المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تحرير درنة بين القضاء على الإرهاب وتعزيز سيطرة الجيش الوطني الليبي

الأربعاء 13/يونيو/2018 - 08:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عمر

اقترب الجيش الوطني الليبي من السيطرة بشكل نهائي على مدينة درنة شمالي شرقي البلاد، التي تسيطر عليها بعض الجماعات المسلحة الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي، ليحرر بذلك إحدى أهم المدن التي شكلت مصدر دعم وإمداد رئيسي خاصة بالأسلحة والأفراد للجماعات الموجودة في ليبيا وذلك لطبيعتها الساحلية وامتلاكها موانىء مهمة على البحر المتوسط بخلاف طبيعتها الجبلية، مما جعلها ليس مصدر تهديد لوحدة ليبيا واستقرارها وإنما لدول الجوار خاصة مصر، حيث وفرت الجماعات الموجودة في درنة مثل "أنصار الشريعة" الدعم لجماعات إرهابية نفذت عمليات مسلحة داخل مصر مثل هجومي الواحات و المنيا الإرهابيين.

أولاً- كيف حرر الجيش الليبي المدينة

نجح الجيش الليبي بعد فترة طويلة من حصار الجماعات الإرهابية داخل مدينة درنة الساحلية، في اقتحامها ودحر التنظيمات الإرهابية الموجودة بها. لم تستغرق العملية سوى أيام، حيث خضع تحرير المدينة لترتيبات إقليمية ودولية، فقد كانت هناك اعتراضات من قبل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج على اقتحام المدينة، قيل إن هذا الاعتراض خوفا من وقوع خسائر وسط المدنيين، لكن السراج لا يريد للجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر السيطرة على المزيد من المناطق الاستراتيجية، لأن هذا يمثل خصما من رصيد حكومة الوفاق التي ما زالت سيطرتها محدودة في العاصمة طرابلس، بخلاف الجيش الوطني.

إلا أنه بعد اجتماع باريس الذي استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية شهر مايو 2018، حدث تقدم كبير من قبل الجيش الوطني في إشارة على وجود توافق دولي وأيضا حدوث تفاهم بين الأطراف الليبية على دحر الجماعات الإرهابية من درنة، حيث حضر الاجتماع أربعة وفود تمثل، قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وتم وضع مسودة خريطة طريق نحو الانتخابات، بخلاف الاتفاق على مناطق نفوذ الجيش الليبي.

وبالفعل خلال أيام أحكم الجيش الوطني سيطرته على درنة، داعيا النازحين إلى العودة لديارهم، بل سيطر على القواعد العسكرية مثل معسكر الصاعقة وكلية الشرطة، والأهم من ذلك  بسط سيطرته على الموانىء الاستراتيجية بالمدينة، فقد أعلنت الإدارة العامة لأمن المنافذ في بنغازي تأمين وتنظيم العمل داخل الميناء البحري في مدينة درنة شرق البلاد، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من سيطرة الجيش على الميناء.

وجاءت عملية التحرير، بعد حصار  طويل للتضيق على الجماعات الإرهابية بدأ في أبريل 2017، ثم في أغسطس من العام ذاته، حينما أعلن الجيش الوطني إطلاق عملية برية موسعة لتحرير درنة من قبضة الجماعات المسلحة، رافقها فرض حصار جوي وبحري على المدينة، ونتيجة للضغوطات التي تعرض لها الجيش من قبل الأطراف الخارجية تم تأجيل المعركة، ليتم حسمها في أبريل 2018، والإعلان عن وضع خطة عسكرية لتحرير المدينة بشكل خاطف وسريع كما تم خلال تحرير منطقة الهلال النفطي التي مثلت انتصار كبيرا للجيش الوطني.

ومنذ هذا التوقيت بدأ التحرير التدريجي للمدينة، ليكثف الجيش الوطني غاراته الجوية في 1 مايو الماضي على درنة، ويبدأ التحرير الشامل للمدينة، دون اعتراضات دولية وإقليمية تحول دون تحرير المدينة، ليوسع بذلك الجيش سيطرته على شرقي ليبيا، كما نجح من قبل في السيطرة على منطقة بنغازي الاستراتيجية نهاية عام 2017، وبإحكام سيطرته على شرق البلاد سيتفرغ الجيش الوطني للسيطرة على مناطق الجنوب التي تمثل هي الأخرى منفذا استراتيجيا للجماعات المسلحة سواء في دخول وخروج المقاتلون أو تهريب الأسلحة وكذلك التورط في عمليات الهجرة غير الشرعية.

