المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

دبلوماسية السلام: الدور الإماراتي في القرن الإفريقي

الإثنين 16/يوليو/2018 - 01:52 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
نهال أحمد

تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة دولية وإقليمية بالغة الأهمية، دفعت بها لأن تكون ضمن الفواعل الأكثر تأثيرا في العديد من المناطق، لعل أبرزها منطقة القرن الأفريقي؛ لما لها من وضع استراتيجي أكثر خصوصية أهلَّها لأن تكون مرتكز اهتمام العديد من القوى الدولية، ولم يكن الدور الإماراتي مقتصر على الجانب الإغاثي والإنساني فحسب، لكنه  امتد ليشمل عمليات التهدئة وتحقيق السلم والأمن في العديد من مناطق التوتر الأفريقية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من دورها الرائد في  دفع كل من أديس أبابا وأسمرة للوصول إلى تسوية لأزمتهما العالقة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي

تقع منطقة القرن الأفريقي شرق القارة، وتضم  جغرافيًا كل من  (الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا، كينيا، أوغندا، السودان)، وتكتسب المنطقة أهميتها من موقعها  الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ ومن ثم تحكمها بشكل رئيسي في الملاحة البحرية التي تمر عبر مضيق باب المندب، لاسيما تلك المتعلقة بالتجارة النفطية القادمة من الخليج إلى أوروبا، وهو ما جعلها مقصد اهتمام العديد من القوى والفواعل الدولية، ويستدل على ذلك من رصد إجمالي القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة بدول المنطقة، إلى جانب تمركز الاستثمارات أبرزها الخليجية بشكل كبير في دول القرن الأفريقي، وقد عزز من ذلك ما تمتلكه المنطقة من موارد طبيعية  سواء نفطية، أو معادن نفيسة .

فيما يمكن إيعاز الأهمية الإستراتيجية لتلك المنطقة من حيث جغرافيتها إلى كونها تقع ضمن إقليم أصبح يعرف بإسم "قوس الأزمة"، والذي يضم دول القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، وقد تبلورت أهمية تلك المنطقة منذ انطلاق "عاصفة الحزم" لتطويق تمددات الأذرع الإيرانية، إلى جانب مواجهة تطرف الجماعات الراديكالية شرق القارة والتي يمتد تأثيرها إلى شبه الجزيرة العربية(1) . ومن هنا تبلورت الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بحكم مقوماتها الطبيعية والجغرافية, وكانت الإمارات أبرز الفواعل الدولية التي كانت بصماتها واضحة سواء على المستوى التنموي أو على مستوى تحقيق السلم بتلك المنطقة.

محددات التوجه نحو المنطقة

تتعدد دوافع ومحركات التوجه الإماراتي ناحية القرن الأفريقي، لاسيما في ظل الطفرة التي شهدتها دولة الإمارات والتي أصبحت تمثل دافعًا نحو مزيد من الانفتاح على الخارج، من أجل الاستجابة للمسارات التنموية الجديدة. إلى جانب التطورات الأمنية في شبه الجزيرة العربية، وذلك على النحو التالي:

"عاصفة الحزم":

تعتبر "عاصفة الحزم" أهم نقاط التحول في علاقة الإمارات بدول شرق أفريقيا. فنظرًا  للأهمية الإستراتيجية لتلك العملية وانعكاساتها المباشرة على أمن الخليج عامة والإمارات خاصة، أصبح التوجه الإماراتي  نحو دول القرن الأفريقي بمثابة ضرورة ملحة، حيث بذلت الإمارات بمساعدة سعودية جهود شاقة  من أجل  تطويق الأذرع الإيرانية الساعية إلى السيطرة على مضيق باب المندب، إلى جانب محاولاتها  الدائمة لمنع وصول التمويلات للتنظيمات الإرهابية الساعية لزعزعة استقرار دول القرن لما لذلك من انعكاسات سلبية على أمن الخليج العربي كافة، ومن هنا بدأت الإمارات في استغلال الموانيء البحرية التي تشرف على إدارتها بدول القرن الأفريقي لمزيد من السيطرة على الملاحة البحرية، وتزويد دول "التحالف العربي" بالمؤن الغذائية والنفطية، ومن هنا كانت "عاصفة الحزم " ابرز العلامات الفارقة في التحول الإماراتي تجاه منطقة القرن الأفريقي.

