المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الجهاد الخليجي في سوريا.. هل يستنسخ تجربة أفغانستان؟

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:37 ص
د. معتز سلامة
هل يمكن لسوريا أن تمثل مركز جذب للمجاهدين من دول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل يمكن هل يمكن لدعاوى الجهاد الخليجي في سوريا أن يستنسخ تجربة أفغانستان؟

فلقد أثارت قضية الجهاديين الخليجيين الذين تدفقوا إلى نقاط القلق والفراغ في العالم الإسلامي خلال العقود الثلاثة الماضية أزمات وتحديات أمنية لاحقة لبلدانهم، برزت في أعقاب تعافي تلك النقاط أو الدول من أزماتها. وبشكل أساسي شكلت قضية “,”العائدون من أفغانستان“,” أزمة حادة لدول المجلس، على أثر نشأة تنظيم القاعدة من مجاهدين عرب وخليجيين بالأساس، كان زعيمه أسامة بن لادن السعودي الجنسية، والذي كانت أشهر عملياته الإرهابية في الخارج أحداث 11 سبتمبر 2011، التي طرحت قضية شبكات الجهاد والتمويل الخليجي للحركات الإسلامية، وعلى أثرها برزت قضية الرقابة المالية والبنكية من أجل تجفيف منابع الإرهاب، وتتبع ورصد حركات المال والأعمال في دول الخليج، وجرى الحديث عن القنبلة التعليمية، وعن دور التعليم الديني الوهابي الذي يشكل مصدرًا أساسيًا لانتعاش فكر الجهاد، كما جرى الحديث عن مناهج التعليم السلفي والوهابي.

ومرة ثانية على أثر ضرب التنظيم في أفغانستان واعتقال المئات من عناصر التنظيم في سجن جوانتنامو في كوبا، عادت عناصر الجهاد إلى أوطانها الأصلية، فطرحت تهديدات ومخاطر أمنية على السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت عملياتهم في المملكة منذ 2001 وحتى 2004 شديدة الكثافة، وقد واجهت دول الخليج والسعودية موجة العنف هذه بحسم منقطع النظير. ومرة ثانية على أثر غزو العراق في 2003 انتقلت الشبكات والعناصر الجهادية الخليجية إلى العراق، ووجهت ونقلت نشاطها ضد الاحتلال الأمريكي وضد رموز السلطة الجديدة وضد المراقد الشيعية. وحينما تراجعت وانحسرت عملياتها في العراق انتقلت بعض عناصرها إلى اليمن، وكان قائد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية سعودي الجنسية (الشهري)، وعلى أثر مصرع زعيم التنظيم أسامة بن لادن. والآن وعلى أثر انحسار القاعدة في اليمن والاتجاه إلى عسكرة الثورة في سوريا توجد مؤشرات على انتقال عناصر جهادية سلفية خليجية وانخراطها في صفوف المعارضة السورية والجيش السوري الحر، نصرة للمجاهدين في سوريا. فإلى أي حد يمكن لذلك أن يشكل أزمة أمنية وسياسية في الداخل الخليجي مستقبلا؟ هل تصبح سوريا نقطة جذب ثم تصدير للإرهاب لاحقًا تشبه الحالة في أفغانستان؟

الدعم الخليجي للجهاد في سوريا:

