المركز العربي للبحوث والدراسات : الدور الدولي في تطبيق العدالة الانتقالية (طباعة)
الدور الدولي في تطبيق العدالة الانتقالية
آخر تحديث: السبت 18/03/2023 06:01 م
م . م علي سعد موسى علي م . م علي سعد موسى علي
الدور الدولي في تطبيق

المقدمة:

يعتبر مصطلح " العدالة الانتقالية " حديث النشأة، حيث غرف بتعاريف متعددة من قبل فقهاء القانون والباحثين في هذا المجال، وتأتي الحاجة الى العدالة الانتقالية مع حدوث التحول السياسي بعد فترة من العنف أو القمع في مجتمع مزقته تركة الحكم المستبد، وويلات العنف السياسي، والانتهاكات الهائلة لحقوق الإنسان، فتتعدد التحديات التي تعترض إعادة بناء المجتمع وتحقيق العدالة في المراحل الانتقالية فيجد المجتمع نفسه في كثير من الأحيان أمام تركة صعبة من انتهاكات حقوق الإنسان، ومن المعروف أن لكل دولة تجربة فريدة مع العدالة الانتقالية تتشكل بتاريخ هذه الدولة وظروفها السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية الحالية. وبناء على ذلك، فإن فهم الاحتياجات والمواقف والمفاهيم المحلية لدى سكانها عن العدالة الانتقالية واعادة بناء المجتمع يعتبر جزءا لا يتجزأ من عملية وضع الإجراءات المشروعة التي تساعد على ضمان الاستقرار والسلام والعدالة، وثمة دول شتى مثل البوسنة والهرسك، وبيرو، وسيراليون، وتيمور الشرقية، تسعى جهدها للتعامل مع جرائم الماضي. ورغبة في تعزيز العدالة والسلام والمصالحة، فقد يفكر المسئولون الحكوميون ونشطاء المنظمات غير الحكومية في انتهاج مختلف السبل القضائية وغير القضائية للتصدي لجرائم حقوق الإنسان ولتحقيق العدالة ومحاسبة المنتهكين, وعدم الإفلات من العقاب وذلك من خلال مساهمتها في دعم المجتمعات بفترات الانتقال من حالة نزاع مسلح الى حالة السلم. ([1])

أهمية البحث:

ان ما توجهه الشعوب من انتهاكات خطيرة وتفرد الانظمة الدكتاتورية بالسلطة يعزز من اهمية موضوع العدالة الانتقالية التي تحتل مكانة مهمة وانية لعملية الانتقال الديمقراطي خاصة وأنها تتزامن مع أوضاع امنية غير مستقرة، وإن كل تحول سياسي يظل هشاً ومرشحاً للتراجع او اعادة انتاج الاستبداد, طالما لم يتم بناء على مصارحة الذات واعتماد آليات بناءة تضمن انتقالاً سلسا يرتكز الى تجارب انسانية رائدة في هذا الشأن, وبصورة بعيدة عن منطق الانتقام والاقصاء كما انه فهم وتبني العدالة الانتقالية يشكل مدخلاً للاستفادة من حجم التضحيات المبذولة وعدم هدرها وتوجيه الاحداث بما يدعم مشاركة الجميع في بناء أسس دولة الحق والقانون.

أهداف البحث:

يهدف هذه البحث الى كشف اهمية العدالة الانتقالية، من خلال التطرق لمختلف تعريفاتها للانتهاء انواع العدالة الانتقالية، وكذلك اليات تطبيق العدالة الانتقالية وأخيراً الدور الدولي في العدالة الجنائية.

إشكالية البحث:

يحاول البحث معالجة مجموعة اساسية من المشكلات ويمكن اجمالها بالاتي:-

1-     حداثة مفهوم العدالة الانتقالية وتعدد مناهجها المترابط والذي يقابله اختلاف الظروف بين المجتمعات .

2-     مدى تطور مفهوم العدالة الانتقالية وتحولها الى احدى متطلبات القانون الدولي المعاصر في ظل التحولات السياسية والديمقراطية الحديثة .

3-      الاختلاف في تطبيق اليات العدالة الانتقالية بين البلدان التي شهدت تجارب سابقة بعد فترات الصراع .

فرضية البحث:

ينطلق بحثنا من فرضية اساسية مفادها تطبيق العدالة الانتقالية في المجتمعات الخارجة من النزاع يعد الضمانة الاولى لعدم النكوص او الارتداد الى حالة النزاع وعدم تكرار انتهاكات حقوق الانسان التي وقعت ابان الحكم الدكتاتوري. 

هيكلية البحث :

قسمنا هذا البحث الى ثلاث مباحث وفقا للخطة التالية، المبحث الاول الاطار النظري المفاهيمي، والمبحث الثاني الدور الدولي في العدالة المتجددة، المبحث الثالث  الدور الدولي في العدالة الجنائية.

المبحث الأول - الإطار النظري المفاهيمي

تمهيد

تعود تسمية العدالة الانتقالية الى التحولات السياسية والتي اراد ناشطي حقوق الانسان ادراج الانتهاكات التي تمت من قبل الانظمة السياسية دون المخاطرة بتلك التحولات، وبما أن هذه التحولات كانت تعرف باسم ((الانتقال الى الديمقراطية Transitions to Democracy)) واضيفت اليها العدالة ((Justice)) ((1) فبدأ يطلق عليها العدالة الانتقالية (( Transitional Justice)). مما سبق يتضح لنا أن مصطلح العدالة الانتقالية يتكون من شقين ((العدالة)) و ((الانتقالية)) ولتفصيل تعريف العدالة الانتقالية بشكل واضح فسنقوم بتعريف العدالة الانتقالية لغة واصطلاحا في المطلب الأول اما المطلب الثاني نوضح انواع العدالة الانتقالية.

المطلب الأول - تعريف العدالة الانتقالية

مصطلح العدالة الانتقالية هو احد المفاهيم الحديثة على المستوى الوطني والدولي وهو يندرج تحت دراسات حقوق الانسان ويرى البعض أيضاً أنه أحد فروع القانون الدولي الإنساني كما يرى البعض الآخر أنه ضمن فقه العلوم السياسية. ونؤيد إندراج العدالة الانتقالية تحت دراسات حقوق الإنسان وهذا ما سنراه من خلال بحثنا، ولبيان ذلك سوف نبحث في التعريف اللغوي ومن ثم الاصطلاحي للعدالة الانتقالية.

أولاً : تعريف العدالة الانتقالية لغة:-

العدل ضد الجور، وما قام به النفوس أنه مستقیم کالعدالة والعدولة والمعدلة، والمعدلة عدل يعدل غير عادل من عدول، وعدل بلفظ الواحد وهذا اسم للجمع رجل عدل يعدل غير عادل، وامرأة عدل، والعدل المثل والنظير کالعدل والعدول (2)، وعديلك المعادل لك (3).

فيقال عدل عليه في القضية فهو عادل، وفلان من اهل المعدلة بفتح الدال أي من اهل العدل ورجل عدل اي رضا ومقنع في الشهادة(4). والعدل : الحكم بالحق، وهو الأمر المتوسط بين الافراط والتفريط(5).

واستخدمت كلمة العدل والعدالة في اكثر من معنى في اللغة العربية بيد أن اكثر استخدام المعنى العدالة انما استقر في ذلك للحقوق اللصيقة بالإنسان، فاستخدم العدل في الحكم بين الناس، وفي القول لهم وفي الحقوق الشخصية، ومن هنا وجدت رابطة صحيحة بين القانون الأخلاقي والعدالة، فهما مرتبطان لا ينفصلان وان كانا متمایزان كل التمايز، فقاعدة العدالة مرتكزة على طبيعة الحوادث ذاتها، وهذه الحوادث ليست أمور افتراضية اخترعها المشتركون وانما حوادث حسية مشاهدة، أما الأصل المحدد للعدالة فيعتمد على ما يدركه الإنسان ذاته أي على القانون الأخلاقي، وكان الأمر كذلك لان القانون الاخلاقي هو الموجب على الانسان احترام العدالة(6).

اما الانتقالية: من المصدر انتقل ينتقل، انتقل الشئ: اي تحول من مكان إلى آخر - انتقل الى رحمة الله. ونقل الشيء: حوله من موضع إلى موضع. والانتقال: التغيير من حال إلى حال، والانتقال من موضع الى آخر، الانتقالي : مكان غير دائم ((حكومة انتقالية)) حكومة يمهد بها لمرحلة مقبلة، ويقال ((المرحلة الانتقالية)) و ((مادة انتقالية)).

ثانياً : تعريف العدالة الانتقالية اصطلاحاً:-

يختلف تعريف العدالة الانتقالية من الناحية الاصطلاحية بحسب الزاوية التي ينظر اليها منه، فينظر الى العدالة الانتقالية من الناحية الفلسفية من خلال نتاجات وابحاث الفلاسفة، وهناك من ينظر اليها من الناحية الدينية أو الأخلاقية اضافة الى الناحية القانونية.