وكان من الضروري للجيش الليبي إحكام سيطرته على شرق البلاد باعتبارها أولوية، لأن هذه المنطقة تضم العديد من التنظيمات المسلحة المحسوبة على القاعدة، مثل تنظيم "مجلس شورى مجاهدي درنة"، الذي تأسس في ديسمبر 2014 بعد إطلاق الجيش الليبي عملية "الكرامة"، لينضم إليه تنظيم أخرى مثل "أنصار الشريعة"، وكتيبة "البتار"، وعناصر من "الجماعة الإسلامية المقاتلة".

كذلك من بين الجماعات التي خرجت من هذا التنظيم الواسع، جماعة "المرابطون التي يقودها هشام عشماوي وهو ضابط صاعقة مصري تم فصله من القوات المسلحة، أسس جماعته في درنة واتخذ منها مقرا لتدريب عناصرها وتشكيل خلايا أخرى لشن هجمات ضد مصر، من بينها خلية الواحات البحرية وكان يقودها عماد عبدالحميد وهو أيضا ضابط مفصول من الجيش المصري؛ شكل تنظيم "أنصار الإسلام"، ونفذ عمليته ضد في أكتوبر 2017 التي راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين.

ثانياً- الأهمية الاستراتيجية لدرنة

مثلت مدينة درنة منفذا استراتيجيا للجماعات الإرهابية الموجودة في ليبيا، وذلك نتيجة لموقعها الساحلي ووجود موانىء مهمة شمالي شرقي البلاد فيما يحدها من الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر منحها تحصينا قويا من أي اختراق من هذه الجهة، فقد استخدمتها في الحصول على الأسلحة عبر السفن القادمة من بعض الدول الداعمة لهم، بخلاف دخول وخروج والأفراد والقيادات بالجماعات الإرهابية منها وإليها، ونجاح الجماعات الإرهابية في دعم الموالين  لهم في مناطق أخرى من ليبيا في غربي وجنوبي البلاد.

وفي مارس 2018، أوقفت البحرية التابعة للجيش الوطني الليبي، سفينة تركية قبالة سواحل درنة، يشتبه في دعمها لجماعات داخل درنة، وقبل ذلك في يناير من العام ذاته، أوقفت البحرية اليونانية قبالة سواحلها، سفينة تركية تحمل اسم " أندروميدا " كانت متجهة إلى ليبيا  تحمل أسلحة ومتفجرات، ووجد داخلها  29 حاوية من المتفجرات تتنوع بين صواعق ونترات الأمونيوم ومواد خاصة يمكن استخدامها لصنع قنابل ومتفجرات.

وبإحكام الجيش الليبي سيطرته على المدينة، لا يعني فقط دحر التنظيمات الإرهابية، وإنما حرمانهم من مصدر  تمويل ودعم رئيسي في باقي ليبيا، وهو ما يسهل مهمة الجيش المقبلة في التوجه نحو الجنوب، بخلاف تأمين المناطق الحيوية التي تم تحريرها من قبل وهي منطقة الهلال النفطي التي كانت تتعرض لهجمات من وقت لآخر، أيضا سيطرة حفتر على درنة سيمنح الحكومة المؤقتة والبرلمان الليبي قوة تفاوضية كبيرة ومقاومة الضغوط المفروضة عليهم بسبب حكومة الوفاق التي لا تسيطر إلا على القليل وبشكل غير محكم.

ولم تمثل درنة تهديدا فقط لليبيا، لكن تضررت مصر كثيرا من الجماعات الإرهابية الموجودة بها حيث تبعد حوالي 200 كم فقط عن مصر، ففي مايو 2017، نفت القوات الجوية المصرية غارات مكثفة على مواقع للجماعات الإرهابية من بينها "كتيبة شهداء أبو سليم" و"مجلس شورى مجاهدي درنة"، المتورطة في الهجوم الإرهابي على مسيحين في محافظة المنيا الذي قتل فيه 29 شخصا و24 جريحا.

وأعلن رئيس الوزراء المصري السابق، شريف إسماعيل، وقتها أن ضرب قواعد الجماعات الإرهابية خارج مصر يمثل بداية فقط، مؤكدا أن "الأمن القومي لمصر يبدأ خارج الحدود"، وبالفعل استمرت بعض الضربات الجوية لعدة أيام، مع دعم الجيش الوطني للسيطرة على المدينة، لتكلل جهود الطرفين اليوم بتحرير المدينة بالكامل رغم الاعتراضات السابقة التي خضعت لتقييمات ومصالح سياسية.

ولم تمر سوى أشهر  بعد هجوم المنيا الإرهابي، لتنفذ الجماعات الإرهابية متخذة من درنة منطلقا لها، هجوم "الواحات"، في أكتوبر 2017، وراح ضحيته حوالي 16 من قوات الأمن وإصابة آخرين، وتبنته جماعة "أنصار الإسلام" وهي خلية من خلايا جماعة "المرابطون" الموالية لتنظيم القاعدة، التي يقودها هشام عشماوي.  