قرب المنطقة من مصادر النفط في الخليج العربي:

أدى الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الأفريقي من حيث اقترابها من مصادر النفط الخليجي، إلى اتجاه الدول الخليجية على رأسها الإمارات  لإعادة هيكلة سياساتها الخارجية نحو مزيد من تكثيف العلاقات وأواصر التعاون مع دول القرن الأفريقي، لتأمين الممرات البحرية من أجل نقل صادرات النفط الخاصة بها، وهو ما دفعها لتأجير والإشراف على العديد من الموانئ البحرية، لعل أبرزها ميناءي "عصب" في اريتريا،  و"بربرة" في الصومال.

تنويع شبكة الحلفاء الإقليميين:

في ظل الانفتاح متعدد المستويات الذي شهدته السياسة الخارجية الإماراتية، أصبحت مساعيها الآن منصبة نحو تنويع شبكة حلفاءها، ونظرًا لأن القارة الأفريقية عموما تمثل الكتلة التصويتية الثانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي تشكل فيه دول القرن الأفريقي ثقلًا إقليميًا حقيقيًا، أصبح التوجه الإماراتي أكثر بروزًا في دول شرق أفريقيا، وهو ما يستدل عليه من معدلات التعاون بين الإمارات ودول المنطقة في محاولة لاستقطاب  الكتلة التصويتية الخاصة بهم في المحافل الدولية(2).

التعاون في مجال مكافحة الإرهاب:

تعتبر ظاهرة الإرهاب أبرز محركات التوجه الإماراتي تجاه المنطقة، لاسيما في ظل تنامي ظهور الجماعات الراديكالية شرق القارة "كجماعة شباب المجاهدين في الصومال"، إلى جانب تصاعد أعمال القرصنة البحرية ما من شأنه تهديد حركة الملاحة البحرية، والتأثير على استقرار الاستثمارات الإماراتية بالقرن الأفريقي وهو ما دفع الإمارات لتكثيف تعاونها الأمني مع دول المنطقة على مختلف المستويات.

تطويق الأذرع الإقليمية (إيران ـ إسرائيل):

تتصارع كلاً من طهران وتل أبيب من أجل الهيمنة على اكبر قدر من المنافذ البحرية بالبحر الأحمر،  وذلك لتأمين صادراتهم ووارداتهم من السلاح، إلى جانب استحواذهم على اكبر قدر من المواد الخام المتوافرة في تلك المنطقة، وكذلك محاولة تقليص النفوذ الخليجي، ما أدى إلى اتخاذ الإمارات إستراتيجية أكثر فاعلية لمواجهة هذا التمدد عن طريق التوقيع مع حكومات دول القرن على اتفاقيات ثنائية، ومذكرات تفاهم يتم بمقتضاها تكثيف التعاون بين الجانبين،وكذلك زيادة استثماراتها وتوجهاتها التنموية بدول المنطقة لمزيد من تثبيت نفوذها هناك.

أنماط التواجد  

تتعدد مستويات التواجد الإماراتي  بمنطقة القرن الأفريقي، سواء سياسيًا،اقتصاديًا، أو أمنيًا، ومع ذلك تظل المساهمات الإماراتية الأبرز هي تلك المرتبطة بملفات التهدئة، وتسوية قضايا السلم، لاسيما  جهودها في الملف الخاص بالمصالحة الاريترية ـ الإثيوبية
دبلوماسية السلام:

