المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد الرحمان الأشعاري
د. عبد الرحمان الأشعاري

قضية التبشير في المغرب بين الشد والجذب

الخميس 16/يناير/2020 - 06:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

الموضوع يعبر عن وجهة نظر الباحث، ولا يعبر بضرورة عن رؤية وسياسة المركز


بعض التقارير تتحدث عن أن هناك بعض المنظمات والجمعيات التبشيرية الدولية التي تسعى إلى تمسيح نحو 10 في المائة من مجموع سكان المغرب في أفق العام 2020، معتمدة في ذلك على مجموعة من الأدوات والأساليب منها على الخصوص التقنيات المتطورة التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة من فضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي ومنتديات اجتماعية ومواقع إلكترونية لكونها تتيح التواصل المباشر مع المستهدفين.

وكشفت وثيقة جديدة لويكيليكس عن معطيات صادمة بخصوص موضوع التنصير بالمغرب، وأبرزت الوثيقة، حسب ما أوردته صحيفة التجديد (1)، آليات التنصير المعتمدة في المغرب للالتفاف على القانون مثل اعتماد المغاربة الذين تحولوا إلى النصرانية أنفسهم في نشر النصرانية بين المغاربة، كما كشفت الوثيقة المؤرخة في 19 مارس 2009، أن مكتبا دوليا للتبشير"IMB"، يتوفر على ممثلين له بالمغرب.

إشكال قانوني

على الرغم من أن المادة الثالثة من دستور 2011، الذي تزامن تعديله مع هبوب انتفاضات "الربيع العربي"، يضمن للجميع حرية ممارسة المعتقد، إلا أن القانون الجنائي المغربي يمنع التحول إلى ديانات أخرى غير الإسلام، ويقضي في الفصل 220 بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم.

لذلك يفضل المغاربة المعتنقون للمسيحية (2)، الهجرة نحو العالم الافتراضي، الذي تعتبره "ريتا" المغربية المعتنقة للمسيحية منذ حوالي خمسة أعوام "نافذة كبيرة نطل من خلالها على العالم المحيط بنا، نتواصل كمغاربة مسيحيين سواء داخل أو خارج المغرب، ونتابع كل جديد عن ما يهم أوضاعنا"، وتضيف ريتا في تصريح لـ"هنا صوتك"، أن العالم الافتراضي من "أكبر النعم التي يتمتع بها الإنسان حاليا، فمن خلال مواقع التواصل استطعنا أن نعبر عن أفكارنا بكل حرية ووجدنا تفاعلا كبيرا مع فئة كبيرة من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية من الشعب المغربي".      

فؤاد المتنصر حديثاً بدا متفائلاً بمستقبل حرية المعتقد بالمغرب، مؤكدا في حديثه لـ"هنا صوتك": "التعبير عن المعتقد المسيحي بالمغرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس سوى حلا مؤقتا، إلى حين أن يطبق المغرب الاتفاقية الدولية التي وقعها في الفترة الأخيرة، والتي تكفل للمغاربة حرية تغيير الدين والمعتقد، ويحترم بالتالي السلطات والمواطنون المغاربة ما نفعله".

وبخصوص المواضيع المتداولة بالعالم الافتراضي، يضيف متنصر آخر اسمه عزيز: "المغاربة يرون المسيحية من منظور سيء، ولهذا فنحن نحاول عبر الفايسبوك ما أمكن أن نظهر للآخرين سواء مسلمين أو يهود أو ملحدين، الجانب الحقيقي للدين المسيحي".

غير أن هذه "الحرية الافتراضية" تتعرض للكثير من التضييق، حسب عزيز الذي أردف منزعجا: "أتعرض بشكل يومي لتهديدات بالقتل، وكل أنواع السب والشتم، وقرصنة حساباتي على الفايسبوك والسكايب بشكل دوري"، ويواصل عزيز قائلا: "لكننا نتفهم هذا التهجم، فمن الصعب على مغربي مسلم تم تلقينه في المدارس والمساجد، أن الإسلام هو دين الحق، أن يتقبل شخصا غير دينه و لو كان على صواب".

ولذلك سعى القس "جون لوك بلان"، رئيس المجلس المسيحي للكنائس بالمغرب، حسب وثيقة ويكيليكس المشار لها أعلاه، إلى "تصحيح الوضع القانوني للمغاربة المسيحيين، وشرعنة التحول من الإسلام إلى المسيحية"، وذلك من خلال العمل على إقرار "نظام أساسي للمسيحيين"، من أجل ذلك التقى بالسيد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبمسؤولين آخرين يشتغلون في الحقل الديني.

