المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

أزمة (كوفيد 19)...وانهيار أسطورة "أمريكا أولاً"

الإثنين 13/أبريل/2020 - 08:08 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
فيليب جوردون-عرض: مرﭬت زكريا

استهانت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة  الرئيس دونالد ترامب الذي لطالما عول على شعار "أمريكا أولاً" في بداية ظهور أزمة (كوفيد19) المعروف بكورونا باتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذه الجائحة؛ حيث غاب عن إدراك ترامب منذ البداية فكرة عدم قدرة واشنطن على مواجهة الأزمة وإمكانية خروج الأمر عن سيطرتها؛ ففي 26 فبراير 2020 توقع ترامب اقتراب عدد الاصابات داخل جميع الولايات الأمريكية من الصفر ، فضلاً عن تأكيد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو  على أن واشنطن استطاعت بالفعل احتواء المخاطر الناتجة عن انتشار مثل هذا الفيروس على خلفية الاغلاق شبه الكامل لحدودها.

                في السياق ذاته، أشار فيليب جوردون  زميل أول مجلس العلاقات الخارجية، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية ومنسق البيت الأبيض للشرق الأوسط خلال إدارة أوباما، فضلاً عن كونه مستشار أول في مجموعة Albright Stonebridge إلى أنه من المتوقع أن تؤدى الأثار السلبية الناتجة عن الفيروس في الصين إلى تسريع عودة الوظائف إلى أمريكا الشمالية، ولكن بالطبع لم تكن الحدود الأمريكية محكمة الإغلاق على الإطلاق، لذا، تعد الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا موطن لأكبر عدد من الحالات المبلغ عنها من COVID-19 في العالم، مع أكثر من 7000 حالة وفاة، وهو عدد من المؤكد أنه سيزداد باطراد خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

 ومع تصاعد وتيرة عدد الإصابات، اتجه حكام الولايات الأمريكية إلى تنفيذ بعض الاجراءات التعسفية لاحتواء الوضع، كما وجه الكونجرس الأمريكي حزمة مالية بقيمة 2.2 تريليون دولار لتوفير الإغاثة الاقتصادية المؤقتة للعمال والشركات الأمريكية؛ فعلى الرغم من تركيز واشنطن حاليًا على توجيه كل جهودها نحو تحسين صحة وسلامة الشعب الأمريكي وجعلها بمثابة الأولوية الأولى بالنسبة للحكومة الفيدرالية الأمريكية، ولكن وصف بعض خبراء الصحة العالمية الإجراءات التي تتخذها السلطات الأمريكية بغير الكافية في هذا الإطار، والتي يتركز معظمها على الحجر الصحي المنزلي، فضلاً عن تركيز معظم الجهود على الداخل الأمريكي واهمال الخارج أي دول العالم الأخرى، وهو الأمر الذي تمثل في تصريح ترامب من خلال تغريدة له على موقع توتير، قائلاً:" أنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. . . ليس رئيس الدول الأخرى، لذا، فإن علينا التركيز على هذا البلد، بينما يعملون هم على بلدانهم". وهو ما يشير إلى أن الفشل في مواجهة الوباء خارج الولايات المتحدة الأمريكية سيقوض قدرتها في القضاء عليه داخليًا.

أولاً- تكلفة اتباع نهج "أمريكا أولاً"

بدأت الإدارة الأمريكية في اتباع نهجًا واضحًا قبل ظهور هذه الأزمة يتمثل في تقليص حجم المساعدات الخارجية ولاسيما تلك التي تتعلق بالصحة العالمية، وفي فبراير لعام 2020 عندما تم تداول الأخبار عن انتشار فيروس كوفيد 19 في الصين وخارجها، قررت الولايات المتحدة الأمريكية قطع المساعدات المالية الخارجية للسنة المالية 2021 بنسبة 21%، بما يتضمن تقليص المساعدات الموجهة لبرامج الصحة العالمية بنسبة 35%، وهو الأمر الذي يقدر باقتطاع حوالى 3 بليون دولار  أي حوالى 50% من المساهمات الأمريكية في منظمة الصحة العالمية. وفيما يتعلق ببعض الملفات الأخرى، مثل الهجرة والسياسة الخارجية خفضت الإدارة الأمريكية مساعدتها لكل من غواتيمالا، السلفادور، هندوراس، سوريا والأراضي الفلسطينية، التي تعرضت ميزانيتها وأنظمة الرعاية الصحية لديها بالفعل لضغوط كبيرة، كما أعلن دونالد ترامب خلال عام 2018 داخل الأمم المتحدة، أن المضي قدمًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية سيتضمن تقديم المساعدة فقط لكل من يحترموننا أو الأصدقاء بمعنى أوضح.

