المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

لم ينضج بعد: قراءةٌ نقدية للقانونِ المُوحَد لتنظيمِ الإعلامِ والصحافة (2)

الخميس 04/فبراير/2016 - 12:00 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. شريف درويش اللبان

في ضوء القراءة النقدية للقانون الموحد لتنظيم الإعلام والصحافة تناولنا في الحلقة الأولى بعض الملاحظات العامة على الآراء والمقترحات المطروحة في القانون، خاصة تلك المتعلقة بالحريات العامة في مجال الصحافة والإعلام. ونستكمل في هذا الجزء من الدراسة القراءة في مواد القانون من حيث ملكية المؤسسة الصحفية، ووضع المؤسسات الصحفية القومية، وتركيبية واختصاصات المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وأخيرًا العقوبات المختلفة لأية انتهاكات أو خروقات من قِبل بعض الصحفيين والإعلاميين.

ثالثًا: ملكية المؤسسة الصحفية

تنص مادة (43) من الباب الثاني الخاص بالمؤسسة الصحفية فيما يتعلق بنمط الملكية على أن "ملكية المصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة للصحف الورقية أو الإلكترونية مكفولة طبقًا للدستور والقانون. ويُشترط في الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة، وتكون الأسهم جميعًا في الحالتين اسمية ومملوكة للمصريين وحدهم، ولا يقل رأس مال الشركة المدفوع عن ثلاثة ملايين جنيه إذا كانت الصحيفة يومية، ومليون جنيه إذا كانت أسبوعية، و(500) ألف جنيه إذا كانت شهرية، و(500) ألف جنيه للصحيفة الإلكترونية، و(500) ألف جنيه للصحيفة الإقليمية اليومية و(200) ألف جنيه للأسبوعية و (100) ألف جنيه للشهرية، على أن تطبع في مطابع في ذات الإقليم ولا توزع إلا في داخله. ويودع رأس المال بالكامل قبل إصدار الصحيفة في أحد البنوك المصرية، وهنا يمكن أن تثور بعض القضايا:

-       إذا كنا نتحدث عن حرية الصحافة والإعلام بشكلٍ جدي، فلماذا لا نتيح للأفراد ملكية الصحف بشكلٍ مباشر بدلاً من عقد الصفقات السرية للاستحواذ على المؤسسات الصحفية والإعلامية تحت مسمى أنها "شركات مساهمة" وجميعنا يعلم أن الأمر ليس كذلك، وأن كل مؤسسة إعلامية فيها شخصية واحدة نافذة، ولدينا نماذج نجيب ساويرس ومحمد الأمين وأحمد بهجت .. وغيرهم.

-       لماذا لا نضمن مزيدًا من المهنية لهذه المؤسسات الإعلامية التي يديرها الأفراد إن راقت هذه الفكرة القائمين بالتشريع في مجلس النواب، بفصل الملكية عن الإدارة، حتى لا تتسلط مصالح رجال الأعمال على المهنية الإعلامية.

-       ما الداعي لأن يكون المبلغ المدفوع للشركة القائمة بإصدار الصحف اليومية والأسبوعية ثلاثة ملايين جنيه للصحيفة اليومية ومليون جنيه للصحيفة الأسبوعية، حيث يمكن بنصف هذا المبلغ البدء في ذلك وخاصة بالنسبة للصحف الصغيرة؟ وينطبق ذلك أيضًا على المبالغ المدفوعة بالنسبة للشركات التي تبث قناة تليفزيونية أو محطة إذاعية.