وتشير الوثيقة كذلك، التي تضم حوالي 28 تقريرا، أن Warrenofsky، مسؤول الشؤون الخارجية بمكتب الحرية الدينية الدولية، الملحق بوزارة الخارجية الأمريكية، زار في هذا الإطار، المغرب أواخر العام 2008، والتقى مسؤولين بالبعثة الديبلوماسية الأمريكية بالرباط، التي أمنت له هذه الزيارة، فجالس عددا من الشخصيات والمسؤولين الحكوميين، والأساتذة الجامعيين، ومسؤولين بمجالس علمية محلية، بالإضافة إلى راعي الكنيسة البروتيستانية الدولية بالرباط.

وحسب الوثيقة فإن "أوفسكي" التقى أيضا، بعدد من المغاربة المسيحيين، حيث اطلع على طريقة تحولهم من الإسلام إلى المسيحية، وما سموه بـ"الاضطهاد الذي يتعرضون له".

الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاحي، الدراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي وتعليقا على هذا الموضوع، أكد أنه يتعين عدم منع "التبشير" المسيحي في البلاد الإسلامية ما دامت الدول المسيحية تسمح للمسلمين بممارسة الدعوة الإسلامية في بلدانها، معتبرا أن "المغاربة الذين بدلوا دينهم أو مذهبهم لهم من الحقوق ما لغيرهم".

وأفاد الريسوني في حوار نُشر، في إحدى الصحف المغربية وأعاد موقع العربية نشر مقتطفات منه، بأنه "لا ينبغي منع التبشير المسيحي، لأن البقاء يكون دائما للأصلح عند تعادل الفرص"، مشيرا إلى أن "الحرية الدينية وحرية الاعتقاد قائمة ومتحققة بالمغرب، والدليل وجود مغاربة مسيحيين، وآخرين بهائيين، وآخرين لا دينيين" (3).

ولفت الريسوني إلى كون "العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم تحكمها مبادئ عامة، من قبيل العدل والبر والإحسان وحقوق القرابة والجوار، وأيضا مبدأ لا إكراه في الدين، ولكم دينكم ولي ديني".

وأردف رجل الدين المغربي بأن "هذه العلاقات تحكمها أيضا قواعد المواطنة والتعايش التي على الجميع احترامها وعدم الإخلال بها، ومنها الولاء للوطن والمجتمع وليس لجهات خارجية دينية أو سياسية، ومنها أيضا تحاشي التصرفات الاستفزازية لدين المجتمع وأخلاقه، ووجوب الخروج من السرية والخداع" (4).

غير أن الدكتور محمد السروتي، المتخصص في قضايا التنصير، يخالف الدكتور أحمد الريسوني الرأي ويؤكد بأنه "عادة ما تُقدَّم صورة مغلوطة عن قضية منع التنصير، حيث تبدو سلبية ومغلّفة بطابع الاضطهاد"، مبينا في تصريح للعربية.نت "أنه لو كانت هذه الصورة حقيقة على أرض الواقع "لما بقيت لنا شواهد دالة على التسامح المغربي في جل المدن التي تتواجد فيها كنائس يرجع تاريخها إلى أمد بعيد ولم تمتد إليها يد بهدم أو تخريب".

مبشرون في المغرب

شهد المغرب في الأعوام الأخيرة، حملات تنصيرية منظمة، قامت بها سرا عدة جمعيات ومنظمات أوروبية غير حكومية، في عدد من المدن المغربية منها على الخصوص، مدن الرباط، إفران، فاس، مكناس، الدارالبيضاء، العرائش، طنجة، أصيلة وأكادير، عبر توزيع كتب وأشرطة تبشيرية والآلاف من نسخ الإنجيل ذات الطباعة الراقية وأقراص مضغوطة عن حياة السيد المسيح بالفرنسية والأمازيغية واللهجة الدارجة المغربية، فضلا عن إنشاء مواقع إلكترونية تنصيرية تستعرض شهادات لأشخاص يدعون إنهم تحولوا من الإسلام للنصرانية .