فيرى افلاطون في كتابه الجمهورية ان العدالة هي الصدق بحياة الانسان الداخلية ومصالحه الجوهرية، والعادل هو الذي لا يدع قواه النفسية تتجاوز الوظائف التي خصصت لها، وتتدخل افعال اخرى ليست لها علاقة بها، أي أن العدالة تعني بان عمل قوى النفس وصل الى حالة الانسجام والانتظام وكل هذه القوي تعطي نغمة واحدة في عملها، وان تحقيق العدالة هي الغاية الاساسية لنشوء الدولة عند افلاطون(7).

أما في نصوص القران الكريم فقد وردت العدالة كأحد اسس قيام الدولة، اضافة الى الاساسين الاخرين ((الشورة)) و ((الطاعة) وقد تكررت مادة العدل بمشتقاتها ما يقرب من ثلاثين مرة في القرآن الكريم ويشير هذا التكرار الى عناية الله تعالى بالحديث عن العدالة(8).

المطلب الثاني - أنواع العدالة الانتقالية

      إن العدالة الانتقالية اليوم لم تعد موضوعاً قانونياً فقط بل موضوعاً سياسياً تدخل فيه التسويات السياسية واحتياجات السلام واستقرار الأنظمة الجديدة الهشة، ولهذا يمكن تقسيمها وفقاً إلى الإجراءات المتبعة إلى نوعين:

- العدالة المتجددة : وهي تقوم على الاعتراف الكامل والصادق بالحقيقة عن الانتهاكات السابقة وتقديم العفو للجناة وتحقيق الشفاء الاجتماعي .

مفوضية العدالة الشاملة في السودان، المجلس السيادي والحكومة الانتقالية بضرورة تطوير مواد القانون الجنائي لكي يتمكن من معالجة القضايا المعقدة والمظالم التاريخية، حتى لا يقف عاجزا عن القيام بدوره أو أن تصبح بعض مبادئ القانون عقبة أمام العدالة.. ونقلت عن  رئيس مفوضية العدالة الشاملة، خليل أحمد دود الرجال، إن تعديل القانون الجنائي أصبح مطلبا، قبل أن تصبح بعض مبادئ القانون السامية عقبة أمام العدالة، وأول المبادئ  «عدم سريان القانون بأثر رجعي»، لأن هناك العديد من الجرائم التي يعجز القانون الجنائي السوداني من أن يكيفها ويعاقب عليها لأنه لم يعرفها وبالتالي لم ينص عليها وخصوصا أن المبدأ القانوني «لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص» يجعل الجناة يفلتون من العقاب بسبب غياب النصوص القانونية المكيفة للقضايا المعنية وأضاف رئيس المفوضية: بما أن المبدأ العام وغاية القانون هي حماية الناس والحقوق معا والمساواة فيما بينهم، فإن ذلك يوجب إجراء العدالة الشاملة التي تعالج جميع المظالم التاريخية، والتي لا تسقط بالتقادم مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والإبادة الجماعية والقتل خارج نطاق القانون، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، وجرائم الفساد المالي وجميع الجرائم التي تنطوي على إساءة لاستخدام السلطة التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو/ حزيران 1989. كما أن الجرائم الخطيرة التي وقعت في الفترة ما قبل إحالة ملف السودان / دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية، تتطلب هي الأخرى إنشاء محاكم خاصة لمعالجتها و جميع القضايا والمظالم الشبيهة(9).

- العدالة الجنائية : وهي العدالة التي تقوم على محاسبة منتهكي حقوق الإنسان وايقاع العقوبة المناسبة عليهم والتي يحددها القانون، فهي تقوم على أولوية العقوبة التي لها دور رادع، لأن الجريمة تمثل انتهاك ضد المجتمع بأكمله .

ان المحكمة الجنائية الدولية التي انشئت بموجب خذا النظام الاساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية فالقاعدة في هذا النظام هي ان اختصاص المحكمة المذكورة مكمل لاختصاص القضاء الداخلي للأطراف(10).

أما التطور اللاحق الذي جاء في هذه المحاكمات فهو انشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا ويوغسلافيا، ففي عام 1993م، أصدر مجلس الأمن قراره ذي العدد 808 والذي طلب بموجبه من الأمين العام للأمم المتحدة أن يعد تقريراً حول إنشاء المحكمة الدولية الجنائية خلال 60 يوماً، تلاه إصدار قرار الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة متضمناً مشروع النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا، والذي في ضوءه صدر قرار مجلس الأمن ذي الرقم 827 في عام 1993م، وإكتسبت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا وجودها القانوني في 25 / 3 / 1993م لتكون مهمتها محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان على الاقليم اليوغسلافي منذ عام 1991م (11).

       كما وأنشأ مجلس الأمن الدولي بطلب من الحكومة الرواندية المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا وذلك بقراره رقم 955 المؤرخ في 8 / تشرين الثاني / 1994م، وأرفق مع القرار نظامها  الأساسي المتكون من ( 32 ) مادة (12).

       وغالباً ما تكون العدالة المتجددة إنعكاساً لقرارات داخلية، في حين أن القانون الدولي يرفض ما يرد في العدالة المتجددة من إعفاءات وحصانة لمنتهكي حقوق الإنسان، ولذا فإنه يمكن تقسيم العدالة الإنتقالية من حيث نشؤها إلى:

- عدالة انتقالية داخلية النشوء : وهي العدالة الانتقالية التي تنشأ وتدار من قبل المجتمعات نفسها التي تخرج من الإستبداد أو الصراع .

               انشاء محكمة جنائية عراقية للنظر بالجرائم المرتكبة من قبل رموز النظام السابق وتشكل من قضاة عراقيين وتطبق القوانين العقابية واصول المحاكمات الجزائية العراقية، فضلاً عن الاستعانة بخبرات القضاة الاجانب, ممن لهم خبرة وممارسة في المحاكم الدولية الجنائية, والاستعانة بالمواثيق الدولية في حالة غياب النصوص القانونية العقابية في قانون العقوبات العراقي(13).

               حيث صدر القانون رقم (1) لسنة 2003 في 1 كانون الاول 2003 وبناء على هذا القرار انشئت محكمة عراقية متخصصة باسم (المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الانسانية) ثم عدلت التسمية الى المحكمة الجنائية العراقية العليا بموجب القانون رقم (10) لسنة 2005 في 18\10\2005.

- عدالة انتقالية خارجية النشوء : وهي العدالة الانتقالية التي تنشأ من قبل أطراف محايدة لا علاقة لها بالصراع، كما هو الحال مع المؤسسات الدولية (14).

بعد ان اندلعت الحرب العالمية الثانية وما خلفته من جرائم وانتهاكات فظيعة لحقوق الانسان خصوصاً من قبل القوات النازية الالمانية اعلن الحلفاء قبل نهاية الحرب انهم يعتزمون محاكمة مجرمي الحرب فوراً وتم التوقيع في لندن عام 1945 على انشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الالمان (محكمة نورمبرغ) واليابانيين (محكمة الشرق الاقصى- طوكيو).(15).

     إن الاختلاف بين الباحثين والكتاب لا يقتصر على مفهوم العدالة الانتقالية وأنواعها بل يشمل أيضاً نشأتها، حيث لا يوجد اتفاق فيما بينهم في الإجابة على سؤال مهم وهو متى بدأت العدالة الانتقالية ؟

      فالبعض منهم يرجع العدالة الانتقالية إلى فترة أوائل التسعينات وذلك بانتقال دول أوربا الشرقية  ودول أمريكا اللاتينية من الأنظمة الاستبدادية الى الديمقراطية حيث تم ذكر مصطلح العدالة الانتقالية في مؤتمر سالزبورغ في النمسا في آذار/1992م عندما اجتمع رجال سياسة وصحفيين واعضاء من المجتمع المدني في دول ( أمريكا اللاتينية كالاورغواي والأرجنتين، ومن شرق أوربا كهنغاريا و بلغاريا وتشيكسلوفاكيا )، لمناقشة ( تحمل تركة النظام السابق )، ويعد هذا المؤتمر من أولى المناسبات التي ظهرت فيها المشاكل المعاصرة للعدالة الانتقالية ( من يعتبر ضحية ؟ وكيف يمكن التعامل مع المجرمون الصغار ؟ كما تم مناقشة الأسئلة حول تمويل وتدويل مثل هذه العمليات )(16).

 

       أما البعض الآخر فيرجعها إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. في حين يذهب البعض إلى اعتبار نهاية الحرب العالمية الثانية عندما شهد القانون الدولي تطورات لأول مرة تسمح له بالتعامل مع انتهاكات وظلم الأنظمة الدكتاتورية السابقة، حيث تعتبر محاكمات نورمبيرغ في أغلب الأحيان ( لحظة ولادة ) للعدالة الانتقالية، إذ قامت للمرة الأولى هيئة دولية وباسم الإنسانية بمحاسبة جناة على ما ارتكبوه من جرائم حرب وإبادة جماعية.

       ويذهب البعض إلى أن العدالة الانتقالية كممارسة وليس كمفهوم ترجع إلى عودة الديمقراطية بعد حكم الطغاة الثلاثون* في أثينا أعطى مثالاً للعدالة الانتقالية حيث عمدت الحكومة الديمقراطية الجديدة على الموازنة بين المحاكمات والعفو وعموماً منح العفو لمنتهكي الحقوق في ذلك الوقت فيما عدا المسؤولين الكبار في النظام السابق.

