المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مبادئ الحكومة المنفتحة وتفعيل الحوكمة وحرية تداول المعلومات فى ضوء رؤية مصر 2030

الإثنين 29/يناير/2018 - 02:15 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد عبد الهادي

شهدت الدولة تحولا جديدا فى إعادة تعريف دورها ووظائفها، فى المرحلة الراهنة، كنتيجة مباشرة لسياسات العولمة والليبرالية الجديدة. وفى الدول العربية قد كان لاندلاع سلسلة الانتفاضات الشعبية وثورات “الربيع العربى” التى شهدتها المنطقة العربية، وهى الثورات التى رفعت شعارات المطالبة الحرية والعدالة الاجتماعية أكبر الأثر فى تنامى الاهتمام بإعادة تعريف دور الدولة. وقد أثبتت خبرات الثورات العربية الأثر السلبى لانسحاب الدولة من المجال الاقتصادى لصالح الطبقات الرأسمالية الجديدة، وقد عبر عن هذا التحول فى وظائف الدولة إعادة الاعتبار لدور الدولة فى الاقتصاد كما فى السياسة، خاصة فيما يتعلق بتنظيم السوق، وتوفير الخدمات الاجتماعية، حيث بدأ مفهوم السوق الحر البعيد عن تدخل الدولة فى الأفول والتراجع لصالح النموذج الكينزى القائم على الدور التدخلى الرقابى والتنظيمى للدولة.

وفى إطار هذا الاهتمام بإعادة تعريف دور الدولة ووظائفها باتت الدعوة إلى التمكين المتبادل بين الدولة والمجتمع لتحقيق سياسات التنمية المرجوة أو أهداف التنمية المستدامة،  تتضمن تفعيل التحول نحو الحوكمة والأخذ بتطبيقاتها، وتأسيس علاقة تعاون بين الدولة والمجتمع، ترتكز على؛ إن ثمة علاقة تفاعل وتأثير متبادل بين الدولة والمجتمع، وتلك هى المحدد الرئيس فى تلك العملية، بحيث؛ أن قدرة الدولة على انجاز التحول تزداد ما دام المجتمع فى عونها، وتعتمد الدولة على مشاركته(1).

فى ضوء ذلك تتناول هذه الدراسة مفهوم وأبعاد الحوكمة، ومناقشة متطلبات الوصول إلى الشفافية وحرية تداول المعلومات أو وضرورات الإصلاح الهيكلى فى سبيل تعزيز الشفافية وحرية تداول المعلومات؛ من خلال الاتجاهات الدولية والإطار الدستورى فى مصر، وصولاً إلى تقديم تصور حول مستقبل الحوكمة والشفافية وحرية تداول المعلومات فى ظل الحاجة إلى المزيد من تطبيقات الحكومة المنفتحة لكونها تمثل البيئة الإدارية الداعمة لتفعيل هذه المبادئ، وبما يساهم ذلك فى تفعيل مشروع تعزيز الشفافية والنزاهة فى الخدمة العامة وتحقيق رؤية مصر (2030).

أولاً- الحوكمة: المفهوم والأبعاد

ظهر مفهوم الحوكمة في عدة تقارير دولية ليشغل مكان الصدارة عالمياً، وقد أشارت هذه التقارير إلى أهمية المعلومات ومدى شفافية الأنشطة الحكومية وتفعيل المشاركة المجتمعية، والأخذ باللامركزية وتقوية وحدات الإدارة العامة والمحلية حتى يمكن رفع مستوى وجودة توصيل الخدمات العامة للمواطنين(2).

وقد زاد الاهتمام بالحوكمة حينما طرح البنك الدولى فى نهاية الثمانينات من القرن الماضى المصطلح كمفهوم جديد يتجاوز حدود الحكومات إلى أطر إدارة شئون الدولة والمجتمع. وقد ساهمت فى بلورة المفهوم المنظمات الدولية الداعمة لسياسات التنمية وعلى رأسها منظمات الأمم المتحدة وكذلك العديد من المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى مثل منظمة الشفافية الدولية ، ومع نمو مطالب العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمة العامة ظهرت الخبرات العربية مثل شبكة المساءلة الاجتماعية فى العالم العربى "أنسا"، أما فى مصر مركز الحوكمة ومشروع تعزيز الشفافية والنزاهة فى الخدمة العامة وأُسس فى وزارة التنمية الإدارية، وبرامج تدريب القيادات العليا بكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الإمريكية بالقاهرة، وكذلك مساهمات عدد من منظمات المجتمع المدنى ذات الصلة بقضايا النزاهة ومكافحة الفساد، والاهتمام البحثى والإكاديمى المتنوع والمتراكم فى أقسام علمية بعدد فى الجامعات المصرية والذى ظهر فى الرسائل أو الأطروحات العلمية والمقررات الجامعية، وأيضا إصدارات المراكز البحثية(3).

