المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

أساليب جديدة للمواجهة: البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية: منعطف تاريخي ضد الهيمنة الأمريكية؟

الأحد 16/أغسطس/2015 - 09:35 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. أحمد قنديل
رغم تحريض الولايات المتحدة ضده، اتفقت سبع وخمسون دولة على العمل معا لإعداد قواعد وأنظمة بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية Asian Infrastructure Investment Bank (AIIB)، والذي من المتوقع تأسيسه رسميا في نهاية العام الجاري 2015 بالعاصمة الصينية بكين، التي ستكون مقره الرئيس. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي لا تكون فيها واشنطن قادرة على إحباط انشاء مؤسسة اقتصادية آسيوية منافسة. فبعد الأزمة الاقتصادية الآسيوية في عام 1997، على سبيل المثال، منعت الولايات المتحدة إقامة صندوق نقد آسيوي، ولكنها الآن تبدو عاجزة عن وضع العصي في عجلات تأسيس هذا البنك، الذي طرح فكرته الرئيس الصيني شي جينبينج في 2 أكتوبر 2013  لتحفيز الاستثمار في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات وغيرها من مجالات البنية الأساسية في آسيا.
وقد آثارت الخطى المتسارعة مؤخرا لتأسيس البنك، الذي يعد احدث مؤسسة تمويل متعدد الاطراف في العالم، جدلا ونقاشا ساخنا حول ما إذا كان العالم قد أصبح أمام منعطف تاريخي جديد يتضمن تحدياً للنظام الدولي المالي والاقتصادي العالمي الذي تأسس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بقيادة واشنطن، ويعرف باسم نظام "بريتون وودز"، وأهم مؤسساته البنك وصندوق النقد الدوليين. فمن اللافت أن عددا غير قليل من حلفاء الولايات المتحدة قد انضم إلى هذا البنك، كأعضاء مؤسسين، رغم التحفظات والاعتراضات الشديدة التي صدرت من واشنطن تجاهه. حيث التحقت دول أوروبية مهمة مثل المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وسويسرا بهذا البنك، في شهر مارس الماضي، وهو الأمر الذي يعكس بوضوح، حسب كثير من المراقبين، أن عددا من أكبر الاقتصادات الأوروبية التي شاركت الولايات المتحدة في إرساء النظام الاقتصادي العالمي خلال العقود السبع الماضية، قد أصبحت تغرد خارج السرب الأمريكي نتيجة ميلها إلى اللحاق بركاب العملاق الاقتصادي الصيني، بغض النظر عما إذا كان هذا البنك الجديد سوف يكون بمثابة منافسا قويا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تهيمن عليهما واشنطن، وبنك التنمية الآسيوي الذي تهيمن عليه اليابان.
وكان عدد من دوائر الأعمال والمال في واشنطن وطوكيو قد نظر إلى البنك الجديد، المدعوم صينيا، بعين القلق والتوجس خشية أن يقود في النهاية إلى إرساء نظام اقتصادي مواز في آسيا يقوض البنك الدولي والمؤسسات المنحدرة منه، ويفاقم من ضعف معايير الشفافية الدولية ومن عدم المحافظة على البيئة المستدامة وحقوق العمال وحقوق الإنسان. وفي ظل هذه المخاوف، سعت الولايات المتحدة واليابان على مدار أكثر من عام ونصف تقريبا إلى اقناع حلفاءهما في آسيا وأوروبا بعدم الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، لكن الأمور تطورت فجأة على نحو لم يتوقعه كثير من الأمريكيين واليابانيين، بعدما تقدمت المملكة المتحدة في 12 مارس الماضي، لتصبح عضوا مؤسسا بالبنك، مبررة ذلك بأن هذا الانضمام يصب في خانة مصالحها القومية، خاصة مع نضوب الأموال الروسية على وقع العقوبات الوثيقة الصلة بالأزمة الأوكرانية وانخفاض عائدات النفط. واعقب ذلك، حدوث صدع كبير في الجبهة التي حاولت واشنطن وطوكيو تشكيلها لمناهضة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، حيث أعلنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا واستراليا وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها إنضمامها إلى البنك.
سعت الولايات المتحدة واليابان على مدار أكثر من عام ونصف إلى اقناع حلفاءهما في آسيا وأوروبا بعدم الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية
أولا- حماس صيني مفهوم