وكشفت إحدى هذه الحملات أنه تم العثور على وثائق بشقة أحد الأجانب بإحدى عمارات شارع يعقوب المنصور في مراكش، تركها وراءه بعد اختفائه المفاجئ أواسط العام 2005.. ومن هذه الوثائق، قانون أساسي لـ"مجلس المدينة للمجموعات الإنجيلية" مكتوب باللغتين العربية والفرنسية، يحتوي على أهداف إنشاء المجلس ومبادئه وشروط العضوية فيه، ومراسلات مع أشخاص مقيمين في الخارج تخبر بتطورات العملية التي يشرف عليها هذا الأجنبي، ولائحة الكنائس التي تم إنشاؤها بأماكن مختلفة من مراكش؛ منها: حيّي "جليز "،و"الإنارة"….(5)

وينص النظام الأساسي للمجلس، حسب الصحيفة نفسها، على أن الغاية منه هي "فتح قنوات التواصل بين المجموعات الموجودة داخل المدينة بقصد التشاور وحل المشكلات والصلاة معا من أجل المدينة"، ويؤكد أن "لكل مجموعة حرية الانضمام إلى مجالس أخرى أو ربط علاقات، شريطة عدم الإضرار بباقي المجموعات"، وهو ما يؤكد وجود مجالس متعددة خاصة بهذه الطائفة الإنجيلية التي يتزايد انتشارها في صفوف الشباب المغربي..

ويحدد القانون الأساسي، وفقا لذات الصحيفة، بيت أحد الأجانب، ويدعى (D) كمقر مؤقت لاجتماعات المجلس واعتباره منسقا له، على أن تنعقد مرة واحدة كل أسبوعين.. أما عضوية المجلس فتتكون من قادة المجموعات الإنجيلية أو من يمثلهم، إضافة إلى أحد الأجانب، الذي تصفه الوثيقة بـ"راعي الكنيسة الأجنبية" بالمدينة (6).

صحيفة "التجديد" تحدثت هي الأخرى عن حملة تبشيرية من نوع آخر، حيث ذكرت أن التقارير التي تصدرها المنظمات التنصيرية كشفت وجود نحو 150 ألف مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي دروساً في النصرانية، وأن لدى هذا المركز منصرين يعملون وسط شريحة تصل إلى مليوني مسلم في دول المغرب العربي والمقيمين بفرنسا، وأن هذه المنظمات تملك برامج إذاعية وتلفزيونية دولية لنشر الإنجيل، إضافة إلى 635 موقعا تنصيريا على شبكة الأنترنت!

الصحيفة نفسها تحدثت في عددها الصادر في نفس التاريخ (7 نونبر 2007) عن حملة أخرى شهدتها مدينة أصيلة، التي تنظيم يومين "ثقافيين" بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، أشرفت عليهما ولأول مرة، وفقا لما جاء في صحيفة التجديد الصادرة بتاريخ 7 نونبر 2007، راهبات الكنيسة الوحيدة بالمدينة، والتي خصصت اليوم الأول للحديث عن "مريم العذراء في الإنجيل" من خلال محاضرة ألقاها القس خراردو سانشس ميلكو، الذي حوّل المحاضرة من عرض علمي إلى نشاط تنصيري، استاء منه الحضور من أبناء المدينة، الذين عبروا عن امتعاضهم بشكل أكبر خلال المحاضرة الثانية التي تمت برمجتها في وقت صلاة الجمعة، والتي كانت بعنوان "مريم في القرآن الكريم" من إلقاء جارة الله منظريول، التي قدمت من إسبانيا، وادعت أنها مسلمة، حيث سجل الحضور الأخطاء المتكررة في عرض الآيات القرآنية وتأويلها بطريقة تخدم أهدافها، وقد تسببت برمجة المحاضرة الثانية في وقت صلاة الجمعة في إحراج شديد للسلطات المحلية، التي حضرت النشاط الثقافي الكنسي، اضطر معها قائد المقاطعة إلى الانصراف للصلاة، ولحق به معظم الحضور من أبناء المدينة المسلمين، في حين تشبث منظمي النشاط من النصارى باستكمال اللقاء، الذي اختتم بمائدة مستديرة خصصت للتعريف بأعمال الكنيسة في مدينة أصيلة وأنشطتها.(8)

