المركز العربي للبحوث والدراسات : تحول جديد ...لماذا انتقلت علاقات إيران مع طالبان من الصراع إلى التعاون؟ (طباعة)
تحول جديد ...لماذا انتقلت علاقات إيران مع طالبان من الصراع إلى التعاون؟
آخر تحديث: الإثنين 22/05/2023 06:33 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
تحول جديد ...لماذا

كشفت تقديرات عديدة عن أن انخراط إيران المتسارع في علاقات تعاون مع حركة طالبان التى تسيطر على مقاليد السلطة في أفغانستان يعد بمثابة تحول ملحوظ على صعيد العلاقات الصراعية التى استمرت فيما بينهما خلال فترة ليست بالقصيرة. واتضحت أبرز ملامح ذلك في تسليم السلطات الإيرانية في 26 فبراير 2023 سفارة أفغانستان إلى ممثلين من جماعة طالبان، وهو الأمر الذى يعتبر تحول نوعي عن مواقف إيران السابقة من هذه الجماعة وإصرارها على تسليم سفارتها إلى نظام لا تعترف به، مؤكدة رغبتها في تكوين حكومة شاملة تضم في ثناياها ممثلين عن جميع القوى السياسية الأفغانية.

وفي هذا السياق، يمكن القول إنه بشكل عام لطالما تأرجحت العلاقات الإيرانية الأفغانية بين مراحل من الخلاف والتعاون، إنطلاقاً من وجود بعض القضايا الخلافية بين الطرفين والتى يتمثل أبرزها في المناوشات الحدودية المتكررة، والتدفق المستمر للاجئين إلى إيران من حدودها الشرقية مع أفغانستان، والخلاف حول التقاسم العادل للمياه.

 ولكن اللافت للانتباه إنه مع سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان، فإن التهديد العابر للحدود الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان(ISKP) لإيران والاعتبارات الأمنية الأخرى، تحولت إلى فرصاً حقيقية بالنسبة لإيران لتحقيق مصالحها، لكن الجدير بالذكر أن التناقض بين بعض المصالح المتنافسة جعل التعاون صعباً، وكان له تداعيات على المنطقة.

وعليه، سيتم العرض فيما يلي لأبرز محددات هذه العلاقات:

أولاً- تأرجح بين الخلاف والتعاون

ألقى تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي الذى أدلى به عقب سيطرة جماعة طالبان على الحكم في أفغانستان بعد الإنسحاب الأمريكي في أغسطس 2021 بظلاله على تحديد شكل السياسة التى ستتبعها إيران تجاه أفغانستان؛ حيث أشار خامنئي إلى أن سياسة إيران ستكون متبادلة في هذا الإطار الذى سيعتمد بشكل كبير على سياسة جماعة طالبان تجاه إيران. وفي حين أن ذلك لا يكشف عن استراتيجية إيرانية واضحة تجاه أفغانستان طالبان، إلا إنه يشير إلى نوع من التحفظات الإيرانية بشأن الثقة في سياسات هذه الجماعة. 

وفي السياق ذاته، يمكن القول إنه بغض النظر عن الأشخاص الموجودين في السلطة، لطالما اتبعت إيران سياسة خارجية حذرة تجاه أفغانستان، لكن السياق الدولي المتغير والبيئة الداخلية المشحونة في إيران ضاعف من هذه الصعوبات، كما أدى إتخاذ إيران لموقف حاسم بشأن التعاون مع جماعة طالبان إلى وجود نوع من الاستقطاب الشديد داخل الساحة السياسية الإيرانية، ففي الوقت الذى أصبحت فيه بعض التيارات أكثر تقبلاً لفكرة التعامل مع طالبان، رفض البعض الآخر تطبيع العلاقات مع هذه الجماعات التى كانت بمثابة عدو لدود لإيران في فترة زمنية سابقة.

وتأسيساً على ما سبق، ترتبط إيران وأفغانستان ببعضهما البعض من خلال الجغرافيا والروابط السياسية والاقتصادية والحضارية المشتركة، وتربط بينهما علاقة ثنائية مهمة تاريخياً ولكنها مضطربة. فعلى مر السنين، ازدهر التعاون التجاري والاقتصادي؛ حيث وصل معدل التبادل التجاري فيما بينهما إلى مليار دولار أمريكي خلال فترة سابقة. وبالنسبة لطهران، كانت ولاتزال التجارة مع كابول وسيلة لتجاوز التداعيات السلبية للعقوبات الأمريكية وساهمت في دعم "اقتصاد المقاومة" الإيراني.