       مما تقدم يمكن القول بأن العدالة الانتقالية كممارسة تمتلك جذور تاريخية ضاربة في القدم ولكنها كمفهوم لم تتبلور إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وإن اختلاف الباحثين في تحديد نشأتها ومفهومها يتحدد بفهمهم الخاص لهذه الظاهرة وانعكاساً لخلفياتهم العلمية والثقافية، فغالباً ما نجد الباحثين القانونيين يركزون على اعتبار العدالة الجنائية هي العدالة الانتقالية، ويذهبون إلى إن محاكمات نورمبيرغ هي التي تمثل النشأة الأولى لها، في حين نجد أن أغلب الباحثين الاجتماعيين والسياسيين يرون أن العدالة الانتقالية تشمل العدالة الجنائية في بعض صورها و العدالة المتجددة في صورها الأخرى وإن الاختيار بين النموذجين يعتمد على الواقع الذي تمر به الدول، كما انهم يرجعون نشأة العدالة الانتقالية إلى فترات زمنية متفاوتة (17).

       فالعدالة الانتقالية ليست مفهوم نظري بل هي ممارسة أيضاً، وبما إن الدول تختلف في ممارستها للعدالة الانتقالية فإن هذا المفهوم يمكن أن يستمر بالتطور ليشمل آليات أخرى لم تكن موجودة في البحوث والدراسات السابقة .

المبحث الثاني - الدور الدولي في العدالة المتجددة

العدالة الانتقالية لمجتمعات ما بعد الصراع

لكل تجربة طابعها الخاص وأن ليس ثمة نماذج عالمية حول كيفية مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية أو حتى ضرورة مواجهتها. وفي الوقت نفسه، توجد مخاوف متشابهة يعبر عنها الضحايا واهلهم بعد الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، و في حالة السودان بينما تتردد اصوات المصالحة الوطنية وعفا الله عما سلف كالعادة في جنبات التسوية السياسية لازمة الحكم بالبلاد ينادى البعض ويطالب بأهمية مواجهة الماضي ويأتي هذا المقال ليؤكد على هذه الاهمية ويدعو للعدالة الانتقالية في عملية السلام والتحول الديمقراطي و مواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، وتشمل مبررات هذه الدعوة ضرورة السعي لتقوية الديمقراطية حيث أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم على أساس أكاذيب وافتراضات مفروضة (18)، وأن وجود جهودا مستمرة ومنظمة ومتسقة لمواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية أكثر قوة. ويتم ذلك بشكل كبير من خلال إرساء مبدأ المحاسبة ومن خلال بناء ثقافة ديمقراطية كما أن هناك واجبا أخلاقيا في التذكر، ولقبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا، فنسيان الضحايا يعتبر شكلا من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة وثمة مبرر آخر وهو أنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه – فهو دائما سيطفو على السطح – لذلك من الأفضل إظهاره بطريقة بناءة وشافية(19)، و ما من شك أن وقف حرب جنوب السودان والتوجه نحو الحل السلمي للقضية هو عملية تدعو للارتياح والتفاؤل وخطوة صحيحة لوقف الحرب والاقتتال والآثار المدمرة في كافة مجالات الحياة وفى جميع بقاع البلاد، ومع ذلك فان حقيقة الواقع السياسي بالبلاد و انفراد الحكومة والحركة الشعبية بحسم قضايا الحكم والثروة في ظل المناخات الإقليمية والدولية البالغة التأثير في عملية التسوية الثنائية بين أقوياء الصراع السياسي المسلح بجنوب السودان باعتبار أن التسوية هي أولى متطلبات عملية السلام تثير الهموم حول مدى ارتباط التطورات المرتقبة بالعدالة ففي التجربة التاريخية ببلادنا كما في الوقت الراهن ظلت عقلية التجزئة هي التي تحكم مسارات الممارسة السياسية وتؤكد الكثير من الشواهد على ان القوى السياسية فى السودان لم تبلور محتوى حقوقي وعدلي متماسك في ممارستها ومواقفها التاريخية مما اسهم بدوره بشكل أو بآخر في استمرار الدوران في الحلقة الشريرة ما بين ديمقراطية قصيرة العمر وانقلاب طويل المدى عليها ونود هنا ان نثير مدى اهمية العدالة الانتقالية في عملية التحول الديمقراطي و مدي أهمية ارتباط عملية السلام بالعدالة، ونتساءل هل التسوية و(المصالحة ) تعني بالضرورة تجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة أم هي رغبة في وقف القتال والانتقال بالصراع إلى ساحة مؤسسية في الحياة المدنية وهل اطراف التسوية المرتقبة لسلام السودان واتفاقيات الحل السياسي مع حكومة الإنقاذ كمصالحة وطي لصفحات تلك التكلفة الباهظة لمشروع الدولة الدينية للجبهة الإسلامية دون حساب ودون معرفة الحقائق, والتعبير عن الغضب أو الذنب(20)، روح القصاص المتوازن أو الصفح ؟ وننطلق في تساؤلاتنا هنا من قناعتنا بأن ليس هناك من ينكر أن السنوات الماضية من عهد حكومة الإنقاذ ملئيه بالأحداث الجديرة بعدم تجاوزها دون الوقوف عندها ودراستها ومعالجتها من منظور حقوق الانسان وحق الضحايا في رد المظالم وكشف الحقائق، وعلي الرغم من أن تحليل خلفية ما حدث قد يتداخل في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد إلا أن معالجة تداعياته ونتائجه الراهنة في حاجة لحركة حقوق وعدالة شعبية المطالب و المنابر مع بذل الجهد في مختلف الجبهات، ومازال من المتوقع من المنظمات المهتمة بحقوق الانسان والقانون والنشطاء المستقلين في بلادنا والذين تراكم لديهم الكثير من الخبرات خلال الفترات السابقة المساهمة في نهوض عميق واداء دورهم في المرحلة القادمة بصورة أكثر فاعلية وذلك عبر اقتراح وتفعيل اليات كشف الحقائق و العدالة والمصالحة، من منطلق ان من حق الشعب معرفة ما الذي حدث ومن سيسامح من ؟ ولاشك أن الصفح والرغبة في الانتقام هما عنصران يمثلان جزءاً مشروعاً من عملية المصالحة التي ينبغي ان تقوم علي حرية الاختيار لا على التوقعات المفروضة(21)، وافضل ما يمكن أن تقدمه مثل هذه الدعوة للعدالة من هذا المنطلق هو العمل علي تحقيق العدالة الشاملة في ظل سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية واحترام حقوق الانسان مع صون كرامة الجناة والضحايا علي السواء، فمعرفة الحقائق حول جرائم حقوق الانسان بقدر ما تهيئ أرضية لاحترام تجارب الآخرين فأنها من الأهمية بمكان لمعرفة العناصر البنيوية فى تركيبة اجهزة الدولة التى أدت لحدوث مثل هذه الاخطاء والمساعدة في عدم تكرار نفس الاخطاء فى المستقبل، فكما تؤكد الدراسات المستندة لتجارب الماضي وطرق المعاملة الحالية في الحاضر كأساس نحو حلول مستقبلية أن الاختلاف في فهم المعاملة المنصفة يؤثر على تشكيل مفهوم الانسان عن العدالة فالكيفية التي ينظر بها الأفراد أو الجماعات للطرق التي يعاملون بها تؤثر بالضرورة على تشكيل سلوك يتسم بروح التعاون أو المقاومة الأمر الذي يؤثر تأثيرا قويا على أي عملية لبناء واستقرار السلام والديمقراطية بالبلاد .

المصالحة والعدالة الانتقالية:

كثيرا ما تتم الإشارة إلى مفهوم “المصالحة” في المناقشات المتعلقة بالعدالة الانتقالية غير أن لهذا المفهوم عدة معانٍ مختلفة. فهو في نظر البعض، مرتبط بالجهود المبذولة من جانب أحد الأنظمة العسكرية البائدة “لطي صفحة الماضي” أو “للعفو والنسيان”. لكن المدافعين عن حقوق الإنسان نادرا ما يقبلون هذه الصيغة من المصالحة، محتجين بقوة بأن المصالحة الحقيقية يجب أن تكون مرتبطة بالمحاسبة والعدالة والاعتراف بالجرائم الماضية. أما الانتقاد الثاني الموجه إلى المصالحة فهو أنها تقدم غالبا كهدف نهائي وقابل للإنجاز دون إيلاء ما يكفي من الاهتمام للعملية التي يمكن أن تنجز من خلالها. وعليه، فإن الإفراط في التركيز على المصالحة قد يؤدي إلى الفشل وخيبة الأمل. ومن جهة أخرى، فإن النظر إلى المصالحة على أنها عملية جارية تشتمل على عناصر متداخلة، بما في ذلك المحاسبة، قد استدل على أنها قد تساعد في تقوية الديمقراطيات الناشئة من خلال بناء علاقات التبادل والثقة.

