المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تحول عسر: الطبقة الوسطى في الوطن العربي

الأحد 02/نوفمبر/2014 - 01:09 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

استضافت جامعتي الرور وماربوج بألمانيا الدكتور أحمد موسى بدوي، الخبير بالمركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، لإلقاء محاضرة حول موضوع كتابه الأخير "تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2013.

تناولت المحاضرة، إجابة حول أسئلة بالغة الأهمية، حول جدوى دراسة الطبقة الوسطى العربية، وكيف نشأت وتطورت منذ العصر العثماني حتى الوقت الراهن، وما هي التحولات الحضارية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية) التي لحقت بهذه الطبقة منذ نشأتها، وحتى العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كما تناولت المحاضرة، الجدل النظري حول مقاربة الطبقات في البحوث والدراسات العربية، وكيف استطاع الباحث أن يقدم إطاراً نظرياً يوائم بين التراث العالمي والعربي، مع مراعاة الشروط العلمية المنضبطة وصلاحية التطبيق على الخصوصية العربية.

اهتم الباحث في دراسته بمتغيرات: تركيب الطبقة الوسطى، العلاقات الطبقية، التشكيلات الطبقية، الوعي الطبقي، وقد اعتمد الباحث في دراسته لهذه المتغيرات على المنهجين الكمي والكيفي؛ حيث استخدم   التحليل الاحصائي الكمي، والتحليل الكيفي المبني على أداة المقابلة المتعمقة التي طُبقت في ثلاث بلدان عربية (الكويت، مصر، المغرب).

واستعرض الباحث النتائج التي تحصَّل عليها في دراسته، ومن أهمها:

         يتضمن التحليل ست طبقات أساسية هي: الطبقة المركزية المتحكمة، الطبقة الوسطى المتنفذة، الطبقة الوسطى المستقرة، الطبقة الوسطى الفقيرة، الطبقة العاملة، الفئات اللاطبقية الكادحة. وأن أفراد كل طبقة، يشتركون معاً في العديد من الخصائص الحضارية، التي تؤثر فيها خمس متغيرات: مستوى الدخل ونوعه؛ مستوى التعليم والتدريب؛ الموقع البيروقراطي داخل مؤسسة العمل؛ أساليب الحياة؛ مجموعة المتغيرات القبلية/الطائفية/العرقية/السياسية التسلطية.

         بناءً على الاستدلال الإحصائي، توصل الباحث إلى أن عدد السكان الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الكلية في الوطن العربي، يبلغ 146 مليون نسمة، ويمثلون نسبة 44,5% من جملة سكان الوطن العربي. يعيش 80 مليون نسمة تقريباً في البلدان العربية غير النفطية، ويمثلون نسبة 38,3% من جملة السكان، في حين يعيش 66 مليون نسمة في البلدان العربية النفطية، ويمثلون نسبة 57,6% من جملة السكان. ويتركز 100 مليون نسمة ممن ينتمون للطبقة الوسطى، في ست دول عربية؛ هي: مصر، المغرب، السودان، السعودية، الجزائر، العراق. بنسبة 42,3% من جملة سكان هذا الدول.

          على عكس نشأة الطبقة الغربية، تعد القوة السياسية في الوطن العربي، القائمة على العلاقات العرقية الطائفية والقبلية، أساسا لتوليد الثروة، ومنها تبلور التركيب الطبقي العربي الحديث، خلال فترة الحكم العثماني في بعض الأجزاء من الوطن العربي، وخلال الاستعمار الاوروبي في البعض الآخر. وعدد محدود من البلدان العربية، شهد ميلاد الطبقة الوسطى الحديثة قبل الاستقلال، ومنها بلدان الشام، والشمال الإفريقي، ماعدا ليبيا.

          اتسم الربع قرن الأول بعد الاستقلال أو التأسيس، في غالبية البلدان العربية، بوجود تركيب طبقي ولود، وفيه ازدهرت الطبقة الوسطى في بلدان الشام والشمال الإفريقي، في حين وُلدت الطبقة الوسطى الحديثة من العدم –تقريباً- في بقية البلدان العربية. وباشرت الطبقة الوسطى دورها التنموي في كافة المجالات، وتنوعت شرائحها البيروقراطية والتكنولوجية والخدمية، إلى جانب أصحاب الأعمال ومتوسطي المُلَّاك. وجاء المشروع التنموي الأول في الوطن العربي، مصحوباً بانخفاض المشاعر السلبية تجاه النظم الحاكمة، بين أوساط الطبقة الوسطى والعاملة والفلاحين، كما اتسمت هذه المرحلة، بسعي النظم الحاكمة إلى توزيع عوائد التنمية بشكل عادل نسبياً.