تكمن أهمية البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار، في أنّه يبدو كمن يتجاوز البنك وصندوق النقد الدوليين، ويعطي نافذة جديدة للاستثمار في مشروعات البنية الآساسية في آسيا. حيث يهدف هذا البنك بالأساس إلى تلبية الطلب الكبير على تمويل هذه المشروعات بقدر الإمكان. حيث تشير كثير من التقديرات الصادرة عن مؤسسات التمويل العالمية إلى أن احتياجات الاستثمار في مثل هذه المشروعات تتجاوز 73 مليار دولار خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2020، مؤكدة على أن البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي وغيرهما من مؤسسات التمويل الدولية لا يمكنها تلبية مثل هذه الاحتياجات التمويلية الضخمة في الدول الآسيوية. ومن هنا تنبع أهمية هذا البنك المدعوم من الصين، التي تمتلك حاليا أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية مقداره حوالي 4 تريليونات دولار. فهذا البنك من شأنه أن يكون عاملا مساعدا أو مكملا أساسيا إلى حد كبير لمؤسسات التمويل الدولية والإقليمية القائمة مثل صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي. كما أن هذا البنك يمكن أن يساعد أيضا على بث روح تنافسية مطلوبة بشدة في ظل نظام الاقراض العالمي الحالي الذي تحتكره واشنطن.
ويفسر كثير من الخبراء حماس بكين لتأسيس البنك بكثير من العوامل المهمة، لعل في مقدمتها ما يلي:
أولا، التناقض في الموقف الأمريكي تجاه الصين. ففي الوقت الذي كررت فيه واشنطن دعوتها لبكين من أجل لعب دور قيادي أكبر على الساحة المالية العالمية، خاصة مع تزايد قدراتها الاقتصادية والمالية في السنوات الأخيرة، ظلت واشنطن متحفظة على منح الصين دورا أكبر في مؤسسات التمويل العالمية والآسيوية، سواء كان ذلك فيما يتعلق بشغل المناصب القيادية في هذه المؤسسات، أو فيما يتعلق بحقوق التصويت داخلها. فمن جهة، تم قصر أبرز مناصب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الآسيوي التنموي على أوروبيين وأمريكيين ويابانيين، بينما تم استبعاد الكوادر الصينية من هذه المناصب المؤثرة. وبالتزامن مع ذلك، رفض الكونجرس الأمريكي أيضا إقرار قوانين جديدة توزع حق التصويت بشكل أكثر عدالة بين الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، ومنها الصين.  وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القدرة التصويتية لبكين في صندوق النقد الدولي هي 4 في المائة فقط مقابل 17.69 في المائة للولايات المتحدة، بينما تبلغ القدرة التصويتية الصينية في البنك الدولي 5.1 في المائة مقابل 17.3 في المائة للأمريكيين. ومنذ عام 2010، تقرر تعديل طفيف يزيد نسبة أصوات الصين ودول أخرى في الصندوق والبنك، لكن منذ ذلك الوقت والكونجرس الأمريكي يعطل تنفيذ هذا القرار.
تمتلك الصين حاليا أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية مقداره حوالي 4 تريليونات دولار
ثانيا، ميل القيادة الصينية في الآونة الأخيرة إلى بناء علاقات اقتصادية وثيقة من جيرانها الآسيويين كوسيلة لزيادة نفوذها السياسي والدبلوماسي في آسيا لمواجهة ما يعرف بـ  "الاحتواء" الأمريكي المتزايد لها. وقد ظهر ذلك في إعلان بكين عن عدد من المبادرات الاقتصادية المهمة شملت إقامة طريق الحرير الجديد البري عبر آسيا الوسطى، وطريق الحرير البحري، عبر بحار جنوب شرقي آسيا، على أن يلعب البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية دورا كبيرا في تمويل هذه المبادرات.
ثالثا، الأداء الضعيف لمؤسسات التمويل الدولية متعددة الأطراف. ففي حالة البنك الدولي، على سبيل المثال، توجد الكثير من الأصوات المنادية بضرورة تحديث الحوكمة في مجموعة البنك الدولي. حيث ينتقد عدد من المراقبين المجلس المقيم الحالي للبنك الدولي نظرا لبطئه الشديد نتيجة الاجراءات البيروقيراطية المعقدة، وتمتعه بصلاحية الموافقة على جميع القروض التي يقدمها البنك، مشيرين  إلى أن هذا المجلس المقيم ذو تكلفة مالية كبيرة للبنك (70 مليون دولار سنويا) وطبقة إدارية إضافية تنعكس على تباطؤ عمليات إعداد المشاريع وتجعل البنك أقل فاعلية.

