المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. شريف درويش اللبان
د. شريف درويش اللبان

مداخل جديدة لتطوير صناعة المحتوى الصحفي (3-3)

الإثنين 06/يناير/2020 - 06:30 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أصبحنا كل يوم بصدد استحداث تقنيات حديثة تفرض علينا مصطلحات إعلامية جديدة الأمر الذي حدا بنا إلى الغور في أعماق تلك المصطلحات والتقنيات والتوسع في دراستها ومعرفة أهميتها بما يتناسب مع عظم الآلية وفوائدها، وعلى هذا الأساس تسعى الباحثة إلى رصد وتفسير وتحليل الاتجاهات الحديثة المستخدمة في المعالجة البصرية للأزمات في الصحافة المصرية والأجنبية، ودراسة مدى تأثير تلك الاتجاهات على قيمة التغطية الإخبارية من خلال المقارنة بين توظيفها وبين استخدام الوسائل التقليدية الأخرى.

سابعًا- صحافة الدرون Dronalism

وقد تبين لنا أن واحدة من هذه الاتجاهات هي صحافة الدرون والتي تعرف أيضًا باسم "الدروناليسم" Dronalism اختصارًا لكلمتيْ "درون" و "جورناليسم" Journalism أي الصحافة. وتعتبر صحافة الدرون الصحافة التي تعتمد في التغطية والمعالجة على استخدام طائرات الدرون، والدرون هو مصطلح يطلق على الطائرات بدون طيار والتي عرفتها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية باسم "أنماند إيريال فيكلز" "Unmanned Aerial Vehicles" أي الأجهزة الهوائية غير المأهولة وتختصر بحروف " UAV". وقد أدى التغير في تكنولوجيا الدرون والتطور التقني الذي لحق بهذه الآلة خلال القرن الواحد والعشرين إلى تطور استخدام الدرون في مجالات عدة منها الصحافة.

ويعد توظيف الدرون في التغطية والمعالجة الصحفية من الأمور المستحدثة في المؤسسات الصحفية العالمية وقد بدأت المؤسسات في توظيف تلك التقنية لما لها من قيمة كبيرة وأهمية في عرض الأحداث وجمع المعلومات بطريقة فريدة من نوعها. فصار من السهل على الصحفيين سرد الخبر بطريقة لم نعهدها من قبل، كما أن استخدام الدرون سهل من عملية جمع المعلومات عن طريق إلتقاط لقطات لأماكن كان يصعب الوصول إليها، فجاءت هذه الآلة لتقوم بتنفيذ هذه العملية بصورة أيسر وأسرع وبتكلفة أقل.

وقد تم الاعتماد على تقنية الدرون في عديدٍ من المؤسسات الصحفية، فبدأت "بي بي سي" في استخدامها منذ عام 2013 حتى أصبحت تملك فريق عمل متخصص في صحافة الدرون، وفي عام 2016 أصدرت الإدارة الفيدرالية للطيران قواعد تسمح للصحفيين غير الحاصلين على رخصة طيار باستخدام الطائرات بدون طيار، وبناءً عليه قامت "سي إن إن" CNN في العام  نفسه بالإعلان عن تدشين قسم "سي إن إن إير/ CNN AIR" المختص بعرض تغطية صحفية للأخبار عن طريق المشاهد الملتقطة عن بعد سواء كانت صورًا ثابتة أو تقارير فيديو مصورة، ويعتمد هذا القسم في الأساس على استخدام طائرات الدرون.

وفي مصر، يقوم موقع "دوت مصر" الإخباري باستخدام الدرون لعرض مشاهد لمحافظات مصر المختلفة تحت سلسة بعنوان "شوف مصر من فوق"، حيث قام الموقع بعرض مشاهد عن طريق استخدام الدرون مثل مشاهد من مدينة العلمين ولقطات مصورة لمدينة دمياط ولشوارع المهندسين وغيرها، وجاءت هذه السلسة المصورة في إطار تنشيط السياحة والبحث عن كل ما هو جديد وتقديمه للجمهور، وفي ذلك اعتمدت "دوت مصر" على كاميرا الدرون لإبراز المعالم التاريخية المصرية وعرض المناطق السياحية المختلفة الموجودة على مستوى المحافظات المصرية.

