المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

اليابان ...وجهة جديدة للهجرة فيما بعد كورونا

الخميس 13/أغسطس/2020 - 04:03 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
جراسيا ليو فيرر- عرض: مرﭬت زكريا

سيحتاج الناس فيما بعد انتهاء جائحة COVID-19 إلى التنقل حول العالم بحثًا عن فرص للعمل والتعليم ونمط الحياة الأفضل لكن وجهات واتجاهات هذه التحركات قد تتغير إلى الأبد. ستبدو الحياة في بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت أقل جاذبية مما كانت عليه الوضع قبل تفشي الجائحة. أو قد تدفع طبيعة الأزمة الأخيرة المهاجرين المحتملين إلى تقدير السلامة والاستقرار فضلاً عن الرغبة في الحفاظ على الروابط العائلية.

وعليه، تشير جراسيا ليو فيرر أستاذ علم الاجتماع في كلية الدراسات العليا بآسيا والمحيط الهادئ بجامعة واسيدا، إلى أن عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التعامل الجاد مع أزمة كورونا سيؤدى إلى خسارتها لعدد كبير من المهاجرين التى كانت واشنطن هى وجهتهم الأولى في الماضي. وهو الأمر الذى من المحتمل أن ينعكس بالإيجاب على البلدان الأخرى من خلال بعض الفوائد التي تتمثل في التنوع، الديناميكية والمواهب الجديدة. وفي هذا السياق، تؤكد الكاتبة على أنه من المحتمل أن تكون طوكيو هى الوجهة الأكثر جاذبية بالنسبة لهؤلاء المهاجرين، على خلفية اعتبارها بمثابة دولة دولة آمنة ومستقرة نسبيًا مع وجود معدل بطالة منخفضة، فضلاً عن جامعاتها الممتازة والتي يمكنها جذب عدد كبير من الطلاب الذين قد يكونون مترددين في المخاطرة بالدراسة باهظة الثمن في الغرب.

فلطالما  اعتبرت اليابان بمثابة دولة متجانسة إلى حد كبير، ومن  المرجح  أن تصبح أكثر تنوعًا واتصالاً على المستوى العالمي في مرحلة ما بعد كورونا، ومن شأن هذا التحول، الذي سيعيد تشكيل المجتمع الياباني أن يقدم تحدى جديد للفهم التقليدي للهوية الوطنية، وهو الأمر الضروري إذا أرادت اليابان أن تظل قوة كبرى في الساحة العالمية.

أولاً – وجهة متميزة للهجرة

على عكس  العديد من البلدان الصناعية المتقدمة، يوجد لدى اليابان عدد قليل جدًا من المهاجرين، ما يزيد قليلاً عن نسبة 2% من سكانها البالغ عددهم 126 مليون نسمة، ومنذ عام 1980، تم تجنيس حوالي 440.000 مهاجر فقط. وعلى النقيض من ذلك، فإن 13 % من المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية إما مواطنين متجنسين أو غير مواطنين، وعليه، دفعت أزمة فيروس كوفيد 19 اليابان إلى زيادة تقييد الهجرة، الأمر الذى يتضمن  منع المقيمين الأجانب من دخول البلاد لفترة طويلة، وهو ما يفيد في نظر البعض بأن اليابان دولة معادية للهجرة بشكل أساسي.

في هذا السياق، تؤكد الكاتبة على أن الدولة اليابانية على وشك التخلص من هذه السمعة؛ حيث أصدرت طوكيو فئات جديدة من التأشيرات وخففت من حدة معايير الموجودة من أجل توظيف واستبقاء المزيد من العمال والطلاب الأجانب. ففي السنوات الخمس التي سبقت الوباء، زاد عدد المقيمين الأجانب في اليابان بنسبة 31%، ومن المحتمل أن تجتذب البلاد المزيد من المهاجرين بعد انقضاء هذه الجائحة، الأمر الذي من المقرر أن يشمل فرص عمل جيدة، تعليم متميز بأسعار معقولة نسبيا، فضلاً عن بيئة اجتماعية آمنة ومنظمة.