لكن لم يتجاهل ترامب المساعدات الخارجية كليًا، فمنذ بداية الأزمة، فعلى الرغم من إعلان الإدارة الأمريكية عن مساعدات دولية إضافية بقيمة 274 مليون دولار، لكن أشار بعض الخبراء إلى هذا المبلغ غير كافي أيضًا في وقت يعاني فيه بالفعل أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الفيروس القاتل، وتقلص الميزانيات الوطنية في كل مكان، ويتجه الاقتصاد العالمي إلى الركود الشديد. وعليه، تأتى التخفضيات التى اقرتها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية بنتيجة عكسية؛ ففي 23 مارس 2020، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو عن خطط لخفض المساعدات المقدمة لأفغانستان بمقدار مليار دولار في عام 2020 وهدد بقطع مليار دولار أخرى في عام 2021، في الوقت الذي تعانى فيه الحكومة الأفغانية بالفعل من ضائقة مالية وتحصل على حوالي 75% من إيرادتها من خلال المنح الدولية، كما أن البنية التحتية للصحة العامة رديئة بالفعل، لذا، يشير الخبراء الاقتصاديين إنه إذا تبنت كابول إجراءات تقشفية كباقي دول العالم في ظل أزمة تفشي  COVID-19، من المتوقع أن تنهار حكومتها الهشة بالفعل.

وفي هذا السياق، أقر وزير الصحة العامة الأفغاني في 24 مارس 2020 إنه من المتوقع أن يصاب ما حوالى 16 مليون أفغاني، كما لن تقتصر المشكلة على أفغانستان فقط؛ فوفقًا لوكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، عبر حوالي 17000 أفغاني بحر إيجه إلى أوروبا في عام 2019، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى ضعف هذا العدد في عام 2020، لذا من المحتمل أن تؤثر البيئة الهشة صحيًا بالسلب على الدول المجاورة.

وتواجه اليمن أيضا تخفيض هائل في المساعدات المقدمة من قبل واشنطن، بغرض الضغط على ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران لتخفيف القيود على تسليم المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ حيث أوقفت إدارة ترامب حوالي 70 مليون دولار من المساعدة الموجهة لليمن بشكل عام، وهو الأمر الذي انتقده الكثير من المحللين، معللين ذلك بأنه لا يجب أن يشمل التخفيض المنح المقدمة للرعاية الصحية. وقالت   منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لليمن ليز غراندي، لصحيفة واشنطن بوست في ذلك إن منظمتها "تنفذ من الأموال" وسيتعين عليها إغلاق عمليات إنقاذ الأرواح إذا لم يتم تلقي المزيد من الأموال، لإنه حتى الأن لم يتم الإبلاغ عن حالات COVID-19 في اليمن، ولكن يبدو أن تفشي المرض مسألة وقت فقط؛ حيث تشترك اليمن في حدودها مع المملكة العربية السعودية وعمان وتحظى بتفاعل واسع النطاق مع إيران، التي تعتبر واحدة من الدول التي تمتلك أعلى معدلات الإصابة في العالم.

كما أن الضرر لا ينتهي عند هذا الحد؛ حيث أنهى ترامب كل الدعم الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يتضمن المساعدات الإنسانية، الإنمائية والصحية، وهو الأمر الذي فسرته واشنطن ظاهريًا بأنه يأتى من أجل الضغط على الفلسطينيين لتبني خطة السلام في الشرق الأوسط التي أقرها ترامب فى بداية عام 2020، ولكن من المحتمل أن تضر هذه الخطوة أيضًا بالجهود العالمية لمكافحة الفيروس. كما خفضت واشنطن تمويلها أيضًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعتبر بمثابة المزود الأساسي للرعاية الصحية والخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، ويشير الكاتب إلى أن إحدى نتائج هذه الإجراءات تتمثل في أن COVID-19 يمكن أن يطغى على النظام الصحي الضعيف في غزة قريبًا. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن غزة لا تمتلك سوى 15 جهاز تنفس متاح لجميع سكانها البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة، في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.

يتوازى ذلك، مع تأكيد الكاتب على أن اللاجئين من أكبر الفئات المعرضة بشكل كبير للإصابة بالفيروس خاصًة مع ازدحام المخيمات، افتقار النازحين إلى أدوات النظافة لشخصية مثل الصابون والمياه النظيفة، فضلاً عن إنه في مثل هذه الأماكن يكون تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي أمرًا مستحيلًا،  كما أن اللاجئين في أماكن أخرى في المنطقة، بما في ذلك في سوريا والعراق وتركيا وليبيا والأردن ومصر، معرضون بشدة للفيروس الذي سيستمر في تهديد سكان العالم على الأقل حتى انتاج لقاح.