تركز تعريفات الحوكمة على اتجاهين؛ أولهما، يهتم بالعلاقات التى تربط الدولة بالمجتمع المدنى، وعلاقة الحكومة بالمواطنين. وثانيهما، يوجه إدارة موارد المجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفى كل الحالات تجمع معظم الأدبيات أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون تفعيل مبادئ للحوكمة وخاصة آليات المشاركة والمساءلة فى المجتمع(4).

ويمكن تعريفها كذلك؛ بأن الحوكمة تتضمن ممارسة السلطة السياسية وإداراتها لشئون المجتمع وموارده، وتحقيق التطور الاقتصادى والاجتماعى ويشمل ذلك سلطات الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص. ولقد عرف البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة الحكم الرشيد باعتباره ممارسة السلطة السياسية لأعمالها ضمن معايير محددة لتحقيق التنمية المستدامة، وتنمية وتطوير موارد الدولة القصيرة والطويلة الأمد بما يوفر النزاهة والمساءلة، ويحترم المصلحة العامة ويخدمها، وأهم خصائص الحوكمة وفق ذلك التعريف هى؛ المشاركة، والمساءلة، والشفافية، والاستجابية، والكفاءة والفعالية، والعدالة والشمول، وحكم القانون، وهذه الخصائص ترتبط ببعضها البعض وجوداً وعدماً وتؤدى معظمها إلى معظمها أو لبعضها البعض فى علاقة ارتباطية وتلازمية(5)

كما يجدر الإشارة إلى ظهور مفهوم الحوكمة العالمية بما تعنيه من بناء نموذج نظرى لمأسسة التنمية الاقتصادية العالمية، ويتضمن عملية التنظيم على المستوى الدولى والتنسيق مع الإجراءات السياسية للدول، وممارسة سلطات معينة من جانب المؤسسات الدولية وإدارة التدفق المالى فى البيئة الاقتصادية العالمية(6).

وبالتالى أصبحت الحوكمة ضرورة أساسية لضمان ممارسة الحكم بصورة صحيحة، من حيث؛ بناء أسلوب جيد للإدارة، والمساواة أى أن معاملة الحكومة للمواطنين يجب أن تتم على قدم المساواة أمام القانون دون تمييز، وكذلك تأمين فرص متساوية لهم لكى يستفيدوا من الخدمات التى توفرها الحكومة. والجدير بالذكر أن المساواة هنا لا تتعلق فقط بالنوع الاجتماعى، ولكنها تمتد لتشمل المساواة فى التنمية بين المناطق الجغرافية المختلفة فى الدولة والمساواة فى الحصول على الخدمات العامة وغيرها من الأمور، أما المساءلة فهى تنبع من التمثيل الشعبى إلى الشفافية فى آليات الحكم وتوافر المعلومات والمعرفة المتعلقة بحقوق المواطنين وسبل الحصول على تلك الحقوق وتعميمها، أى أن مفهوم الحوكمة يتصل بتحول مضمون الديمقراطية من التمثيل النيابى إلى المشاركة والشفافية والمساءلة، أو بمعنى آخر الانتقال بصيغة "الوصول إلى الحكم" من مجرد الديمقراطية الاجرائية إلى العمل على تحقيق الديمقراطية التشاركية(7).

وتتمثل أبعاد الحوكمة فى حسن الإدارة وجدية أسلوب الحكم فى التعامل مع المجتمع وإشراك المواطنين، ووجود أدوات الرقابة والمحاسبية وآليات فعالة وسلمية لاتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياة المواطنين، والانتقال بفكرة الحكم من الحالة التقليدية إلى الحالة الأكثر تفاعلاً وتكاملاً بين تلك الأركان المشكلة للحوكمة فى المجتمع، وهى الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى وذلك لاتمام عملية التنمية المستدامة والشاملة(8). وبذلك تمثل الحوكمة اختيار صحيح بالنسبة للحكومة وللإدارة للتحول فى عملية الحكم من الفردية والاستبداد إلى الديمقراطية التشاركية والقيم المجتمعية الإيجابية، أو بمعنى آخر عقد اجتماعى جديد يتضمن إصلاح جوهر الحكم وتفعيل مشاركة المواطنين بما يمثل تجسيد لنظرية العقد الاجتماعى(9).

