المركز العربي للبحوث والدراسات : تداعيات الانفراج..هل يمكن تجاوز التوترات القائمة بين إيران والبحرين؟ (طباعة)
تداعيات الانفراج..هل يمكن تجاوز التوترات القائمة بين إيران والبحرين؟
آخر تحديث: الإثنين 01/05/2023 01:38 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
تداعيات الانفراج..هل

أكدت بعض التقديرات على إنه حتى لو تحسنت العلاقات بين الرياض وطهران بشكل كبير، فلن يكون من السهل بالضرورة على البحرين وإيران التغلب على المشاكل الخطيرة في علاقتهما الثنائية؛ حيث إنه من المتوقع إنه في ضوء الاتفاق الدبلوماسي السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه في 10 مارس 2023 بوساطة صينية، أن تولي الدول الأعضاء الأصغر في مجلس التعاون الخليجي اهتماماً وثيقاً للتطورات القادمة في العلاقات بين الرياض وطهران.

ورغم أن جيران المملكة العربية السعودية الخمسة في دول مجلس التعاون الخليجي لديهم علاقات ثنائية فريدة خاصة بهم مع إيران وتصورات مختلفة لتهديدات طهران، إلا أنهم يرحبون جميعاً  بدرجات متفاوتة لعودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والمزيد من الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط التي تهدف إلى خلق المزيد من الاستقرار.

وفي هذا السياق، تعتبر مملكة البحرين أكثر من أي دولة أخرى في مجلس التعاون الخليجي أن إيران تمثل تهديداً كبيراً لأمنها الداخلي، وهو الأمر الذى يمكن توضيح أبرز معالمه على النحو التالي:

أولاً- مخاطر تمدد النفوذ الشيعي لإيران

باعتبار البحرين الدولة الخليجية الوحيدة ذات الأغلبية الشيعية التي يحكمها نظام ملكي سني، فالطالما كانت البحرين دائماً أكثر عرضة من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لتمدد النفوذ الإيراني وإعمال طهران لمبدأ تصدير ثورتها التى اندلعت في عام 1979.  وفي هذا السياق، يتطلب فهم كيفية إدراك المسؤولين في المنامة للتهديد الذي تشكله الجمهورية الإسلامية العودة إلى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي - وهي فترة شهدت الكثير من الحماسة الثورية في إيران عندما كانت دول مجاورة مثل البحرين تخشى أن ينتشر النموذج الإيراني الثوري الذى قاده آية الله روح الله الخميني وأنصاره في جميع أنحاء العالم العربي.

وتمثلت أبرز ملامح ذلك في تأسيس الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين (IFLB) بتنسيق من أحد أبرز قادة الثورة الإيرانية والشخص المقرب من الخميني وهو آية الله العظمى حسين علي منتظري، وهو عبارة عن منظمة تعمل بالوكالة لصالح إيران وكانت تحاول القيام بانقلاب بهدف تشكيل "حكومة إسلامية" في البحرين وطرد الوجود العسكري الأمريكي منها.

وهو الأمر الذى واجهته السلطات البحرينية بحدة شديدة تمثلت في اعتقال السلطات البحرينية للمئات من أعضاء IFLB وحكمت على 73 بالسجن، بما في ذلك 11 سعودياً وعماني وكويتي – لكن المفارقة أنها كانت لا تضم إيراني واحد. وحتى اليوم تتمتع الجمهورية الإسلامية بعلاقات مع بعض الجماعات الشيعية المتشددة المناهضة للحكومة في البحرين مثل كتائب الأشتر وسرايا المختار.

والجدير بالذكر، إنه في أعقاب الربيع العربي في البحرين عام 2011، أصبح الحكام في المنامة أكثر قلقاً من الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الشيعية البحرينية المعارضة المدعومة من إيران في البحرين، لكن هذا لا يعني أن كل شيعة البحرين موالون لإيران، وأن كان لطالما يتم اتهامهم بذلك.

ومن ناحية أخرى، لطالما تنظر طهران إلى في الوقت نفسه إلى سياسة البحرين الخارجية على أنها تهديد أيضاً، باعتبارها واحدة من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية من خارج الناتو (MNNA) ، وتستضيف أيضاً الأسطول الخامس الأمريكي بما يعمل على توطيد الوجود الأمريكي في الخليج وهو الأمر الذى يزعج إيران بشدة. بالإضافة إلى ذلك، بصفة البحرين ثاني دولة عربية تنضم إلى اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية، تشعر طهران بالتهديد من علاقة البحرين بإسرائيل، التى تعد من أشد أعداء إيران في المنطقة.

