تحتل دولة الإمارات
العربية المتحدة مكانة دولية وإقليمية بالغة الأهمية، دفعت بها لأن تكون ضمن
الفواعل الأكثر تأثيرا في العديد من المناطق، لعل أبرزها منطقة القرن الأفريقي؛
لما لها من وضع استراتيجي أكثر خصوصية أهلَّها لأن تكون مرتكز اهتمام العديد من القوى
الدولية، ولم يكن الدور الإماراتي مقتصر على الجانب الإغاثي والإنساني فحسب، لكنه امتد ليشمل عمليات التهدئة وتحقيق السلم والأمن
في العديد من مناطق التوتر الأفريقية، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من دورها الرائد
في دفع كل من أديس أبابا وأسمرة للوصول
إلى تسوية لأزمتهما العالقة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي
تقع منطقة القرن الأفريقي
شرق القارة، وتضم جغرافيًا كل من (الصومال، جيبوتي، إثيوبيا، إريتريا، كينيا، أوغندا،
السودان)، وتكتسب المنطقة أهميتها من موقعها
الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ ومن ثم تحكمها بشكل
رئيسي في الملاحة البحرية التي تمر عبر مضيق باب المندب، لاسيما تلك المتعلقة
بالتجارة النفطية القادمة من الخليج إلى أوروبا، وهو ما جعلها مقصد اهتمام العديد
من القوى والفواعل الدولية، ويستدل على ذلك من رصد إجمالي القواعد العسكرية
الأجنبية المنتشرة بدول المنطقة، إلى جانب تمركز الاستثمارات أبرزها الخليجية بشكل
كبير في دول القرن الأفريقي، وقد عزز من ذلك ما تمتلكه المنطقة من موارد
طبيعية سواء نفطية، أو معادن نفيسة .
فيما يمكن إيعاز الأهمية الإستراتيجية لتلك المنطقة من
حيث جغرافيتها إلى كونها تقع ضمن إقليم أصبح يعرف بإسم "قوس الأزمة"،
والذي يضم دول القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، وقد تبلورت أهمية تلك المنطقة
منذ انطلاق "عاصفة الحزم" لتطويق تمددات الأذرع الإيرانية، إلى جانب مواجهة
تطرف الجماعات الراديكالية شرق القارة والتي يمتد تأثيرها إلى شبه الجزيرة العربية(1)
. ومن هنا تبلورت الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بحكم مقوماتها الطبيعية
والجغرافية, وكانت الإمارات أبرز الفواعل الدولية التي كانت بصماتها واضحة سواء
على المستوى التنموي أو على مستوى تحقيق السلم بتلك المنطقة.
محددات التوجه نحو المنطقة
تتعدد دوافع ومحركات
التوجه الإماراتي ناحية القرن الأفريقي، لاسيما في ظل الطفرة التي شهدتها دولة
الإمارات والتي أصبحت تمثل دافعًا نحو مزيد من الانفتاح على الخارج، من أجل
الاستجابة للمسارات التنموية الجديدة. إلى جانب التطورات الأمنية في شبه الجزيرة
العربية، وذلك على النحو التالي:
"عاصفة الحزم":
تعتبر "عاصفة الحزم"
أهم نقاط التحول في علاقة الإمارات بدول شرق أفريقيا. فنظرًا للأهمية الإستراتيجية لتلك العملية وانعكاساتها
المباشرة على أمن الخليج عامة والإمارات خاصة، أصبح التوجه الإماراتي نحو دول القرن الأفريقي بمثابة ضرورة ملحة، حيث
بذلت الإمارات بمساعدة سعودية جهود شاقة من أجل
تطويق الأذرع الإيرانية الساعية إلى السيطرة على مضيق باب المندب، إلى جانب
محاولاتها الدائمة لمنع وصول التمويلات
للتنظيمات الإرهابية الساعية لزعزعة استقرار دول القرن لما لذلك من انعكاسات سلبية
على أمن الخليج العربي كافة، ومن هنا بدأت الإمارات في استغلال الموانيء البحرية
التي تشرف على إدارتها بدول القرن الأفريقي لمزيد من السيطرة على الملاحة البحرية،
وتزويد دول "التحالف العربي" بالمؤن الغذائية والنفطية، ومن هنا كانت "عاصفة
الحزم " ابرز العلامات الفارقة في التحول الإماراتي تجاه منطقة القرن
الأفريقي.