هكذا تستهدف الحوكمة إطار سليم لصنع السياسات العامة وتنفيذها وتقويمها، تتضمن(10): مشاركة الأفراد والجماعات فى عملية صنع السياسات العامة، وتحديد أفضل لاحتياجات المواطنين وتحديد مشكلاتهم، فضلا عن تحسين مستوى كفاءة إدارة وتشغيل المرافق العامة وزيادة جودة السلع والخدمات للمواطنين وتخفيض النفقات العامة وتوظيف أفضل للموارد.

واستناداً إلى كون الحوكمة فى بعض جوانبها تمثل إطار مؤسسى يجسد قيماً سياسية للمواطنة، فمن شأنها تحقيق التمكين للنوع الاجتماعى بما يؤهل الجميع للمشاركة فى الحكم والإدارة(11).

كما تتمثل علاقة المجتمع المدنى بالحوكمة فى كونه داعماً للديمقراطية والتنمية فى الدولة مما يعزز من حقيقة كون عملية الحكم إنما تعمل على تلبية احتياجات المواطنين، وحيث أن المجتمع المدنى يمثل منظمات وسيطة بين الفرد والدولة، يرتكز على الاشتراك فى صنع السياسات العامة، وبناء رأس المال الاجتماعى والتربية المدنية لمساعدة المواطنين فى تحديد احتياجاتهم، بالشكل الذى يبنى الثقة ويولد القناعة لدى المواطنين بمسار الحكم الجيد(12).

ومن أبرز مجالات منظمات المجتمع المدنى تتمثل فى تعزيز المشاركة وعمليات التفاعل والرقابة والتأثير على برامج الحكومة، والقيام بالخدمات الاجتماعية لتنمية المجتمع (13).

وبذلك يتضح إن الحوكمة تدلل على الموقف القيمى التصحيحى إزاء ممارسة السلطة السياسية لإدارة شئون الدولة والمجتمع فى اتجاه تطويرى تنموى طبقا لمعايير معلومة ومتفق عليها مجتمعيا تقوم على صياغة سياسات عامة تستجيب لحاجات الناس ومطالب المجتمع.

ثانياً- مقومات الإصلاح المؤسسى فى مجال الشفافية وحرية تداول المعلومات فى مصر

إن هناك مجموعة من المقومات لتحقيق الإصلاح المؤسسى أو الهيكلى فى مجال الشفافية وحرية تداول المعلومات، وبما  ينعكس على تحسين الإدارة العامة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تتمثل هذه المقومات فى الركائز والاتجاهات الدولية لحق الحصول على المعلومات، والإطار الدستورى للحوكمة وشفافية المعلومات.

1- الاتجاهات الدولية ومبادئ منظمة المادة (19):

إن إتاحة حق الإطلاع والحصول على المعلومات فى مجال السياسات التنموية المقترحة وتداولها بين المواطنين تؤثر بشكل مباشر على الحد من انتشار الفساد بحيث تضمن وجود رقابة شعبية على أداء الأجهزة التنفيذية والمجالس المحلية ذاتها، كما أنها تساعد على بناء الثقة بين المواطن والحكومة وهو ما يرفع من كفاءة النظام والمواطن على حد سواء، وأخيرا تكرس ثقافة وآليات حرية تداول المعلومات فى المرافق العامة ومؤسسات المجتمع(14).

تتضمن معظم اتفاقيات مكافحة الفساد وحماية البيئة أحكاماً تطالب موقعيها بتبنى قوانين حول حق المواطنين فى المعلومات سواء أن تقوم الدولة بأخذ التدابير اللازمة لمكافحة الفساد، أو من أجل التنمية المستدامة(15).