-       ما الداعي أيضًا لتقييد طباعة الصحف الإقليمية في "مطابع ذات الإقليم ولا تُوزع سوى في داخله"؟، ففي بعض المحافظات لا توجد مطابع يمكن أن تفي بطباعة الصحف ولا شركات توزيع تقوم بتوزيعها، وبالتالي تُطبع الصحف الإقليمية حتى الآن في معظمها في مطابع المؤسسات الصحفية في القاهرة التي تتركز فيها هذه المطابع، كما أن من حق هذه الصحف أن توزع خارج إقليمها ، ولا سيما في التجمعات التي يوجد بها أبناء الإقليم، فأبنا الصعيد لهم تجمعات كبيرة في محافظتيْ الجيزة والإسكندرية على سبيل المثال، فلماذا نحرمهم من الصحف التي تربطهم بالصعيد؟

نظم القانون عملية إصدار الصحف بالإخطار وليس بالترخيص كما كان يحدث في القوانين السابقة، وهو ما كان يعوق حرية إصدار الصحف

وثمة مكتسب مهم في الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون الخاص بمزاولة المؤسسة الصحفية لنشاطها، حيث نظم هذا الفصل عملية إصدار الصحف بالإخطار وليس بالترخيص كما كان يحدث في القوانين السابقة، وهو ما كان يعوق حرية إصدار الصحف، وأدى في وقت من الأوقات إلى الحصول على تراخيص من قبرص ولندن وغيرهما لإصدار صحفٍ مصرية اشتهرت بـ "الصحافة القبرصية" و"الصحافة الصفراء"، وكان لها تأثيرات ضارة على المهنية الصحفية، وأخلاقيات المجتمع.

رابعًا: المؤسسات الصحفية القومية

هناك نوع من الازدواجية في وضعية المؤسسات الصحفية القومية بالباب الرابع من القانون، حيث تنص مادة (75) على أن "تكون الصحف القومية مستقلة عن السلطة التنفيذية"، رغم أن عددًا لا بأس به من أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات ورؤساء مجالس إداراتها ورؤساء تحريرها سيكونون معينين من الهيئة الوطنية للصحافة التي يصدر رئيس الجمهورية – السلطة التنفيذية الأعلى بالبلاد – قرارًا بتشكيلها. وبالتالي فستستمر وضعية المؤسسات الصحفية القومية دون تغيير يٌذكر في سياساتها التحريرية، لأن نمط الملكية سيظل كما هو، كما أن آلية اختيار أو تعيين رؤساء مجالس الإدارة سيظل كما هو، وإن أردنا لذلك إصلاحًا فعلينا أن نقوم بالأمريْن التالييْن:

-       إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية القومية، وتعديل نمط ملكيتها، وهياكل تمويلها بالاستعانة بالتجارب الغربية في هذه السبيل، التي تدعم فيه الدولة مثل هذه المؤسسات دون التدخل في إدارتها أو تحرير الصحف الصادرة عنها، ويمكن في هذا الصدد أن تخصص نسبة من أسهم المؤسسة للعاملين فيها، لنعطي العاملين شعورًا بالانتماء إلى مؤسساتهم بدلاً من هجرها والعمل في الصحف الخاصة والفضائيات والصحف العربية.

-       لماذا لا يتم تبني آلية لانتخاب الجمعية العمومية لرئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية، ويكون مسئولاً أمامها عن تطوير المؤسسة وتحقيق الأرباح، فإن نجح استمر في مهمته، وإن لم ينجح اختاروا بديلا له، وكذلك يمكن تشكيل مجلس للتحرير داخل كل إصدار صحفي ينتخب رئيس التحرير، أعتقد لو فعلنا ذلك لقمنا بإحداث تغييرات جذرية في أساليب إدارة المؤسسات الصحفية القومية وأساليب تحرير الإصدارات الصادرة عنها.

وتنص مادة (81)على أن "يكون سن الإحالة للمعاش للصحفيين والإداريين والعمال بالمؤسسات الصحفية القومية ستين عامًا، ويُمَدّ للصحفيين حتى سن الخامسة والستين، ويجوز المد سنة فسنة للعمال والإداريين حتى الخامسة والستين بقرار من مجلس إدارة المؤسسة، على أن يحال إلى مجلس إدارة الهيئة الوطنية للصحافة لاعتماده". وفي رأينا أنه يجب ألا توجد استثناءات في سن المعاش لأي مواطن في أية دولة، فلماذا يحصل القضاة وأساتذة الجامعات والصحفيون على استثناءات؟، فإما أن تكون السن القانونية للجميع 60 سنة أو 65 سنة دون تمييز فئات معينة في المجتمع.

