المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

تداعيات استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط على العلاقات الأوروبية الروسية والنفوذ الروسي في المنطقة

الأحد 19/يناير/2020 - 06:09 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015 واصل فلادمير بوتين توسيع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق منذ انتهاء الحرب الباردة حتى أصبح –عبر سياسته الانتهازية- محورًا أساسيًا في المنطقة. ففي غضون أيام محدودة أكد بوتين محورية الوجود الروسي في الشرق الأوسط رغم زيادة التوترات الإقليمية. فبعد أن فرض عقوبات أوروبية وأمريكية عقب الصراع الأوكراني، راهنت روسيا على الشرق الأوسط للارتداد وتطوير شراكات استراتيجية جديدة وإحلال محل الولايات المتحدة بما جعل الأخيرة تبدأ في خسارة تأييد حلفاؤها.

تأسيسًا على ما تقدم سيتم تناول مظاهر زيادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وكذلك التقارب الأوروبي، كنتائج لإخفاقات الرئيس ترامب في تعامله مع أزمات المنطقة.

استراتيجية ترامب في المنطقة

ازدياد انتشار روسيا في المنطقة يمكن أن يعزو لحد كبير  إلى إخفاقات الفاعلين الدوليين الأخرين وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة التي تُعتبر سياساتها عبارة عن سلسلة من الأخطاء والكوارث. فيعتمد دور روسيا المتضخم حاليًا في الشرق الأوسط على الأميركيين الذين ينسحبون من المنطقة أكثر من قوتهم السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية بجانب تزايد عدم اليقين بشأن دور الولايات المتحدة المستقبلي في المنطقة. فقد سمح انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا في أكتوبر 2018 لروسيا بإثبات أنها طرف مركزي لا غنى عنه في البلاد في مقابل الجيش التركي، فلم يكن أمام الأكراد خيار آخر سوى التفاوض مع روسيا لدعمهم كما لم يجد نظام بشار الأسد منقذًا له غيرها. وأظهرت من خلال زيارة رئيسها –بوتين- المفاجئة إلى دمشق يوم 7 يناير 2020 لجميع الجهات الفاعلة وللدول الأوروبية والولايات المتحدة أن روسيا تسيطر على القضية السورية حتى في السياق شديد التقلب بين الولايات المتحدة وإيران. وقد مكن هذا الانسحاب ليس فقط من التواجد في المنطقة ولكن من تحسين علاقاتها بحلفاء للولايات المتحدة مثل إسرائيل التي لم يكن لديها أي خيار سوى الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا أملًا في مساعدتها في مواجهة إيران وحزب الله.

 وفي تحمسها لتقويض النظام الإيراني عبر عدة وسائل آخرها اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس والتهديد بمهاجمة أهداف عسكرية واقتصادية وثقافية أيضًا في طهران دون التنسيق مع الجانب الأوروبي، ساعدت إدارة ترامب في صياغة محور روسي إيراني  تركي –رغم وجود تعارضات بين الأنظمة الثلاثة سابقًا،(1) ورغم الاختلافات الجيوسياسية والثقافية والتاريخية التي تفرق بينهم- على حساب النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

وعلى خلفية الانسحاب الأمريكي من المنطقة شهدت العلاقة بين موسكو والقاهرة تطورًا ملحوظًا بعد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم، حيث برزت مصر كشريك مهم لروسيا وتوافقتا في الكثير من الملفات منها دعم المشير حفتر.

يُضاف لما سبق أن ما فعلته الولايات المتحدة في المنطقة يُساعد في ترويج تصورات عالمية بأن الولايات المتحدة دولة تخريبية تزعزع استقرار الشرق الأوسط وهو ما يعد نقطة إضافية لصالح روسيا التي تقدم نفسها على أنها صانع سلام وليس صانع حرب بما يسهم في زيادة رغبة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في التقارب لروسيا وهو يعد نقطة تحول جذرية.

روسيا لاعبًا دبلوماسيًا مركزيًا في الشرق الأوسط

في غضون سنوات قليلة وسع الرئيس الروسي نفوذه في المنطقة وعززه عبر تقديم موسكو نفسها كبديل يزعم أنه ذو مصداقية وموثوق به، ونجاحها إلى حد كبير في تحقيق التأثير الذي سعت إليه في أغلب دول المنطقة. ولعل المثل الأبرز على ذلك تعزيز دول الخليج علاقاتهم مع موسكو إلى حد كبير منذ عام 2015 وهو بشيء جديد تمامًا وغير  مسبوق لأن هذه الدول كانت لها رؤية معادية للأيديولوجية الشيوعية والتواجد الروسي في المنطقة العربية حتى بداية القرن الحادي والعشرين، وهو ما يمثل نقطة تحول كبيرة تؤكد النفوذ الروسي.

ومن خلال تأمل المواقف الروسية من التوترات الجيوسياسية في المنطقة يتضح أن موسكو تسعى للعب دور الوسيط وصانع السلام، مستغلةً قدرتها على إقامة علاقات قوية بأطراف متعارضة؛ فاستطاع بوتين أن يكون محاورًا لحزب الله وقريبًا من نتنياهو، أن يدعو لوقف إطلاق النار في ليبيا مع الرئيس أردوغان رغم دعمه المشير حفتر ودعوته للتباحث في موسكو، ويظهر التعاون مع تركيا رغم دعمها لحكومة الوحدة الوطنية لفايز السراج ودعم الرئيس بوتين لحفتر بجانب أن الزعيمين يدعمان معسكرين مختلفين في سوريا ويختلفان حول حل الأزمة لا سيما فيما يتعلق بإدلب، وكذلك توقيع صفقات أسلحة وطاقة مع تركيا بعد شهور قليلة مع إسقاط تركيا طائرة روسية عام 2015، أن يدعو إلى حل سلمي للأزمة الأمريكية الإيرانية.