ثانيا- معارضة أمريكية شديدة
الحماس الشديد من جانب القيادة الصينية الحالية لإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية واجه مقاومة شديدة من جانب واشنطن. وفسر المراقبون هذه المعارضة العنيدة بأمرين على الأقل. الأمر الأول يتمثل في وجود قلق لدى دوائر الأعمال والمال الأمريكية بأن يؤدي هذا البنك إلى ترسية المشروعات الجديدة للبنية الأساسية في القارة الآسيوية، والتي تتراوح تقديراتها المبدئية خلال العقد القادم بين خمسة وثمانية تريليونات دولار، على الشركات الصينية بدلا من الشركات الأمريكية. أما الأمر الأخر فهو التاثيرات السلبية المحتملة لهذا البنك على وضع العملة الأمريكية (الدولار) في المنظومة المالية العالمية. فالصفقات التجارية الحالية التي تجريها دول العالم يتم معظمها بالدولار. وهذا يعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة نادرة. ولذلك فإن الولايات المتحدة لا ترغب أن ترى عملة أخرى تنافس أو بالأصح تقلل بعض الشيء من شأن عملتها. وهي على هذا الأساس تخشى أن يساهم إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في الترويج لليوان الصيني على حساب الدولار.
هناك قلق لدى دوائر الأعمال والمال الأمريكية بأن يؤدي هذا البنك إلى ترسية المشروعات الجديدة للبنية الأساسية في القارة الآسيوية على الشركات الصينية
ومن ناحية أخرى، تعرب بعض التعليقات الغربية على هذا البنك عن مخاوف من أن بكين سوف تستخدمه لتحقيق غايات سياسية أو اقتصادية ضيقة، مشيرة إلى أن حصة الصين، والتي تمثل ما نسبته 30 في المائة تقريبا، سوف تكون الأكبر من 57 دولة مشاركة، مما يمكن ان يعطي بكين عمليا ما يشبه الفيتو فيما يتعلق بقراراته. وهذا يعد مصدر القلق الرئيس بين الاقتصاديين في مجال التنمية والمراقبين للعلاقات الخارجية. ويتسائل هؤلاء: هل سيصبح هذا البنك بنك الصين ومن الصين وللصين؟ أم هل سيسعى البنك لتطبيق أجندة متعددة الاطراف، على شاكلة البنك الدولي، وبنوك التنمية الإقليمية مثل بنك التنمية الآسيوي وبنك التنمية الافريقي؟ وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أن بكين سوف تستخدم هذا البنك "سياسيا" لتحقيق هيمنتها على القارة الآسيوية، مشيرين إلى سعي الصين الحثيث خلال السنوات الأخيرة من أجل تعزيز دورها الإقليمي، من خلال التشدد فيما يتعلق بالنزاعات الحدودية مع جيرانها الآسيويين، ومحاولاتها جعل العملة الصينية عملة احتياط عالمية. ويضيف هؤلاء بالقول أن "توحش التنين الصيني" بلغ أن بعض الصينيين يفكرون في ضرورة قياس الوقت في العالم، حسب توقيت بكين، وليس كما هو جاري حاليا حسب توقيت جرينتش في انجلترا.
ومن جهة ثانية، يتوقع بعض المراقبين الغربيين الفشل الذريع لهذا البنك، خاصة في ظل الغموض الحالي بشأن تفاصيل إدارة البنك – مثل شروط الاستثمار والتصويت وحقوق الفيتو.