فعلى الرغم من موجة الركود الاقتصادي التى اجتاحت العالمم، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، لا يزال سوق العمل في اليابان قويًا؛ حيث بلغ معدل البطالة في البلاد في نهاية مايو 2.9 %، وهو ارتفاع طفيف عن الأشهر السابقة ولكن ليس قريبًا من متوسط المعدلات الموجوددة في العديد من الاقتصادات الصناعية الأخرى، مثل فرنسا (8.1%) والولايات المتحدة الأمريكية (13.3%). وكانت نسبة الوظائف الشاغرة حتى مايو 2020( 1.2 - )مما يعني أن هناك 1.2 وظيفة متاحة لكل مقدم طلب، فعلى الرغم من أن هذا الرقم أقل من العام الماضي (1.6) ومن المتوقع أن ينخفض أكثر مع استمرار الوباء ، لكنه مع ذلك يشير إلى وجود وظائف شاغرة في اليابان.

ولكن تشير أرقام العمالة القوية هذه في الواقع إلى مشكلة كبيرة؛ حيث تسببت الأزمة الديموغرافية في نقص حاد بالعمالة في اليابان، ولاسيما مع اتجاه عدد السكان داخل المجتمع الياباني في الانخفاض منذ 2005 وهو الأمر الذي زاد بشكل كبير منذ عام 2011؛ حيث تتقلص القوى العاملة بشكل أسرع من معدل زيادة عدد السكان. ففي عام 2019، كان أكثر من 28 %من عدد السكان أكبر من 65 عامًا ، وكان حوالي 60 % فقط من المقيمين اليابانيين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عامًا.

وعليه، يعد نقص العمالة في اليابان هو الأعلى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما يتوقع المسؤولون نقص نسبة 6.4 مليون عامل بحلول عام 2030. على الرغم من أن تفشي هذا الوباء قد يؤدي الوباء إلى ركود اقتصادي لعدة سنوات قادمة، ولكن هذا لن يخفف من نقص العمالة على المدى الطويل. ستحتاج اليابان إلى كل من المهاجرين ذوي المهارات العالية لتعويض نقص العمالة الموجود لديها، وهو الأمر الذي يمكن أن تقدمه دول مثل الصين وكذلك دول جنوب شرق آسيا ، مثل إندونيسيا وفيتنام.

في السياق ذاته، ساهم القطاع الخاص في اليابان أيضًا في انخفاض معدل البطالة في البلاد بشكل كبير؛  فمنذ الركود الكبير في عام 2008، وفرت الشركات اليابانية نسبة كبيرة من أرباحها كعازل ضد الأوقات الصعبة، بدلاً من مكافأة المستثمرين وزيادة رواتب الموظفين. بحلول نهاية مارس 2020 ، أعلنت الشركات اليابانية عن إجمالي احتياطيات نقدية تبلغ 283 تريليون ين (حوالي 2.65 تريليون دولار). لذا، عندما تفشت الجائحة، كانت هذه الشركات قادرة على تعويض العاملين لديها، بطبيعة الحال، هذه الاحتياطيات لا تنضب، حتى إذا استمرت الأزمة لفترة طويلة وانكمش الاقتصاد، فإن الشركات اليابانية ستفرغ خزائنها في نهاية المطاف، لكن لا يمكن إنكار أن نزعتهم المحافظة ساعدت في تسيير كثير من الأعمال داخل البلاد في أوقات عدم الاستقرار.

ثانيًا- مزايا تنافسية للتعليم

أصبحت اليابان تحظى بشعبية متزايدة كوجهة للطلاب على مستوى العالم مما كانت عليه في الماضي - بالإضافة إلى جذب المزيد من المهاجرين الباحثين عن عمل - خاصًة من الصين ودول آسيوية أخرى؛ حيث تجتذب اليابان الطلاب من الخارج منذ الثمانينيات، لكن الهيمنة العالمية للغة الإنجليزية جعلت هناك أولوية كبيرة لصالح الجامعات في أوروبا وأمريكا الشمالية. فعلى سبيل المثال، يفضل معظم الطلاب الصينيين الدراسة في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من الدراسة في اليابان، لكن يمكن لتفشي هذه الجائحة أن تغير مسار هذا الاتجاه.

في السياق ذاته، أثارت موجة الهجمات المعادية لآسيا التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى الخوف لدى الطلاب الأسيويين؛ حيث أدت النضالات الأمريكية والبريطانية للسيطرة على الوباء، والاضطرابات الاجتماعية المتزايدة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى زعزعة جزء كبير من الثقة الموجودة لدى هذه البلدان. وعليه، من المرجح، أن تجعل العديد من العائلات المسافة الجغرافية عاملاً أكثر أهمية بشأن الدولة التى من المقرر أن يتوجه إليها أبناءها في سن الجامعة.

