المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مصالح متصادمة .. مستقبل الحركات الجهادية في اليمن

الخميس 10/يناير/2019 - 05:45 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
نهال أحمد

يرجع تأسيس الحركة الجهادية السلفية باليمن إلى ثمانينات القرن الماضي، منذ ذلك الحين وحتى الآن شهدت انقسامات عدة وتباينات في الأفكار والأطروحات، ليظل هذا السجال قائما حتى أثرت الأوضاع المتوترة وحالة الفراغ الامني والسياسي الذي شهده اليمن منذ 2011 على واقع التيار السلفي عموما من حيث الرؤى والمواقف، والفرع الجهادي منه تحديدًا على مجمل الممارسات، لاسيما بعد أن هيأ المناخ السياسي اليمني المشحون بيئة خصبة لجذب أجيال من الجماعات الجهادية الوافدة من مناطق التوتر في سوريا والعراق ، في حين دفعت السيطرة الحوثية على العاصمة صنعاء عام 2014 إلى  اتخاذ الصراع اليمني منحى طائفي بعدما كان سياسيا، بينما أدت تطورات الأزمة اليمنية الأخيرة، وما أسفر عن مشاورات ستوكهولم إلى إثارة تساؤل بشأن مستقبل التيارات الجهادية باليمن.

جذور الارهاب في اليمن

ادى انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي إلى عودة معظم المجاهدين العرب الى بلدانهم، حيث تنوعت آليات الدول في التعامل مع تلك الظاهرة ما بين محاولات اعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى، أو لجوء دول أخرى إلى ايداعهم رهن المعتقلات، وفيما يتعلق باليمن فقد تعامل الرئيس اليمني السابق "على عبد الله صالح" مع هؤلاء العائدين في إطار من الاحترازات الامنية التي اشتدت وطأتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبالفعل فقد شهدت اليمن تأسيس أول تنظيم جهادي منظم خلال عام 1997 تحت مسمى "جيش عدن أبين الاسلامي" بقيادة أبو حسن المحضار بعدما أعلن اعترافه "بتنظيم القاعدة"(1).

وقد أنخرط الجهاديون في العمل الارهابي باليمن منذ عام 1992 بشكل غير منظم في هجمات متوالية ضد الفنادق السياحية، في حين كانت أبرز العمليات الارهابية؛ استهداف المدمرة الأمريكية "USS COOL" خلال أكتوبر 2000 والتي أسفرت عن 47 ضحية ما بين وفاة واصابة، بينما شهد عام 2006 هجمات متنوعة على منشئات نفطية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية اليمنية خلال سبتمبر 2006 ، وشكل عام 2009 نقطة تحول بعدما أعلن تنظيم "القاعدة" تشكيل فرع له في اليمن تحت مسمى "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" واختيار اليمن مقر له(2).

 وجدير بالذكر أن تنظيم "القاعدة" كان موجود فعليًا في اليمن لكن ضمن سياق اتفاق يتمحور حول غض الطرف عن أنشطة وتحركات التنظيم داخل اليمن مقابل عدم قيام التنظيم بأي عمليات، ويرجع هذا الاتفاق إلى محاولات الرئيس اليمني السابق "على عبد الله صالح" احتواء عناصر التنظيم وقياداته خلال فترة عودة المجاهدين الأفغان. في حين فشلت تلك المحاولة الاستيعابية في ظل توالي موجات من هؤلاء اللاجئين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث تغيرت عقائدهم بشكل مخالف للموجات السابقة.

"القاعدة" و"داعش"..أبرز التنظيمات الجهادية باليمن

يعتبر اليمن بيئة خصبة لاحتواء التنظيمات الجهادية، وقد كانت الوجهة الأولى للتنظيمات المتطرفة، ولعل أبرز عناصر الجذب تتمثل في الوضع الديموغرافي اليمني المهيأ تماما لإشعال حالة من اللاستقرار  على خلفية الانقسامات القبلية، التي ترسخت جذورها خلال فترة المخلوع "على عبد الله صالح" ، حيث دفع النزاع القائم ما بين الجنوبيين والحكومة المركزية الى توفير بيئة مؤهلة لتوسع أنشطة التنظيمات الجهادية لاسيما تنظيم "القاعدة"، وعلى الجانب الأخر  تحتل اليمن موقعًا استراتيجيًا ومحوريًا تتهافت عليه القوى الاقليمية والدولية، وهو ما ادى إلى تمويل تلك القوى التنظيمات الارهابية بغية اثارة التوترات لإتاحة الفرصة للتدخل من أجل تحقيق مصالحهم بعيدًا عن استقرار الدولة اليمنية(3).