وقد عملت منظمة المادة 19 (حق الجمهور فى المعرفة) على مبادئ فى التشريعات المتعلقة بحرية الإطلاع والحق فى تداول المعلومات، وتمثل تلك المبادئ الحد الأدنى الواجب توافره فى قوانين حرية تداول المعلومات فى أى دولة، ويمكن الاسترشاد بها كأفضل الممارسات  فى حال صياغة قانون مصرى حول الحق فى تداول أو الحصول على المعلومات، وهذه المبادئ هى(16):

1.    إستدلال تشريعات حرية تداول المعلومات بمبدأ أقصى درجات الإفصاح.

2.    إستباق الجهات الحكومية بنشر المعلومات الأساسية.

3.    تعزيز الحكومة المنفتحة بشكل فعال.

4.    الاستثناءات فى حق تداول المعلومات مبنى على نحو واضح وأدق نطاق واختبار مدى إضراراها بالمصلحة العامة.

5.    سرعة وحيادية التعامل مع طلبات المعلومات، وتوافر مراجعة مستقلة لأى رفض لإتاحة المعلومات.

6.    التكلفة الباهظة لا تمنع الأفراد من تقديم طلبات معلومات.

7.    اجتماعات الهيئات الحكومية مفتوحة للمواطنين لا تقتصر على الوثائق وإنما تمتد إلى المناقشات وعمليات صنع القرارات.

8.    تعديل أو إبطال القوانين التى تتنافى مع مبدأ أقصى درجات الإفصاح.

9.    حماية من يكشف عن معلومات متعلقة بفعل فيه اعتداء أو انتهاك لحقوق الإنسان.

وذلك يرتبط بمدى شفافية الموازنة العامة للدولة، حيث أن مسألة إتاحة المعلومات وشفافية الموازنة فى مصر ما زالت منتقصة، وذلك بالرغم من وجود التزامات على مصر فى توفير وإتاحة المعلومات وإشراك المواطنين بشكل فاعل عن طريق تعزيز الشفافية وإتاحة المعرفة، من هذه الالتزامات اتفاقية الأمم لمكافحة الفساد التى وقعت عليها مصر وتعتبر من أوائل الدول وتم التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية والبرلمان عام 2004 وبدأ العمل بها اعتبارا من 14 ديسمبر 2005، والتى تنص فى المادة 13/"أ" و"ب" على "تعزيز الشفافية فى عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها" و"ضمان تيسر حصول الناس فعليا على المعلومات"(17)، ويشجع الأخذ بالشفافية على حرية تداول المعلومات ومكافحة الفساد والقدرة على الرقابة مع المحاسبة ومشاركة المواطنين والانفتاح السياسى، إلا أن ذلك فى الواقع لم يساهم فى تهيئة بيئة من الشفافية فى مصر(18)

2- الإطار الدستورى للحوكمة وحرية تداول المعلومات:

حيث أشارت المادة (27) فى فصل المقومات الاقتصادية من الدستور المصرى إلى الحوكمة وارتباطها بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، على أن يلتزم بتطبيقاتها النظام الاقتصادى بغية تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذا يعد متطلباً هاماً لتحقيق وتطبيق الحوكمة فى مصر. كما ترتبط المادة (68) من الدستور المصرى والخاصة بشفافية المعلومات بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما ارتباطها بالحقوق والحريات العامة، وذكرت أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها وعقوبة حجب المعلومات أو أعطاء معلومات مغلوطة عمداً.

أذن تعد الناحية التشريعية لإتاحة الحصول على المعلومات فى السياسات التنموية، بمثابة الجانب المؤسسى للحق والحصول عليه(19).

وفى هذا السياق تتزايد أهمية الحديث عن ضرورات الإصلاح المؤسسى بما يراعى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياق الثقافى، ويعزز من التوجه نحو الحوكمة والشفافية وحرية تداول المعلومات، جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادى، ولا بد من أن يقترن تحقيق ذلك بتحسين السياسات العامة ومكافحة الفساد وإعلاء النزاهة والمساءلة.

ثالثاً- محددات البيئة الداعمة لتفعيل الحوكمة والشفافية وحرية تداول المعلومات فى مصر

فى إطار الاهتمام بإعادة تعريف دور الدولة والدعوة إلى التمكين المتبادل بين الدولة والمجتمع لتحقيق التنمية، فأن تفعيل الحوكمة وشفافية المعلومات لن يتأتى إلا من خلال تبنى مفاهيم والمزيد من تطبيقات الحكومة المنفتحة Open Government، ويتناول هذا المحور من الورقة البحثية إلقاء الضوء على تعريف وأهم مبادئ الحكومة المنفتحة.