يتخذ الدعم الخليجي للثورة في سوريا أشكالاً متعددة، أبرزها الدعم الإعلامي والسياسي والمالي والعسكري، والدعم المباشر بالعناصر البشرية، وإن كان هذا النموذج الأخير للدعم لم يبن على توجهات رسمية، وإنما يخضع لحالات فردية بالأساس. وليس ثمة أرقام أو إحصاءات محددة بخصوص بخصوص حجم الدعم المالي والعسكري، كما ليس ثمة إحصاء بخصوص أعداد المجاهدين الخليجيين ممن التحقوا بالثورة السورية، ولكن تشير المعلومات المتوافرة إلى أن أعدادهم بالعشرات. أو مئات قليلة في الأغلب من التونسيين والليبيين والسعوديين، يتم تجنيدهم عبر الإنترنت ( [1] ) ، وربما يكون ما نشرته جريدة القبس هو أول بيان في هذا الصدد. فقد نشرت القبس بتاريخ .. أن عشرات الكويتيين يقاتلون إلى جانب الجيش السوري الحر، وأن مكاتب الجيش السوري الحر تستقبلهم إلى جانب جماعات كبيرة من السعوديين والجزائريين والباكستانيين، ويتم تسليحهم ويوزعون على فرق في شتى المحافظات. وقال أقارب بعض المواطنين الذين توجهوا إلى سوريا أنهم على تواصل معهم، وان هناك مجموعات كبيرة من السعودية والجزائر وباكستان تنظم معاً صفوفها للدخول في القتال . وأوضحوا أنه بمجرد دخولهم الحدود السورية يلتقون بممثلين عن الجيش السوري الحر ويتم تزويدهم بالأسلحة على اعتبار أنهم مدربون سابقاً، ويندمجون في وحدات قتالية توزع بطريقة معينة، وقد تم توزيع هويات سورية عليهم خشية الوقوع في الأسر، وتركوا إثباتاتهم الكويتية في مكاتب الارتباط التابعة للجيش الحر على الحدود التركية ( [2] ) . وإذا كانت الأعداد الكويتيين بالعشرات فإنه تحدثت مصادر أخرى عن عناصر سعودية وقيادية سعودية وقطرية في سوريا، لكن دورهم وأماكن انتشارهم غير محددة، ولكن لم تشر المصادر عن وجود عناصر عمانية أو إماراتية أو بحرينية ضمن جهاديي الخليج في سوريا. ولا يأتي المجاهدون من دولهم مباشرة وإنما الكثير من المجاهدين العرب صحيفة “,”التايمز“,” البريطانية في مقال عنونته بـ “,”ضيوف طالبان المسلحون يبيعون أملاكهم ويرحلون“,”. وتؤكد الصحيفة “,”إن أكثر من 250 مقاتلا من المسلحين غير الأفغان، وهو أساسًا من العرب الذي شاركوا في الحرب الأفغانية إلى جانب طالبان، رحلوا عن المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية في اتجاه سوريا“,”، أما من يأتون من دول الخليج مباشرة فإنهم يأتون من خلال تركيا أو الأردن.

جبهة النصرة لأهل الشام أقرب لتنظيم القاعدة، وجماعات سلفية أخرى مثل: كتائب أحرار الشام، لواء صقور الإسلام، لواء الإسلام، كتيبة الأنصار [3] .

الكتائب التى تنتمى للاخوان المسلمين في الجيش الحر هي كتائب صقور الشام ودرع الشمال، لكنك تسمع من منتمين لهذه الكتائب بأنهم “,”مجاهدون في سبيل الله“,” من أجل إسقاط النظام ولا ينتمون لفكر معين وهذه أستراتيجية الاخوان حتى يسقط النظام ويقفزون على الحكم . في حلب وبعد جولة على 8 أحياء والتقاء مقاتلين ومسؤولين في عدة كتائب بعضها له مقرات واضحة ويعرفها الناس جيدا يمكن التوقف على حقيقة أن الكتائب الرئيسية المقاتلة في المدينة هي التوحيد وأحرار الشام والفاروق إضافة لجبهة النصرة التي تصنف في سوريا باعتبارها تمثل فكر تنظيم القاعدة ويقاتل في صفوفها مقاتلون سوريون وعرب.



وعلاوة على المجاهدين من العنصر البشري، هناك عمليات الإمداد السعودية بالمال، وفي هذا السياق تنشط عمليات جمع التبرعات والزكاة وفتح حسابات خاصة لدعم الثورة السورية في دول الخليج من قبل جهات رسمية وجمعيات أهلية وخيرية إسلامية وشخصيات عامة وقنوات فضائية. ويكثر الحديث عن انتقالات الأموال والتبرعات الرسمية السعودية والقطرية على نحو خاص لعناصر المعارضة السورية. ويترافق مع ذلك ما ترويه مصادر إعلامية مرتبطة أو قريبة من النظام في دمشق عن مخططات للهيمنة على الثورة السورية، وعن خطط لمسؤولين رسميين سعوديين وقطريين بنظرائهم الأمريكيين. وهي أمور لم تؤكدها مصادر موثقة.