ولم يقتصر استخدام الدرون في تلك المؤسسات فقط بل بدأت فكرة توظيفه في الصحافة تنتشر في البلدان الأجنبية والعربية،  فمثلاً في إبريل 2019 تم مناقشة مستقبل العمل الإعلامي لصحافة الدرون في مؤتمر نظمه نادي دبي للصحافة بالتعاون مع جامعة "مردوخ" الأسترالية في دبي وخلال هذا المؤتمر تم طرح العديد من المحاور المتعلقة بسلبيات وإيجابيات استخدام صحافة الدرون وإجراءات السلامة والمعايير الأخلاقية التي يجب توافرها عند استخدام تلك التقنية المستحدثة.

 ومع دخول تكنولوجيا الدرون في عالم الصحافة أصبح من الممكن الاعتماد عليها في عمل تقرير مصور كامل عن موضوعات مختلفة مثل تغطية أماكن الصراعات والنزاعات وأماكن الكوارث الطبيعية والحوادث وصولاً إلى أخبار كان من الصعب على الصحيفة الحصول عليها. ومن هذه الأحداث التي تم تغطيتها باستخدام الدرون كان زلزال نيبال عام 2015، حيث اعتمدت بعض المؤسسات الصحفية مثل "سي إن إن" CNN و"إن بي سي" NBC على تقنية الدرون لتغطية الزلزال وتوابعه، واعتبر هذا الزلزال واحدًا من الكوارث الطبيعية الضخمة والذي نتج عنه مصرع حوالي تسعة آلاف شخص وإصابة اثنين وعشرين ألفًا آخرين. ومع إدخال تكنولوجيا الدرون في التغطية الصحفية لأحداث هذا الزلزال كان من السهل الحصول على لقطات متنوعة لما نتج عنه من تدمير للبيوت وموت أشخاص عدة، فتمكن فريق العمل من إرسال الدرون في وقت لا يتجاوز الخمس دقائق لتقصي الأحداث في حين أنه للوصول إلى الموقع نفسه عن طريق السيارة كان الأمر سيتطلب أكثر من ثلاث ساعات.

وفي مثال آخر لاستخدام تقنية الدرون، قامت "سي إن إن" CNN عام 2014 بعرض توابع إعصار "هايان" المدمر الذي ضرب الفليبين ونتج عنه وفاة أكثر من ستة آلاف وخمسمائة شخص ودمار هائل في مدينة "تاكلوبان" الفلبينية، وقد أظهر التقرير لقطات عن بُعد لتوابع الإعصار في نوفمبر 2013 ومقارنتها بلقطات أخرى تم تصويرها في مايو 2014 للإصلاحات التي تمت في البلاد، وتم الاعتماد على الدرون في إنتاج هذا التقرير.

وعلى الرغم من توجه الصحف نحو استخدام الدرون كآلية جديدة في الصحافة إلا أن هذا الاستخدام تم الحد منه نوعًا ما تحت أطر قانونية وأخلاقية. حيث تم وضع قوانين مختلفة لتنظيم استخدام الدرون في معظم الدول العربية والأجنبية وذلك لما يراه البعض من خطورة في استخدام تلك الآلية سواء من ناحية خصوصية الأفراد أو للحفاظ على الأماكن العسكرية المحظور تصويرها، وضيقت تلك القوانين النطاق على المؤسسات الصحفية في استخدامها لصحافة الدرون، وعلى الرغم من ذلك تستمر المؤسسات الصحفية والتعليمية في اكتشاف هذا الاتجاه الجديد في المعالجة الصحفية ومحاولة توظيفه متى أمكن.