ثالثا- كيفية عمل البنك
وفي مواجهة مقولة الفشل الذريع المتوقع للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، من جانب منتقديه ومعارضيه، سارع المسؤولون الصينيون بالكشف عن جوانب من الكيفية التي سيعمل بها البنك مستقبلا. ففيما يتعلق بحصص التمويل من جانب الأعضاء المؤسسين للبنك، أشار الصينيون إلى أنه سيتم تحديد هذا الحصص وفقا للناتج المحلي الإجمالي لكل من الاعضاء المؤسسين بشكل أساسي. ووفقا لهذا المعيار، توقع أكاديميون تقسيم حصة التمويل لكل من الأعضاء الـ57 المؤسسين للبنك كما يلي: ستسهم الصين بحصة نسبتها 30 في المائة تقريبا من إجمالي رأس المال، حيث تعد أكبر مصدر للتمويل بين الدول الأعضاء ، فيما تأتي الهند في المرتبة الثانية حيث ستسهم بحصة تصل إلى حوالي 10 في المائة، ويليها اندونيسيا بحصة قدرها 3.99 في المائة، وألمانيا بحصة قدرها 3.96 في المائة، ثم كوريا الجنوبية بحصة قدرها 3.93 في المائة. ونشرت بعض التقارير الإعلامية أن حصص التمويل للدول الأعضاء داخل آسيا مجتمعة قد تبلغ 75 في المائة، فيما أفادت تقارير أخرى بأن الأعضاء المؤسسين الأوروبيين يحاولون توسيع حصة رأس مال الدول من خارج المنطقة إلى 30 في المائة.
إن تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يمثل فعلا تحديا حقيقيا للمؤسسات المالية والنقدية العالمية التي تسيطر عليها واشنطن

 وفيما يتعلق بمجلس إدارة البنك، اقترحت بكين وجود ثلاث دول غير آسيوية بين اعضاء مجلس إدارة البنك البالغ عددهم 12 عضو، بهدف تعزيز حق الدول الأعضاء الصغيرة في التعبير عن رأيها والمساهمة في صنع القرار. وفيما يتعلق بكيفية تقييم القروض، سيكون البنك بمثابة نموذج للعلاقات الدولية الجديدة الهادفة إلى دعم تنمية الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في الدول المتلقية للقروض، وكسر هيمنة وكالات التصنيف الغربية لحماية صحة الوضع المالي العالمي.

كما من المتوقع أن يضع البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية قانونا لتسوية النزاعات وكذا آلية تحكيم تعمل على أساس هذا القانون نظرا لكون هذا الكيان المصرفي هيئة متعددة الأطراف، وبالتالي يصعب فيها تفادي حدوث نزاعات.

وفيما يتعلق بنوع العملة المستخدمة، أشار كثير من المهتمين إلى أن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية أمامه الآن ثلاثة خيارات تتمثل في الدولار الأمريكي والعملة الصينية الرنمينبي ونوع جديد من العملة.

وفي ضوء كل ذلك، يمكن القول إن تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يمثل فعلا تحديا حقيقيا للمؤسسات المالية والنقدية العالمية التي تسيطر عليها واشنطن، إلا أن هذا البنك لن يصل، على الأرجح، إلى مرتبة المنعطف التاريخي الحاسم ضد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي المالي والنقدي الراهن، خاصة في السنوات القليلة القادمة. فمن المبكر توقع أن يصبح هذا البنك منافسا قويا للبنك وصندوق النقد الدوليين، في ظل عدم تبللور فلسفة عمله وطريقة إدراته بشكل كامل، حتى كتابة هذه السطور. لكن أهمية هذا البنك، برأيي، تنبع من كونه خطوة مهمة لتقليص الاعتماد على المؤسسات النقدية والمالية العالمية الراهنة، من جانب الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما أن هذا البنك من شأنه أيضا زيادرة فعالية مؤسسات التمويل العالمية والإقليمية الأخرى عن طريق خلق المنافسة معها.