مبادئ الحكومة المفتحة

قامت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بتعريف الحكومة المنفتحة على أنها "الالتزام بمبدأ الشفافية فى الإجراءات الحكومية وسهولة الحصول على الخدمات الحكومية والمعلومات، وقدرة الحكومة على الاستجابة للأفكار الجديدة والمطالب والاحتياجات"(20).

وتتمثل أهم مبادئ الحكومة المنفتحة فى(21): الشفافية وتوفير معلومات وبيانات كافية وموثوق بها عن أنشطة ومجالات عمل الحكومة وإتاحتها للجمهور، مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن أعمالهم، والانفتاح والاهتمام بآراء المواطنين والجهات المختلفة وأخذها بعين الاعتبار عند صنع وتنفيذ السياسات العامة.

أما فوائد الحكومة المنفتحة فتعد جوهرية متبادلة بين الحكومة والمواطنين على حد سواء، حيث أن الشفافية والانفتاح حول الوصول للمعلومات يضمن؛ المشاركة فى الحوار وصنع القرار، زيادة المساءلة والحد من الفساد وكفاءة إنفاق الموارد العامة، ترسيخ الثقة وتحسين إجراءات كسب الثقة بين المواطنين والحكومة، الالتزام بسيادة القانون واحترامه، جعل الحكومة تعمل على نحو أفضل وتساعد فعالية نقل وتنظيم المعلومات وإتاحتها وإدارتها مما يزيد وعى المواطنين بالسياسات والقرارات بحيث تلائم احتياجات المواطنين، والوصول إلى الخدمات بشكل أفضل وأن تخبر الحكومة المواطنين بالخدمات وكذلك توزيع المعلومات كجزء من الخدمات. 

وجدير الذكر إن خلق ثقافة الانفتاح هى خطوة أساسية نحو خلق نظام حكومى منفتح وفعال، فيجب إقناع السياسيين والمسئولين الحكوميين بقيمة إتاحة المعلومات قبل إيمانهم أنها ستساعدهم فى حكم أفضل، وفى الوقت نفسه يجب توعية المواطنين بالحق فى تداول المعلومات وكيفية استخدام هذا الحق ومن خلال ذلك فقط سيبدءون فى توقعه والمطالبة به.

يعتمد الأسلوب الصحيح فى الحكومة المنفتحة على مرتكزات ثلاثة: أولا تواجد الإرادة السياسية، وثانيا تدريب وتأهيل الكوادر الإدارية على أن يلتزموا بنظم الحكومة المنفتحة، وأخيرا مشاركة قطاعات المجتمع بما يتضمنه من فئات شعبية ومنظمات مجتمع مدنى وأحزاب سياسية. وتتمثل مجالات الحكومة المنفتحة فيما يلى(22):

1.    الإفصاح الاستباقى بما يعنى استباق نشر المعلومات وبالتالى الاستجابة لاحتياجات المواطنين من المعلومات بشكل جماعى وليس فردى، مما ييسر الحصول على المعلومات للمواطن، ويقلل الأعباء الإدارية والقدرة على تلبية طلبات الحصول على المعلومات، ويساعد الإدارة العامة والمحلية فى التعرف أكثر على الجماهير، وسهلت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تنظيم ونشر أكبر قدر من البيانات الحكومية، وتسمح مبادرات المعلومات المفتوحة بعرض المعلومات بطرق مفيدة للجمهور على المستوى المحلى، ومن المفيد بجانب التقنيات الرقمية هذه، أن يتم نشر المعلومات بالطرق الأكثر تقليدية مثل لوحات الإعلان والمنشورات والمطويات والإذاعة والتلفزيون المحلىين وكذلك الداخلية منها أن وجدت.

2.    قوانين الحق فى المعلومات التى ترسخ الحق القانونى للمواطنين فى الوصول إلى المعلومات التى يريدونها. قوانين الحق فى تداول المعلومات: ويؤسس هذا الحق الدستورى/ القانونى للمواطن للوصول للمعلومات التى يرغبون فيها.

3.    الشفافية الاستباقية بحيث تنشر الحكومات أكبر قدر ممكن من المعلومات. ويلزم هذا الحكومة أن تقوم بنشر أكبر قدر ممكن من المعلومات فى شكل يعزز إتاحتها.

4.    نظم البيانات المفتوحة التى تتيح لأى فرد بأن يعيد استخدام البيانات على نحو ملائم له.