قرب المنطقة من مصادر النفط في الخليج العربي:
أدى الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الأفريقي من حيث
اقترابها من مصادر النفط الخليجي، إلى اتجاه الدول الخليجية على رأسها الإمارات لإعادة هيكلة سياساتها الخارجية نحو مزيد من
تكثيف العلاقات وأواصر التعاون مع دول القرن الأفريقي، لتأمين الممرات البحرية من
أجل نقل صادرات النفط الخاصة بها، وهو ما دفعها لتأجير والإشراف على العديد من
الموانئ البحرية، لعل أبرزها ميناءي "عصب" في اريتريا، و"بربرة" في الصومال.
تنويع شبكة الحلفاء الإقليميين:
في ظل الانفتاح متعدد المستويات الذي شهدته السياسة
الخارجية الإماراتية، أصبحت مساعيها الآن منصبة نحو تنويع شبكة حلفاءها، ونظرًا
لأن القارة الأفريقية عموما تمثل الكتلة التصويتية الثانية في الجمعية العامة
للأمم المتحدة، في الوقت الذي تشكل فيه دول القرن الأفريقي ثقلًا إقليميًا حقيقيًا،
أصبح التوجه الإماراتي أكثر بروزًا في دول شرق أفريقيا، وهو ما يستدل عليه من
معدلات التعاون بين الإمارات ودول المنطقة في محاولة لاستقطاب الكتلة التصويتية الخاصة بهم في المحافل
الدولية(2).
التعاون في مجال مكافحة الإرهاب:
تعتبر ظاهرة الإرهاب أبرز محركات التوجه الإماراتي تجاه
المنطقة، لاسيما في ظل تنامي ظهور الجماعات الراديكالية شرق القارة "كجماعة
شباب المجاهدين في الصومال"، إلى جانب تصاعد أعمال القرصنة البحرية ما من
شأنه تهديد حركة الملاحة البحرية، والتأثير على استقرار الاستثمارات الإماراتية
بالقرن الأفريقي وهو ما دفع الإمارات لتكثيف تعاونها الأمني مع دول المنطقة على
مختلف المستويات.
تطويق الأذرع الإقليمية (إيران ـ إسرائيل):
تتصارع كلاً من طهران وتل أبيب من أجل الهيمنة على اكبر
قدر من المنافذ البحرية بالبحر الأحمر، وذلك لتأمين صادراتهم ووارداتهم من السلاح، إلى
جانب استحواذهم على اكبر قدر من المواد الخام المتوافرة في تلك المنطقة، وكذلك
محاولة تقليص النفوذ الخليجي، ما أدى إلى اتخاذ الإمارات إستراتيجية أكثر فاعلية
لمواجهة هذا التمدد عن طريق التوقيع مع حكومات دول القرن على اتفاقيات ثنائية،
ومذكرات تفاهم يتم بمقتضاها تكثيف التعاون بين الجانبين،وكذلك زيادة استثماراتها وتوجهاتها
التنموية بدول المنطقة لمزيد من تثبيت نفوذها هناك.
أنماط التواجد
تتعدد مستويات التواجد
الإماراتي بمنطقة القرن الأفريقي، سواء
سياسيًا،اقتصاديًا، أو أمنيًا، ومع ذلك تظل المساهمات الإماراتية الأبرز هي تلك
المرتبطة بملفات التهدئة، وتسوية قضايا السلم، لاسيما جهودها في الملف الخاص بالمصالحة الاريترية ـ الإثيوبية