يقول بيتر هارلينغ، مدير مشروع سوريا، والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات، “,”قدّمت السلفية عناصر حاسمة تتمثل في سرد مقنع وجذاب وشعور قوي بالعمل من أجل هدف سام، والتمويل والذخائر من عرب الخليج المتعاطفين، والمقاتلين والخبراء من أوساط الجهاديين الذين قاتلوا في معارك أخرى. لكن إذا كانت السلفية قد نشأت من مأزق، فإنها أفضت إلى مأزق آخر. لقد برزت في وقت علقت فيه الأطراف الأخرى في المعارضة المسلحة في مأزق عسكري، لكنها فاقمت من الاستقطاب الحاصل في المجتمع وذلك بتعميق الطبيعة الطائفية للصراع، وعززت حجج أولئك الذين تزعم أنها تحاربهم“,”. تدفق المجموعات المتشددة دينيا، السعودية وقطر أكثر الدول مساعدة. نقل السلاح إلى سوريا.

رئيس الوزراء القطري طالب بدعم الثوار السوريين بالمال والسلاح، الأمير طالب بالتدخل العسكري العربي،

دعا وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية خالد بن محمد العطية الامم المتحدة إلى تشريع تزويد المعارضة السورية بالاسلحة او قيامها بتمويل مشتريات المعارضة من السلاح، وإلى دراسة موضوع اقامة مناطق حظر طيران في سوريا “,”لحماية المدنيين السوريين.“,” ولفت في تصريح له في العاصمة اليابانية طوكيو إلى أن “,”قطر لا تزود المعارضين السوريين الا بالغذاء والدواء، لأن تزويدهم بالسلاح يتطلب موافقة الامم المتحدة واقامة منطقة حظر طيران.“,”

وعلى اليوتيوب تظهر قائد ميداني يعلن عن تشكيل كتيبة سعودية بإسم طارق بن زياد في ريف دير الزور، قرية الكشمة التابعة للجيش الحر.

ووفقا لما جاء في التقرير فان السعودية بدأت بتسليح المعارضة السورية ومدها بأسلحة تصل عن طريق حلفاء من القبائل السنية في العراق ولبنان . وأشارت المجلة إلى إن تقارير عديدة أفادت أن «التسليح جار على قدم وساق لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في تونس»، مضيفة أنه بعد انسحاب الفيصل من مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس الأسبوع الماضي قال إن المساعدات الإنسانية لسوريا «لا تكفي»، معتبراً أن فكرة تسليح المعارضة السورية فكرة ممتازة وبعدها مباشرة قال مسؤول لم يفصح عن هويته للإعلام السعودي الرسمي إن المملكة تسعى لمد المعارضة السورية بوسائل تحقيق الاستقرار والسلام وتؤمّن لهم قرارهم باختيار ممثليهم». وقال الأمير سعود الفيصل إن تسليح المعارضة السورية واجب. السعودية تدعم حكومة سلفية سنية ضيقة الأفق.، حكومة تأخذ تعليماتها الدينية من الحكومة الوهابية في الرياض. وهذا سيكزون خطرا على الأقليات الطائفية في سوريا وخطرا على المعارضة العلمانية( [4] ).



الموقف الرسمي وفوضى الفتاوى:

أكد الموقف الخليجي من الثورة السورية المواقف الرسمية المعلنة من قبل دول المجلس سواء تلك التي صدرت عن قمم المجلس عامي 2011 و 2012 أو اجتماعات المجالس الوزارية له، أو تلك التي صدرت عن الجامعة العربية وكانت وراءها دول المجلس، أو حتى مؤخرا دعوة أمير قطر إلى تدخل عربي عسكري في سوريا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مبررا ذلك بالواجب القومي والإنساني سياسيا وعسكريا وضمان الانتقال السلمي للسلطة في سوريا. ولكن تختلف دول مجلس التعاون الست عن بعضها البعض في حجم ومدى التأييد للثورة السورية، ورغم اتفاقهما في الهدف إلا أن كلا من السعودية وقطر تقفان على مسافة فاصلة بينهما وبينهما وباقي دول المجلس، حيث يختلف البلدان في منهج التعاطي مع الثورة السورية والفصائل التي يدعمها كل منهما في سوريا ونوعية الدعم المالي، وأشكال التوافقات الدولية والإقليمية لأجل تحقيق هدف الثورة في سوريا وإزاحة النظام. أما باقي دول المجلس، فلم تبد اندفاعا رسميا خلف قوى الثورة في سورية على نحو ما برز في موقفي السعودية وقطر. وقد اختلف الموقف الخليجي بحسب الفترات الزمنية، حيث حافظ على قوة دفع كبيرة عند بدأ الثورة، ولكنه تراجع نوعا ما على أثر بروز الملمح الجهادي السلفي الإخواني بين فصائل الثورة المختلفة، حيث توازن الخطر الشيعي مع الخطر السلفي إلى حد ما، ويبدو أن دول المجلس استشعرت قدرا من تلك المخاطر.