ثانيًا- كورونا ...وعالمية المستقبل

يشير الكاتب إلى إنه قد يحاول ترامب في مواجهة هذه الأزمة العالمية، منع المساعدات المادية عن الدول الأخرى ولاسيما النامية منها، وبالتالى تركهم للتعامل مع مشاكلهم الخاصة بينما يتفرغ هو لوضع الأسوار حول الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذه الرؤية تحمل خطراً كبيراً في مضمونها، فحتى إذا كانت واشنطن ستمنع دخول مواطنين من أجزاء كبيرة من آسيا، إفريقيا أو الشرق الأوسط، فإن الأشخاص اليائسين من تلك المناطق سيشقون حتمًا طريقهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر المكسيك، كندا وأوروبا. وحتى إذا كان من الممكن بطريقة ما منع الأشخاص من الهجرة من تلك الدول، فإن التكاليف التي ستتحملها الولايات المتحدة الأمريكية  لعزل نفسها عن أهم شركائها التجاريين ستكون أكبر بكثير  من تكاليف العمل على احتواء الفيروس في بلدان المصدر.

وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب أن الخيار الأكثر واقعية يتمثل في أن تقود الولايات المتحدة جهوداً دولية حازمة للقضاء على هذا الوباء، خاصًة وأن هناك سابقة جيدة لمثل هذه القيادة ليس فقط في زمن الحروب ولكن في مجال الصحة العالمية؛ ففي عام 2003، اعترفت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بانتشار فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز باعتباره تهديدًا ليس فقط للصحة العالمية ولكن أيضًا للأمن العالمي والأمريكي، وعليه، وضع بوش خطة طارئة للإغاثة من هذا الفيروس من خلال جمع موارد المساعدات الطبية والدبلوماسية والخارجية لإنقاذ ملايين الأرواح في جميع أنحاء العالم. وبالمثل تمت الاستجابة لتفشي وباء الإيبولا المدمر في عام 2014؛ حيث عمل الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما بشكل وثيق مع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والحكومات الأجنبية لاحتواء هذا المرض القاتل وعلاجه، عن طريق إرسال فرق من الخبراء الأمريكيين لمساعدة البلدان الأخرى.

لكن في الأزمة الحالية، لم تتجه الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة هذا الدور القيادى؛ حيث فشل شركاء مجموعة الـ 20 في الموافقة على بيان مشترك حول مواجهة كوفيد 19  لأن وزير الخارجية مايك بومبيو أصر على وصف الوباء بـ "فيروس ووهان"على خلفية تمتع ترامب بعلاقة وثيقة مع المملكة العربية السعودية، التي تعد الرئيس الحالي لمجموعة العشرين. في الواقع، فإن فشل ترامب في قيادة استجابة عالمية منسقة، سمح للكثيرين بالنظر إلى الصين كقائد عالمي أكثر مسؤولية من الولايات المتحدة.

تأسيسًا على ما سبق، يؤكد الكاتب على ضياع الكثير من الوقت والعديد من الفرص، ولكن لا يزال بإمكان الإدارة والكونغرس الأمريكي التصرف؛ حيث يجب على الإدارة أن تتخلى عن الوهم القائل بأن كوفيد 19 مرضًا معديًا يمكن إيقافه عند الحدود الأمريكية، وينبغي لوزير الخارجية مايك بومبيو أن يبدأ في بناء تحالف لمكافحة الوباء من خلال المنظمات القائمة مثل منظمة الصحة العالمية، مجموعة السبع، مجموعة العشرين أو إنشاء منظمة جديدة إذا لزم الأمر. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تعيد التفكير في استراتجية تخفيض المساعدات التى قامت بها لبعض الدول، فضلاً عن توفير الأموال من خلال صندوق النقد الدولي للدول غير القادرة على التعامل مع الأزمة، وقيادة حملة عالمية منسقة في هذا الإطار، بما يتضمن تسهيل التطوير العالمي لانتاج اللقاحات والأمصال، مساعدة اللاجئين والنازحين في المخيمات المكتظة وتقديم الدعم للمنظمات الإنسانية الأمريكية لتكون بمثابة خطوط أمامية لمواجهة الأزمة.

ختامًا: يشير الكاتب إلى أننا نعلم من خلال التجارب الماضية فيما يتعلق بالتعامل مع الأوبئة أن التقدم ممكن، ولكن يجب علينا أولاً أن ندرك أن الأمريكيين لن يكونوا آمنين حقًا إلا عندما يكون بقية العالم آمنًا أيضًا، ففي سبتمبر 2019، أعلن ترامب بفخر للأمم المتحدة أن "المستقبل لا ينتمي إلى العولمة. . . . المستقبل ملك دول مستقلة ذات سيادة تحمي مواطنيها وتحترم جيرانها وتحترم الاختلافات التي تجعل كل دولة خاصة وفريدة من نوعها ". ولكن بعد ستة أشهر، مع وفاة الأمريكيين بأعداد مروعة، فإن مثل هذه النظرة للعالم ليست سوى الضحية الأخيرة لرئيس لا يحترم الحدود ولا يمكن هزيمته إلا برد عالمي حقيقي.

 

Philip H. Gordon, “America First” Is a Dangerous Fantasy in a Pandemic: Foreign Aid and Global Leadership Will Be Integral to Any Solution”, Foreign Affairs, April 4, 2020, available at: 

 https://www.foreignaffairs.com/articles/2020-04-04/america-first-dangerous-fantasy-pandemic

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