من هنا تتحدد مشكلة الدراسة المهمة التي تجريها الباحثة أمل منير كامل المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية تحت إشرافنا بكلية الإعلام جامعة القاهرة في رصد وتحليل وتفسير التطورات والاتجاهات الحديثة الخاصة بالتغطية البصرية والمرئية للأزمات وكيفية معالجة تلك الأزمات بشكل متطور يواكب العصر التكنولوجي الذي نعيش فيه، فجاءت فكرة صحافة الدرون وما توفره من زاوية عرض جديدة في قائمة تلك الاتجاهات الحديثة لاعتبارها أداة متطورة تحاول شق طريقها في عالم الصحافة وتسعى لخدمته.

ثامنًا- صحافة الهاتف المحمول

تحول الهاتف الذكي إلى أداة إعلامية متكاملة، خاصة أن صحافة الموبايل في مرحلة نمو بفضل تطوير تقنيات وتطبيقات جديدة، ولا تنفك الهواتف الذكية تجتاح العالم مؤكدة بذلك مكانتها في العصر المعاصر والحديث، ومؤخرًا دخلت ميدان الإعلام وأحدثت ثورة في عالم الصحافة والأفلام والتصوير الفوتوغرافي، حتى أصبحت قادرة على إنتاج أعمال إعلامية متكاملة. إن حركة صغيرة أصبحت قادرة على بلورة المفهوم بطريقة مثيرة، ويذكّر صعودها ونجاحها السريعان بالانفجار الذي شهده استهلاك الفيديو على الأجهزة المحمولة.

 لقد دخلت الهواتف الذكية ميدان العمل الإعلامي تدريجيًّا ابتداءً من خدمات الرسائل العاجلة، قبل عدة سنوات، وأخذت بالتطور، حتى أصبح الموبايل مؤسسة كاملة لصناعة الأخبار، وحتى في التلفزيون يمكن من خلاله تنفيذ حوار كامل وإجراء العمليات الفنية "المونتاج والصوت" والبث، فلم تعد هناك حاجة إلى مكتب وأموال.

 إن القدرة الواسعة التي تتمتع بها التكنولوجيا الحديثة من الممكن اليوم أن تزيل كل الحواجز، للوصول إلى وسائط الإعلام وخلق روابط وثيقة بينها، لدرجة أنه يتم استعمال كل التقنيات من إعداد وإخراج الأفلام واعتمادها في مجال الصحافة، في حين تجاوزت الصحافة الحواجز نحو الأفلام، الشيء ونفسه ينطبق على علاقة الصحافة مع التصوير.

 لقد بدأت ثورة الصحافة في الموبايل في التحقق على أرض الواقع مهددة الطرق التقليدية في العمل، فالصحفي الأمريكي جيف روث الذي يعمل مديرًا للتحرير في محطة فوكس نيوز التي تعد من أبرز التجارب  الناجحة مع صحافة "الموبايل"، والذي يعدُّ من أبرز روادها، بدأ صحفيًّا تلفزيونيًّا بالمعنى التقليدي لسنوات طويلة قبل أن يواكب التطور التقني الذي غيّر من طبيعة العمل الصحفي بشكل جذري، ففي غرف الأخبار التقليدية يجتمع عدد كبير من العاملين ملتفين حول مكاتبهم، محملقين في أجهزة الكمبيوتر وبجانبهم الطابعات والأوراق، مستغرقين في البحث عن قصة تستحق أن تعرض على الشاشة، يخرج بعد ذلك المحرر مع الفريق الفني لتسجيل القصة الصحفية المطلوبة، ويصف روث أسلوب العمل هذا بالممل الذي يجب أن يتغير، ويقول: "لست بحاجة إلى كل هذا الفريق، ولديك هاتفك الذكي، وقتٌ وجهدٌ ضائع يقضيه المحرر في الذهاب من المحطة وإليها، والخروج بفريق فني كامل. على المحررين البقاء في أماكنهم وإرسال كل ما يريدون بضغطة زر".