وعلى الجانب الآخر يعتبر إفشال المصالح الدينية من قبل التنظيمات الجهادية هو الهدف الأسمى، وذلك عبر طمس الهوية الاسلامية المعتدلة واستبدالها بأفكار متطرفة، كما تحرص الجماعات على افساد المصالح السياسية والاقتصادية، يستندون في ذلك إلى مبرر أن الحكومات العربية لا يعدون سوى كونهم سماسرة يعملون على تنفيذ أجندات الدول الغربية والولايات المتحدة، ولا يتطلعون إلا إلى الاستيلاء على موارد المنطقة لصالح دول أخرى. ولعل المحفزات الرئيسية وراء استشراء تلك التنظيمات ترجع إلى عامل رئيسي وهو وجود حاضنة مجتمعية قبلية لأفكار التنظيم المتطرفة. وبالحديث عن الوسائل والقنوات التي يعتمد عليها التنظيم في تمويل عملياته، نجدها مرتكزة على عمليات تهريب النفط بامتداد الساحل الشرقي اليمني، يضاف الى ذلك الضرائب التي قام التنظيم بفرضها على الشركات المحلية في المناطق التي يعلن سيطرته عليها بزعم تحسين الخدمات الاجتماعية(4).

أما عن تنظيم "داعش" فلم يكن له سيطرة تذكر باليمن قبل عقد التحالف بين "الحوثيين" وقوات "صالح" في سبتمبر 2014، وحتى اسقاط العاصمة صنعاء على يد الحوثين في نوفمبر 2014، وبالرغم من قيامه بعمليات انتحارية واستهدافات لرموز عسكرية في عدن إلا أن وجوده ظل لفترة غير واضح المعالم حتى عام 2015 الذي اعتبر بمثابة طفرة زمنية شهدها التنظيم في شبه الجزيرة العربية، بعدما قام باستغلال الفراغات الأمنية في المدن المحررة جنوب اليمن، ورغم ذلك إلا أن التنظيم لم ينجح في أن يكون منافس بشكل كبير في اليمن مقارنة بوضعه في العراق وسوريا، ويعزز من ضعف تنظيم "داعش" في اليمن فكرة الانشقاقات التي أصابت صفوف التنظيم في أواخر 2014، وهو ما أدى إلى اضعاف بنيته.

صدامات متكررة

يرجع السجال بين "القاعدة" و "داعش" إلى لحظة إعلان "أبي بكر البغدادي" خليفة للمسلمين حيث أعلن "القاعدة" رفضه لهذا الاعلان، حينها أكد القيادي بالقاعدة "حارث النظاري" أن تنظيم "داعش" مجرد جماعة مجاهدة وأن إعلانها الخلافة لم يستوف الشروط اللازمة، وكما سبق وأشرنا فقد كانت طفرة "داعش" في اليمن ترجع إلى 2015 ، وانبثقت عنه أفرع جديدة منها تنظيم "ولاية صنعاء" الذي أعلن مسؤولياته عن تفجيرات صنعاء، بينما تبرأت "القاعدة" من هذا الحادث، كما حدثت مواجهات فعلية بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في محافظات اليمن الجنوبية ما يعكس امتلاك كل من التنظيمين لأهداف مختلفة تنصب على مصالح شخصية لقيادات داخل التنظيمين.

وبمقارنة نجاح كل من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" باليمن نجد أن الأخير كانت نجاحاته أقل، مقارنة بما تمكنت "القاعدة" من الوصول إليه، وبالرغم من الانقسامات التي اصابت بنية "القاعدة" لصالح ثقل داعش الا انه لم يتمكن من استغلالها واستثمارها بالشكل الأمثل أو حتى الوصول لحد المنافسة مع "القاعدة" ، لكن حدث العكس فقد أدى صعود "داعش" إلى صرف اهتمام المجتمع الدولي جزئيا عن تنظيم "القاعدة" وأصبح الاهتمام منصب على تصفية قيادات "داعش"، بل دفعت سمعة "داعش"  ومماراساته الوحشية بحق المدنيين في سوريا والعراق إلى تقييم "القاعدة" باعتباره تنظيم أكثر عقلانية من الأول(5).