يجب ألا توجد استثناءات في سن المعاش لأي مواطن في أية دولة، فلماذا يحصل القضاة وأساتذة الجامعات والصحفيون على استثناءات؟

وتنص مادة (97) على أن "يُعين رئيس التحرير لمدة ثلاث سنوات، يجوز تجديدها لمرة واحدة، وفي حالة خلو المنصب لأي سبب من الأسباب يتم اختيار رئيس تحرير آخر بذات الآلية". وفي رأينا أن فترة واحدة تكفي لإتاحة تداول فرصة شغل هذه الوظيفة لعدد أكبر من الجيل الواحد، لأن حصول فرد واحد على رئاسة التحرير لست سنوات متواصلة يسد الباب أمام الحالمين بهذه الوظيفة، ومن المعتقد أن اختيار رئيس تحرير جديد كل ثلاث سنوات يؤدي إلى تجديد دماء الصحيفة وبث الحيوية في سياستها التحريرية وتطوير الجوانب المهنية فيها.

وتنص مادة (98) على أنه "لا يجوز الجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، وفي حال الضرورة التي تقتضي غير ذلك، تصدر الهيئة الوطنية للصحافة قرارًا مسببًا بذلك". وهذه مادة معيبة بالقانون، فالعمل الصحفي والعمل الإداري مختلفان تمامًا ولا يجوز الجمع بينهما، فالصحفي قلما ينجح كإداري، كما أن الإداري لا يجيد العمل الصحفي، لذا يجب سد باب الذرائع بألا تكون هناك استثناءات في الجمع بين المنصبين، لأنه لا توجد ضرورة حتمية لذلك، اللهم لو كان المقصود بهذا الاستثناء ذوو الحظوة والنفوذ الذين يصرون على الجمع بين المنصبيْن في مؤسساتهم الصحفية!

خامسًا: المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والإعلام

تعرضت الأبواب السادس والسابع والثامن من القانون للمجلس الوطني للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، وامتازت هذه الأبواب بتحديد آلية تشكيل المجلس والهيئتيْن بشكلٍ واضح، وتحديد الاختصاصات بشكلٍ جيد ولا تداخل فيه بين المجلس والهيئتيْن من ناحية، وبين الهيئتيْن بعضهما بعضاً من ناحيةٍ أخرى.

إن باب العقوبات يحوط به أمران: أولهما: المبالغة في قيمة الغرامات المادية، ثانيهما: الاستعاضة بالغرامات عن الحبس الوجوبي في بعض الجرائم التي لا تتعلق بالنشر

ورغم ذلك، فإننا كنا نحبذ وجود هيئة ثالثة مهمة تواجه متطلبات التطور في مجال الإعلام وهى "الهيئة الوطنية للإعلام الجديد، وذلك على نحو ما أسلفنا في بداية هذه الدراسة عند الحديث عن وجود أشكال جديدة من الإعلام وصحافة المواطن والشبكات لا يتواكب معها هذا القانون.