وإلى حد كبير، فإنه بالنظر إلى مردودات المواقف الرسمية على صعيد الواقع الشعبي في الخليج، فإنه في الأغلب تدور خلف الموقف الرسمي شبكات واسعة من التأييد والدعم التي تترجم السياسات الرسمية إلى أفعال والتزامات على أرض الواقع. فمن الناحية الفعلية فإن فكر الجهاد منتشر وسط التيار السلفي بالخليج وتتماهى معه القواعد الشعبية على نحو واسع، واندفاعا بقراءات وفتاوى الشيوخ من تيار الصحوة في السعودية أو شيوخ السلفية الجهادية، يتم ترجمة وتعزيز أفكار الجهاد في وسط المجتمعات الخليجية بشكل لا يقارن بالفكر القومي العربي. وإلى حد ما، جعل طول أشهر الثورة في سوريا وتسليط الأضواء عليها إعلاميا وفي مواقع التواصل الاجتماعي من القضية السورية أهم قضايا المواطن الخليجي، حيث وفر لها أرضية وشعبية خليجية، على نحو أكسبها طابعا جهاديا لم تكتسبه قضية فلسطين على عمر القضية الفلسطينية. وبشكل عام تتماهى الشعوب الخليجية مع القضايا ذات الطابع الإسلامي بأكثر مما تتماهى مع قضايا العروبة. لذلك يصبح الدعم العسكري والمالي الرسمي والتطوعي غير الرسمي الخليجي أمرا مفهوما في ظل حالة اندفعت إليها الدول والمجتمعات، بعضها بتوجه ذاتي وبعضها بشكل لا إرادي بفعل محاصرة الآلة الإعلامية.

ولكن الدول الخليجية ميزت بين تأييدها للثورة في سوريا ماليا وعسكرية، وبين إرسالها أبنائها للجهاد أو الدعوة إليه في سوريا، وذلك ما يشير إلى إدراك دول المجلس لحجم المخاطر المتوقعة من فتح باب الجهاد لشبابها في سوريا مستقبلا أو ما يمكن أن يكلفه تبنيها لموقف رسمي في هذا الصدد من مسؤولية اجتماعية عن مواطنيها في بلاد تختلف طبيعته وظروفه عن أفغانستان والعراق. وهو ما يسلط الضوء على الخبرات الأمنية وتأثيرها على صناعة القرار في الدول الخليجية، وذلك ما يكشفه الفتوى التي أصدرها الشيخ علي الحكمي، أحد أعضاء هيئة كبار العلماء السعودية، في 7 يونيه 2012، بتحريم “,”الجهاد في سوريا“,” على السعوديين بدون إذن من السلطات، مؤكدا أن “,”دعم الشعب السوري يجب أن يتماشى مع سياسة الدولة..، ولا يجوز لأشخاص الخروج عن ولي الأمر، والدعوة للجهاد بشكل يحرج الدول“,”( [5] )، وذلك بعد تصاعد الدعوات إلى ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وهنا اتسمت الفتوى بالطابع السياسي تماما.
الشيخ علي الحكمي، “,”بعض التصرفات التي تصدر عن الأفراد توقع الدولة في حرج، لذلك لا بد من التعاون مع الدولة فيما يتعلق بتقديم الدعم المنظم دون الخروج على ولي الأمر، لأنه أمر لا يجوز، ومنكر شرعا ما دامت الدولة تقوم بواجبها الكامل تجاه الشعب السوري، وهو ما نراه متحققا“,”. الشيخ عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث: إن “,”من يتولى القتال والجهاد في سوريا هم الجيش السوري الحر الذي يجب دعمه“,”.