إن مجال العدالة الانتقالية – أو السعي من أجل العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي – مجال يهتم بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، و تحليل هذه الاستراتيجيات وتطبيقها عمليا بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية. وفي الجانب النظري والعملي، تهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة إصلاح الضرر، والعدالة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية. وهي إضافة إلى ذلك – ترتكز على اعتقاد مفاده أن السياسة القضائية المسؤولة يجب أن تتضمن تدابير تتوخى هدفا مزدوجا وهو المحاسبة على جرائم الماضي ومنع الجرائم الجديدة، مع الأخذ في الحسبان الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات.، وتقوم العدالة الانتقالية ايضاً على معتقد مفاده أن المطالبة بالعدالة الجنائية ليست شيئا مطلقا، ولكن يجب أن تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون(22). ويعتبر كذلك أنه في السياقات الانتقالية قد توجد ثمة قيود عملية معينة على قدرة بعض الحكومات على اعتماد إجراءات قضائية خاصة. وقد تشمل هذه القيود نقصا في الموارد البشرية والمادية أو نظاما قضائيا ضعيفا أو فاسدا، أو سلاما أو انتقالا ديمقراطيا هشا أو نقصا في الأدلة الجنائية أو وجود عدد كبير من مرتكبي الأفعال أو عدد كبير من الضحايا أو عراقيل مختلفة قانونية أو دستورية مثل قوانين العفو. غير أنه في إطار العدالة الانتقالية، لا تعتبر هذه القيود كعذر يبرر عدم القيام بأي شيء، بل كلما تحسنت وضعية أحد البلدان مع مرور الوقت، يتوقع من الحكومة التي تليها أن تحاول إصلاح المظالم الناجمة عن القيود السابقة.، ومن حيث كونها مجالاً، وقد اشارت دراسة مترجمة ل نيل ج . كريتز حول (التقدم والتواضع: البحث المتواصل عن العدالة فى حالات مابعد انتهاء الصراعات ) الى ان العدالة الانتقالية تركز على الأقل على خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية: اولاً: المحاكمات (سواء المدنية أو الجنائية، الوطنية أو الدولية، المحلية أو الخارجية). وثانياً: البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق (سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأمم المتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية) ثالثاً: التعويض (سواء من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل) رابعاً: الإصلاح المؤسسي (بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإزاحة مرتكبي الأفعال من المناصب العامة وتوعية وتدريب للموظفين العموميين حول حقوق الإنسان )، وخامساً : إقامة النصب التذكارية وإحياء “الذاكرة الجماعية “. ويشمل هذا المجال كذلك عدة قضايا تلتقي فيما بينها ولاسيما التحليل النقدي لمشكلة الإفلات من العقاب (ويضم ذلك إشكالية دور العفو أثناء الفترة الانتقالية) وفهم المبادرات التي تستهدف إرساء المصالحة. وكثيرا ما تتم الإشارة إلى مفهوم “المصالحة” في المناقشات المتعلقة بالعدالة الانتقالية. غير أن لهذا المفهوم عدة معانٍ مختلفة. فهو في نظر البعض، مرتبط بالجهود المبذولة من جانب أحد الأنظمة العسكرية البائدة “لطي صفحة الماضي” أو “العفو والنسيان”. لكن المدافعين عن حقوق الإنسان نادرا ما يقبلون هذه الصيغة من المصالحة، محتجين بقوة بأن المصالحة الحقيقية يجب أن تكون مرتبطة بالمحاسبة والعدالة والاعتراف بالجرائم الماضية وينظرون لمصطلح “المصالحة” باعتبارها الجهود الرامية إلى إرساء السلام والثقة الوطنية بين الخصوم القدامى – في سياق من العدالة والمحاسبة أما الانتقاد الثاني الموجه إلى المصالحة فهو أنها تقدم غالبا كهدف نهائي وقابل للإنجاز دون إيلاء ما يكفي من الاهتمام للعملية التي يمكن أن تنجز من خلالها وعليه، فإن الإفراط في التركيز على المصالحة قد يؤدي إلى الفشل وخيبة الأمل ومن جهة أخرى، فإن النظر إلى المصالحة على أنها عملية جارية تشتمل على عناصر متداخلة، بما في ذلك المحاسبة تساعد في تقوية الديمقراطيات من خلال بناء علاقات التبادل، والثقة(23).

لجان الحقيقة

لجنة الحقيقة أو لجنة الحقيقة والمصالحة هي لجنة مكلفة بتحديد وكشف أخطاء الماضي التي ارتكبتها الحكومة (أو بحسب الظروف، الجهات غير الحكومية) على أمل حلّ النزاعات التي خلفها الماضي تنشئ بعض الدول الخارجة من فترات الاضطرابات الداخلية أو الحروب الأهلية أو تلك الخارجة من الديكتاتورية لجان الحقيقة تحت مسميات مختلفة في البحث عن الحقيقة وإتمام المصالحات، تكون للجان الحقيقة آثار سياسية: فهي تتخذ القرارات باستمرار عندما تحدد أهدافًا أساسية مثل الحقيقة والمصالحة والعدالة والذاكرة والاعتراف بأخطاء الماضي وتقرر كيف ينبغي تحقيق هذه الأهداف ومن هم الذين يجب أن تُحقق احتياجاتهم.

وفقًا للتعريف الأكثر شيوعًا: تركز لجنة الحقيقة على الأحداث الماضية وليس الأحداث الجارية؛ تحقق في نمط من الأحداث التي وقعت طوال فترة زمنية معينة؛ تتناقش بشكل مباشر وواسع مع السكان المتضررين وتجمع المعلومات عن تجاربهم؛ هي هيئة مؤقتة مفوضة بشكل رسمي من الدولة قيد المراجعة لوضع تقرير نهائي.

ضمن نطاق العدالة الانتقالية، تميل لجان الحقيقة نحو نماذج العدالة التصالحية وليس العقابية. هذا يعني أنها غالباً ما تفضل الجهود الرامية إلى التوفيق بين المجتمعات المنقسمة في أعقاب الصراع أو إلى التوفيق بين المجتمعات وماضيها المضطرب بدل محاولة محاسبة المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان(24). تدافع لجان الحقيقة بنسبة أقل عن أشكال العدالة التعويضية والجهود المبذولة لإصلاح الأضرار السابقة ومساعدة ضحايا النزاع أو انتهاكات حقوق الإنسان على التعافي، على أن يتم ذلك إما عبر تعويض الضحايا، سواء ماليًا أو بوسائل أخرى، أو تقديم الاعتذار الرسمي أو إحياء ذكرى أو الوقوف على آثار انتهاكات حقوق الإنسان السابقة أو بوسائل أخرى. على سبيل المثال، فقد كان للتعويضات المقدّمة دورٌ محوريٌّ في هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية.

مهام لجان الحقيقة

بما أنها هيئات مفوّضة من الحكومات، تشكل لجان الحقيقة أحد أشكال البحث الرسمي عن الحقيقة, وبالتالي يمكنها تقديم أدلة ضد إرهاب الدولة وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الجرائم الأخرى يؤكد مؤيدو هذه اللجان بشكل متزايد على أهمية المضي قدمًا لتحقيق الحق في الوصول للحقيقة. تُنتقد لجان الحقيقة في بعض الأحيان لأنها قد تسمح لمرتكبي الجرائم ومنتهكي حقوق الإنسان بالإفلات من العقاب. هنا تختلف أدوار اللجان وقدراتها بشكل كبير(25).

تركزت إحدى المسائل الصعبة التي نشأت حول دور لجان الحقيقة في المجتمعات الانتقالية على ماهية العلاقة التي ستنشأ بينها وبين المحاكمات الجنائية.

تصدر لجان الحقيقة تقارير نهائية تسعى لتقديم سرد موثّق للأحداث الماضية والتي تتحدى في كثير من الأوقات ما يتم تسويقه عن تلك الأحداث. تشمل لجان الحقيقة التي تؤكد على التوضيح التاريخي لجنة التوضيح التاريخي في غواتيمالا التي ركزت على إعداد سرد يصحح النسخة التي سوقتها الحكومة العسكرية السابقة عن الأحداث التي وقعت، كما ركزت لجنة الحقيقة والعدالة في موريشيوس على تركة الاستعمار من عبودية واستبداد لفترات طويلة. تهدف لجنة الاستقبال والحقيقة والمصالحة في تيمور الشرقية أيضًا إلى سرد قصة وطنية جديدة لتحل مكان النسخة التاريخية التي كانت سائدة وتُروّج في ظل الحكم الأجنبي(26).

لجان جبر الضرر

من اجل وضع مقاييس ومعايير لجبر الضرر ينبغي الاستناد إلى المرجعية الدولية في موضوع جبر الأضرار، واستحضار التطورات التي يعرفها القانون الدولي على الصعيد النظري أو في الممارسة، وذلك وفقا لما يلي(27):

1.     تتضمن مقتضيات القانون الدولي مبادئ ومعايير مهمة موزعة بين عدد من الصكوك العالمية والإقليمية ذات الصلة بحقوق الإنسان والتي تتضمن مقتضيات صريحة تنص على حق الأشخاص ضحايا انتهاكات جسيمة في الاستفادة من وسائل للتظلم أمام الجهات المختصة على الصعيد الوطني. بل إن بعض الصكوك تتضمن مقتضيات صريحة تنص على حق الضحايا في التعويض وجبر الضرر.