الدور الإماراتي في المصالحة الإثيوبية  الإريترية

لعبت الإمارات دورًا خطيرًا في ملف المصالحة الإثيوبية الإريترية، منذ بدء المفاوضات، مرورًا  بالتعقيدات التي أعاقت إتمام المصالحة حتى ما قبل تولي "أبي أحمد" رئاسة الحكومة الإثيوبية نهاية مارس الماضي, ووصولاً إلى الاتفاق التاريخي الذي وقعته كلا من أديس أبابا وأسمره يوليو/ تموز2018، والذي يعد بمثابة تتويج للجهود الدبلوماسية  الإماراتية في هذا الملف. وبالنظر إلى كواليس هذا الاتفاق نجده جاء مباشرة عقب الزيارة التي قام  بها ولي عهد أبو ظبي يونيو/حزيران 2018 إلى أديس أبابا، والتي التقى خلالها رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد"،  وقدم خلالها ولي العهد عدة مبادرات لتسوية الأزمة بين إثيوبيا وإريتريا، وعلى صعيد آخر فقد تواردت أنباء عن اجتماعات سرية عقدت بين وفدين إثيوبي وإريتري في قاعدة عسكرية إماراتية بميناء "عُصب" قبل الإفصاح عن اجتماع رسمي بين الجانبين، وهي الجهود التي ثمنتها كلا من أسمرة وأديس أبابا في تصريحات رسمية لحكومتيهما، وعلى الجانب الآخر فقد شدد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية " أنور قرقاش" في تغريدة له "على أن بلاده أصبحت شريكًا  مهمًا في القرن الأفريقي، ومتصدرة للحضور العربي في هذه المنطقة المهمة"(3).

الوساطات الدبلوماسية والجهود التنموية

§        جيبوتي: شهدت العلاقات بين الدولتين في 2015 تدهورًا مؤقتًا نتيجة خلافات بشأن عمل "شركة موانيء دبي العالمية" في ميناء "دوارلية"، ما أدى لإغلاق القنصلية الإماراتية مؤقتا، ولكن  سرعان ما عادت العلاقات إلى سابق عهدها مرة أخرى فبراير/شباط  2016. فمن الصعب أن تطمس تلك الخلافات دور الإمارات الفاعل على المستويات الأمنية والتنموية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من التعاقدات ما بين "شركة دبى العالمية"، والحكومة الجيبوتية بشأن قطاع الموانئ البحرية، ما ساهم بشكل كبير في تطوير مرافقه. فيما تعتبر الإمارات أهم المستثمرين في جيبوتي حيث قدم "صندوق أبو ظبي للتنمية" في فبراير/شباط2015 منحة بقيمة 50مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية، لمدة خمس سنوات، كما توصلت حكومات البلدين لاتفاقات ثنائية، وتم التوقيع على مذكرات تفاهم بشأن العديد من الاستثمارات والمشاريع التنموية(4).

§        الصومال : يعتبر "ميثاق دبي 2012" الذي تم توقيعه على هامش أعما ل المؤتمر الدولي الثاني لمكافحة القرصنة البحرية من أبرز ملامح الدور الإماراتي في تسوية النزاعات بمنطقة القرن الأفريقي، حيث هدف الميثاق إلى إجراء مصالحة بين الأطراف الصومالية المتنازعة، في محاول لتحقيق الاستقرار، وإتاحة الفرصة لبدء خطة تنموية شاملة تنتشل الصوماليين من دائرة الفقر المدقع التي يعانون منها . وعلى الجانب الآخر فقد تبنت الإمارات دفع رواتب أفراد الجيش الصومالي حيث خصصت مبلغ قيمته مليون دولار لتأهيل البحرية الصومالية، إلى جانب إرسال مساعدات غذائية وطبية دورية، وفي سبتمبر/أيلول 2016 حصلت الإمارات على عقد لإدارة ميناء "بربرة"  لمدة 30عاما في أرض الصومال(5).