ثانياً- بداية جديدة

رغم هذه المشاكل والتوترات الخطيرة في العلاقات بين المنامة والرياض، الإ أنهما شرعا عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية إلى إجراء بعض التبادلات الدبلوماسية، هو الأمر الذى تمثلت أبرز ملامحه في حضور وفد إيراني الدورة 146 لمجلس الاتحاد البرلماني الدولي في البحرين في  13 مارس الفائت. وصرح المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في اليوم ذاته، بضرورة العمل على دفع مسار الدبلوماسية بين إيران ودول المنطقة الأخرى بما في ذلك البحرين.

وبالإضافة إلى ذلك، كشف النائب الأول لرئيس مجلس النواب البحريني عبد النبي سلمان في 21 مارس 2023 عن أن الرحلات الجوية بين البلدين ستستأنف قريباً. وأوضح وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان في مقابلة مع قناة الجزيرة في 29 مارس 2023 أن السلطان العماني هيثم زار البحرين مؤخراً لمناقشة حالة العلاقات بين المنامة وطهران، مما يسلط الضوء على استمرار دور مسقط الطويل كجسر دبلوماسي بين إيران و جيرانها من العرب.

وفي سياق الصفقة الدبلوماسية السعودية الإيرانية، هناك احتمال حقيقي بأن تصبح العلاقة بين البحرين وإيران أكثر اعتدالاً، ومن المؤكد أن تؤدى هذه الصفقة إلى خفض التوترات في المنطقة، مما قد يخلق بيئة أكثر استقراراً للبحرين ودول الخليج الأخرى، وبالطبع في جهود أقل من قبل إيران لدعم الشيعة في البحرين.

ثالثاُ- تحديات متواصلة

تؤكد بعض التقديرات على إنه لن يكون من السهل بالضرورة على البحرين وإيران التغلب على المشاكل الخطيرة التى تشوب علاقتهما الثنائية حتى لو تحسنت العلاقات بين الرياض وطهران بشكل كبير. وبالتالي، لا ينبغي أن نتوقع أي تعزيز جوهري للعلاقات بين البلدين يتجاوز المجاملات الدبلوماسية في المستقبل القريب، لأن المحادثات فيما بينهما ستتطلب أكثر من مجرد التعبير عنها في  بيانات صحفية من إيران حتى تعتبر جادة.

فربما إذا تحسنت العلاقات الثنائية بين البحرين وإيران مع قيام طهران بتقليل، أو ربما إيقاف، دعمها للفصائل الشيعية المناهضة للملكية في البحرين، سيكون من الممكن الحديث عن إمكانية تخفيف الضغوط على كل من الحكومة في المنامة وجماعات المعارضة الشيعية المناهضة لها. ولكن تتضح الإشكالية هنا في أن إيران ستضطر لكبح جماح الحرس الثوري في دعم مثل هذه الجماعات، وهو الأمر الذى لا توجد بشأنه أية مؤشرات بارزة في الوقت الحالي.

ومن ناحية أخرى، لا يزال من غير المرجح أن تحدث أي تحولات كبيرة في نهج الحكومة البحرينية مع المعارضة الشيعية كنتيجة مباشرة لانخراطها الدبلوماسي مع إيران والسياق الإقليمي المتطور بين المملكة العربية السعودية وإيران.

وفي التقدير: يمكن القول أن كل من البحرين وإيران ستظل محتفظة بوجهة نظرها  حول كون الآخر يشكل تهديداً لها، وستظل البحرين متهمة بجلب جهاتخارجية معادية (مثل الولايات المتحدة وإسرائيل) إلى الخليج، وتهديد إيران بشكل مباشر،  وهو تصور من غير المرجح أن يتغير ما لم تتغير علاقات المنامة مع كل من واشنطن وتل أبيب. ومع ذلك، فالجدير بالذكر، أن هناك الآن فرصة فريدة للمنامة وطهران لمعالجة مشاكلهما من خلال الحوار، وربما استئناف العلاقات الدبلوماسية.