لذا فأن منهجية البيانات المفتوحة تمكن من إعادة تنصيب البيانات الحكومية فى نماذج تعزز معلومات متاحة وقابلة للاستخدام.

يجب الإشارة إلى أن المعايير السابقة غير منفصلة وهى مرتبة بشكل متزامن؛ حيث تعمل على نحو متكامل، وكلما زاد تطبيقها على نحو جيد كلما اتجهت الحكومة نحو الانفتاح والشفافية. ومن ثم توجد ثلاث درجات أو مراحل على الانفتاح، وذلك على النحو التالى(23):

·        الحد الأدنى: إعتراف الحكومة المنفتحة بالحق فى تداول المعلومات ضمن القانون، وتوجد آلية قانونية تسمح للمواطنين طلب المعلومات والتى تتطلب على الأقل نشر التصنيفات الأساسية للمعلومات.

·        الأكثر تقدماً نحو الانفتاح: إطاراً قانونياً متطور يكفل الحق فى تداول المعلومات ويقدم آلية لضمان تفعيل هذا القانون، ويتعين على الحكومة أن تقوم طواعية بنشر بيانات أكثر من التصنيفات الأساسية للمعلومات.

·        الحد الأقصى من الانفتاح: يتضمن نظم طلب سريعة ونظم نشر استباقية متقدمة تشمل بوابات المعلومات المفتوحة ونظم حديثة لإدارة معلومات.

الخاتمة

فى ضوء ذلك وفى سبيل نجاح رؤية مصر (2030) وعدم تعثرها وتحقق أهداف التنمية المستدامة، تتأكد ضرورة العمل على تحسين السياسات العامة والأخذ بأفضل الممارسات بما يعزز من التنمية والأمن الإنسانى، وتحسين نوعية المواطنينفى إطار مفهوم متكامل للتنمية يعتمد على الاستدامة والتطور، وترسيخ ثقافة الحوكمة وإرساء قواعدها فى المجتمع، بما يساهم فى المؤامة بين دور الدولة والعمل على تعزيز قدراتها المؤسسية بما يمكنها من الوفاء بوظائفها فى التنظيم وإعادة الضبط فى حال ظهور اختلالات الأوضاع الاقتصادية، وتوفير متطلبات التنمية، وبرامج مكافحة أسباب الفقر، واعتماد سياسات نقدية ومالية واقتصادية تكفل تحقيق معدلات نمو قابلة للاستمرار، وتوجيه الدولة لإداراتها العامة والمحلية لتطوير الخدمة المدنية وتفعيل مبادئ إدارة الأعمال من حيث احترام المتلقى/ المستفيد من الخدمة (المواطن)، ومواكبة التطورات التكنولوجية والتحولات الرقمية الراهنة وتطبيقها فى الإدارة العامة لدولة، مع تعزيز الخضوع للمساءلة وتفعيل إجراءات النزاهة، وذلك من خلال نظم وتشريعات تعزز من دور القضاء ومجلس النواب والأجهزة الرقابية فى مكافحة الفساد وحماية الصالح العام.

هوامش الدراسة

1)      ناهد عز الدين، التحليل السياسى واقترابات دراسة التحول: من الدولة المتدخلة إلى التمكين المتبادل، مجلة النهضة، العدد 2، (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: أبريل 2004)، ص ص99-104.

2)      مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، دراسة أجريت بالتعاون بين مركز الحوكمة التابع للمعهد القومى للإدارة بوزارة التنمية الإدارية وبرنامج الديمقراطية وحقوق الإنسان بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، (د.ت)، ص ص33-35.

3)      محمد عبد الهادى، انعكاس الحوكمة على مشاركة المواطنين فى المحليات، مجلة الديمقراطية ، العدد 65، (القاهرة: يناير 2017)، ص ص 119-120.

4)      مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، مرجع سبق ذكره، ص ص77-78، 81-83.

5)      نهلة محمود، الإدارة المحلية فى مصر: أثر الفجوة بين التشريع والممارسة على مبادئ الحكم الرشيد، فى؛ أيمن عبد المعطى (مراجعة)، المجالس المحلية وتمكين المشاركة المجتمعية: نماذج عربية، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات والمعهد السويدى بالإسكندرية، أعمال ورشة بيروت فى الفترة من 25 إلى 28 يوليو 2015، د.ت)، ص ص 62-63.