بالتأكيد، لا تحول الفتوى الرسمية السعودية الصادرة من عضو بهيئة كبار العلماء دون صدور فتاوى متعددة من جماعات وشخصيات سعودية وخليجية مختلفة مع الفتوى الرسمية، وهو ما يمكن أن وجد صداه على خطب المنابر في المساجد بالدول الخليجية، ومواقع التواصل الاجتماعي في المملكة ودول المجلس الأخرى، فوجدت فتاوى كثيرة تؤكد ضرورة الجهاد في سوريا منها فتوى د. ناصر العمر، والدكتور محمد العريفي والدكتور طارق سويدان الذي أعلن الجهاد في سبيل الله في أرض سوريا وقام هو وزوجته بجمع التبرعات في الكويت من أجل الجيش الحر( [6] )، أما الشيخ سلمان العودة، فكان فيما يبدو حذرا في الدعوة إلى الجهاد بالنفس مقدما عليه الجهاد بالمال، فأكد أنه واجب على كل قادر نصرة إخوانه المسلمين في كل مكان، لكن لا يتعين على كل فرد أن يذهب بنفسه إلى الجهاد والقتال، هناك أبواب عظيمة من الجهاد، وهي شبه معطلة فلماذا لا نسارع إليها؟!. أما الشيخ يوسف القرضاوي، فكانت فتواه هي الأخرى حذرة ففي مارس 2012 أفتى بأن “,”الجهاد فرض عين على كل سوري ولا يشترط موافقة الأب والأم“,”( [7] )، وربما تطرح هذه الفتوى إشكالية عن الجهاد في سوريا لغير السوريين، وهو ما تلافاه الشيخ في فتواه في سبتمبر من العام نفسه التي دعت جموع المسلمين في العالم إلي الجهاد بالنفس في سوريا أو إرسال السلاح للثوار هناك، لأن ذلك فريضة شرعية علي الجميع. وبشكل عام، فإنه إذا كانت الفتاوى الرسمية والفتاوى غير الرسمية تقدم مؤشرات عامة فإنه يتضح أن أغلب حالات التطوع الخليجي في الجهاد لم تكن انطلاقا من فتاوى رسمية أو غير رسمية، وإنما اندفاع من قبل الشباب الخليجي وفقا لكل حالة على حدة بحالة إيمانية محددة اندفاعا بمفهوم البطولة والشهادة في النموذج الإسلامي، وهو ما يجعل الأقرب للظن أن تستمر حالات دعم وتعزيز الثورة السورية بالمال والسلاح والمجاهدين، خصوصا كلما طالت فترة الثورة واستمر الشحذ الإعلامي والخطابي والعاطفي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

جهاديو الخليج في سوريا:

يطرح الدعم المالي والعسكري والسياسي الخليجي للثورة السورية وجهاديو الخليج أسئلة كثيرة بشأن المستقبل، وبالتحديد: هل يمكن لجهاديي الخليج في سوريا أن يكرروا تجربة الجهاد الأفغاني سابقا وأن يشكلوا خطرا على بلادهم لاحقا؟ وما توقعات المشهد الخليجي بعد الثورة السورية؟

تبدو منطقة الخليج مشبعة بطاقات جهادية فائضة، وهو ما يجعل العنصر البشري الخليجي (الشباب تحديدا) ينجذب دائما إلى المناطق الحاضنة لظروف مشجعة على انتعاش الفكر الجهادي، وهو أمر سوف يستمر طالما ظلت المناطق غير مفصلة بين جغرافيا الدولة وجغرافيا العقيدة. فالفكر الديني السلفي لا يؤمن بالحدود السياسية، وتدفع قناعاته الجهادية إلى الإضرار بمصالح الدول الوطنية، وهو أمر يبدو أن المؤسسة الدينية وحتى بعض شيوخ الصحوة في السعودية ينتبهون إليه، أو أن السلطات السياسية كانت أكثر قدرة على تحديد منافذ الفتوى، فيبدو الدعم الخليجي للثورة السورية حتى الآن ماليا بالأساس ويتجه للإنفاق على التسليح والدعم المالي المباشر، وعلى الرغم من مشاركة جهاديين من منطقة الخليج في سوريا إلا أنهم لا يذهبون بتوجيهات رسمية، وإنما بمبادرات فردية خاصة، أو من قبل شبكات وجمعيات وشخصيات معلنة غير معلنة، وتمثل الفتوى الصادرة عن الشيخ علي الحكمي نموذجا للفتاوى الرسمية التي أخذت في الاعتبار الواقع السياسي، كما أن الشيخ سلمان العودة، وهو أحد أقطاب تيار الصحوة في السعودية، والذي أعد كتابه الأخير بعنوان “,”أسئلة الثورة“,” (أحد الكتب التي حظرتها المملكة)، هو الآخر عظم من شأن جهاد المال قبالة جهاد النفس، مما يشير إلى تأثره بالواقع السياسي وقراءته للخبرة السياسية من الجهاد الخليجي في أفغانستان وتجربة تنظيم القاعدة، وتأثره بالموقف السياسي الرسمي في بلاده.

