المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الاستراتجية السويدية لمكافحة (كوفيد 19)...الفرص والمخاطر

السبت 23/مايو/2020 - 07:42 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
جوش ميكود- عرض:مرﭬت زكريا

أثيرت حملة كبيرة من الانتقاد والثناء على النموذج السويدى فيما يتعلق بمكافحة فيروس (كوفيد19) المعروف بكورونا؛ حيث انقسم المحللون إلى فريقين، يرى الأول أن الدولة وجدت طريقة فعالة لمعالجة هذا الوباء، بينما أقر الفريق الثاني بأن استوكهولم تتبع نهج متهور من شأنه تعريض صحة شعبها للخطر، وتم التوافق فيما بينهما في النهاية على أن التجربة السويدية تحمل دروسًا للآخرين، إما كنموذج يحتذى به أو كنهج تحذيري.

في السياق ذاته، أشار  الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز ونائب مدير مؤسسة  the Kaiser Family لشؤون الصحة العالمية، إلى أن السويد كانت ومازالت تقدم نماذج مختلفة عن معظم الدول الأوروبية فيما يتعلق بإدارة الأزمات؛ حيث فرضت معظم الدول الأوروبية عمليات إغلاق وإجراءات قسرية أخرى لإبطاء انتشار الفيروس، ولكن وضعت الحكومة السويدية مسؤولية الحد من المخاطر الاجتماعية على الأفراد والشركات عن طريق إصدار بعض المبادئ التوجيهية حول الإرشادات العامة المتعلقة بغسل اليدين، التباعد الاجتماعى، تجنب السفر غير الضروري، مع عدم التهديد بفرض عقوبات أو الحبس إذا لم يتم اتباع هذه التوصيات، مع بقاء الأطفال في المدارس (على الرغم من إغلاق الجامعات) واستمرار الناس بالتجمع في المطاعم، المتنزهات، والأماكن العامة الأخرى.

واللافت للانتباه هو انصياع المواطنين للتعليمات دون خروقات تذكر، فعلى سبيل المثال، تشير سجلات التنقل في Google إلى أن الأشخاص في المقاطعة التي تحيط بالعاصمة ستوكهولم قد خفضوا رحلاتهم إلى مؤسسات البيع بالتجزئة والترفيه بنسبة تتراوح بين 20 و 40 % واستخدامهم لوسائل النقل العام بنسبة تتراوح بين 30 و 40 % بعد تفشي الوباء، وهو ما يعادل تقريبًا الانخفاضات التي تم تسجيلها في الدول المجاورة. وعلقت الحكومة السويدية على ذلك، بأنها ترى  أن هذه السياسة الأكثر راحة وأقل قسوة هي أكثر حصافة ودوامًا، مما أدى إلى تجنب المواطنين في السويد إلى الإرهاق والضغط الذي تحمله مواطنو الدول الأخرى تحت  قيود الحجر الصحى؛ حيث تشير الاستطلاعات إلى أن الغالبية العظمى من السويديين يدعمون هذا النوع من إدارة الأزمات، وتقديرهم لرغبة المسؤولين لإتاحة قدر من الحفاظ على بعض مظاهر الحياة الطبيعية في حياتهم، بما يتضمن الحرية والمسؤولية معًا.

على النقيض من ذلك، ترى الحكومة السويدية أن أولئك الذين عانوا فترات طويلة من الإغلاق في دول أخرى يواجهون خسائر اجتماعية وعاطفية متزايدة. مثل العزلة الاجتماعية والوحدة الناتجة عن التدابير البعيدة يمكن أن تفاقم مشاكل الصحة العقلية؛ ففي استطلاع حديث للبالغين الأمريكيين أجرته مؤسسة  the Kaiser Family، أفاد بأن حوالى 45 % من المستجيبين لقيود الاغلاق  أكدوا بأن صحتهم العقلية عانت من الإجهاد المرتبط بضغوط تفشي الوباء، ففى الوقت الذي يعترف فيه الكثيرون بالحاجة إلى التباعد الاجتماعي، يعبرون أيضًا عن التعب المتزايد بسبب القيود، لذا، يشير الكاتب إلى أن السياسات التي من شأنها أن تساعد على التخفيف من هذه الضغوط دون تعريض الصحة العامة للخطر تستحق الإشادة.

كما تسمح بعض الدول التى ترغب في إيجاد حل وسط واتباع بعض مزايا النموذج السويدي  للأشخاص بالوصول إلى الحدائق العامة والأماكن المفتوحة الأخرى؛ حيث يستمتع السويديون أيضًا بالجلوس في الهواء الطلق في المطاعم، مع وجود مسافة بدنية كافية. فبشكل عام، هناك إجماع متزايد على أن البيئات المختلفة لها ملفات تعريف مخاطر مختلفة لانتقال الفيروس التاجي، لذا فإن الأماكن التي لا تقع في خضم تفشي غير محكوم يمكن أن تفكر بأمان في نهج أكثر مرونة يعمل على تخفيف القيود وتشجع السلوكيات الصحية مثل استخدام الأقنعة أو دروع الوجه في الأماكن العامة.