ثالثاً – أين يتجه الجيش الليبي بعد درنة

مثل تحرير درنة حلقة في سلسلة يسعى الجيش الليبي لإكمالها بالسيطرة على البلاد، خاصة بلمناطق المتمركز فيها جماعات مسلحة متطرفة، فبعد إطلاق عملية الكرامة في 2014، والسيطرة على الهلال النفطي وبنغازي ومناطق أخرى وأخيرا درنة شرقي ووسط البلاد، من المخطط أن يتجه حفتر إلى الجنوب،  لتحرير  مدن ومصراتة، للحفاظ على وحدة الأرضي الليبية ومنع سيناريوهات التقسيم التي كان مقرر أن يتم تثبيتها حصب التواجد القبلي والعرقي في ليبيا.

وقد اتخذ الجيش الليبي خطوات على الأرض في هذا الأمر، كما فعل مع درنة، ليعلن في مارس 2018، أعلنت، عن عملية جوية، لفرض القانون والمجابهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية والعصابات المسلحة، بخلاف عصابات الأجانب الموجودة جنوبي البلاد مثل العصابات التشادية، فانفلات الجنوب من قبضة الجيش يمثل خطورة على ليبيا مثل درنة، فسبق أن نفذ هجوم دموي في مايو 2017، على قاعدة "براك الشاطىء" قتل فيها 74 جنديا من الجيش الوطني وأصيب 18 آخرون.

وتزامناً مع العملية الجوية في مارس الماضي، نشر الجيش الوطني أيضا مدرعات حربية طراز "بي إر دي إم – 2"، في قاعدة "تمنهنت" الجوية قرب مدينة سبها، بخلاف وجود طائرة قاذفة على أرضية المطار طراز "سو – 22"، التي شنت عدة غارات على تجمعات في الصحراء لآليات تابعة لفصائل من المعارضة التشادية والسودانية.

وبالفعل اعترفت الهيئة التشادية للثورة الشعبية المعارضة (CCMSR) بقصف أحد معسكراتها من قبل طائرات الجيش الليبي، حيث استغلت الكثير من هذه الجماعات حالة الفراغ الأمني والعسكري الذي تعاني منه ليبيا جنوبي البلاد لتتخذ منها معقلا لأنشطتها، والتورط في عمليات تهريب وبيع الأسلحة وكذلك الاتجار بالبشر.

ختاماً، مثل نجاح الجيش الوطني في السيطرة على درنة خطوة استراتيجية لأنه حرم الجماعات المسلحة من الحصول على الإمدادات وتهريب قياداتها عبر البحر من الدول الداعمة لهم، مما يسهل السيطرة على مناطق الجنوب، لتسهيل إجراءات انتخابية رئاسية وبرلمانية حقيقة يشارك فيها جميع الليبيين، لإنهاء حالة الانقسام، كذلك استفادت مصر من هذه الخطوة التي ساعدت فيها بدعم الجيش الوطني وتأييده في السيطرة على المدينة التي مثلت مأوى للجماعات الإرهابية التي تستهدف مصر، بعد التضيق عليها في سيناء بالجبهة الشرقية لجأت إلى استهدافها من ناحية الشرق عبر الأراضي الليبية، وبهذا سيصب تحرير درنة في صالح مصر بشكل كبير والتقليل من نسبة الخطر القادم من حدودها الغربية مع ليبيا.

المصادر:

- خريطة انتشار الجماعات الجهادية المسلحة في ليبيا، المرجع، 28/3/2018، الرابط.

- الكشف عن المدينة التي يتوجه الجيش الليبي لتحريرها بعد درنة، وكالة سبوتنيك، 9/6/2018، الرابط.

- إنفوغرافيك.. خريطة انتشار القوات والمسلحين في ليبيا، سكاي نيوز، 19\6\2016، الرابط.

- تصفية 74 جندياً من قوات الجيش بالجنوب الليبي، العربية نت، 19\5\2017، الرابط.

- المعارضة التشادية تعترف بقصف الجيش معسكراتها جنوب ليبيا، مرصد ليبيا، 21\3\2018، الرابط.

- الجيش الليبي: تحرير درنة بالكامل خلال ساعات، العربية نت، 11\6\2018، الرابط.

- الجيش الليبي يعزز قواته في جنوب البلاد بعربات استطلاع مدرعة، الأيام الليبية، 23\3\2018، الرابط.

- يوسف صابر، "الثقة المفقودة": إلى أي مدى يمكن للمبادرة الفرنسية تسوية الأزمة الليبية؟، مركز المستقبل للابحاث والدراسة المتقدمة، 4\6\2018، الرابط.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