ولا تقدم الوضع الإثني الطائفي أو الجغرافي التضاريس في سوريا إمكانية لتكرار تجربة أفغانستان من ناحية الطبيعة الجغرافية غير الجبلية والتكوين الإثني والمذهبي والمجتمعي، فضلا عن قدرات حرب العصابات وسط المدن والأحياء والمدنيين التي تختلف عن أفغانستان التي تقدم فراغا للكر والفر، وهو وما يشير إليه شكوى الجهاديين السوريين من عدم معرفة الجهاديين العرب للمجتمع السوري ومدن وأحياء سوريا. فضلا عن إحياء الزخم الجهادي وسحر الطبيعة في أفغانستان التي تمكن من نسج الروايات والقصص عن الجهاد التي فعلت فعلها في أفغانستان بفعل اختلاف اللغة والثقافة الأفغانية والواقع الجبلي التضاريسي عنه في سوريا، وطبيعة مفعول الجهاد ضد العدو “,”الشيوعي“,”، ودور الشحذ المعنوي والروحي والعقيدي الذي كان يجري من خلال أشرطة الفيديو التي تعرض مشاهد متقنة في الإخراج والتصوير عن الجهاد الأفغاني والمعجزات الإلهية وأن الملائكة تحارب معهم فيما لم يكن من السهل التحقق منه ذلك الوقت، وأيضا بفعل التحالفات الدولية التي وفرت الدعم للمجاهدين من قبل قوة عظمى منافسة هي الولايات المتحدة والدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية، وبفعل الاختلاف بين العالمين العربي والإسلامي مطلع الثمانينيات عنه الآن، كما أن هناك اختلافا بين أفغانستان وسورية بقدر الاختلاف حول طبيعة العداء للشيوعية وطبيعة العداء السلفي للمذهب الشيعي في دول الخليج. ولكن استمرار الأزمة السورية لفترة أطول يمكن أن يقوى شبكات وقوى الإسناد المالي والبشري الجهادي الخليجي على الأرض، ويعرض الجهاديين العرب ومنهم الخليجيين لمخاطر وتهديدات في سوريا مختلفة تماما عن البيئة الأفغانية. وعلى جانب آخر، فإن طبيعة المفاهيم الجهادية لعناصر الجيش السوري الحر تختلف عن مفاهيم الفصائل الأفغانية في الثمانينيات، وهو ما يمكن أن يعيد الشباب الجهادي الخليجي بأفكار ومفاهيم من نوع مختلف عن تلك التي عاد بها جهاديو الخليج الأسبقين من أفغانستان، فمشاركة الخليجيين في الجهاد السوري في تحرير سوريا من نظام الأسد مختلفة عن مشاركتهم في قتال العدو والاحتلال السوفييتي، في سوريا يقاتلون لدعم الثورة والتغيير الداخلي ويقاتلون نظام حكم يصموه بالطائفية والنصيرية ويكفروه، لأهداف مفاهيم الثورة وبناء نظام ديمقراطي يتماشى مع موجة الربيع العربي، وليس التحرير لبناء النموذج الإسلامي. إن مفاهيم الحرية والتحرر والإصلاح السياسي والثورة كلها مفاهيم ستجعل العائدين من سوريا مختلفين عن العائدين من أفغانستان، وقد يطرحون لبلادهم مشكلات مختلفة نوعيا عن السابق، إن لم يكن لدول مجلس التعاون رؤية لأوضاعهم تتجاوز تجربة الحقبة الأفغانية.

علاوة على ذلك فإن اختلاف حقبة الربيع العربي عن حقبة الجهاد الأفغاني يمكن أن تساعد على إنتاج نماذج مختلفة، ففي ظل توافر أدوات الاتصال الحديثة والأدوات التكنولوجية والقرب الجغرافي بين سوريا ودول مجلس التعاون لن تأخذ الانعكاسات المحتملة الناتجة عن الجهاد في سوريا سنوات حتى تحدث تأثيراتها في دول الخليج، وإنما سوف تتفاعل بسرعة مع الواقع الخليجي. فإذا تمكنت الجماعات الجهادية السلفية من فرض ذاتها وتحقيق النصر وتمكنت من إسقاط النظام السوري، فإنه من المتوقع أن ينعكس ذلك بقدر من الرضا عن أداء أنظمة الحكم الخليجية التي اتخذت قرارها بدعم الثورة السورية. أما إذا فشلن في إسقاط النظام وتمكن النظام من دحر هذه الجماعات فإنه من المحتمل أن تتصارع فيما بينها وأن تسعى إلى التبصر بنقاط الخطأ في الثورة السورية، وسوف تثير عودتها المنكسرة إلى بلدانها في الخليج مشكلات خاصة، وحالة مع الانهزام النفسي الخليجي أمام النظام في دمشق، ويحتمل أن تغير من القناعات العقيدية السلفية ومفاهيمها بشأن الطائفية الشيعية أو ما تسميهم الروافض.