2.     احتل الموضوع مكانة مهمة ضمن الاجتهادات الفقهية والنظرية على صعيد لجنة حقوق الإنسان وباقي اللجان المعنية. فإلى جانب الجهود السياسية المبذولة في إطار اللجنة المذكورة، أفضت تلك الاجتهادات إلى اعتماد وثيقة تتضمن المبادئ العامة والتوجيهية الأساسية المتعلقة بحق ضحايا خروقات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الانتصاف والجبر.

إن التعويض عن الأضرار التي لحقت بضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (مثل الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والنفي …..) أو ما يسمى بجبر الضرر، تعترف الحكومات عبره بالأضرار التي لحقت بهم وتتخذ تدابير وإجراءات لمعالجتها، علما بأن مبدأ التعويضات أصبح إلزاميا بموجب القانون الدولي. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كدفع مبالغ مالية للضحايا أو تقديم لهم خدمات صحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن أعمال رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى).

أما الأهداف المتوخاة من تدابير التعويض (سواء كانت مادية أو معنوية) فهي عديدة ومتنوعة ومن بينها الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفرادًا، وترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية، تشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا، ورفع الحيف والتهميش عن بعض المناطق وﺗﻬيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة.

وهناك أشكال إضافية وهامة من أشكال تعويض الضحايا. ومن أمثلة ذلك، إجراءات لمساعدة السكان الذين تم ترحيلهم بالقوة أو الذين سلبت أراضيهم، أو إعادة الإدماج في المناصب السابقة في الوظائف العمومية، أو وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، أو رسائل شخصية للاعتذار من طرف الحكومات التالية، أو مراسيم دفن ملائمة للضحايا القتلى، أو تخصيص أماكن عامة وأسماء الشوارع أو رعاية المعارض الخاصة أو الأعمال الفنية أو بناء النصب التذكارية العامة والمآثر والمتاحف، إلخ…

ويمكن لجبر الضرر أن يشكل مدخلا أساسيا للإصلاح المتجه نحو وضع ضمانات عدم تكرار ما جرى وإرساء مقومات بناء المستقبل. ولذلك لا يمكن الاقتصار، في مسار استعادة الثقة، على مجرد التمكين من تعويضات مادية أو خدمات اجتماعية، بل ينبغي العمل على ضمان تمتع الضحايا، كمواطنين، بكامل حقوقهم، بما فيها حق المشاركة في مسلسل الإصلاحات لتعزيز بناء دولة القانون والمؤسسات.

في هذا السياق نذكر بعض الأمثلة :

1.     من 1996 إلى 2008، دفعت حكومة تشيلي أكثر من 1.6 مليار دولار معاشاتِ تقاعد لبعض ضحايا نظام بينوشي وأرست برنامجاً متخصّصاً للعناية الصحية للناجين من الإنتهاكات. وترافق ذلك باعتذار رسمي من الرئيس.

2.     منحت الدولة المغربية تعويضات فردية وجماعية على أكثر من 50 عاماً من الانتهاكات الواسعة النطاق. ويتضمّن ذلك تمويل المشاريع المقترحَة من المجتمعات المحلية التي استُبعدت في السابق عمداً من برامج التنمية لأسباب سياسية.

3.     في عام 2010، اعتذر رئيس سيراليون رسمياً للنساء، ضحايا النزاع المسلّح في بلاده منذ 10 سنوات. ويدخل هذا الاعتذار ضمن الجهود المبذولة لتوزيع تعويضات متواضعة للضحايا الذين يستوفون الشروط، وتأمين إعادة التأهيل ومنافع أخرى لهم.

4.     أصدرت الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا أمراً بإعطاء تعويضات رمزية وجماعية في الإدانة الأولى للمحكمة على الجرائم ضدّ الإنسانية. وأمرت المحكمة إدراج أسماء ضحايا سجن شهير على موقع المحكمة الإلكتروني، فضلاً عن اعتذارات المُدانين.

كما نشير إلى أن مبادرات التعويض – حسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية – يمكن ان تعزز اكثر من خلال ربطها بأشكال أخرى من الاعتراف، والعدالة، وضمانات عدم التكرار، بحسب ما توصي به المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات.

لجان أخرى

بعد لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، أنشئت العديد من لجان الحقيقة واستمر إنشاؤها فانتشرت على نطاق واسع في أعقاب نزاعات الحروب الأهلية كمكون أساسي لاتفاقيات السلام في أفريقيا منذ عام 1990. 

بدأت اللجان بالعمل أيضًا مع الشعوب الأصلية في بعض البلدان مثل كندا التي شكّلت فيها عدة لجان للمصالحة نتيجة مطالبة بعض المدارس الواقعة في مناطق يقطنها الهنود من السكان الأصليين بذلك كما أجرت أستراليا تحقيقًا وطنيًا في فصل أطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس عن أسرهم. من ناحية أخرى، شكّلت ألمانيا لجنتين لتقصي الحقائق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في ألمانيا الشرقية إبان الحكم السوفييتي.

المبحث الثالث - الدور الدولي في العدالة الجنائية

تمهيد

تنتمي دراسات العدالة الانتقالية بشكل تقليدي إلى حقل القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع التطور في تطبيقات المفهوم تم توسيع مجالات دراسة المفهوم لتشمل العديد من الآليات والأهداف تنتمي للعديد من المجالات العلمية والبحثية. والآن يمتد الاهتمام بالعدالة الانتقالية عبر العديد من المجالات العلمية لاسيما مع إسهامات علماء القانون والسياسية والاجتماع والأنثروبولوجي والمؤرخين، ورجال دين، والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، وتعكس هذه الممارسات والأجندات البحثية التطورات المستمرة في مفهوم العدالة الانتقالية، والظواهر المرتبطة به من قبيل جهود تحقيق العدالة.

المطلب الأول - تاريخ المحاكم الجنائية

أولاً: مؤتمر السلام التمهيدي 1919

المحاكم الجنائية في أعقاب الحرب العالمية الولى وعن القوى المنتصرة والمتحالفة معها إلى عقد مؤتمر السلام التمهيدي في باريس 1919، وفي هذا المؤتمر طرحت عدة موضوعات من أهمها محاكمة قيصر ألمانيا (غليوم الثاني) وباقي مجرمي الحرب الألماني والمسئولين الأتراك المتهمين بانتهاك القوانين الإنسانية وانتهت أعمال المؤتمر في 28 يونيو 1919 إلى إبراه معاهدة السلام التي نصت في المادة (227) منها على إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة قيصر ألمانيا (غليوم الثاني) كما نصت المادتين (288-229) من المعاهدة على محاكمة ضباط الجيش الألماني المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية لأى من الدول المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية لأى من الدول المتحالفة أو أمام المحاكم العسكرية لأى من الحلفاء.

تعترف الحكومة الألمانية بحق الدول المتحالفة والمتعاونة في تقديم الأشخاص المتهيمن بارتكابهم أفعالا مخالفة لقوانين وأعراف الحرب للمثول أمام المحاكم، وأنه سوف يتم التوقيع على ما ينص على القانون من العقوبات على هؤلاء الأشخاص في حالة إدانتهم، وسوف تسرى هذه المادة بغض النظر عن أي إجراءات أو محاكمات أمام أي من المحاكم في ألمانيا أو في أراضي أي دولة من حلفائها.

سوف تقوم الحكومة الألمانية بتسليم جميع الأشخاص المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب ممن يتم تحديدهم بالاسم أو الدرجة الوظيفية أو الإدارة أو العمل الذي خول إليهم بمعرفة السلطات الألمانية إلى الدول المتحالفة والمتعاونة أو إلى أى دولة من هذه الدول ممن يطلب ذلك من هذه القوى).

الأشخاص الذين ثبت إدانتهم بارتكاب جرائم ضد مواطني أي من الدول المتحالفة والمتعاونة سوف يتم تقديمهم للمثول أمام المحاكم العسكرية لهذه الدول.

في جميع الأحوال بحق لأى من المهتمين تحديد المحامي الذي يترافع عنه، م (229) والملاحظ على نص المادتين(228-229) من معاهدة فرساى أنهما لم يهملا دور القضاء الجنائي الوطني عند صياغة النظام القضائي الجنائي الدولي، بل وكانت لهذا القضاء الأولوية في النظر في التهم الموجهة لمرتكبي الجرائم ضد مواطني أكثر من دولة من الدول المتحالفة، لكن هذا الاعتبار كان يقابله من ناحية أخرى عدم الاعتراف بالأحكام والإجراءات التي تكون قد باشرتها المحاكم الألمانية أو محاكم أي دولة حليفة لها (28).

وأعمالا لنص المادتين (228-229) شكل المؤتمر لجنة ضمنت في عضويتها ممثلين اثنين عن كل دولة من الدول الخمس العظمى آنذاك (الولايات المتحدة الأمريكية) الإمبراطورية البريطانية – فرنسا – إيطاليا – اليابان) (29).

ثانياً: محاكمات ليبرزج عام 1932.