6)      أنظر:

Klaus Dingwerth and Philipp Pattberg, Global Governance as a Perspective on World Politics, Global Governance 12, 2006, pp 187-189.

7)      محمد عبد الهادى، انعكاس الحوكمة على مشاركة المواطنين فى المحليات، مرجع سبق ذكره، ص 121.

8)      محمد عثمان هلال العجوز، العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والحوكمة: علاقة التأثير المتبادل، أحوال مصرية، العدد 63، (القاهرة: السنة 15، شتاء 2017)، ص ص 156-158.

9)      لوك، هيوم، روسو (ترجمة: عبدالكريم أحمد)، العقد الاجتماعى، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011)، ص ص173-174، 175-178.

10)  صدفة محمد محمود، العلاقة بين الدولة والمجتمع فى إطار الحكم الرشيد والمواطنة والثقة المتبادلة، موجز سياسات، رقم 3، (القاهرة: مركز العقد الاجتماعى، يناير 2009)، ص ص 5-6.

11)  مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، مرجع سبق ذكره، ص ص 62-64.

12)  مهاب عادل حسن (عرض كتاب)، دور المجتمع المدنى فى تعزيز التنمية المحلية فى البلدان التى تمر بمرحلة انتقالية: دراسة مقارنة بين الفلبين ورومانيا، أحوال مصرية، العدد 61، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، صيف 2016)، ص ص 186-191.

13)  شيماء الشرقاوى، المحليات والمجتمع المدنى فى مصر كطريق لإشراك الفئات الأكثر ضعفا، فى؛ أيمن عبد المعطى (مراجعة)، المجالس المحلية وتمكين المشاركة المجتمعية: نماذج عربية، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات والمعهد السويدى بالإسكندرية، أعمال ورشة بيروت فى الفترة من 25 إلى 28 يوليو 2015، د.ت)، ص ص 131-132.

14)  ريم عبدالحليم، ماذا يجب أن تحمله قوانين الموازنة العامة للدولة والإدارة المحلية من تعديلات لتتلاءم مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى نص عليها الدستور المصرى فى عام 2014، (أوراق سياسات مؤتمر وورشة تدريب مشروع: إصلاح الخدمات العامة فى مصر فى الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2015، سلسلة أوراق البدائل، منتدى البدائل العربى للدراسات، د.ت)، ص ص 3-4.

15)  ريم عبد الحليم، البرلمان القادم وتشريعات العدالة الاجتماعية، سلسلة أوراق البدائل، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات، د.ت)، ص ص 3-5.

16)  محمد العجاتى (وآخرون)، الشفافية والمرحلة الانتقالية فى مصر: إشكاليات وتحديات، فى؛ الشفافية: المعايير الدولية والحالة المصرية، (منتدى البدائل العربى وجلوبال بارتنرز أند أسوسيتس، د.ت)، ص 54.

17)  موازنة المواطن: تدعيم المشاركة المجتمعية فى صنع الموازنة العامة للدولة، مرجع سبق ذكره، ص ص24-25.

18)  مفاهيم وسياسيات الحوكمة فى الأدبيات العربية والغربية، مرجع سبق ذكره، ص ص29-30.

19)  شيماء الشرقاوى، المحليات والمجتمع المدنى فى مصر كطريق لإشراك الفئات الأكثر ضعفا، فى؛ مرجع سبق ذكره، ص ص 141-142.

20)  أندرو بودفات، ريبيكا زاسمر، نحو حكومات منفتحة وتتسم بالشفافية: خبرات دولية وأفضل الممارسات، فى؛ الشفافية: المعايير الدولية والحالة المصرية، (منتدى البدائل العربى وجلوبال بارتنرز أند أسوسيتس، د.ت)، ص 18.

21)  خلود خالد، قراءة فى مشروع قانون حرية تداول المعلومات الجديد، (منتدى البدائل العربى للدراسات، د.ت)، ص ص 3-13.

22)  الحكومة المنفتحة: مفهوم جديد نحو الحكم الرشيد، سلسلة تقارير معلوماتية، العدد (56)،(القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، السنة الخامسة، أغسطس 2011)، ص 7.

23)  أنظر:

OCED (2003), "Open Government: Fostering Dialogue with Civil Society", http://www.oecdbookshop.org/browse.asp?pid=title-detail&lang=EN&ds=&k

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