ما بعد الجهاد في سوريا:

يمكن أن يؤدي الدعم الخليجي لحركات الجهاد في سوريا إلى التأثير بأشكال مختلفة في حال انتهت الأزمة بسقوط النظام أو في حال طالت الأزمة.

ففي حال انتهت الأزمة بسقوط النظام، فإن تأثير المجاهدين الخليجيين في سوريا على الداخل الخليجي سوف يتوقف على إمكانية استقرارهم ومدى إمكانية أن تشكل سوريا ملاذا آمنا لهم في حال تولي فصيل إسلامي سلفي الحكم في سوريا، أو ما استمر الاحتياج لهم في صراعات الداخل السوري لاحقا، فكما حدث في حقبة الجهاد الأفغاني، فلم يعد المجاهدين العرب والخليجيين لأوطانهم بسرعة وإنما انخرطوا في صراعات الداخل الأفغاني، وكونوا تنظيمهم الخاص (القاعدة) الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في إنهاء تجربة حكم جماعة طالبان الأفغانية. وفي هذه الحالة فإنه يمكن توقع استمرار رفع رايات الجهاد في سوريا ما بعد سقوط النظام تحت الذرائع الطائفية أو تجدد أهداف جهادية جديدة، من خلال فتح جبهات للصراع مع حزب الله ومجموعات طائفية في الداخل السوري أو قد تدخل في صراعات إقليمية في حال ازدياد الانخراط الإيراني في الشأن الداخلي السوري والوجود الأرضي المباشر، أو فتح جبهة أو بؤر جهادية مع إسرائيل على هضبة الجولان. هذه السيناريوهات جميعها تنتعش إذا فشلت مجموعات المعارضة السورية في الاتفاق على استمرار الدولة السورية بوضعها وحدودها الراهنة. وفي هذه الحالة سوف تلعب المجموعات الجهادية العربية دورا مهما وتنتعش في ظل غياب الدولة، وتنقل عملياتها إلى دول الجوار. أما إذا تمكنت قوى المعارضة والمجموعات المسلحة من إعادة سوريا سريعا إلى حالة الدولة والنظام، فإن ذلك سيقلص من أحلام وأفكار الجهاد السلفي في سوريا. وفي حال سقوط النظام السوري فإن سيعني هزيمة لإيران وحزب الله والمجموعات الشيعية بدول المجلس، مما يمكن أن يولد مخاطر أمنية متعددة.

أما إذا طال أمد الأزمة، فإنه يتوقع ازدياد الانخراط الخليجي الرسمي وغير الرسمي المالي والسياسي والشعبي الجهادي في سوريا، وسوف يكتسب الصراع في سوريا أبعادا أكثر تشبعا بالطائفية تكون لها مردوداتها في عمق الشأن الداخلي الخليجي، خصوصا على المواطنين الشيعة في دول مجلس التعاون، وهنا تصبح سوريا مركز لجذب المجاهدين والتنظيمات الجهادية بما فيها القاعدة من مختلف الدول. إن بقاء النظام السوري لفترة أطول يعني استمرار التحالف الإقليمي السوري الإيراني ويعني خصوبة لأفكار الهلال الشيعي، ويعني ربما تطور نموذجين للجهاد السني قبالة الشيعي وبالعكس. وهو ما يعني تلون الجهاد بمفاهيم طائفية، بما يعنيه ذلك بالنسبة لقطاعات المواطنين الشيعة المتماهين مع حكم الجمهورية الإسلامية الشيعية. وسوف تزداد الأمور صعوبة وحرجا لو اتخذت مجريات الصراع أشكالا أكثر دموية أو سيناريوهات مأساوية. هذه الاحتمالات جميعها تنتعش في ظل تصور استمرار الموقف الدولي الراهن، الذي يجدد فكر المؤامرة في أوساط الجماعات الجهادية بأن هناك مؤامرة على الشعب السوري، لكن يمكن في حالات مختلفة أن يحدث تغير كبير في الموقف الجهادي، الأول أن يحدث تدخل دولي غربي أو إسرائيلي في سوريا، أو أن تحدث حرب أمريكية أو إسرائيلية على إيران، أو أن تنفتح جبهة جهادية عربية أو إسلامية أخرى تمثل منطقة أكثر جاذبية للجماعات الجهادية. ويتوقع في حال إطالة أمد الأزمة أن تقترب الأوضاع من تكرار تجربة “,”العائدون من أفغانستان“,”، هذا الاحتمال يستلزم استمرار الأزمة في سوريا فترة أطول، وأن تتشعب أهدافها ومراحلها، بحيث تنتج ظاهرة جهادية تلتف حولها الجماعات السلفية في الدول العربية، وهذا الاحتمال يعني بقاء الجهاديين الخليجيين والعرب في سوريا لفترة أطول، واستمرار سوريا كمركز جذب لحملات المدد الجهادي والمدد للنصرة من الجماعات المثيلة في العالم العربي، وفي الداخل في سوريا، وهنا القرب الجغرافي على ما جاء تأثير العائدين من أفغانستان أخذ عقدين بينما السرعة والتكنولوجيا ودور التواصل الاجتماعي لن تتطلب فترة أطول للانتشار.

