المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ملفات ملحة: رئيس وزراء باكستان الجديد وتحديات الداخل والخارج؟

الأحد 02/سبتمبر/2018 - 01:29 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
وفاء الريحان

صاحب صعود زعيم حركة الانصاف الباكستانية عمران خان كرئيس وزراء البلاد حالة زخم على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك بعد أن فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في 25 يوليو 2018، وحصل على 115 مقعد من أصل 272، وحقق تقدم على حساب حزبي الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف الحاصل على 64 مقعد، وحزب الشعب بقيادة بيلاوال بوتو زرداري الحاصل على 43 مقعد. ويرث خان دولة تُعاني من أزمات اقتصادية طاحنة وتهديدات أمنية مستمرة، فضلاً عن جيشها ذي النفوذ المتصاعد في الحياة السياسية.

   ومن الجدير بالذكر، أن حركة الإنصاف لم تحصل على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة بمفردها؛ حيث يحتاج تشكيل الحكومة إلى حصول الحزب أو الائتلاف الفائز على 137 مقعداً، لذا قام الحزب بالائتلاف مع 12 حزب صغير لتشكيل الحكومة.(1)

   وبعد تشكيل الحكومة يواجه عمران خان مجموعة من التحديات سواء داخلياً أو خارجياً،
ظهرت إرهاصتها منذ أيام الانتخابات عندما أعلن برنامجه الانتخابي، وأوضح أنه يود أن يخلق "باكستان جديدة" يقضي فيها على الفساد المنتشر منذ سنوات ويعمل على تحقيق دفعة اقتصادية تبدأ من انقاذ أوضاع العملة المتردية.

برنامجه الانتخابي

جوهر البرنامج الذي طرحه خان أثناء الانتخابات يتمحور حول تمسكه بالمبادئ الإسلامية، وهو ما أعاد تأكيده مرة أخرى في خطاب الفوز، فذهب إلى أن دولة الرفاه التي يحلم بها هي دولة المدينة التي أسسها رسول الله، التي ساد بها العدل والمساءلة والإصلاح السياسي ومكافحة الفقر.

كما عبر عن عزمه عن تقوية العلاقات مع الهند وكذلك الولايات المتحدة، واستعداده لفتح الحدود مع أفغانستان مثل دول الاتحاد الأوروبي، لتخليصها من ميراثها الثقيل من الإرهاب والفوضى، فيرى أمن باكستان يعتمد بالدرجة الأولى على أمن أفغانستان.(2)

ويُرجع الكثيرون وصول خان إلى السلطة لتأثر الشعب الباكستاني بالموجة الشعبوية التي تجتاح المزاج العام حول العالم، فهم يروا أن زعيم حزب الانصاف هو من بين هؤلاء القادة الشعبويين، لاعتماده على خطاب ملتزم بالخطوط العامة التي يعتبرها الشعب من الثوابت. ويرفض البعض هذا الحديث معتبرين أن قادة الأحزاب والكتل السياسية المختلفة تستخدم ذات الخطاب الشعبوي، وهو ما يعني أن ما يميز خان عن غيره كون الشعب أراد تبديل الوجوه القديمة بأخرى جديدة نتيجة فشل سياساتها السابقة.(3)

التحديات الداخلية

من أجل أن يُنفذ خان وعوده بخلق "باكستان جديدة" بدون فساد وذات معدلات نمو مرتفعة يحتاج جهود كبيرة، فلاتزال العملة الباكستانية تواجه حالة من التراجع المستمر، نتيجة قيام البنك المركزي بتخفيض قيمتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية التي تُعانيها البلاد، ورغم التوقعات بأن معدل النمو الاقتصادي سيزداد إلى 6% في عام 2018، وهو أكبر معدل منذ عقد من الزمان، فهناك استمرار لعجز الحساب الجاري، الذي دفع الحكومة إلى طالب قرض من صندوق النقد الدولي(4)، خاصة وأن الولايات المتحدة جمدت مساعدتها المالية والعسكرية إليها.

   ويُعتبر مكافحة الفساد وخفض التضخم وخلق مزيد من فرص العمل من أهم مهامه الجديدة، ولعل قيام شريحة كبيرة من الشباب بانتخابه تصل نسبتهم إلى 44% من الناخبين تدل على الآمال المعقودة عليه من أجل إحداث التغيير المنشود، والتخلص من إرث الفشل في السياسات الذي خلفته النظم السابقة.

