المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آية عبد العزيز
آية عبد العزيز

حكومة "جونسون" ما بين التحديات الراهنة وفرص التعاون الأوروبي

السبت 03/أغسطس/2019 - 02:29 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تدخل المملكة المتحدة مرحلة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المُنتخب "بوريس جونسون"، الذي استطاع تحقيق الفوز في الانتخابات الأخيرة لتولي رئاسة حزب المحافظين في 23 يوليو/ تموز 2019، لتسوية ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، مُتعهدًا بالعمل على توحيد البلاد، والدفع بها نحو الأمام، وذلك بعد فشل حكومة "تيريزا ماي" في تسوية الملف مع الاتحاد الأوروبي بعد ثلاث أعوام من الاستفتاء على الخروج في 2016.

وعليه فقد أعلن "جونسون" عن رغبته في تحقيق هدف الشعب البريطاني الداعم للخروج من الاتحاد الأوروبي، حتى لو بدون اتفاق وذلك وفقًا لما تقضيه المصلحة الوطنية للمملكة. لذا فقد كلف "جونسون" وزير شئون مجلس الوزراء البريطاني "مايكل جوف"، بتجهيز الاستعدادات للخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، موضحًا تبني استراتيجية استباقية لإمكانية الخروج بدون اتفاق، وتأهيل الحكومة   بشكل كامل للتحضير لعدم وجود اتفاق في حالة عدم تسوية الملف مع الاتحاد الأوروبي بشكل سلمي.

هذا بجانب قيام "جونسون" بتأسيس "مجلس حرب" مكون من ستة وزراء تتركز مهامهم على بحث سبل الخروج من الاتحاد الأوروبي "بأي وسيلة ضرورية" ، فضلاً عن تخصيص جزء من ميزانية الدولة لتمويل عدد من الحملات الإعلامية لترويج لإمكانية تسوية ملف "البريكست" بدون اتفاق ولضمان استعداد الأفراد والشركات لذلك. (1)

تحديات متعاقبة

تواجه حكومة "جونسون" تحديات راهنة خاصة بمفاوضات "البريكست" على كافة الأصعدة، تتجلى على النحو التالي:

1.      موقف المعارضة تجاه البريكست؛ تتبنى المعارضة بقيادة "جيرمي كوربن" زعيم حزب العمال، سياسة الرفض المعلن تجاه أي خروج من الاتحاد بدون اتفاق؛ حيث استطاع توحيد المعارضة داخل البرلمان للتصويت على القرار ليكون رادعًا لحكومة "جونسون" وإمكانية الخروج الصلب، علاوة على دعوة "كوربن" إمكانية إجراء استفتاء عام لتقرير العلاقة المستقبلية ما بين المملكة والاتحاد الأوروبي، موضحًا أن "جونسون" لا يمتلك خطة للخروج. وعليه فهو أمام أزمة دستورية جديدة قد تهدف إلى عودة الجمود السياسي تجاه الملف، بالتزامن مع إصرار البرلمان البريطاني اسقاط أي محاولة من قبل الحكومة الجديدة الخروج من الاتحاد بدون اتفاق.

2.      تداعيات البريكست على الاقتصاد البريطاني؛ هناك تخوفات داخلية من تداعيات السياسة الجديدة لحكومة "جونسون" على الوضع الاقتصادي، ومعدلات النمو الاستثماري التي من المتوقع أن تتأثر بهذا القرار، بالإضافة إلى تراجع قيمة العملة الوطنية التي ستنعكس على القدرة الشرائية للبريطانيين التي قد تؤدي إلى خروجهم على الحكومة نتيجة احتجاجهم على قرارتها مثل فرنسا.  

3.      مستقبل إيرلندا الشمالية؛ تعد العلاقة المستقبلية ما بين المملكة وإيرلندا الشمالية، علاوة على تسوية مسألة الحدود مع جمهورية إيرلندا أحد النقاط العالقة في اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يعني إعادة إدخال المراكز الحدودية على الحدود بين إيرلندا الشمالية، والموجودة في المملكة المتحدة، وجمهورية إيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي. غالبًا ما استهدفت الجماعات شبه العسكرية الإيرلندية البنية التحتية الحدودية خلال "المشاكل" - الصراع الطائفي المستمر منذ 40 عامًا والذي مات فيه أكثر من 3500 شخص. وفي هذا السياق؛ تنص صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على أنه لا يمكن لأي من الطرفين ترك الدعامة من جانب واحد، لتجنب الحدود الصعبة.

4.      ملف انفصال اسكتلندا؛ تنتظر القيادة الاسكتلندية عملية التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، لكي تقوم بإجراء استفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة، وتقوم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، للاستفادة مع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن رغبتهم في استمرار التعاون والتنسيق بين الدول الأوروبية في سياق قيم ومبادئ الاتحاد.  