بشكل عام، فإن الدعم الخليجي للجهاد في سوريا يجعل الدولة في الخليج قابضة على زمام المفهوم الجهادي، ويسحب البساط من تحت أقدام الجهاديين، كما سيؤدي طول الأزمة إلى تشتيت المطالب السياسية في الداخل الخليجي، لكن في الوقت نفسه يزيد الانخراط الخليجي أكثر في الشأن السوري من أحاسيس الإحباط في حال استمرت الأزمة، وهو ما يمكن أن يكون له مردوداته السلبية في الداخل، حيث أنه من الصعب تكرار تجربة أفغانستان، خصوصا مع تغير الواقع الخليجي، ويدل على ذلك أنه لا زال الخليجيون بالعشرات وليس بالآلاف على نحو ما حدث مع أفغانستان، وثانيا فإن دعوة الجهاد ضد النظام لا تلق نفس الزخم الذي لاقته دعوة الجهاد ضد محتل شيوعي، كما أنه حتى الآن هناك إمساك بورقة الفتوى الرسمية في أيدي الدولة السعودية، والتأكيد على الجهاد بالمال يرس التباين بين الموقف السياسي والديني وهو ما يؤشر لخط جديد في استيعاب العالم المعاصر. ولكن بشكل عام فإنه من المهم الحيلولة دون الانفصال الزمني الواسع بين الجهاديين الخليجيين ودولهم وبعدهم عن أوطانهم لفترة أطول. فطول الفترة الزمنية يجعلهم أكثر قابلية للانفصال عن الواقع.
وبشكل عام، لم يكن مجاهدو أفغانستان مؤثرين في الداخل الخليجي بقدر ما كانت قد تنامت لهم خلايا وشبكات إسناد وقواعد في الداخل، وهنا يتطلب الأمر تجفيف المنابع الداخلية من خلال العمل وفق خطط أشمل للقضاء على البطالة والاستمرار في التعليم في الخارج لتقوية التيار الليبرالي على حساب السلفي، وعلى جانب آخر الإمساك بالموقف الرسمي الخليجي والمبادرة السياسية في سوريا.




[1] - TENTATIVE JIHAD: SYRIA’S FUNDAMENTALIST OPPOSITION, International Crisis Group, Middle East Report N°131 – 12 October 2012, p. 20.

[2] - القبس، 9/6/2012.

[3] - TENTATIVE JIHAD: SYRIA’S FUNDAMENTALIST OPPOSITION, Op.cit , p. 20. pp. 10 – 19.

[4] - Frank j. Mirkow, Dangers of S0audi-Influence inSyria. http://thehill.com/blogs/congress-blog/foreign-policy/260817-dangers-of-saudi-influence-in-syria

[5] - بوابة الشروق، السعودية.. «كبار العلماء» تحرم الجهاد في سوريا «بدون إذن»، 7/ 6/ 2012.

[6] - على سبيل المثال: أنظر فتوى أ.د. ناصر بن سليمان العمر، حقيقة الجهاد في سوريا، المسلم نت، 11/6/1433هـ. http://www.almoslim.net/node/164419

[7] - موقع مرصد مصر: الرابط: http://www.marsadmasr.com/viewarticle.php?id=7306


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