 جُل هذه المواقف توضح محاولة بوتين إثبات أنه الوحيد الذي يمكنه التوسط في المنطقة، كما توضح ازدواجية ومفارقات السلوك الروسي في المنطقة فلا تقم بقطع العلاقات مع أي طرف وتستمر في الاستفادة من كل هذه العلاقات ليس فقط على المستوى السياسي ولكن على المستوى الاقتصادي؛ فهذا الدور يمكنها من تعزيز مكانتها الدبلوماسية الإقليمية في الشرق الأوسط وإظهار أنها ليست معزولة بالعقوبات، كما يمكنها من جنى أرباح اقتصادية في قطاعات الطاقة والدفاع والحفاظ على علاقاتها التجارية في محاولة لجعل تغلغلها ليس فقط سياسيًا ولكن اقتصاديًا أيضًا.

التقارب الأوروبي الروسي

يبدو أن الدول الأوروبية –الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة- قرروا التوجه شطر روسيا للتباحث في أزمات الشرق الأوسط بدلًا من الرئيس ترامب. رغم أن التواجد الروسي في المنطقة كان يثير استياء الدول الأوروبية لعقود عدة؛ إذ كانت لم تمثل ضامن رئيسي للأمن لا سيما أنها لا تكن تمتلك نفس الوسائل العسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة.

من مظاهر التقارب الأوروبي الروسي فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على التنسيق والتواصل المستمرين فيما يتعلق بالأزمة السورية وضرورة مواجهة الإرهاب فيها والدفع نحو حل سياسي.(2) وقيامه بالتباحث مع الرئيس بوتين مباشرة عقب مقتل سليماني سعيًا لتجنب التصعيد بين إيران والولايات المتحدة.(3) وطلبه من بوتين التدخل لوقف إطلاق النار في ليبيا.(4)

وكذلك زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موسكو للتباحث مع الرئيس بوتين حول التوترات المتصاعدة في المنطقة وهي أول زيارة لروسيا منذ خمس سنوات، وأول مقابلة منذ لقائها مع الرئيس في سوتشي في مايو 2018 التي سعت فيها لتجنب إعطاء انطباع بوجود علاقة وثيقة مع روسيا. وقد دار الحديث حول التدخل التركي في ليبيا تمهيدًا لعقد مؤتمر في برلين حولها لتجنب تحولها إلى "سوريا الثانية" كما أشارت ميركل، وكذلك التوترات الإيرانية الأمريكية بعد اغتيال قاسم سليماني، والضربات الإيرانية التي أعقبتها في العراق وتحطيم الطائرة الأوكرانية.(5) وتكشف هذه الزيارة إلى أي مدى خلقت الولايات المتحدة فراغًا استغلته روسيا بما دفع ميركل للتنسيق مع الأخيرة وليس ترامب.

وأخيرًا؛ يمكن القول إنه برغم توتر العلاقات الأوروبية الروسية لعقود عدة ورغم وقوة العلاقة الأوروبية الأمريكية إلا أنه منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسًا، تدهورت العلاقات الأمريكية الأوروبية بشكل كبير، ومن ناحية أخرى أصبح الوضع غير مستقر في الشرق الأوسط بسبب أفعال ترامب في المنطقة خاصة فيما يتعلق بإيران. هذا أدى إلى دفع الجانب الأوروبي لمحاولة الحصول على الدعم الروسي وليس الأمريكي بسبب الفراغ الاستراتيجي الذي تسبب فيه ترامب في المنطقة، بجانب تصرفاته الفردية دون تنسيقات مسبقة مع الدول الأوروبية، وكذلك بسبب مغالاته في تحديد مصالحه الخاصة دون اكتراث بمصالح وأمن الجانب الأوروبي. كما أدى إلى نجاح روسيا في تقوية نفوذها في الشرق الأوسط وبناء تحالفات قوية، جعلت الدول الأوروبية تطلب من بوتين أن يستغل علاقاته الوثيقة مع طهران لتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة وذات الأمر بالنسبة لتركيا والأزمة الليبية.

الهوامش

(1) For more informations: Robert G. Rabil, “Donald Trump is reshaping the Middle East — in Russia’s favor”, Washington post, 22/8/2018, available at: https://wapo.st/35JHFNy.

 (2) "ماكرون في مكالمة مع بوتين: محاربة الإرهاب في سوريا أولوية فرنسية، سي إن إن، 2/2/2019، متاح على:  https://cnn.it/2uLps5t؛ "بوتين وماكرون يبحثان ملف سوريا ويتفقان على مواصلة التنسيق العسكري لمواجهة الإرهاب"، روسيا اليوم، 18/11/2019، متاح على: https://bit.ly/2RdBQCU.

(3) “France's Macron and Russia's Putin talked about situation in Iraq”, CNN, 3/1/2020, available at: https://cnn.it/2Rh8S4S.

(4) "ماكرون يطالب بوقف إطلاق نار في ليبيا ذي مصداقية ودائم ويمكن التحقق منه"، بوابة الأهرام، 13/1/2020، متاح على: http://gate.ahram.org.eg/News/2348509.aspx.

(5) " فلاديمير بوتين وأنجيلا ميركل بدءا المفاوضات في موسكو"، سبوتنك نيوز، 11/1/2020، متاح على: https://bit.ly/381FKW3.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