وبشكل فاجأ الحاضرين، تضمن برنامج النشاط في يومه الثاني، حسب الصحيفة نفسها، حصة لتعليم الرقص الشرقي والإسباني، قدمتها شابة مسلمة من بنات المدينة، التي قدمت، بلباس فاضح، رقصات مثيرة للغرائز على إيقاع الموسيقى الشرقية، حظيت بتصفيقات وتشجيع من الراهبات الحاضرات، حيث تحول النشاط من التبشير بالنصرانية إلى إثارة الغرائز ونشر الميوعة وإفساد الأخلاق، ولم تكتف الكنيسة بالرقص فقط، بل قامت الراهبات بجولة ميدانية برفقة آخرين جاؤوا من إسبانيا، شملت أحياء فقيرة، للإطلاع على الأعمال الاجتماعية التي تقدمها الكنيسة لقاطني الأحياء الفقيرة، وتسود شكوك لدى المواطنين في أصيلة حول الشباب المسلم الذي يرتاد الكنيسة، مفادها أنه ممن تم تنصيرهم.

وخلف هذا النشاط، نقلا عن ذات الصحيفة، استنكارا واسعا لدى جمعيات المجتمع المدني، الذين شككوا في الأهداف الخفية وراء الأعمال التي تقوم بها الكنيسة في مدينة أصيلة، ومدى وجود مراقبة للسلطات الأمنية وتتبعها لتلك الأنشطة، للحيلولة دون تحولها إلى أعمال تنصيرية تتخفى وراء العمل الثقافي والاجتماعي. (9)

قرية عين اللوح بإقليم إفران، ونقلا عن موقع حركة التوحيد والإصلاح، عاشت هي الأخرى، على إيقاع أنشطة صيفية تنظمها إحدى الجمعيات تشجع على التنصير بين أبناء المسلمين من سكان القرية المذكورة. (10)

وحسب مصدر مطلع تحدث لـ"لموقع هذه الحركة"، فإن'' الجمعية '' التي يديرها أجنبي تسخر بعض الشباب العاطل من أبناء القرية، لاقتناص الأطفال واستقطابهم لحضور الأنشطة دون إخبار ذويهم، وذلك عبر الاتصال بهم في الأزقة أو الشارع، وإغرائهم باللعب والحلوى والأقمصة التي يوزعها هؤلاء، ثم يصطحبونهم إلى خارج القرية، حيث يتم نقلهم عبر وسائل نقل خاصة تستعمل لهذا الغرض.

وذكر المصدر نفسه، أن القائمين على هذه الأنشطة، يعلمون الأطفال بعض العبارات، تحيل على معتقدات الدين المسيحي المحرف، من قبيل ''أرفع يدي وأحني ركبتي وأسجد لإله إلهي''، ويوزعون عليهم بعض الكتب والهدايا التي تستخدم في حملات التنصير، وفي السياق ذاته، ثمن المصدر يقظة السلطات المحلية، ورصدها لهذه الحركات المشبوهة التي تستغل غياب أي عمل جمعوي جاد بالمنطقة، من شأنه إنقاذ الأطفال والشباب من براثين المنصرين. (11)

وأعلنت السلطات المغربية عاما بعد ذلك، طرد 5 منصرين بتهمة تحريض المسلمين على الدخول في النصرانية، وأوضحت وزارة الداخلية في بيان لها أنه "تم إيقاف هؤلاء الأشخاص يوم السبت 28 مارس 2009 خلال عقدهم اجتماعا في مدينة الدارالبيضاء للتنصير كان يحضره مواطنون مغاربة وتم ترحيلهم من البلاد"، مضيفة أنه تمت كذلك مصادرة مواد تنصيرية دعائية عديدة عثر عليها في مكان انعقاد الاجتماع ومن بينها، كتب وأشرطة فيديو باللغة العربية وأدوات طقوسية أخرى.

ولم توضح السلطات المغربية هوية هؤلاء المنصرين الذين تم طردهم، لكن وكالة أنباء "الأسوشيتدبرس" الأمريكية ذكرت، نقلا عن مسؤول بارز في وزارة الداخلية، أن المنصرين الخمسة هم 4 أسبان وامرأة ألمانية.