لم تبدأ محاكمات ليزج إلا عام 1923، بالرغم من أن اللجنة المكلفة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء الحرب العالمية الأولى انتهت من أعمالها عام 1919 وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على عدم الجدية في ملاحقة مرتكبي الحرب ومنتهكي قوانينها وأعرافها هذا على الصعيد الزمني . أما على الصعيد الشخصي فلم تقدم لائحة اتهام إلا لـ (45) متهما فقد من أصل (854) وردت أسمائهم بالقائمة التي جرى إعدادها من قبل لجنة 1919 وفعليا لم يمثل أمام المحكمة سوى (12) ضابطا متهما بارتكاب خرق قوانين الحرب وتراوحت الأحكام التي صدرت بحقهم بين ستة أشهر وأربع سنوات ولم يقض أى منهم مدة محكوميته فعليا (30).

وربما وقف وراء هذا التراجع في تحقيق العدالة الدولية، السعى نحو لملمة جراج الماضي وطي صفحاته، وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية بين الحلفاء من جهة وألمانيا من جهة اخرى كسبيل لإرساء دعائم السلم في أوربا لاسيما وأن عصبة الأمم كانت قد باشرت أعمالها فعلا واستطاعت تسوية العديد من الخلافات التي كانت فيما مضى تهدد السلم والأمن الدوليين، وفقد استطاعت وبالطرق السلمية تسوية الأزمة (اللتوانية – البلولندية) مدينة فيلنا (Vilon) عام 1920 وتسوية النزاع (الفلندي – السويدي) على جزيرة الاند (Aland) عام 1921 وتسوية النزاع (الألماني – البولندي) على حدود سليزيا العليا عام 1921 والنزاع (الكولمبي – البيروي) على أقليم ليتشيا Leticia والنزاع (البلغاري اليوناني) على الحدود (31).

ولكن الحلفاء ومن وقف ورائهم في الدعوة إلى طي صحفة الماضي فاتهم فشل عصبة الأمم المتحدة في تسوية العديد من النزاعات ومن بينها النزاع (الإيطالي – اليوناني) عام 1923 نتيجة لاحتلال إيطاليا جزيرة كورفو ورفضها الانسحاب نمها إلا بعد توسط فرنسا وإيطاليا، وفاتهم عدم محاكمة مجرمي الحرب العالمية الأولى والصفح عنهم قد يعنى تشجيع غيرهم على ارتكاب مثل هذه الفظائع وربما أكثر منها، وهذا ما حدث فعلاً أثناء الحرب العالمية الثانية حينما لجأ “هتلر” إلى تطهير الرايخ الثالث من اليهود والغجر، وحينما تجرأت الولايات المتحدة الأمريكية على إلقاء القنبلة الذرية على كل من هورشيما ونكازاكي. ولا يفوتنا ما ردده “هتلر” في خطبة عام 1939 بشأن خطته لتطهير الرايخ الثالث من اليهود والغجر” من الذي يتحدث اليوم بعد كل ما حدث عن إبادة الأرض؟ يتضح من كلمات هتلر أنها تعكس وجهة نظر ما زالت سائدة حتى اليوم وهي أن حكم القوى دائما ما يرجح على حكم القانون (32).

المطلب الثاني - المحاكم الجنائية الدولية

قد سبق تناول المحاكم الجنائية التي واكبت الحربين العالميتين وما بعدهما على النحو السالف ذكره، والان نتناول المحاكم الخاصة والمعاصرة والتي تتمثل في محكمتي يوغسلافيا السابقة، ورواندا وذلك على فرعين:

أولاً: المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة

على إثر الجرائم الدولية الفظيعة، وفي مقدمتها ممارسات التطهير العرقي التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك منذ سنة 1991 (كالنقل الإجباري للسكان، والقتل، والاعتقال التعسفى، والاغتصاب المنظم للنساء المسلمات..) أصدر مجلس الأمن الدولي في 22 فبراير 1993 القرار رقم 808 الذى نص على إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 وفي مايو 1993 أكد مجلس الأمن على قراره السابق بموجب القرار رقم 827، ونص على أن تختص هذه المحكمة بنظر الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي وقعت من أول يناير سنة 1991 إلى التاريخ الذ يحدده المجلس بعد إحلال السلام. وقد اعتمد مجلس الأمن بالقرار المشار إليه “النظام الأساسي للمحكمة” (33).

وعلى ذلك فالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لم تنشأ بموجب اتفاقية دولية، وإنما أنشئت بمقتضى قرار مجلس الأمن استناداً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بسلطة المجلس في حفظ السلم والأمن الدوليين. ومن ناحية أخرى فإن هذه المحكمة مؤقتة وليست دائمة ويتحدد اختصاصها المكاني بمنطقة جغرافية محدودة وهي “اقليم يوغسلافيا السابقة” (34).

منذ أول يناير 1991, مما يعنى أن النظام الأساسي للمحكمة يسرى بأثر رجعى حتى التاريخ المذكور, ومقر المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في مدينة لاهاي (هولندا) وتتشكل المحكمة، كما نص النظام الأساسي عند صدوره من أحد عشر قاضياً يتم انتخابهم لمدة أربع سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة من قائمة يعدها مجلس الأمن. على أن يقوم هؤلاء القضاة باختيار قاض من بينهم كرئيس للمحكمة .

وفي 13 مايو 1998 قرر مجلس الأمن أن يكون عدد قضاة المحكمة هو (14) قاضياً(35), وتتكون المحكمة من ثلاثة أجهزة : الأول : هو دوائر المحكمة وهناك ثلاثة دوائر للدرجة الأول، تتألف كل منها من ثلاثة قضاة، ودائرة استئناف وتتكون من خمسة قضاة من بينهم رئيس المحكمة والثاني: هو مكتب المدعى العام، ويعين هذا الأخير من قبل مجلس الأمن، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد والثالث : هو قلم المحكمة.

ولقد حددت المواد من 2 إلى 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الجرائم التي تخضع لاختصاص هذه المحكمة بأنها تشمل ما يلي:-

1.     الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، كالقتل العمد والتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية بما في ذلك التجارب البيولوجية، وأفعال التي ترتكب عمداً لإحداث ألام شديدة أو أضرار جسيمة بسلامة الجسم أو الصحة. وأفعال التدمير للممتلكات أو الاستيلاء عليها، التي ترتكب على نطاق واسع بصورة غير مشروعة، وإكراه أسير حرب أو شخص مدني على الخدمة في القوات المسلحة للدولة المعادية لبلاده أو حرمان أسير الحرب أو شخص مدني من الحق في محاكمة قانونية عادلة، والطرد أو النقل غير المشروع لشخص مدني أو حبسه بدون وجه حق. ومن أمثلة ذلك كرهائن (المادة 2 من النظام الأساسي للمحكمة).

2.     انتهاك قوانين وأعراف الحرب، ومن أمثلة ذلك بصفة خاصة استعمال الأسلحة السامة أو أسلحة أخرى معدة لكي تسبب أضراراً بلا جدوى، والتدمير بدون مبرر للمدن والقرى والتدمير الذي لا تبرره ضرورة عسكرية والهجوم أو القصف على المدن أو القرى أو المساكن أو المنشآت المحمية والاستيلاء أو التدمير أو التخريب المتعمد للمباني المخصصة للعبادة أو الهيئات الخيرية أو للتعليم أو الفنون أو العلوم، والآثار التاريخية، وأعمال الفن، ولإعمال ذات الطابع العلمي، ونهب الأموال العامة أو الخاصة (المادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة).

3.     جريمة الإبادة الجماعية، وتتوافر بارتكاب أي من الأفعال الآتية، بقصد إبادة كلية أو جزئية، جماعة قومية أو عرقية أو دينية أو تنتمي إلى سلالة معينة، بصفتها هذه: القتل العمد أو الاعتداء على سلامة الجسم أو العقل أو إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية من شأنها أن تؤدى إلى إهلاك هذه الجماعة كليا أو جزئيا، أو فرض تدابير بقصد إعاقة التناسل داخل الجماعة، أو النقل الإجباري للأطفال من الجماعة إلى الجماعة الأخرى أو الاتفاق أو التحريض العام والمباشر عن جريمة الإبادة الجماعية، وكذلك المشروع في هذه الجريمة (المادة 4 من النظام الأساسي للمحكمة).

4.     الجرائم ضد الإنسانية، وتشمل وفقاً لنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، الأفعال الآتية إذا ارتكبت خلال نزاع مسلح دولي أو داخلي، وموجهة ضد السكان المدنيين القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، الابعاد، الجبس، التعذيب، الاغتصاب، الاضطهاد لاعتبارات سياسية أو عرقية أو دينية وأي أفعال غير إنسانية أخرى(36).

وفيما يتعلق بالأشخاص الذين تختص المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بمحاكمتهم، فإنه يقصد بهم “الأشخاص الطبيعيون” وبالتالي يستبعد من اختصاها الأشخاص المعنوية التي تكون قد تورطت في إحدى الجرائم سالفة الذكر (المادتان 6، 7/1 من النظام الأساسي (37). والشخص الطبيعي مرتكب الجريمة يعاقب عنها أيا كانت صورة مساهمته فيها، ويستوى أن يكون هو الذي قام بارتكابها أو حرض أو أمر أو خطط أو ساعد أو شجع أو أعد لارتكابها ولا يقيد للإفلات من العقاب بأوامر الرؤساء بارتكاب الجريمة.