وعليه، يمكن اعتبار النموذج السويدى نهج أكثر تقدمًا عن عدد كبير من البلدان الأخرى،  عندما يتعلق الأمر بالامتثال للمبادئ التوجيهية الطوعية بسبب ارتفاع مستويات الثقة العامة بشكل غير عادي. ومع ذلك، على الأرجح هناك مساحة خارج السويد لنهج أكثر دقة من شأنه أن يسهل إدارة الوباء على المدى الطويل.

فعلى الرغم من أن نهج عدم التدخل السويدي في التباعد الاجتماعي يستحق المتابعة والتقدير ، ولكن أشار بعض خبراء الصحة العالمية إلى وجود تطرف كبير فيما يتعلق باتباع مبدأ مناعة القطيع، لكن عل الناحية الأخرى، قدر ممثلو وكالة الصحة العامة السويدية أن ثلث سكان ستوكهولم سيكونون محصنين بحلول بداية مايو 2020، وأقرت السلطات أن ما بين 20 و 25 % من سكان مقاطعة ستوكهولم البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة كانوا محصنين بالفعل حتى أوائل مايو وأن ستوكهولم ستصل إلى مناعة القطيع، مع ما بين 40 و 60 % من سكان المدينة يتعرضون للحماية بالأجسام المضادة بحلول منتصف يونيو 2020. في حين جادل البعض الأخر ، أن 4 إلى 7 %من سكان البلاد أصيبوا حتى الآن، وهو الأمر الذى لا يختلف كثيرًا عن عدد الإصابات في فرنسا، إيطاليا، إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تتراوح من 4إلى 9%.

والجدير بالذكر، أن التقدم المحدود الذي حققته البلاد نحو مناعة أوسع نطاقا، عاد بتكلفة خطيرة على صحة السكان الذين باتوا معرضين أكثر للخطر، بما في ذلك كبار السن، المهاجرين والأقليات؛ فبحسب تصريحات الحكومة السويدية، ارتفع معدل الوفيات في أبريل لمن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا بنسبة 25٪، وزاد بنسبة 50٪ أو أكثر لمن تزيد أعمارهم عن 80 عامًا. كما تضررت مجتمعات المهاجرين بشدة، مسجلة أعلى معدلات للإصابة في ستوكهولم.

وعليه، يشير الكاتب إلى إنه على الرغم من أن السويد لديها خدمات صحية ممتازة، وكثافة سكانية منخفضة، وعدد قليل من الأسر المعيشية المزدحمة، ومعدلات منخفضة نسبيًا للحالات المزمنة المعروفة بأنها عوامل خطر للإصابة بمرض COVID-19، إلا إنه يقدر  إجمالي معدل الوفيات من الوباء بحوالي 366 لكل مليون شخص، وهو ما يعد أعلى بكثير من معدلات الإصابة في النرويج والدنمارك، الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، وأقل من إيطاليا، إسبانيا وفرنسا.

على الناحية الأخرى،يؤكد أنصار النموذج السويدي أن معدل الوفيات المرتفع نسبيًا في البلاد سيبدو أفضل بمرور الوقت، خاصًة إذا كانت هناك موجة ثانية من المرض، ولكن يؤكد الكاتب على أن هذا يعتبر  رهان مرتفع الخطورة، ويفترض أن الكثيرين يجب أن يموتوا الآن من أجل حماية البلاد في المستقبل، على خلفية ارتفاع عدد ضحايا كوفيد 19 دون الاقتراب من ما يعرف بمبدأ "مناعة القطيع"، ولكن في البلدان التي تفتقر إلى مزايا السويد، من المرجح أن تكون التكلفة البشرية للدفع نحو مناعة القطيع أعلى.

في النهاية: يشير الكاتب إلى أنه وبعد أربعة أشهر من انتشار الوباء ، تظل هناك الكثير من التساؤلات حول أفضل طريقة للوقاية من ـ COVID-19، هل هي الاختبارات واسعة النطاق، تتبع الاتصال الفعال، العزل السريع ، أم الجهود الإضافية لضمان سلامة المسنين وغيرهم من السكان المعرضين للخطر؛ حيث  يمكن للسويد أن تقوم بعمل أفضل من خلال دمج هذا الإجراء الأخير ضمن محددات استجابتها، ويمكن للبلدان الأخرى الاستمرار في تنفيذ كل منهم مع أو بدون حظر صارم. قد يكون الدرس الذي يمكن استخلاصه من التجربة السويدية هو أن النهج الأكثر عقلانية للتباعد الاجتماعي لا يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع حملة تطبيق مبدأ مناعة القطيع الذي يمكن أن يؤدى إلى  عدد كبير من الوفيات التي  من الممكن تجنبها.

 

Josh Michaud, Sweden’s Coronavirus Strategy Should Not Be the World’s: But Aspects of It Are Worthy of Consideration, Foreign Affairs, May 20, 2020, available at :

https://www.foreignaffairs.com/articles/sweden/2020-05-20/swedens-coronavirus-strategy-should-not-be-worlds?fbclid=IwAR1jyGhfh4cn69WN9a1ZYsMHapV9YFZZy7A1AuLbw_Wqg7Eje6QJe4EX4fI.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