غير أن قضية ترحيل 20 منصرا بداية شهر مارس من العام 2010، بينهم 16 أجنبيا من الإنجيليين البريطانيين والأمريكيين، وبينهم أيضا زوج فنزويلي، وراهبة كورية وقس فرنسي وآخر من جنوب إفريقيا و7 هولنديين، ضبطوا وهو يقومون بعملية التنصير من خلال مؤسسة ''قرية الأمل''village of Hope  بعين اللوح إقليم إفران، التي كانت تعنى بقرابة 33 طفلا من اليتامى والمتخلى عنهم، شكلت نقطة تحول حقيقية في علاقة المغرب بالنشاط التنصيري، لاسيما بعد أن توالت ردود الفعل الخارجية والتي انطلقت من هولندا باستدعاء السفير المغربي وصدور تصريح سلبي عن السفير الأمريكي بالرباط، وذلك في سياق تقديمه للتقرير الأمريكي السنوي حول حقوق الإنسان في العالم، لتنتهي أسبوعا بعد ذلك مع موقف الكنيسة الأنجليكانية التي أدانت الترحيل واعتبرت أن ما وصفته بـ"الأقلية المسيحية بالمغرب" معرضة للتضييق.

أسبوعاً بعد ذلك وبالضبط يوم الثلاثاء 9 مارس 2010، أوقفت عناصر الأمن في مدينة العرائش، شخصين بتهمة التنصير، وبحسب مصادر إعلامية فقد قضى الشخصان وهما (رجل وامرأة يحملان الجنسية المغربية) ليلة الثلاثاء في ضيافة الشرطة ومثلا صباح اليوم الموالي أمام النيابة العامة، وضبطت الشرطة لدى الموقوفين منشورات وأشرطة وكتبا تنصيرية.

وفي مدينة تاونات قضت المحكمة الابتدائية في حق الشاب الذي تم إيقافه بعين عايشة، لممارسته التبشير والدعوة للمسيحية، بسنتين ونصف سجنا نافذة و5000 درهم غرامة، وقد تم إيداعه سجن عين عايشة لقضاء عقوبته.

وقد اعترف نفس الشاب، الذي يشتغل، حسب الموقع نفسه، بائعا متجولا، بعلاقاته التي تضمه إلى مجموعة من الأشخاص الناشطين في ذات المضمار الداعي لاعتناق النصرانية من لدن المغاربة، وقد طالت هؤلاء طلبات بحث بموجب مذكرات ضبط وإحضار، بينهم أمريكيان أحدهم يدعى جوناثان و الأخر روبير، وقد كانت المجموعة المشار إليها تزود شاب عين عايشة بالكتب والأقراص المدمجة وما إلى ذلك من الوسائل التبشيرية (12).

التنصير بمخيمات تندوف

فشل هذه الحملات التبشيرية في تحقيق مراميها بسبب يقظة السلطات المغربية، قاد المنظمات التنصيرية للقيام بمحاولات لتشكيل أقلية نصرانية في صفوف مخيمات سكان تندوف المحتجزين، وفقا لما جاء في مقالة للباحث محمد السروتي المتخصص في قضايا التنصير، مضيفا أن مما يزيد من خطورة هذا المسعى وجود منظمات تتخفى وراء المساعدات الإنسانية وخطاب "حقوق الإنسان"، وفي الوقت ذاته تعتبر فاعلا أساسيا في العداء للوحدة الترابية للمغرب.

وتحدث الباحث في هذا الإطار عن مؤسسة "منتدى الدفاع" المتخفية وراء أهداف إنسانية وإغاثية، التي أصبحت ومنذ أول نشاط لها لصالح البوليساريو في عام 1993 وإلى اليوم، حاملة لمشاريع خطيرة على مستقبل المواطنين المغاربة المحتجزين في هذه المخيمات، مؤكدا أنها استطاعت في الوقت ذاته ضمان مساندة اللوبي الإنجيلي في الكونغرس ضد وحدة المغرب الترابية، وضمن هذا اللوبي "جيمس إنهوف" وهو أشرس النواب المتطرفين دفاعا عن البوليساريو.

