائرة بدون طيار لقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني جعل طهران أقل استعدادًا لتهديد الأمريكيين بصورة علنية، على الرغم من استمرارها في محاولة تحقيق هدفها العام المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة.

على الجانب التركي جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منصبه بأجندة إسلامية وهو يقدم بشكل متزايد تركيا وبالتالي نفسه على أنه الزعيم الطبيعي للمسلمين في المنطقة، ولا سيما المسلمين السنة، في حين تخلت تركيا عن تقاليدها العلمانية الكمالية في القرن العشرين لصالح إرثها العثماني القديم، وتخلت عن علاقتها السابقة بالدول واتجهت إلى دعم  جماعة الإخوان المسلمين.

وضمن السياق ذاته شنت تركيا عمليات عسكرية في كل من سوريا والعراق وليبيا، وأقامت قواعد عسكرية في قطر التي تتشارك معها في دعمها لجماعة الإخوان، كما تشارك بنشاط كبير في اليمن والصومال والسودان بهدف أن تصبح  لاعبًا رئيسيًا في المنافسة على موارد الطاقة لشرق المتوسط. بينما لا تزال تركيا حليفًا رسميًا للولايات المتحدة من خلال الناتو، إلا أن هذه التوجهات الجديدة لتركيا أدت مرارًا وتكرارًا إلى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وفيما يتعلق بالجانب الروسي؛ لا تتوافق أهداف روسيا في الشرق الأوسط مع مصالح الولايات المتحدة، فقد تدخلت روسيا سياسيًا وعسكريًا لدعم النظام في سوريا بالتحالف مع إيران، وتسعى لبيع أسلحة متطورة في المنطقة تهدف إلى تهديد الجيش الأمريكي وتوسيع انتشارها في منطقة شرق البحر المتوسط ​​من أجل تهديد الناتو، ومن جهة أخرى نجحت روسيا في تحسين علاقاتها مع إسرائيل وتركيا، كما تحاول التدخل بصورة لا تلقى من خلالها معارضة دولية في ليبيا، وعلى الرغم من أن أحد الإنجازات الكبيرة للولايات المتحدة كانت مواجهة السياسة الخارجية الروسية ودورها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها الآن عادت لتؤثر مجددًا في مجريات الأوضاع الإقليمية والدولية.

تغير التحالفات

قبل بضعة عقود فقط كان على أي قوى غير عربية تهدف إلى كسب النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، أن تدخل في مواجهة وتنافس مع الزعماء العرب التقليديين في كل من القاهرة ودمشق وبغداد، إلا أن هذه الدول الآن أصبحت في مواجهة متعددة على مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك تحالفات جديدة ناشئة بين الدول العربية وإسرائيل في خاصة وأن هذه الدول لم تكن كل منها من قبل قوى إقليمية، على الرغم من ثروتها النسبية.

وتأتي هذه التفاهمات في إطار مخاوف هذه الدول تجاه مجموعة من التهديدات وبالتحديد تهديد مباشر من إيران وتهديد غير مباشر من جماعة الإخوان، إن فائدة هذا التحالف الخليجي-الإسرائيلي واضحة من منظور أمني واقتصادي وستنعكس بصورة مباشرة على مدى قدرة بعض الدول مثل روسيا وإيران وتركيا على التأثير في الأوضاع الخاصة بالمنطقة.

ومن ثم، فإن ظهور هذا التحالف هو بلا منازع تطور إيجابي للولايات المتحدة لأنه في حال سيطرة إيران أو روسيا أو تركيا على المنطقة فإن ذلك لا يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي، وسوف يتجه البعض في واشنطن إلى استغلال ذلك كفرصة لزيادة مضاعفة دعواتهم للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة، ومن ناحية أخرى سيكون من الأفضل بكثير أن تعمل الولايات المتحدة بنشاط على تعزيز هذا التحالف الناشئ من خلال إعادة تأكيد دور الولايات المتحدة الإقليمي التقليدي، وتحديد حجم تواجدها العسكري ومنع التخلي عن المنطقة لصالح قوى أخرى إقليمية ودولية.

Will Wechsler, Tomorrow’s Middle East is Emerging Today, national interest,  September 18, 2020, at:

https://nationalinterest.org/feature/tomorrow%E2%80%99s-middle-east-emerging-today-169195


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