سادسًا: العقوبات

ويعرض الباب التاسع والأخير من القانون العقوبات المختلفة لأية انتهاكات أو خروقات من قِبل بعض الصحفيين والإعلاميين، وذلك كبديل للحبس في قضايا النشر، وهذا شيء جيد، وانتصارٌ كبير ومهم لمهنة الصحافة والإعلام والتي كانت تحوطها جرائم النشر من كل مكان، والتي كان ينتهي بعضها بأحكام الحبس، بما يؤدي إلى الإساءة لسجل حرية الرأي والتعبير في مصر من قِبل المنظمات الحقوقية والمنظمات العالمية العاملة في مجال حرية الصحافة والإعلام والإنترنت، وكذلك تقارير الخارجية الأمريكية السنوية التي تحاول تصيد بعض الحالات لتسويد سجل الدولة بأكمله الناصع البياض في مجال الحريات العامة وحرية الصحافة والإعلام، وقد نص القانون على أنه " تلغى العقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية الواردة في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته أو في أي قانون آخر ويكتفى بعقوبة الغرامة بحد أدنى ألف جنيه. أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد فيحدد عقوبتها القانون"، مع التحفظ على العبارة الأخيرة التي قد تودي بالبعض إلى الحبس.

 وعلاوة على ذلك، فإن باب العقوبات يحوط به أمران مُهمان:

أولهما: المبالغة في قيمة الغرامات المادية، والتي تصل في بعض الأحيان إلى مائة ألف جنيه، وهو مبلغ كبير قد لا يستطيع الصحفي أو الإعلامي دفعه، ولم يذكر القانون ماذا يكون الحل في حالة عدم الدفع: هل هو الحبس أم الحجز على ما قد يكون لدى الصحفي أو الإعلامي من رصيد بالبنوك أو غيرها؟

ثانيهما: الاستعاضة بالغرامات عن الحبس الوجوبي في بعض الجرائم التي لا تتعلق بالنشر، حيث تنص مادة (221) بأن "يُعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه كل من قام بأعمال التشويش على عمليات البث الإذاعي أو التليفزيوني"، كما تنص مادة (222) بأن "يُعاقب بغرامة لا تقل عن ربع مليون جنيه ولا تزيد على نصف مليون جنيه كل من قام بأعمال التشويش على عمليات البث الرقمي"، وتنص مادة (223) بأن "يُعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على ثلاثة ملايين جنيه كل من قام بعملية البث الإذاعي أو التليفزيوني دون ترخيص"، وتنص مادة (224) بأن "يُعاقب بغرامة لا تقل عن ربع مليون جنيه ولا تزيد على نصف مليون جنيه كل من قام بعملية البث الرقمي دون ترخيص"، وتنص مادة (225) يعاقب بغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه من قام بسرقة مواد مشفرة وأعاد توزيعها جماهيريًا.

وفي رأينا أن الجرائم السابقة لا تدخل في باب قضايا النشر، ويجب أن تُواجه بحزم من خلال عقوبتيْ الحبس والغرامة معُا.

وفي النهاية، فإن هذه تُعد دراسة نحسبها جادة ومتعمقة من خلال قراءة متأنية للقانون الموحد لتنظيم الإعلام والصحافة نهدف من ورائها إلى تطويره من جهة، ونهدف من جهةٍ أخرى إلى مشاركة أكبر لكل أطراف العملية الاتصالية في مناقشة أبوابه وفصوله ومواده سواء من قِبل الصحفيين والإعلاميين أو من قِبل القائمين على الوسائل الإعلامية أو من قِبل الجمهور ذاته المستهدف بهذا الإعلام، أو من قِبل المشرّعين في لجنة الإعلام بمجلس النواب.

وفي رأينا، أن القانون لا يزال في صورته الأولى كمقترح، ولا يزال في مسيس الحاجة لمزيد من النقاش المجتمعي والحوار وتعدد الرؤى لإخضاعه لمزيد من عمليات الصقل، حتى لا يُقال عنه أنه قانون حكومة المهندس إبراهيم محلب وليس قانون تنظيم الإعلام، فالإعلاميون يجب أن يكون لهم دورٌ فاعل في تنظيم مهنتهم، ويجب أن يشعروا أن صوتهم مسموع ومتضمن في القانون حتى يحترموا بنوده ويلتزموا بمواده عن قناعةٍ ورضا، ولا يلتمسون الشجاعة في الخروج عليه!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