كما تحدث الدكتور محمد السروتي في مقالته عن مؤسسة "كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان" التي زارت في وقت سابق مخيمات تندوف، في مهمة تجاوزت الهدف الإنساني والحقوقي، إلى طرح قضايا لها ارتباط بحملات التنصير التي تقوم بها المؤسسة لمصلحة كنيسة "صخرة المسيح"، حيث ألزمت كيري كينيدي للأسف السلطات الجزائرية بضمان إيواء "طاقم ديني" لا علاقة له بحقوق الإنسان يضم فرقا تبشيرية من كنيسة "صخرة المسيح"، وتم الاتفاق على استقبال حوالي 500 طفل صحراوي سنويا، يقضون عطلتهم الصيفية بأمريكا، في إطار "برنامج الأطفال الصحراويين" الذي ترعاه هذه الكنيسة منذ العام 2002، مشيرا إلى أن بعض المصادر تتحدث عن تهجير أكثر من 4500 طفل ما بين عامي 2010 و2013. (13)

وأكد الباحث أن عدد الأطفال المستفيدين من العملية عرف تزايدا ملحوظا خلال صيف عام 2013 تحت يافطة "فسحة السلام" التي تندرج ضمن مشروع أطلقت عليه الجبهة اسم "جيل الجمهورية الثالث"، مبينا أن قيادات ما يسمى بـ"جبهة البوليساريو" جنت من هذه العملية الأكبر من نوعها إلى حد الآن أموالا طائلة تصل إلى 50 ألف أورو من العائلات الأجنبية التي تكون عادة بدون أبناء بحيث يتم فصل الأطفال عن أمهاتهم وأسرهم في تندوف بدون رحمة ولا شفقة.

واستشهد الدكتور السروتي في هذا الصدد بتقرير اللجنة الأمريكية لشؤون اللاجئين والمهاجرين الذي صدر عام 2010، بحيث كشف هذا التقرير عن تورط قادة جبهة البوليساريو الانفصالية في قضايا يجرمها القانون الدولي تتمثل في الاستغلال والعنف الجنسي والتعذيب والتجارة في الأطفال...، مؤكدا أن منتدى "فورساتين" وصف هذه الوقائع بـ"الخطيرة"، التي كشفت عن فظاعة قادة جبهة البوليساريو، الذين يقومون بدور الوساطة في هذه "العمليات القذرة".

وخلص الباحث المتخصص في قضايا وشؤون التنصير بذلك إلى أن ظاهرة التنصير عبارة عن مشروع سياسي أكثر من كونها رسالة دينية، ونبه إلى أن "الخطر السياسي لمشروع التنصير يتجاوز الترف الفكري وحرية التعبير، ليمس بعدا استراتيجيا يتعلق بمستقبل الوحدة الترابية، وتماسكها الاجتماعي والديني"، مبينا أنه "أمر لا ينبغي الاستهانة به والتغاضي عن خطورته، بالنظر إلى محاولات المنظمات التنصيرية لتفتيت وتجزئة البلدان".(14)

تباين في الأرقام والمعطيات

تشير الأرقام والمعطيات حول عدد المسيحيين المغاربة إلى أن عددهم يناهز 10 آلاف مغربي ينتشرون أكثر في مدن الرباط والدارالبيضاء ومراكش وطنجة وأكادير، فيما أشار تقرير سابق لوزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية بالعالم إلى أن عدد هؤلاء المسيحيين يصل إلى حوالي 25 ألفا، باحتساب المسيحيين الأجانب المقيمين في البلاد، في حين تؤكد تقديرات Warren ofsky، مسؤول الشؤون الخارجية بمكتب الحرية الدينية الدولية، الملحق بوزارة الخارجية الأمريكية، حسب وثيقة ويكيليكس المشار إليها أعلاه، وجود ما بين 3000 و4000 مغربي مسيحي بالمغرب يؤدون شعائرهم الدينية بالكنيسة كل أسبوع، وتشير تقديرات المسؤولين دائما إلى أن 90 بالمائة من المغاربة المنصرين اعتنقوا المسيحية على يد أشقائهم المغاربة أو بتتبع القنوات الأجنبية عبر الأقمار الاصطناعية، بينما اعتنق 10 في المائة فقط المسيحية بفعل الحملات التبشيرية الأجنبية.

