المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

تصعيد الفشل .. دلالات دعوات التوطين الإيرانية للجزر الإماراتية

السبت 23/مايو/2020 - 05:00 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

استمراراً لسياسة التصعيد الإيرانى – الأمريكى في المنطقة وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز الدفاعات العسكرية الخاصة بها في العراق التى تعتبر معقل النفوذ الإيرانى في الشرق الأوسط؛ حيث توجد المليليشيات التابعة لها. وفي هذا السياق، أكد قائد القوة البحرية التابعة للحرس الثورى الإيراني الأدميرال علي رضا تنكسيري في 29 إبريل 2020 على توطين الجزر الإماراتية الثلاث(طنب الكبرى، طنب الصغري وأبوموسى)، تنفيذاً لقرار المرشد الأعلى علي خامنئي بدافع تأسيس بنية تحتية جيدة على حد قوله في هذه الأماكن، الأمر الذي من شأنه أن يؤهلها لتصبح بمثابة مكان جيد للعيش. ولكن هذا الأمر من شأنه أن يطرح دلالات عدة على مستويات مختلفة يمكن توضيحها فيما يلي:-

أولاً- تقويض نفوذ  واشنطن

يأتى القرار الإيرانى بتوطين الجزر الإماراتية (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبوموسي) في خضم حالة من التصعيد المتزايد بين طهران وواشنطن في المنطقة، ولاسيما في العراق، الأمر الذي وصل إلى ذروته في 3يناير 2020 عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باغتيال قائد قوة فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى برفقة قائد الحشد الشعبي في العراق أبومهدى المهندس قرب مطار بغداد الدولى، وهو الأمر الذي مارست الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إثره ضغوطًا هائلة على الحكومة العراقية على خلفية مطالبتها بإخراج قواتها من العراق. يتوازى ذلك تصاعد حدة الهجمات العسكرية المتبادلة بين واشنطن وكتائب حزب الله في بغداد، الأمر الذي يبدو وكأن طهران عازمة على تنفيذ تهديداتها التى وعدت بها بعد اغتيال سليمانى، والعمل على تقويض نفوذ واشنطن ليس فقط في العراق، بل في المنطقة بأكملها.

في السياق ذاته، على الرغم من اتخاذ المرشد الأعلى لقرار توطين الجزر الإماراتية والإعلان عنه منذ فترة ليست بالقصيرة طبقًا لوسائل الإعلام الإيرانية، ولكن الملاحظ أن تنفيذه جاء بالتزامن مع المشادات الأمريكية الإيرانية في مياه الخليج، على خلفية قيام قوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى بالتحرش ببعض البوارج الأمريكية التى كانت تقوم بالمشاركة في مهام المراقبة البحرية للمياه الدولية في الخليج العربي قرب السواحل الكويتية في أواخر إبريل 2020 (1). 

ثانيًا- تعزيز الدور الإيراني في المنطقة

تقع الجزر الإماراتية الثلاث على ساحل الخليج العربي الممتد من مخرج شط العرب في الشمال الغربي إلى مضيق هرمز في الجنوب الشرقي بطول يصل إلى 615 ميلاً وعرض يتراوح ما بين 25 – 210 أميال، ومن هنا أكد  عدد من الباحثين والخبراء على أن هذه الجزر تحتل أهمية كبيرة ولاسيما فيما يتعلق بالصعيد الاستراتيجي والعسكري؛ حيث تُشرف هذه الجزر على حركة الملاحة البحرية وبخاصة على الطرق البريطانية المؤدية للهند قديماً، والخطوط الملاحية الدولية المعتمدة لتصدير البترول حديثاً. وعليه، تدرك إيران جيداً حقيقة المقولة التي تقر بأن من يسيطر على هذه الجزر، يمكنه الاستفراد بالسيطرة على منطقة الخليج بأكملها.

في السياق ذاته، نظراً للطبيعة الجغرافية الجيدة نسبيًا التي تتمتع بها هذه الجزر، فإنها تصلح للاستخدام في الأغراض العسكرية؛ حيث يمكن القول أنها تعد بمثابة مركزاً ملائمًا للرقابة العسكرية على السفن التي تعبر الخليج العربي، كما يمكن استخدام سواحلها كملجأ للغواصات لكون مياهها عميقة وتصلح لإقامة منشآت عسكرية، وهو الأمر الذي اتضح من خلال نوايا طهران القائمة على حرمان منافسيها من هذه المميزات الاستراتيجية الهامة.