وأنا هنا لا أشارك وجهات النظر التي ترى أن تأسيس هذا البنك يعكس أفول الزعامة الأمريكية. فهذا البنك يعتبر على الأرجح انعكاسا لميزان القوى الاقتصادية التي سوف تأخذ على عاتقها تشكيل النظام الاقتصادي والمالي العالمي خلال الفترة القادمة. وهو نظام مثلما نرى ليس أحادي القطب، وإنما متعدد الاقطاب، تقوده الولايات المتحدة والصين والهند وألمانيا وروسيا. فالدول التي انضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ليست ضد الولايات المتحدة، ولا ضد تطوير العلاقة التجارية والاستثمارية معها، بما في ذلك الصين ذاتها.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل ان مولد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية يمثل إشارة قوية على تراجع نفوذها واشنطن المالي على الساحة العالمية لصالح بكين، وهو ما قد يكون بداية حدوث تحول حقيقي في القوة والنفوذ في القرن الواحد والعشرين. ومما يدلل على ذلك، تأكيدات مصدر مقرب من البنك المركزي الصيني (بنك الشعب) على أن بكين تخطط لتشجيع استخدام عملتها "اليوان"، المعروفة محليا بـ "الرنمينبي"، في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، من أجل دفع تدويل اليوان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فإذا ما تحقق ذلك على أرض الواقع خلال السنوات المقبلة، فسوف يتحول العالم، تدريجيا من الانحناء أمام عظمة الدولار القوي، إلى وضع جديد يتمثل في وضع اليوان الصيني نصب الأعين.

ومن ناحية أخرى، يكشف تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية أن أقوى ورقة تملكها الصين في الصراع على النفوذ والمكانة في آسيا هي قوتها الاقتصادية المتنامية. بينما الورقة الأقوى التي تملكها الولايات المتحدة في المقابل هي قوتها العسكرية وشبكة المعاهدات الأمنية. وهنا يثور التساؤل التالي في الأوساط المهتمة بالقارة الأكبر والأسرع نموا في العالم: ما هي الوسيلة الأهم لتحقيق النفوذ والمكانة في القارة الآسيوية خلال القرن الواحد والعشرين؟ هل هي القوة العسكرية الأمريكية أم القوة الاقتصادية الصينية؟ أما الجواب فيمكن ان يتعدد ويختلف من قضية لأخرى. غير أن أغلبية المراقبين خلصوا إلى أنه بصورة عامة، كلما ازداد شعور بلد آسيوي ما بأنه مهدد من الصين كلما زاد احتمال أن يميل أكثر باتجاه التحالف العسكري مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، اذا تصرفت الصين بقدر كاف من العقلانية وتوقفت عن استعراض والتلويح بقبضتها كثيرا، فانها تملك فرصة جيدة في أن تترجم قوتها الاقتصادية المتنامية تدريجيا الى ثقل سياسي ودبلوماسي على نحو متزايد، حتى مع الحلفاء الآسيويين المقربين من واشنطن.

على أية حال، ليس من المتوقع أن تستسلم الولايات المتحدة، وحلفاؤها في اليابان، تجاه "كابوس" تعاظم النفوذ الاقتصادي والمالي والسياسي لبكين في آسيا. فعلى الأرجح أن يكون هناك سعيا حثيثا من جانب واشنطن وطوكيو خلال الفترة المقبلة للدفع من أجل انهاء المفاوضات الرامية لإقامة شراكة اقتصادية كاملة تجمع 12 دولة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، لكنها تستبعد الصين على نحو مقصود وواضح. فهل سينجح الأمريكيون واليابانيون في ذلك؟ الاجابة على هذا التساؤل في مقال قادم إن شاء الله.

الأعضاء المؤسسون للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية من آسيا

(57 دولة)

من القارة الآسيوية 37 دولة وهي:

أذربيجان، بنجلاديش، بروناي، كمبوديا، الصين، الهند، إندونيسيا، إيران، إسرائيل، الأردن، كازاخستان، كوريا الجنوبية، الكويت، قرغيزستان، لاوس، ماليزيا، جزر المالديف، منغوليا، ميانمار، نيبال، سلطنة عمان، باكستان، الفلبين، قطر، السعودية، سنغافورة، سيريلانكا، طاجيكستان، جورجيا، تايلاند، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، أوزبكستان، فيتنام، أستراليا، نيوزيلندا وروسيا.

 

من خارج آسيا 20 دولة تأتي من أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وهي:

مصر، النمسا، الدنمارك، فرنسا، فنلندا، ألمانيا، آيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج، بولندا، البرتغال، إسبانيا، السويد، سويسرا، بريطانيا، مالطا، البرازيل، وجنوب أفريقيا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