          في النصف الثاني من السبعينيات، ونتيجة لنشر التعليم الثانوي والجامعي، ونتيجة للازدهار الاقتصادي عقب الطفرة النفطية، تضخمت شرائح الطبقة الوسطى المستقرة والفقيرة، تضخماً مرضياً، حيث عمدت الطبقة المركزية المتحكمة متحالفة من الطبقة الوسطى المتنفذة، إلى استثمار الموارد في قطاعات الاقتصاد الخدمي والاجتماعي، على حساب تدهور القطاعين الصناعي والزراعي. وشهدت هذه الفترة تدهوراً في الدور السياسي للطبقة الوسطى، وبوادر لعودة سيطرة العلاقات التقليدية الطائفية/العرقية/ القبلية/ الحزبية الاحتكارية، كما شهدت تلك المرحلة الحراك الطبقي الفئوي، والحراك الفردي ضفدعي الحركة، الذي يعتمد على الانتهازية، ما أحدث اختلالاً عميقاً في قيم الطبقة الوسطى، وترتب على ذلك تضييق هامش الحرية الذي تمتعت به الطبقة الوسطى عقب الاستقلال، عبر ابتداع وسائل ديمقراطية شكلية منزوعة الدسم خالية من المضمون الحقيقي للممارسة الديمقراطية.

          دلفت المجتمعات العربية عصر العولمة، وهي تقريباً، خالية الوفاض، البلدان غير النفطية، مثقلة بالديون، والبلدان النفطية تعاني من الانخفاض المستمر في أسعار النفط، والعالم يتحول نحو الليبرالية المتوحشة، والدولة تتخفف من أعبائها الاجتماعية، ولم تتمكن أي من الدول العربية، استثمار الايجابيات المحدودة، للانطلاق نحو اقتصاد السوق، التي تطلبت شروطاً لم تتحقق في الوطن العربي، فلا الأسواق حرة، ولا الدول العربية تمارس الديموقراطية، ولا توجد استراتيجية تنموية تركز على الاستثمار الانتاجي، فكانت العواقب وخيمة على الاقتصاديات الكلية العربية، وانعكس على الطبقة الوسطى العربية بالانكماش والمزيد من التهميش.

         يعتبر الفساد، والظلم الاجتماعي في توزيع الثروة، وقمع الحريات، عوامل مشتركة، حاضرة في كل ثورات الربيع العربي. غير أن الفساد والظلم الاجتماعي، يعتبر أحد أهم أسباب اندلاع الثورة التونسية والمصرية، بينما السبب الجوهري في انطلاق الثورة الليبية، هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي مستبد. أما اليمن، فكان في حالة ثورات فرعية مستمرة منذ توحيد شطري اليمن في 1990، وتمركز العناصر الجهادية العربية العائدة من أفغانستان في اليمن، والتقت مصالح الجميع في انتفاضة شعبية لوقف التعديلات الدستورية، التي تتيح للرئيس اليمني البقاء لولاية أخرى.

         الطبقة الوسطى حاضرة بقوة في كافة الثورات الأربع، قائدة دون قيادات فردية في أي من بلدان الربيع العربي. وداخل الطبقة الوسطى، كان للقوى الدينية، حضوراً قوياً في مصر وتونس وليبيا، والقوى القبلية أكثر حضوراً في اليمن، بينما كان للقوى الدينية والقبلية حضور شبه متساو في ليبيا. غير أن القوى الدينية، تحاول بسط هيمنة (غير ديموقراطية) على المرحلة الانتقالية في كل من  تونس ومصر وليبيا.

وأنهى الباحث عرضه للكتاب بخلاصة أن لأجيال العربية الجديدة، لم تعد صابرة ولا قادرة على الدوران في متاهات الصراع الطائفي/العرقي/القبلي/الاحتكاري، ولن ترضى بديلاً عن هذا التحول، إصلاحياً كان أو ثورياً.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