 ويذكر الباحث معتز عبد الفتاح الجنيدي في رسالته للدكتوراه التي أوشك على الانتهاء منها تحت إشرافنا أن تجربة روث سجلت نتائج ملموسة وغيّرت من طبيعة غرف الأخبار التقليدية، اعتمدت عليه شبكة "فوكس نيوز" لتأسيس محطة محلية قائمة بشكل أساسي على صحافة الموبايل، حيث تم تجهيز غرفة للأخبار تتسم بالديناميكية العملية تتناسب مع صحافة الموبايل، استديو أنيق خالٍ من المكاتب المتراصة، والهدف هو جعل أكبر عدد من الصحفيين يعملون في الخارج ويقومون بكل المهمات، التصوير وتسجيل الصوت والتحرير، كلها بالإمكان إنجازها عبر الهاتف الذكي، فالقصة ستكون جاهزة خلال وقت قصير، وما على المراسل إلا أن يرسلها وتقوم المحطة ببثها، وبهذه الطريقة نجح بخلق بيئة صحفية حديثة مستفيدًا من التطور التقني السريع للهواتف الذكية، فقد أصبح الصحفيون العاملون بالمحطة أسرع وأكثر إنتاجًا من منافسيهم بمحطات أخرى، وبسبب أنهم لا يذهبون للمحطة فقد باتوا أكثر التصاقًا ومعرفة بالمجتمعات التي يقومون بتغطية أخبارها.

على الرغم من أن الموبايل ارتبط بعمليات توزيع الأخبار، كونه منصة نشر يتم من خلالها توصيل الأخبار لملايين المستخدمين الذين باتوا يتلقون الرسائل الإخبارية القصيرة أو يتصفحون الإصدارات الرقمية عبر هواتفهم الذكية أو يشتركون في تطبيقات تم تصميمها خصيصًا لهم، فإن الموبايل ارتبط أيضًا بإنتاج الأخبار من خلال مفهوم صحافة الموبايل أو استخدام الموبايل في إعداد الأخبار، حيث يستخدم الصحفيون هواتفهم الذكية في التقاط الصور والفيديوهات وإجراء المقابلات المصورة، فضلًا عن إمكانية تقديم بث حي من الموبايل إلى الويب مباشرة Live Mobile-to-web، ونشر العناوين الموجزة على الإعلام الاجتماعي، وهى الممارسات التي تزداد أهميتها مع الأحداث التي تتطلب تغطية لحظية مثل الانتخابات، ويطلق على الصحفيين الذين يقومون بهذه المهام اختصارًا Mojos، أي صحفي الموبايل  mobile journalists.

وقد ساعد في نمو هذا النمط من إنتاج الأخبار التطور الكبير الذي لحق بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، سواء من حيث جودة كاميراتها أو سرعة أنظمتها، فضلًا عن إصدار التطبيقات المتخصصة التي تساعد الصحفيين ليس فقط في تسجيل الصوت والفيديو وكتابة النصوص، وإنما تحرير تلك المواد أيضًا مثل تطبيقات Vericorder، وهي التطورات التي أثرت على بنى غرف الأخبار وابتكار ما يسمى غرف الأخبار المرتكزة على تغطية الموبايل mojo-focused newsroom، والتي تعتمد على محررين ميدانيين يستخدمون الموبايل في التغطية بشكل كامل، ومحررين في مقر الغرفة يقومون بعمليات التحرير والإعداد النهائي والبث، وهو النمط الذي يصلح إلى حد كبير في النماذج التي تعتمد على المواطنين الصحفيين.

وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث، أصبح الصحفي بحاجة إلى التقاط الصور والفيديوهات بشكل أسرع من الماضي، ما طرح تغطية الأحداث باستخدام الهواتف المحمولة بديلًا مناسبًا عن التغطية الصحفية التقليدية، وظهرت في الآونة الأخيرة العديد من البرمجيات التي صنعت خصيصًا لمساعدة الصحفي في عمله، حيث أسست الصحفية الأمريكية لينزي ماستيس موقع JournalistApps.com لمساعدة الصحفيين على التغطية باستخدام الهاتف المحمول. يقدّم الموقع إمكانية التحميل لمعظم البرمجيات التي يحتاجها الصحفيون في عملهم، وهي مقسمة تبعًا لنوع الوسيط ما إذا كان صورًا أو صوتًا أو فيديو، كما يقدّم الموقع العديد من الدروس التوضيحية التي تشرح بعض التقنيات المستخدمة أثناء التغطية باستخدام الهاتف المحمول، بالإضافة إلى احتوائه على نماذج نجاح لصحفيين يستخدمون الهاتف المحمول في عملهم. وأصدرت كلية بيركيلي لدراسات الصحافة العليا بجامعة كاليفورنيا دليلًا ميدانيًا لصحفيي الموبايل، يتضمن مراجعات Reviews للأدوات والتطبيقات التي قد يستخدمونها على هواتف آبل الذكية Iphone مع تقديم تقييم لكل منها وفق جودتها وملاءمتها للعمل.