   وإذا أخذنا في الاعتبار ما حدث في تسريبات بنما عام 2016 لأتضح مدى حالة اليأس الذي يعانيه المواطنون تجاه النخب السابقة، فقد كشفت عن حيازة أسرة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف عن أملاك وأموال لم يقم بالافصاح عنها أمام لجنة الانتخابات، وهو ما عرضه للملاحقة القضائية التي انتهت بالحكم عليه لمدة 10 سنوات.

   وفور وصوله إلى الحكم، قام خان ببدء حملة منتظمة لحث المواطنين على الإلتزام بدفع الضرائب، واتباع سياسة تقشفية بغرض مواجهة ارتفاع الديون المتراكمة على البلاد، وكانت البداية حين أعلن البدء في بيع أسطول السيارات المضادة للرصاص المملوك لرئاسة مجلس الوزراء، وقرر الإقامة في منزل صغير مكون من ثلاث غرف نوم ولم ينتقل إلى القصر المحدد لرئيس الحكومة، كما تخلى عن طاقم الخدم المكون من 524 عامل واكتفى بخادمين فقط.(5)

   وفي ذات السياق، يواجه رئيس الوزراء حالة من عدم القبول من جانب عدد من الأحزاب التي رفضت النتائج، واعتبرت أن العملية الانتخابية شابها الكثير من التزوير، ويأتي على رأس الأحزاب المعارضة للنتائج الحزبين الكبيرين حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز وحزب الشعب، وهو ما يُنذر بصراع سياسي سيظل يُمثل عقبة أمام حكومة خان، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار سيطرة حزب الرابطة على الحكومة والبرلمان المحليين في إقليم البنجاب، وحزب الشعب على الحكومة المحلية في إقليم السند.(6)

   وتأتي العلاقة مع الجيش لتفرض على حكومة خان معضلة أخرى، فكثير من الآراء تذهب إلى اعتبار وصوله إلى الحكم إنما تم بدعم القوات المسلحة، لكي يكون أداة تستخدمه لضمان استمرار هيمنتها على السلطة.(7) ومن ثم فإن أي محاولة لتغيير السياسات الداخلية أو الخارجية بما لا يرضي المؤسسة العسكرية سيضعه في مواجهة معاها، وهو ما سيفرض عليه تحديات أكبر تتمثل في قدرته على إحداث التوازن في العلاقات المدنية العسكرية.

التحديات الخارجية

    تواجه السياسة الخارجية الباكستانية في ظل حكم عمران خان الكثير من التحدي90ات، بالنظر إلى العلاقات المتوترة مع الهند وباكستان، والرغبة في التقارب مع الولايات المتحدة وتفعيل الشراكة الاقتصادية مع الصين. وفيما يلي سيتم عرض أبرز ملامح تلك العلاقات مع عدد من الفاعلين الأجانب.

الولايات المتحدة: تتهم واشنطن وكابول دائما باكستان بأنها ملاذاً للمتطرفين الذين يقاتلون القوات الأمريكية والأفغانية في أفغانستان، بل وأنها تقوم بالتنسيق مع التنظيمات المتطرفة التي تقوم بعملياتها في أفغانستان وهو ما تنفيه الحكومة الباكستانية دائماً.

    وقد اعتبر الرئيس ترامب إسلام أباد بأنها تكيل الأكاذيب وتتعامل بازدواجية مع الوضع في أفغانستان، وعلى إثر ذلك قام بتعليق المساعدات العسكرية لها في يناير 2018، بما حجب عنها مئات الملايين من الدولارات وساهم في مزيد من المعاناة للاقتصاد الباكستاني.

   وتتضح صعوبة هذا الملف بالنسبة لعمران خان نظراً لتصريحاته المستمرة المُعادية لواشنطن، فذات مرة وصف السياسات الأمريكية "بالوحشية"، في أعقاب سقوط ضحايا من المواطنين الباكستانيين جراء غارات قامت بيها الطائرات الأمريكية على مواقع للجهاديين.(8)

الصين: في مقابل هذا التراجع في العلاقات مع واشنطن، فهناك تنامي في العلاقات مع الصين المنافس الاقليمي لها بالمنطقة، فمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لعام 2013، وهو عبارة عن استثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة بنحو 54 مليار دولار، دعم من التقارب بين البلدين. كما سيوفر للصين مساحة أكبر للتواصل مع بلدان آسيا الوسطى والخليج العربي وإفريقيا وأوروبا، وهذا من شأنه أن يُثير القلاقل لواشنطن التي تخشى من ازدياد النفوذ الصيني في المنطقة بما يؤثر على حيوية مصالحها.