كما لا يعتد بالحصانة بالنسبة لرئيس الدولة أو غيره من الموظفين العموميين فيها، بل إن الصفة الوظيفية ليس من شأنها تخفيف العقوبة (المادة 7/2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

والعقوبة التي تملك هذه المحكمة أن تقضى بها على مرتكبي الجرائم المبينة في نظامها الأساسي هي فقط العقوبة السالبة للحرية، في ضوء القواعد التي تطبقها محاكم يوغسلافيا السابقة (المادة 24 من النظم الأساسي للمحكمة) . مع الأخذ في الاعتبار جسامة الجريمة المرتكبة وشخصية الجاني . وقد قضت هذه المحكمة الدولية بالفعل بإدانة العديد من المجرمين، إذ أنها حكمت بالحبس لمدة عشرين سنة ضد “Tadic” الصربي عن جرائم القتل والتعذيب، كما أدانت خمسة متهمين من الكروات بالحبس لمدد تتراوح بين ست سنوات وخمس وعشرين سنة عن جرائم ضد الإنسانية، وعاقبت الجنرال الكرواتي “Blaskic” بالحبس لمدة خمسة وأربعين عاماً وما زالت المحكمة مستمرة في تأدية مسئوليتها حتى الان- ومن أشهر المتهمين الذين يحاكمون أمامها حاليا هو الرئيس اليوغسلافي السابق Solovodan Milosovic.

ومما يجدر التنوية إليه أن هذه المحكمة كانت ذات كيان قانوني مستقل، وأن تبعيتها لمجلس الأمن في حد ذاته لا ينال من استقلالية الإدعاء في هذه المحكمة كونه معيناً من قبل مجلس الأمن – وفي الواقع فإن المحكمة ابتعدت عن مجلس الأمن من خلال إدارتها التابعة لمكتب الشئون القانونية لسكرتارية الأمم المتحدة بينما خضعت أعمالها الداخلية لقواعد العمل الإداري بالأمم المتحدة والأكثر من ذلك فإن مجلس الأمن لم يقم بتمويل المحكمة وإنما طلب ذلك من الجمعية العامة من خلال ميزانيتها العادية، وقد كان ذلك بمثابة اختيار غريب لمجلس الأمن منذ صدور قراره بإنشاء المحكمة عملاً بسلطاته الواردة بالفصل السابع – مما أدى ذلك إلى عرقلة عمل المحكمة بإدخالها في متاهة الإجراءات الخاصة بميزانية الجمعية العامة والتي انخفضت بشده في تلك الأثناء، فقد كان يجب عليه تمويل المحكمة من خلال الميزانية الخاصة بحفظ السلام تجنباً لتلك الصعوبات، ونتيجة لذلك كان تمويل المحكمة غير كاف منذ نشأتها.

كما أن تجربة قيام بعض موظفي الأمم المتحدة بالإشراف الإداري والمالي على المحكمة وخاصة في بعض القرارات الهامة مثل تلك المتعلقة بالموظفين والسفر وحماية الشهود أدت إلى عرقلة تأخير وإحباط الكثير من أعمال المحكمة خاصة فيما يتعلق بأعمال التحقيق والإدعاء (38).

وفي واقع الأمر لم يؤيد جميع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن فكرة إنشاء المحكمة فقد رآها البعض مجرد عرقلة تحول دون الوصول إلى تسوية سياسية للنزاع، بينما رأى البعض من أعضاء مجلس الأمن وبعض الدول الأعضاء أن إنشاء مثل هذا الكيان القضائي كان لابد وأن يكون من خلال الجمعية العامة أو اتفاقية متعددة الأطراف، بينما طالب أعضاء آخرون بضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، ولكن كانت الغلبة لمجلس الأمن في إنشاء تلك المؤسسات الخاصة وذلك لما للتحكم فيها من مزايا سياسية عديدة.

ولقد كان التأخير لمدة عام في تعيين ريتشارد جولد ستون كمدعي عام للمحكمة دليلاً آخر على محاولة تسس تلك المحكمة .

وعلى الرغم من ذلك فقد رفضت حكومة يوغسلافيا الفيدرالية “صربيا والجبل الأسود” الاعتراف باختصاص المحكمة ورفضتا التعاون سواء من خلال التحقيقات أو تسليم المتهمين وقد أدى القصور في التعاون عرقلة قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا على إحضار مجرمي الحرب المتهمين إلى المحاكمة.

ومن جميع ما تقدم يتضح جلياً أن مستقبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا مرتبط بما يقرره مجلس الأمن للمحافظة على السلام، وعلى الرغم من أن مجلس الأمن هو الذى أنشأ المحكمة بموجب سلطاته العقابية لتطبيق قرارات المحكمة حيال أي من المتهمين فضلا عن عدم اتخاذه ضد جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية أو ما يسمى بسلطات جمهورية صربياً، وبعد معاهدة وايتون 1995 قبضت قوات الـ Nato أو Ifor على خمسة من مجرمي الحرب ولكنها لم تقبض على كبار المسئولين حتى الان، الأمر الذي يؤكد تغلب الظروف والاعتبارات السياسية على العدالة مرة أخرى.

ثانياً: المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

إزاء المجازر البشعة والتي قتل فيها مئات الألوف التونسي (39). ومن المعارضين للهوتو في عام 1994 في رواندا، وعلى أقاليم الدول المجاورة وبخاصة في مخيمات اللاجئين بزائير، أصدر مجلس الأمن الدولي في 8 نوفمبر القرار رقم 955، الذي نص على إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن جرائم الإبادة الجماعية، والانتهاكات الجسمية الأخرى للقانون الدولي الإنساني في إقليم رواندا ومحاكمة المواطنين الروانديين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات في أقاليم دول مجاورة، وذلك في الفترة من أول يناير وحتى 31 ديسمبر 1994 .

ومقر هذه المحكمة الدولية في مدينة “أورشا بدولة تنزانيا. والنظام الأساسي لها بتشابه إلى حد كبير مع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة(40).

ولكن تتمثل أهم جوانب الاختلاف بينهما في أمرين:

الأول : فرضته طبيعة النزاع في رواندا، وكونه نزاعا داخلياً، وليس حربا بين دولتين وعلى ذلك فإن محكمة رواندا تختص بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة غير الدولية والمنصوص عليها في المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الثاني الملحق بها الصادر في 8 يونيه سنة 1977 (41).

الثاني : يتمثل الاختلاف الثاني في قواعد تحديد مقدار العقوبة السالبة للحرية التي يجوز لمحكمة رواندا أن تقضى بها على الجاني الذي تثبت مسئوليته عن إحدى الجرائم المذكورة.

فالمحكمة الدولية هنا ستحدد مقدار هذه العقوبة على ضوء القواعد العامة التي تحكم مدد العقوبة السالبة للحرية التي تطبقها المحاكم في رواندا (المادة 23 من النظام الأساسي لمحكمة رواندا، والمادة 101 من لائحة الإجراءات وقواعد الإثبات للمحكمة). ومن أمثلة الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أنها عاقبت ثلاثة من المتهمين بالسجن المؤبد عن جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية . وتلك العقوبات لا تتناسب مع عدد ضحايا المذابح الرواندية من 750 ألف شخص والذي بناء عليه قد صدر قرار مجلس الأمن رقم 955/94 بإنشاء المحاكم الجنائية الدولية لرواندا ونص النظام الأساسي على المسئولية الفردية لبعض الانتهاكات المحددة وتشمل الآتي:-

1-     الإبادة الجماعية

2-     الجرائم ضد الإنسانية

3-     الانتهاكات الجسيمة للمادة الثالثة من اتفاقية جنيف 1994.


 

الخاتمة:-

ان العدالة الانتقالية كتعريف لم تحظ باتفاق بين الفقه او في التطبيق العملي سواء في اطارها الفلسفي او كتطبيق عملي، وانما تعددت التطبيقات والتعريفات التي قيلت حول هذا المفهوم، وان كانت في مجملها تدور حول الانتقال من حالة نزاع مسلح الى حالى السلم او الانتقال من حكم تسلطي الى حكم ديمقراطي.

على الرغم من حداثة العدالة الانتقالية كمصطلح الان ان له جذور وشذرات تعتبر الخيط الذي استدل به او النور الذي استنار به الفقهاء للوصول الى موضوع العدالة الانتقالية الذي مر بتطورات تاريخية مهمة في جميع النظم القانونية الداخلية والدولية حتى وصلت الى شكلها الحالي.

قيام الدول الخارجة من الصراعات والتي تشرع في تطبيق العدالة الانتقالية بأشراك المنظمات الدولية الفاعلة في لجان كشف الحقيقة والضمان نزاهة نتائج عمليات تقصي الحقائق وعدم طمس الادلة وكشف الانتهاكات كون عمل لجان كشف الحقيقة يمهد لاليات العدالة الانتقالية ذات الطابع القضائي.

الهوامش

1)     د. ليلى نقولا رحباني, التدخل الدولي مفهوم في طور التبدل, ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت 2011, ص97.

2)     الفيروز ابادي، القاموس المحيط, ج2, مطبعة الحلبي, مصر، 1952, ص373.

3)     ابي الحسن علي بن اسماعيل بن سيدة المرسي, المحكم والمحيط الاعظم, المجلد 2, ط1, دار الكتب العلمية, بيروت 2000, ص11.