وقد أثبتت عديدٌ من الأحداث أهمية الهاتف المحمول في التغطية، خاصة في الحوادث الطارئة، فحسب رأي كريستيان إسبينوزا، أستاذ صحافة الهاتف المحمول في إحدى الجامعات في فنزويلا، فقد أظهرت تغطية الصحفية موران سوزان لتمرد الشرطة ضد رئيس الإكوادور، عن طريق الهاتف المحمول بجهاز هاتف نوكياE71، حيث عمل أتباعها بمثابة بوصلة حين كانت تغطي الوضع الخطير، وأظهرت أيضًا تغطية إنقاذ ثلاثة وثلاثين عاملًا من عمال المناجم في تشيلي، أظهرت أهمية تعلم كيفية التغطية في أي وقت ومن أي مكان بواسطة الهاتف المحمول، كما يعد "التدوين المصغر" هو النمط الجديد للتغطية بواسطة الهاتف المحمول، وينبغي على صحفيي الهاتف المحمول دائمًا تضمين هاشتاج مخصص أو طرق أخرى للتفاعل مع خدمات التدوين المصغر، وصياغة رسائل بحدود مئة وأربعين حرفًا، وهو الحد الذي عينه تويتر، بما في ذلك العنوان لمقطع الفيديو أو الصوت، وينبغي أن تكون العناوين قابلة للبحث حتى يتمكن المشاهدون من العثور عليها بسهولة

تاسعًا- صحافة الفيديو

انتشرت صحافة الفيديو عبر الإنترنت بمواقعها المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة حتى أصبح الفيديو مكونًا أساسيًا لأية مدونة أو موقع إلكتروني، سواء كان لمؤسسة صحفية أو حتى موقع خاص، ولا يأتي هذا الفيديو من فراغ بل يمر بعدد من المراحل قبل أن يصل بهذا الشكل في نهاية الأمر إلى رواد الإنترنت الذين لم يعدوا مجرد متلقين، بل أصبحوا عنصرًا فعالًا ومشاركًا في العملية الإعلامية، وفى بعض الأحيان أصبحوا هم مصدر المعلومات.

وقد فتحت صحافة الفيديو آفاقًا واسعة أمام الجمهور النشط ليقوم بخدمة ثقافته المحلية وهويته الخاصة، وأصبح بالإمكان لأى فرد أن يصبح صحفيًا وناشرًا وقائمًا بالاتصال، كما نافست الصحف في أدائها لوظيفة التفسير، حيث تكتظ الشبكة بالآراء والتحليلات في قطاعات متعددة. لقد أصبحت اليوم صحافة الفيديو مهارة جديدة للصحافة الإلكترونية، يجب على الصحافة المطبوعة اللحاق بها للحفاظ على مكانتها في التسلسل الهرمى للصحافة، وتسعى وكالات الأنباء للوصول إلى هذا النوع من التميز بإنشاء مراكز أخبار فيديوية استجابة للتغيير الذى أحدثه الفيديو ومواقع الوسائط المتعددة في البيئة الإعلامية.