ثانياً – قضايا عالقة

التقى مسؤولون من طهران وكابول خلال الفترة من أغسطس 2021 حتى فبراير 2023، حوالي 67 مرة كان معظمها على المستوى الثنائي، وكانت الأجندة المزعومة لهذه الاجتماعات هي السعي إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الخلافية فيما بينهما. ومن بين هذه القضايا  موضوع اللاجئين؛ حيث استضافت إيران خلال الفترة من مارس 2022  حتى فبراير 2023 ما يقرب من 445403 لاجئ من أفغانستان، علاوة على وجود حوالي 3.6 مليون لاجئ في البلاد بالفعل.

وبالإضافة إلى ذلك، كانت ولاتزال الخلافات حول التوزيع العادل للمياه المتدفقة من نهر هلمند في أفغانستان إلى أراضي هامون في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية قضية شائكة؛ بالنسبة لطهران سيؤدي نقص المياه إلى تسريع الهجرة إلى الخارج من مقاطعة سيستان بلوشستان المضطربة بالفعل  ويزيد من حالة السخط المتصاعدة بالفعل في البلاد. وفي السياق ذاته، شهدت العلاقات فيما بينهما نوعاً من التوتر على خلفية المناوشات الحدودية المتكررة فيما بينهما؛ حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية عدة حوادث كبرى في مقاطعة هيرماند وهرات ونيمروز.

واعترضت قوات حرس الحدود الإيرانية على محاولات طالبان رفع أعلامها في أراض تطالب بها إيران وشق طرق غير مشروعة، وبالفعل تم تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بشأن هذه القضية في أغسطس 2022 لكن الاشتباكات استمرت إلى أن حدثت بعض المواجهات الأخيرة فيما بينهما في 5 مارس الفائت، ويزيد عدم الاستقرار على الحدود من مخاطر تهريب المخدرات ويمكن أن يعزز أيضاً من حضور العصابات الإجرامية الموجودة في هذه المنطقة.

ثالثاً- تهديد داعش كمحفز للتعاون

بالنسبة لطهران فإن أكبر العوامل الخارجية السلبية التي فرضها تغيير في النظام في كابول هي التهديد المتجدد للمنظمات المتطرفة والإرهابية، باستثناء طالبان، والتى تنامت قوتها منذ سيطرة هذه الأخيرة على السلطة. ففي حين أن تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان  قد شكل تحدياً لطالبان، فإن تهديده يلوح في الأفق أيضاً بشكل كبير على إيران؛ حيث تم  العثور على العديد من مخابئ لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان بالقرب من الحدود الإيرانية الأفغانية في زارانج.

 وبالتوازي مع ذلك كانت هذه الجماعة مسؤولة أيضاً عن هجمات على مصالح دول أخرى مثل روسيا والصين داخل أفغانستان. لذلك، فإن التعاون مع طالبان في مواجهة مثل هذه التهديدات الإرهابية يمثل أولوية كبيرة بالنسبة لإيران.  

رابعاً- تعزيز النفوذ

نوهت بعض التقديرات إلى أن هناك شعور عام بالتفاؤل لدى بعض التيارات السياسية في إيران  بأن التعاون مع أفغانستان من شأنه أن يوفر لإيران فرصة بـ"الانخراط البناء" مع المجتمع الدولي. وبالتالي يُنظر إلى سقوط كابول على أنه وسيلة لإعادة التأكيد على وجود مصالح مشتركة بين إيران والغرب؛ حيث أصبحت العلاقات مع كابول بمثابة مسار جيد للمشاركة الدبلوماسية والتعاون لتعزيز مصالح جميع الأطراف. فعندما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، استغلت طهران هذه الفرصة للتأكيد على فشل واشنطن بعد عقدين من التورط في أفغانستان، وإعادة تقديم ذاتها على إنها إحدى الدول المسؤولة في المنطقة والمؤيدة لمحور المقاومة.  

ولذلك، وبالنسبة لإيران، فإن المضي قدماً والحفاظ على صورتها كراعية لمحور المقاومة في المنطقة ضد مناورات الغرب سيكون أمراً جذاباً بالنسبة لطالبان المعزولة بشدة. وبالتالي، فإن الدعم المحدود من طهران أمر حاسم لترسيخ مكانتها في كابول. وتجلت أبرز مظاهر ذلك في آخر لمسؤولي السفارة الإيرانية في كاوبول مع قيادات طالبان؛ حيث أعربوا عن أملهم في أن يؤدي "توسيع العلاقات والقواسم المشتركة بين البلدين" إلى قبول طالبان لمطالب إيران.

وفي التقدير: يمكن القول أن العلاقات الإيرانية مع جماعة طالبان ما هى إلا نموذج لتوجه السياسة الخارجية الإيرانية القائم على مبدأ "لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم"، بل توجد مصلحة دائمة، فضلاً عن استغلال طهران لكافة الفرص الموجودة أمامها في المنطقة والتى غالباً ما تكون ناتجة عن أخطاء أمريكية لتعزيز نفوذها والتأكيد على محورية دورها.