ولعل أبرز الشواهد التي استند اليها المجتمع الدولي في هذا السياق ما  صدر عن "القاعدة" من بيان يشجب فيه واقعة تفجير المسجد الذي تبناه "داعش" خلال 2015 وراح ضحيته ما يقرب من 500 شخص. ومن أهم أسباب فشل "داعش" باليمن عدم تبنيه سردية ثقافية وقيمية يتم بمقتضاها استقطاب القبائل اليمنية بخلاف ما فعلته "القاعدة" ، إلى جانب عدم مشاركته في وضع خطط تنموية وهمية للمناطق التي فرض سيطرته عليها، وعزز من ضعف تواجده أيضا الانقسامات المتوالية في صفوفه والانتقادات القاسية التي وجهت من قبل هؤلاء المنشقين للتنظيم .

التحالف العربي وتقليص التمدد الجهادي

رغم أن عام 2015  شكل طفرة حقيقية  في بزوغ التنظيمات الجهادية واتساع رقعتها في اليمن إلا أن استراتيجية التحالف العربي في استهداف مواقع الجهاديين كان لها بالغ الأثر في تقليص قنوات تمويلهم ووسائل الدعم الخارجية إليهم، ولعل "النخبة الحضرمية" المدعومة من طيران التحالف العربي ومعاركها الحالية ضد "القاعدة" من أبرز الشواهد على ذلك، ففي ابريل 2016 تحرك نحو2000 جندي من تلك النخبة تجاه المكلا، وتمكنوا حينها من تصفية عناصر "القاعدة" المرتكزة بالمدينة والسيطرة على الميناء والمطار ، وعقب ذلك كثفت القوات من تحركاتها عند المداخل الرئيسية للمدينة للقيام بعمليات تطهير وتمشيط لما تبقى من عناصر التنظيم هناك(6).

وتكمن خصوصية معركة المكلا في أنها لم تقض على خطر "القاعدة" في المدينة فحسب، لكنها كانت سببًا مباشرًا في اجهاض مشروع التنظيم بإقامة إمارة متشددة له هناك كان من الممكن ان تكون مركزا لانطلاق عمليات ارهابية متنوعة الى الدول المختلفة، في حين  حرص التحالف على تنسيق عملياته وتحركاته سواء الجوية أو البحرية وان تكون تلك العمليات في سياق الجهود الدولية لمكافحة الارهاب والحفاظ على الأمن العالمي، وذلك عبر تنسيق عمليات تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ العمليات المشتركة .

وأخيرًا، نبقى أمام مستقبل التنظيمات الجهادية في ظل التطورات اليمنية الأخيرة، لاسيما بعد مشاورات ستوكهولم والهدنة التي بدأ سريانها خلال ديسمبر  2018، وكذلك حالة التأهب القصوى لقوات التحالف. فالمؤشرات العامة تعكس أن التنظيمات الجهادية في اليمن ستشهد اندثار تدريجي خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل الضغوطات التي تعرضت لها التنظيمات خاصة الضربات الأمريكية على معاقل "داعش" في العراق وسوريا قبل اعلان الانسحاب منها، وهو ما من شأنه التأثير مباشرة على فاعلية التنظيم داخل اليمن ، ومن جانب آخر فإن الضربات التي تلقتها ايران عقب التوقيع على المشاورات الأخيرة كانت دافعًا وراء تراجع التمويل الموجه لبعض التنظيمات الجهادية، ويعزز من سيناريو اندثار تلك التيارات، ما انتابها من انشقاقات متوالية في صفوفها أدت إلى ضعف بنية التنظيمات.

المراجع:

(1) الارهاب في اليمن من القاعدة إلى داعش، موقع مركز أبعاد للدراسات والبحوث، تاريخ17/8/2017، متاح على الرابط: https://bit.ly/2R2YeBA

 (2)التحالف العربي.. جهود جبارة لدحر الإرهاب باليمن، سكاي نيوز بالعربية، بتاريخ 7/8/2018، متاح على الرابط: https://bit.ly/2TxqKZI

(3)صالح البيضاني، السلفيون في اليمن.. ثلاثة تيارات والكثير من الخلافات، العرب اللندنية، بتاريخ29/8/2016، متاح على الرابط: https://bit.ly/2s6Exdq

(4) محمود محمدي، «النخبة الحضرمية».. قبضة اليمن الحديدية لتصفية «خفافيش القاعدة»، المرجع، بتاريخ27/12/2018، متاح على الرابط: https://bit.ly/2F26xGG

 (5)فارع المسلمي، ازدهار التطرّف في الحرب الأهلية اليمنية،مركز كارنيجي للشرق الأوسط،بتاريخ7/9/2015، متاح على الرابط: https://bit.ly/2R4h9Mh

 (6)«واشنطن بوست»: ما هو مستقبل «الجهاديين» في اليمن؟، مقال أجنبي مترجم بواسطة موقع العربي، بتايخ23/2/2018، متاح على الرابط: https://bit.ly/2GRFoZo

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