وعلى الرغم من أن الدراسات أظهرت تراجعًا من جانب الجمهور لقراءة الصحف المطبوعة ومشاهدة الأخبار على التليفزيون، إلا أن المحررين حريصون على تبني التكنولوجيا الجديدة والتي يُنظر إليها باعتبارها جزءًا من مستقبل الأخبار، فالنص لايزال يشكل حجر الزاوية لمواقع الأخبار، وله وظيفة في تفسير الفيديو الإخباري عند رفعه على الإنترنت. وتتنوع الدوافع التى تشجع استخدام صحافة الفيديو كالكُلفة المنخفضة وسرعة البث للحدث وتوافر عنصر المرونة والقدرة على الاستجابة السريعة للأحداث الراهنة، وتغطى صحافة الفيديو عديدًا من الفنون الصحفية، لذا فهي تحتاج إلى إعداد مسبق في بعض الفنون الصحفية كالتقرير الصحفي والحوار والتحقيق، إلا أن التغطية الإخبارية بالفيديو غالبًا ما تلعب الصدفة دورًا كبيرًا في تواجد صحفيي الفيديو في موقع الحدث.

وقد أنتجت التطورات الرقمية كاميرات رقمية فيديوية ذات جودة عالية، توفر سهولة كبيرة في الاستخدام حتى أن مستخدميها لم تعد تؤرقهم المسائل التقنية كضبط الإضاءة والحدة بقدر ما يشغله المحتوى. وبالإضافة للكاميرات الحديثة المتطورة، ظهر أيضًا المونتاج اللاخطي Non-Linear Montage، وتطورت أجهزة الكمبيوتر حتى أصبح في الإمكان بسهولة فائقة عمل المونتاج وتصحيح أي عيوب بالصورة وعمل مكساج الصوت، كل هذا على جهاز الكمبيوتر الشخصي المحمول، بينما كانت غرف المونتاج التقليدية تتكلف مئات الآلاف من الجنيهات، كل هذا اختصر في كمبيوتر محمول وكاميرا صغيرة يمكن حملهما إلى أي موقع للتصوير والمونتاج في موقع الحدث، ثم بث المادة الإعلامية إلى أي مكان في العالم عن طريق الإنترنت.

 إن الإنترنت وتطوره وسرعته الحالية الفائقة والتي تزيد يوماً بعد يوم، إضافة لتطور برامج ضغط الفيديو، التي انتهت لتصغير حجم الملفات بشكل ملحوظ مع الحفاظ على الجودة العالية للصورة والصوت، كل هذا أضاف وزاد من أهمية صحافة الفيديو التي أصبحت مهمة ليس فقط لمحطات التليفزيون، بل أيضاً لمواقع الإنترنت والصحف التي سارعت بإصدار نسخ إلكترونية تزيد حالياً معدلات قراءتها عن معدلات بيع النسخ الورقية، بل والتعليق على هذه الأخبار وتبادل الآراء من خلال المجموعات الإخبارية المختلفة.

وأُتيحت للصحف إمكانية وضع تقارير فيديوية ضمن أبوابها لتكتسب ميزة طالما انفردت بها محطات التليفزيون؛ فصحيفة و"اشنطن بوست" توظف ستة من صَحفيِي الفيديو ضمن طاقمها، وعندما اتجهت هيئة الإذاعة البريطانية لتحويل طواقمها المختصة بالتغطية المحلية إلى صَحفييِ فيديو، كان لديها 84 طاقمًا يغطون المملكة المتحدة، لكن الآن لديها أكثر من 750 من صَحفييِ الفيديو مجهزين بكاميراتهم وحواسبهم المحمولة، ويستطيعون تغطية أي حدث وقت حدوثه، لأنهم ببساطة قاموا بتبديل الطاقم الذى يضم على الأقل مصورًا ومراسلًا ومساعد صوت وأحيانًا محرر فيديو، وقاموا بتدريب كل واحد من هؤلاء على القيام بدور الآخرين، إضافة إلى دوره الذى يجيده بطبيعة الحال،؛فالمصور يتم تدريبه على البحث عن الأخبار وقراءة الحدث والتعليق عليه والمونتاج الرقمي، والمراسل يتم تدريبه على التصوير وفنياته والمونتاج.