الهند: مع انفصال باكستان عنها في 1947، حدثت بينهما ثلاثة حروب، منهما اثنتان حول اقليم كشمير الذي يتنازعان عليه السيادة والسبب الرئيسي للصراع بينهما، وقيام خان بأي مساعي للتقرب مع نيودلهي ليس بهذه السهولة، لأنه سيفتح عليه أبواب الصدام مع المؤسسة العسكرية، وسيُوقعه في ذات الخطأ الذي وقع فيه سلفه نواز شريف.(9) وعلى أي حال يمكن للحكومة الحالية أن تستفيد من محاولات التقارب السابقة مع الهند من أجل إحراز مزيد من التقدم في العلاقات بينهما، خاصة أن ذلك سيساعدها في التغلب على أزمتها الحالية إذا استفادت من الجارة التي تُحقق معدلات نمو أفضل حالاً.

وختاماً، يمكن اعتبار أن قدرة عمران خان على مواجهة التحديات سالفة الذكر، إنما تعتمد بدرجة أو بأخرى على مرونته في إحداث توزان بين تلك الملفات، بحيث أن التقدم المُحرز في أي منها لا يؤثر بالسلب على الأخر، وبما يضمن أن تظل كروت اللعبة جميعها بيده، مع الأخذ في الاعتباره أن هذا الأمر ليس بالسهولة المطلقة.

فعلى سبيل المثال، تقوية العلاقات مع الهند يرتبط بعدم فقدانه تأييد المؤسسة العسكرية داخلياً، وعلى التأثير على العلاقات مع الصين، لأن دعم بكين لإسلام أباد جاء بالأساس لمواجهة واشنطن ونيودلهي، حيث تتنافس القوتان الاقليميتان – الصين والهند – على المنطقة من جانب، وتتصارع بكين مع واشنطن على النفوذ فيها أيضاً من جانب أخر.

المراجع

1 – رسميا: حركة عمران خان تفوز في انتخابات باكستان و7 أحزاب ترفض نتائجها، موقع جريدة التحرير، 28 يوليو 2018، على الرابط: tahrirnews.com/posts/903030/عمران+خان+نواز+شريف+رئيس+وزراء+سابق+تشكيل+الحكومة

2  - عمران خان: من "الكريكت" إلى زعامة باكستان، شبكة رؤية الاخبارية، 27 يوليه 2018، على الرابط: roayahnews.com/articles/2018/07/27/5882/عمران-خان-من-الكريكت-إلى-زعامة-باكستان

3 – سالم حميد، شعبية عمران تقود باكستان، موقع جريدة الاتحاد الاماراتية، على الرابط: alittihad.ae/WejhatArticle/99753/شعبية-عمران-تقود-باكستان

4 - عملة باكستان تتراجع 4% بعد تقارير بشأن تدخل البنك المركزي، مجلة مباشر الاقتصادية، 11 يونيو 2018، على الرابط: mubasher.info/news/3300006/عملة-باكستان-تتراجع-4-بعد-تقارير-بشأن-تدخل-البنك-المركزي

5 – عمران خان يتخلى عن القصر ومئات الخدم ويدعو للتقشف، روسيا اليوم، 20 أغسطس 2018، على الرابط: arabic.rt.com/world/964416-رئيس-وزراء-باكستان-الجديد-يتخلى-عن-سكن-فخم-و522-خادم

6 – أحمد قنديل، عمران خان يقود باكستان في طريق وعر، موقع جريدة الخليج، 2 أغسطس 2018، على الرابط: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/99365528-5c4b-4e17-9b73-156953aba4a5

7 - كيف يوازن عمران خان بين غضب واشنطن ورضا الصين وسطوة الجيش؟، الشرق الأوسط، 19 أغسطس 2018، على الرابط: aawsat.com/home/article/1367351/كيف-يوازن-عمران-خان-بين-غضب-واشنطن-ورضا-الصين-وسطوة-الجيش؟

8 - عمران خان يخوض امتحانات صعبة في السياسة الخارجية، الشرق الأوسط، 22 أغسطس 2018، على الرابط: aawsat.com/home/article/1370391/عمران-خان-يخوض-امتحانات-صعبة-في-السياسة-الخارجي

9 – المرجع السابق.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