يتوازى ذلك، مع اضطلاع هذه الجزر بدور هام في ضمان الأمن الإيراني بشكل خاص وأمن المنطقة بشكل أعم، على خلفية وقوعها في منطقة الخليج العربي وبخاصة مضيق هرمز، التي تتحكم في نسبة كبيرة من مرور نفط دول الخليج إلى العالم. وعليه، اتجهت إيران إلى عسكرة هذه الجزر والسيطرة على مضيق هرمز؛ حيث قامت طهران في عام 2008 بتأسيس قاعدة بحرية جديدة في مدينة بندر جاسك الإيرانية عند مصب الخليج لتعزيز قدراتها العسكرية في الخليج(2).

ثالثاً- الاستيلاء على الثروات المعدنية

على الرغم من صغر مساحة الجزر الإماراتية الثلاث، إلا أنها تعتبر من أكثر المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، ولاسيما فيما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعي؛ حيث تنبع الأهمية الاقتصادية لهذه الجزر من موقعها الاستراتيجي الموجود في مضيق هرمز الذى يمر عبره حوالى 40% من نفط العالم ومعظم نفط الخليج، حيث بات النفط هو السلعة الأكثر  أهمية، ومدخلاً لصناعة العديد من السلع الأخرى، ولاسيما صناعة البتروكيماويات، وهو الأمر الذي جعل هذه الجزر تتحكم في قدر كبير من الصناعات الموجودة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعدد كبير من الدول الأوروبية التي تعتمد الأسواق العالمية على انتاجها بنسبة كبيرة.

 كما تعد جزيرة أبوموسي من أكثر المناطق الغنية بالثروات المعدنية مثل أكسيد الحديد الأحمر الذي يُستخدم في صناعة الإسمنت، وكبريتات الحديد، والكبريت الموجودة في المنطقة المشتركة بين إمارة الشارقة وإيران. كما تحتوى هذه الجزر على ثروات كاللؤلؤ، وتستخدم لرسو السفن المارة أو محطات للتزويد بالوقود، وتستخدم كمأوى للصيادين أيضًا. في السياق ذاته، تشتهر جزيرة أبو موسي بوجود كميات كبيرة من الجرانيت الخالص الذي يتم استخدامه في صناعة السيراميك، فضلاً عن المناخ المعتدل والمياه العذبة الوفيرة الصالحة للزراعة طوال العام، وهو الأمر الذي أدى إلى تنوع النشاط الاقتصاد لسكان الجزيرة بين الرعي، الصيد واستخراج الثروات المعدنية (3).

بينما تعتبر جزيرة طنب الكبرى الواقعة شرقي الخليج العربي من أكثر المناطق الغنية بالمعادن والثروة السمكية، في حين تتميز جزيرة طنب الصغرى بكثرة أعشاش الطيور البرية والبحرية فيها لأن الطيور المهاجرة تلجأ إليها أثناء هجرتها السنوية من الشتاء الباردة شمالاً إلى الجنوب الدافئ والعكس(4).

في النهاية: يمكن القول أنه من المتوقع أن يكون لسيناريو التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران كثير من الأثار السلبية على أمن واستقرار دول المنطقة ولاسيما حلفاء واشنطن الرئيسيين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبخاصًة في ظل وجود عدد لا بأس به من الملفات الخلافية الممتدة بين الطرفين والتي يتمثل أهمها في الاتفاق النووي الإيرانى والعقوبات الاقتصادية التي أدت لتدهور وضع الاقتصاد، بالتوازي مع تفشي جائحة كورونا التي طالبت إيران على إثرها بتخفيف العقوبات، ولكن هذا الأمر قوبل برفض تام من قبل واشنطن على خلفية تأكيدها بأن المشكلة الحقيقة التي تعانى منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليست مالية بالأساس، وإنما في النسق الأيديولوجي الذي يتعامل من خلاله نظام ولاية الفقيه في الداخل والخارج.  

الهوامش

1-      أوامر من خامنئي لبدء مشروع توطين السكان في الجزر الإماراتية التي احتلتها إيران، المرصد أونلاين، 30/4/2020، متاح على الرابط التالى https://almasdaronline.com/articles/181230.

2-      محمد خالد المومني، خالد حامد شنيكات، رؤية شاملة لأبعاد الصراع في قضية الجزر العربية الثلاث " طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى"، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، المجلد 5، العدد 1، 2012، ص ص 62-65 .

3-           Khalid S. Z. Al-Nahyan, The Three  Islands: Mapping the UAE-Iran Dispute, Royal United Services Institute, 2013, pp 29-33.

D. ZWAAGSTRA, Unresolved Territorial Disputes: The Tunbs and Abu Musa in the Gulf, peace palace library, available at https://www.peacepalacelibrary.nl/2013/10/unresolved-territorial-disputes-the-tunbs-and-abu-musa-in-the-gulf/

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