لقد جاء ظهور الإعلام البديل متمثلًا في شبكة الإنترنت كحركة ارتجاعية أو كرد فعل عنيف للواقع الاجتماعي الذي فرضته تكنولوجيا الاتصال بتوفير وسائل نشر بديلة تتمتع بدرجة عالية من الحرية وسهولة الاستخدام وانخفاض الكُلفة، وذلك للتخلص من سيطرة النُخب الإعلامية على وسائل الإعلام التقليدية في المجتمع، وغياب المصداقية في هذه الوسائل، بعدما اعتمد الرئيسان الأمريكيان باراك أوباما  ودونالد ترامب كثيرًا على الإنترنت في السباق إلى البيت الأبيض، واستعانا بوسائل التواصل  الاجتماعي لإطلاق مبادراتهما ورسائلهما للشعب الأمريكي والشعوب الأخرى.

وتضفى صحافة الفيديو التي انتشرت مؤخرًا عبر مواقع إلكترونية ميزة جديدة إلى عالم الصحافة والإعلام، وهى مواكبة الحدث لحظة وقوعه في تطور باتت مواقع إلكترونية ومؤسسات إعلامية محلية تسير في اتجاهه وترى فيه إعلام المستقبل، حيث يعتبر من أحد المكونات الأساسية لعديد من المؤسسات الصحفية ومواقع الوسائط المتعددة، فحتى وقت قريب كان يتم عرض الفيديو تلفزيونيًا، ومع مرور الوقت أصبح هناك منافسة بين المؤسسات الصحفية والمؤسسات الإخبارية التليفزيونية أدت إلى استجابة الصحافة المطبوعة والإلكترونية لتحديات الفيديو، فصحافة الفيديو بمثابة ممارسة وإنتاج أخبار الفيديو من قبل شخص واحد يتكفل بكتابة وتحرير القصة الإخبارية باستخدام التكنولوجيا الرقمية ونشرها على نطاق واسع عبر الإنترنت، لذا يُنظر اليوم إلى صحافة الفيديو باعتبارها نقلة أبعد من تصوير الأخبار للتليفزيون، فهى بمثابة إنتاج الأخبار المصورة بواسطة فرد يكتب ويحرر ويصور القصص الخبرية باستخدام التقنيات الرقمية وبثها على نطاق واسع عبر الإنترنت.

وتعد صحافة الفيديو نقلة في الصحافة الإلكترونية من حيث الحرفية، المصداقية، الجاذبية، ونسبة المشاهدة، وبالتالي العائد المعنوي لصحفي الفيديو والمادي للمؤسسة، التزام صحفي الفيديو بالقيم التحريرية واستخدامه بعض أساليب إخراج العمل يعطي عمرًا  أطول للمادة الخبرية المصورة مقارنة بمثيلاتها. وتلتزم صحافة الفيديو بالقيم التحريرية تماما كما في الصحافة المطبوعة ومنها الحياد، وهو البقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف، والدقة والأمانة عن طريق بذل أقصى جهد في تحري المعلومات حتى ننقل للقارئ الخبر بصدق وأمانة، والتوازن عن طريق عكس الأوزان النسبية لجميع الأطراف في التغطية الصحفية، وتنتهي بالموضوعية وهي فصل الرأي عن الخبر، فتنسب لمصادر واضحة كلما أمكن، التحلي بالعمق، ومراعاة السياق والخلفية.

وتعتبر صحافة الفيديو نقلة أيعد من تصوير الفيديو في الأخبار التليفزيونية فهي خطوة أخرى تتجاوز اساليب التخطيط التي اعتادها التليفزيون منذ ظهوره، فهي تمثل تليفزيون الجيل القادم، وهى أن أسرد القصة الصحفية دون الالتزام بقيود إنتاج الأخبار التقليدية. في هذا الإطار جاءت رسالة ماجستير تلميذي أحمد إبراهيم محمد عطية المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة بني سويف.

ولا يزال الباب مفتوحًا لكل الأفكار والمداخل الجديدة والمبتكرة والمبدعة لتطوير صناعة المحتوى الصحفي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