5.      موقف الاتحاد الأوروبي؛ يواجه "جونسون" تحديات خارجية كبيرة خاصة مع الاتحاد الأوروبي، ورفضه إعادة التفاوض مرة ثانية على ملف الخروج من الاتحاد، وسياسة "جونسون" التي قد تؤدي إلى الصدام معهم في المستقبل إذا لم يستطيع تحقيق تسوية سلمية للملف؛ حيث الموازنة ما بين مصلحة المملكة المتحدة، والالتزام بقيم ومبادئ الاتحاد الأوروبي في حالة الخروج منه. (2) الأمر الذي أثار غضب Brexiteers المتشددين، الرافضين لقيم وسياسات الاتحاد الأوروبي، مُعتبرين أن الاتحاد سيكون له حق النقض على المملكة المتحدة بشأن هذه المسألة، لإنهم يريدون أن يكونوا متحررين من الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، من أجل إبرام صفقات تجارية دولية دون إعاقة اللوائح الأوروبية المتعلقة بقضايا مثل الزراعة ومصايد الأسماك ومعايير الأغذية والبيئة. (3)

فرص التقارب الأوروبي

                في سياق التحديات المتتالية التي تواجهها الحكومة، تمثل العلاقة مع إيران أحد الأولويات الرئيسية لها؛ حيث شهدت في الآونة الأخيرة حالة من التوتر على غرار احتجاز طهران ناقلة النفط البريطانية أثناء عبورها مضيق "هرمز " في الخليج العربي، للرد على تمديد المحكمة العليا لجبل طارق احتجاز الناقلة الإيرانية لمدة 30 يوم بعد احتجازها لمدة أسبوعين، نتيجة الاشتباه في توجهها نحو سوريا.

                تتزامن هذه الأوضاع مع تداعي الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الأوروبية، وخاصة مع انسحاب الولايات المتحدة مع الاتفاق، وعودة العقوبات الاقتصادية على طهران، بجانب فرض عقوبات حادة على صادرات النفط التي تعد من أهم مصادر ادخل القومي للحكومة الإيرانية.

لذلك بدأت حكومة "ماي" في اتخاذ عدد من التدابير الرادعة التي تمثلت في إعادة إرسال عدد من السفن الحربية، لمرافقة السفن وتأمينها إبان عبورها من الممرات الدولية في الخليج العربي، مع التخطيط لتشكيل قوة بحرية بقيادة أوروبية، دون الاشتراك في التحالف البحري الذي تدعوا إليه الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق أكد "جونسون" رفضه للمواجهة العسكرية مع طهران، مؤكدًا ضرورة الحل الدبلوماسي، مع إمكانية الردع بواسطة العقوبات الاقتصادية. الأمر الذي يمثل فرصة للتقارب مع الدول الأوروبية خاصة الراعية للاتفاق النووي، والراغبة في احتواء إيران لتجنب أنشطتها العدائية دون الدخول في صدام معاها. (4)

جدلية التقارب البريطاني مع الولايات المتحدة

بالرغم من التقارب البريطاني مع الولايات المتحدة الأميركية على كافة الأصعدة، إلا أن العلاقات في الآونة الأخيرة شهدت عدد من التحولات نتيجة اختلاف المصالح الوطنية للجانبين. تجسد ذلك في التعاطي مع إيران وسياساتها العدائية في الخليج العربي، ورغبة الرئيس الأميركي "دونالد ترامت" في تشكيل قوة بحرية لمواجهتها بالتعاون مع الدول الأوروبية وحلفاء مثل كوريا الجنوبية، واليابان.

في المقابل أعلنت بريطانيا رفض التصعيد وإمكانية التعاون مع أوروبا في التخطيط لتشكيل قوة بحرية بقيادة أوروبية لتأمين الملاحة في الخليج العربي. ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من الانزلاق في مواجهة عسكرية مع إيران إبان مشاركتها في التحالف الأميركي الذي سينعكس عليها بشكل سلبي، فضلاً عن أن بريطانيا ترغب في الدخول في مفاوضات لتسوية الأوضاع المُثارة مع طهران بدلًا من التصعيد.

على الجانب الأخر، يرفض "ترامب" الدخول في مواجهة مع طهران للدفاع عن الدول الأوروبية، وذلك نتيجة تبنيه سياسة "رجل الصفقات"؛ حيث يستند في علاقاته مع الدول على مبدأ المكسب والخسارة، مُتبنيًا النهج البراجماتي. وعليه لن يتحمل تكاليف المواجهة بمفرده، وهو ما أعربه عنه مرارًا أن على الدول الأوروبية أن تتحمل تكاليف الدفاع عن نفسها.  لذا فمن المتوقع أن يكون هناك حالة من عدم التوافق المستقبلي حول إدارة عدد من الملفات بين الجانبين، وذلك نتيجة اختلاف مصالحهم.

ختامًا؛ من المتوقع أن تشهد المملكة المتحدة عددًا من التطورات على المستوى الداخلي والخارجي، سيساهم في تشكيل مستقلبها السياسي على المدى القريب، نتيجة توجهات "جونسون" المتطرفة، والرافضة للاتحاد الأوروبي.

الهوامش

1.       "لندن تستعد لاحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق"، الشرق الأوسط، 28/7/2019.

 https://cutt.us/QYQXc

2.       "جونسون يواجه معارضة بريطانية وأوروبية"، اندبندنت عربي، 26 يوليو 2019.

https://cutt.us/qouA8

3.             "Boris Johnson becomes UK Prime Minister", CNN, 25-7-2019.

https://edition.cnn.com/uk/live-news/boris-johnson-prime-minister-wednesday-intl-gbr/index.html

4.       "بوريس جونسون وأبرز آرائه حول السعودية وتركيا وإيران وبعض زعماء العالم"، هيئة الإذاعة البريطانية، 24/7/2019.

 http://www.bbc.com/arabic/world-49098691

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