والجدير بالذكر، أن اليابان تقدم بديلاً مقنعًا للطلاب الصينيين والآسيويين الآخرين الذين يسعون للدراسة في الخارج؛ حيث تعتبر العديد من الجامعات اليابانية من بين أفضل الجامعات في العالم، فضلاً عن التكاليف الدراسية المنخفضة كثيراً مقارنة بالموجودة في الولايات المتحدة  الأمريكية والمملكة المتحدة، لاسيما وأن العديد من الجامعات اليابانية تقدم جزء كبير من مقرراتها  باللغة الإنجليزية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تجعل آفاق فرص العمل القوية التعليم الياباني أكثر قيمة؛ حيث تقدم اليابان عملية منظمة للغاية للبحث عن الوظائف لخريجي الجامعات، كما أنها ملتزمة بزيادة أعداد الخريجين الأجانب في قوتها العاملة. في السنوات الخمس الماضية من 2015 إلى 2019 ، ارتفع عدد الطلاب الأجانب في اليابان بنسبة 40 %من أقل من 250،000 إلى ما يقرب من 350،000. كما وجد 35 % منهم وظائف في اليابان ، وواصل 30 %آخرون تعليمهم هناك.

فمنذ أن تفشت الجائحة، تلقت بعض الجامعات اليابانية أعدادًا قياسية من الطلبات من قبل الطلاب الصنيين؛ وعندما تم الاستفسار عن ذلك أشار معظم الطلاب الذين درسوا في أستراليا، المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية،  إلى فرص العمل المتاحة، والسلامة النسبية المتوفرة في اليابان، فضلاً عن درجة القرب من الموطن الأصلي.

ثالثًا- إصلاحات داخلية ضرورية

اتخذت الشركات اليابانية منذ بداية تفشي الجائحة خطوات جادة لاستيعاب أكبر عدد من  العمال المهاجرين، فبسبب التجاهل الكبير من قبل معظم الشركات اليابانية للطموحات المهنية للنساء والموظفين الأجانب، وهو الأمر الذي من شأنه جعل التدرج الوظيفي بطيئًا، فضلاً عن التقليل من وجود الوصف الوظيفي الواضح. ولكن أنتج هذا النظام الشكل النمطي للعامل الذي يعاني من الإفراط في العمل، والمجهد أكثر من اللازم - من الذكور واليابانيين - وجعل من الصعب على الآخرين النجاح في حدوده. إن ساعات العمل الطويلة ونظام التناوب يجعل تربية الطفل واجبًا صعبًا يقع على عاتق النساء في كثير من الأحيان، فضلاً عن غضب العمال الأجانب من بطء عملية الترقية والافتقار إلى الاستقلالية في العمل.

ولكن الواضح أن جائحة كورونا أدت إلى كثير من التغييرات في نظام العمل اليابانى؛حيث اضطر أصحاب العمل اليابانيون إلى إعادة النظر في ممارسات التوظيف والإدارة، وفي مساحة العمل عن بعد؛ حيث ترى الشركات ميزة توظيف الأفراد لأداء وظائف محددة بشكل جيد، وتخطط بعض الشركات الآن لجعل هذه التغييرات دائمة، وبفضل هذه الإصلاحات الواسعة، ستتمكن الشركات اليابانية من جذب واستبقاء المزيد من العمال الأجانب ذوي المهارات المتخصصة.

في النهاية: لا تزال العوائق تقف في طريق اليابان لتصبح أكثر عولمًة وتنوعًا؛ حيث أدت الجائحة لتشديد قيود الدخول على الحدود، لذا، يجب على الشركات اليابانية الاتجاه إلى القيام ببعض الإصلاحات الهامة إذا أرادت انفتاحًا أوسع على العالم. لكن مزايا اليابان كوجهة للمهاجرين والطلاب واضحة بشكل كبير.

Gracia Liu-Farrer, Post-Pandemic Japan Will Attract the World: A New Destination for Workers and Students Who Once Went West, Foreign Affairs, July 24, 2020, available at:

 https://www.foreignaffairs.com/articles/japan/2020-07-24/post-pandemic-japan-will-attract-world

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