§        إريتريا: ترجع العلاقات بين الإمارات وأسمرة إلى عام 1993 حيث استقلالها عن إثيوبيا، ومنذ ذلك الحين كانت الإمارات فاعلا رئيسيًا في عملية المفاوضات التي استمرت على مدار 3 عقود بين الطرفين، فيما ترجع أهمية اريتريا إلى موقعها الاستراتيجي وامتلاكها عدد من الجزر التي تقع في واجهة مضيق باب المندب. ومن ملامح التقارب العسكري والأمني بين الجانبين  حصول الإمارات على عقد إيجار لميناء "عصب"، إلى جانب إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية ساهمت بشكل كبير في دعم قوات "التحالف العربي" في مهمتهم باليمن، وعلى الجانب الاستثماري نجد عقود ومشاريع استثمارية ضخمة تقدر بملايين الدولارات بهدف تنمية قطاع الزراعة والقطاعات التعدينية هناك(6).

§        إثيوبيا: تعتبر الإمارات من أهم الشركاء الإقليمين لأديس أبابا، ففي أكتوبر/تشرين الأول2016 وقعت أبوظبي مع بنك "أوروميا" اتفاقية بقيمة 184 مليون درهم للاستثمار في تنمية قطاعي الزراعة والماشية ،بينما تساهم الإمارات في تطوير  مناطق صناعية إثيوبية في كل من (ديرداوا، أواسا، كومبولتشا، أديس أبابا)، فيما تتعدد أنماط  التعاون ما بين الجانبين في المشاريع الخاصة بالطاقة الشمسية. وكما سبق وأشرنا للجهود الإماراتية في ملف المصالحة ما بين أسمرة وأديس أبابا.

مستقبل التحركات الإماراتية في منطقة القرن الأفريقي

رغم الدور الفاعل لدولة الإمارات العربية المتحدة بمنطقة القرن الأفريقي، إلا أن هذا الدور  لا يخلو من العقبات والتحديات التي تعرقل مسيرته، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تطورات الأوضاع الأخيرة ما بين "شركة موانئ دبي العالمية"، وحكومة جيبوتي   بعدما شرعت حكومة الأخيرة في بناء منطقة تجارة حرة  بالقرب من ميناء "دوارلية" الذي تشرف عليه الإمارات، ما أدى لتوترات بين الجانبين مؤخرًا، فضلا عن التوترات السابقة التي نشبت بين الجانبين الإماراتي والصومالي على خلفية احتجاز طائرة إماراتية بمطار مقديشو. وبالبحث في تلك التطورات تتضح لنا بصمات لقوى إقليمية ليست من مصلحتها أن تمضي العلاقات الإماراتية مع دول القرن الأفريقي في مسارها السليم ، وهو ما يحتم على القيادة الإماراتية الحكيمة ضرورة الانتباه لهذا التطور، ومحاولة إعادة هيكلة سياسة خارجية تتماشى مع النهج التنافسي الجديد بمنطقة القرن الأفريقي، لاسيما في ظل ظهور أدلة تثبت تورط طهران وأنقرة في تشويه الدور الإماراتي بمنطقة القرن الأفريقي.

وختاماً؛ فرغم ما يثار من إشاعات تحاول خلالها بعض الدول تشويه  أهداف الدور الإماراتي بمنطقة القرن الأفريقي، إلا أن بصمات دولة الإمارات العربية سواء التنموية أو الأمنية واضحة للجميع، لا أحد يستطيع إنكارها أو طمسها، وستحمل الفترة المقبلة مزيد من التحركات الإماراتية في هذا المسار لدحض كافة الافتراءات والادعاءات الموجهة لدورها الفاعل في تحقيق مزيد من الاستقرار شرق القارة السمراء .

المصادر:

(1)أمينة العريمي:"الحسابات الخليجية في القرن الإفريقي", مركز مقديشو للبحوث والدراسات، متاح على الرابط

(2)أحمد عاطف: "دوافع الاهتمام الخليجي بمنطقة القرن الإفريقي", مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط

(3)المساعدات تُسند الدور الإماراتي في القرن الأفريقي، جريدة العرب اللندنية، الرابط 

(4)أمينة العريمي، مرجع سابق، الرابط .

(5)توقيع ميثاق دبي للمصالحة في الصومال، الإمارات اليوم، متاح على الرابط  .

(6)أهمية القرن الأفريقي في حماية الأمن العربي, جريدة الحياة اللندنية، متاح على الرابط

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