بعض الصحف المغربية تشير بدورها إلى وجود حوالي 150 ألف مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي دروسا في النصرانيَّة، كما تشير تقارير أخرى عربية وغربية، وفقا لما جاء في بحث للدكتور محمد السروتي يحمل عنوان "التنصير في المغرب" إلى وجود حوالي 800 منصِّر، وحوالي 13 كنيسة بالمغرب، وأشارت أخرى إلى أن عدد المنصِّرين الأوربيِّين يقدَّر بحوالي 900 منصِّر، 500 منهم يوجَدون بشكل دائم بالمغرب، و5 قساوسة من البروتستانت مسجَّلين رسميًّا في الكنيسة الإنجيليَّة، وقدَّرت بعضُها أن عدد الذين استبدلوا المسيحيَّة بالدين الإسلامي بِحوالي 7000 شخصٍ غيَّروا دينهم في المغرب بينهم 2000 شخص يوجدون في مدينة الدارالبيضاء وحْدها، في حين تُشير أخرى إلى أكثرَ من 30 ألف مغربي، وتحدَّث البعض عن أنَّ مصالح مديريَّة الاستِعْلامات العامَّة التابعة للإدارة العامَّة للأمن الوطني، ومديريَّة مراقبة التراب الوطني رصدت حوالي 45 ألف مغربي تنصَّر، وتحدَّثت آخرُها عن زهاء 1500 نصراني.

وفي الصحافة الأجنبية ذكرت وكالة الأخبار الفرنسية أن "عدد المغاربة الذين تنصروا بلغ نحو ألف، 60% منهم تحولوا إلى النصرانية نتيجة اتصالات شخصية 30% من خلال التليفزيون والأنترنت و10% عن طريق المنصرين، فيما تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية : "إن هناك اليوم في المغرب نحو 800 مبشرا من جل البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ينشطون في مختلف مناطق المغرب، وتضيف بأن التوقيت اليوم أصبح مناسبا للتبشير بالنصرانية بسبب تورط العديد من المنظمات الإسلامية في القيام بعمليات إرهابية ووصم الإسلام بتهمة الإرهاب والعنف"، بل إن منظمات حقوقية دولية باتت تتحدث في تقاريرها الأخيرة عن وجود "أقليات مسيحية مغربية، تعاني من الاضطهاد الديني، ولا يسمح لها بممارسة حقها في حرية التدين والاعتقاد بشكل علني".

ويعود هذا التباين والاختلاف في الأرقام والمعطيات حول ظاهرة التنصير في المغرب، حسب الدكتور محمد السروتي، إلى إحجام الجهات الرسمية عن تقديم هذه الأرقام والمعطيات إلى الرأي العام على الرغم من الاعتراف الرسمي بوجود حركات تنصيرية تنشط فوق التراب المغربي، وعلى الرغم كذلك من مساءلة بعض الفرق النيابية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن الظاهرة في أكثر من مناسبة.

ومن ذلك السؤال الذي سبق للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن طرحه في الولاية البرلمانية السابقة على الوزير المكلف بالقطاع السيد أحمد التوفيق، حسب ما نقلته جريدة التجديد، ومما جاء في هذا السؤال أن هدف المنصرين هو أن يدخلوا 10 في المائة من المغاربة بحلول العام 2020، غير أن السيد الوزير ومن خلال جوابه قلل من الأخطار التي يشكلها التنصير على المغرب، واكتفى بالقول "إن المغرب بلد تلاقي الأديان والثقافات والتسامح الديني" دون أن يقدم أية أرقام أو بيانات أو معطيات من شأنها أن تفيد في دراسة وتحليل الظاهرة. (15)

الهوامش

(1)   صحيفة التجديد العدد 2722 الصادر بتاريخ 9 شتنبر 2011.

(2)   خبر نشره موقع "هسبرس" المغربي باتفاق مع موقع "هنا صوتك" بتاريخ 23 أبريل 2014.

(3)   حوار أجرته معه إحدى الصحف المغربية بتاريخ 9 فبراير 2013، وأعاد موقع العربية.نت نشر أهم ما جاء فيه.

(4)   الحوار نفسه.

(5)   وردت في صحيفة الاتحاد الاشتراكي المغربية الصادرة يوم 20 يناير 2006.

(6)   الصحيفة نفسها.

(7)   صحيفة التجديد المغربية الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح المغربية، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية المغربي بتاريخ 7 نونبر 2007.

(8)   نفس الصحيفة وبنفس التاريخ.

(9)   الصحيفة نفسها.

     (10) موقع حركة التوحيد والإصلاح بتاريخ 21 يوليوز 2008.

     (11) الموقع نفسه.

     (12) موقع هسبرس المغربي بتاريخ 3 شتنبر 2013.

     (13)  نشرها موقع هسبرس المغربي بتاريخ 29 دجنبر 2013. 

     (14) نفس المقالة.

    (15) صحيفة التجديد في عددها الصادر بتاريخ 7 نونبر 2007.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