4)     محمد بن ابي بكر بن عبدالقادر الرازي, مختار الصحاح, دار الكتب العربية, بيروت, 1981, ص417.

5)     احمد رضا, معجم اللغة، المجلد 4, دار مكتبة الحياة, بيروت ,1960, ص47.

6)     د. مصطفى احمد فؤاد, مفهوم انكار العدالة, نشاة المعارف, الاسكندرية, 1986, ص104.

7)     افلاطون, الجمهورية, ترجمة، حنا خباز, دار الكتب اللبنانية, بيروت 1980, ص50.

8)     د. مجيد خلف المراد, مفهوم العدالة عند فلاسفة بغداد, دار الكتب العلمية، بغداد,2013, ص72.

9)     الشبكة الدولية للانترنيت، https://www.alghad.tv .

10)       جواد كاظم عجيل, العدالة الانتقالية ما بعد النزاعات المسلحة (العراق ما بعد 2003), رسالة ماجستير, كلية الحقوق, الجامعة الاسلامية في لبنان2015-2016.ص  49.

11)       د. جمال طه علي, العدالة الانتقالية في مجتمعات ما بعد الصراع والدكتاتورية الآليات والمعوقات, كلية القانون والعلوم السياسية, الجامعة العراقية، بغداد، 2018، ص21.

12)       د. جمال طه علي، المصدر السابق، ص21.

13)  جواد كاظم عجيل, المصدر السابق, ص78.

14)  د. جمال طه علي, المصدر السابق، ص9.

15)       جواد كاظم عجيل, المصدر السابق, ص21.

16)  د. جمال طه علي, المصدر السابق, ص9.

17)  د. جمال طه علي, المصدر السابق, ص10.

18)  [1]الحبيب بلكوش، “العدالة الانتقالية: المفاهيم والأليات”، الطبعة الأولى، مصر: المنظمة العربية لحقوق الإنسان، 2014، ص 38.

19)  عبدالعظيم محمد أحمد, العدالة الانتقالية كطريق الى مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية، الحوار المتمدن، العدد 1376, 2005 / 11 / 12. متوفر على الشبكة الدولية للانترنيت.

20)  عبدالعظيم محمد أحمد,  المصدر السابق.

21)  مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أدوات سيادة القانون اللازمة لدول ما بعد الصراع (تدابير العفو)، نيويورك وجنيف: منشورات الأمم المتحدة، 2009، ص 33.

22)  الشبكة الدولية للانترنيت, www.iraqnr.com .

23)  الشبكة الدولية للانترنيت, www.iraqnr.com.

24)  عامر حادي عبدالله الجبوري, العدالة الانتقالية ودور اجهزة الامم المتحدة في ارساء مناهجها, ط 1, 2018, القاهرة المركز الوطني للنشر والتوزيع, ص141.

25)  عامر حادي عبدالله الجبوري, المصدر السابق, ص143.

26)  طارق حسين النعيمي, العدالة الإنتقالية وآلياتها الديمقراطية, جريدة الزمان، 2018.

27)  د. خالد الشرقاوي السموني, العدالة الانتقالية والمصالحة والإنصاف, متوفر على الشبكة الدولية للانترنيت، http://www.iraqnr.com

28)  عبد الفتاح محمد سراج، مبدأ التكامل في القضاء الجنائي الدولي (دراسة تحليلة تأصيلية)، القاهرة دار النهضة العربية، الطبعة الأولى دون سنة طبع ص 10.

29)  محمود شريف بسيوني، المحكمة الدولية، ص 5 طبعة ثالثة 2002 مطابع روز اليوسف الجديدة، جمهورية مصر العربية, ص14.

30)  د. على يوسف الشكرى، القانون الجنائي الدولي، الطبعة الأولى 2005، ايتراك للنشر والتوزيع ص 15.

31)  د.على يوسف الشكرى، المرجع السابق ص 18، ود. على يوسف الشكري، المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، سنة 2003 ص 15-16.

32)  د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية نشأتها ونظامها الأساسي، مطابع روز اليوسف الجديدة، سنة 2002 ص 20 .

33)  د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، 2004 ص 17.

34)  د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق، ص 54 وما بعدها ؛ د. أحمد أبو الوفا، الملامح الأساسية للمحكمة الجنائية, المرجع المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 58، سنة 2002، ص20.

35)  د. سعيد عبد اللطيف حسن، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، سنة 2004 ص 159 وما بعدها.

36)  د. شريف سيد كامل : المرجع السابق، ص 22

37)  د. أحمد ابو الوفا: المرجع السابق، ص 19.

38)  د. محمود شريف بسيوني: المرجع السابق، ص 57 وما بعدها.

39)       صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية بملاحقة مجري الحرب، والقانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة الثانية ص 468 سنة 2003,ص 468.

40)  د. محمود شريف بسيوني: المرجع السابق، ص 62 وما بعدها.

41)  د. عامر الزمالي : تطورات محكمة جزئية دولية، ندوة المحكمة الجنائية الدولية- تحدى الحصانة”، ص23.

المراجع والمصادر:

1.      ابي الحسن علي بن اسماعيل بن سيدة المرسي, المحكم والمحيط الاعظم, المجلد 2, ط1, دار الكتب العلمية, بيروت 2000.

2.      احمد رضا, معجم اللغة، المجلد 4, دار مكتبة الحياة, بيروت ,1960.

3.      افلاطون, الجمهورية, ترجمة، حنا خباز, دار الكتب اللبنانية, بيروت 1980.

4.      جواد كاظم عجيل, العدالة الانتقالية ما بعد النزاعات المسلحة (العراق ما بعد 2003), رسالة ماجستير, كلية الحقوق, الجامعة الاسلامية في لبنان2015-2016.

5.      الحبيب بلكوش، “العدالة الانتقالية: المفاهيم والأليات”، الطبعة الأولى، مصر: المنظمة العربية لحقوق الإنسان، 2014.

6.      د. أحمد أبو الوفا، الملامح الأساسية للمحكمة الجنائية, المرجع المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 58، سنة 2002.

7.      د. جمال طه علي, العدالة الانتقالية في مجتمعات ما بعد الصراع والدكتاتورية الآليات والمعوقات, كلية القانون والعلوم السياسية, الجامعة العراقية، بغداد، 2018 .

8.      د. رضوان زيادة, العدالة الانقالية والمصالحة الوطنية في العالم العربي, متاح على الموقع، www.scpss.orglsp=14444 .

9.      د. سعيد عبد اللطيف حسن، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، سنة 2004 .

10.   د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، 2004 .

11.   د. عامر الزمالي : تطورات محكمة جزئية دولية، ندوة المحكمة الجنائية الدولية- تحدى الحصانة” .

12.   د. عبد الفتاح محمد سراج، مبدأ التكامل في القضاء الجنائي الدولي (دراسة تحليلة تأصيلية)، القاهرة دار النهضة العربية، الطبعة الأولى دون سنة طبع .

13.   د. عبدالحسين شعبان و العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا, مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، متاح على الرابط, www.dctcrs.org

14.   د. على يوسف الشكرى، القانون الجنائي الدولي، الطبعة الأولى 2005، ايتراك للنشر والتوزيع .

15.   د. ليلى نقولا رحباني, التدخل الدولي مفهوم في طور التبدل, ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت 2011.

16.   د. مجيد خلف المراد, مفهوم العدالة عند فلاسفة بغداد, دار الكتب العلمية، بغداد,2013.

17.   د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية نشأتها ونظامها الأساسي، مطابع روز اليوسف الجديدة، سنة 2002.

18.   د. مصطفى احمد فؤاد, مفهوم انكار العدالة, نشاة المعارف, الاسكندرية, 1986.

19.   الشبكة الدولية للانترنيت، https://www.alghad.tv .

20.   صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية بملاحقة مجري الحرب، والقانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة الثانية سنة 2003.

21.   طارق حسين النعيمي, العدالة الإنتقالية وآلياتها الديمقراطية, جريدة الزمان، 2018.

22.   عامر حادي عبدالله الجبوري, العدالة الانتقالية ودور اجهزة الامم المتحدة في ارساء مناهجها, ط 1, 2018, القاهرة المركز الوطني للنشر والتوزيع.

23.   عبدالعظيم محمد أحمد, الحوار المتمدن, العدالة الانتقالية كطريق الى مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية، العدد 1376, 2005 / 11 / 12. متوفر على الشبكة الدولية للانترنيت.

24.   الفيروز ابادي، القاموس المحيط, ج2, مطبعة الحلبي, مصر، 1952

25.   لدكتور محمود شريف بسيوني، المحكمة الدولية، ط3, 2002، مطابع روز اليوسف الجديدة، جمهورية مصر العربية.

26.   محمد بن ابي بكر بن عبدالقادر الرازي, مختار الصحاح, دار الكتب العربية, بيروت, 1981.

27.   المركز الدولي للعدالة الانتقالية، التعريف بالعدالة الانتقالية، متاح على الموقع الالكتروني التالي, www.ictj.net\arabic

28.   المستشار عادل ماجد، العدالة الانتقالية والادارة الناجحة لمرحلة مابعد الثورات, مجلة السياسية الدولية، المجلد48, العدد 192, ن=2013.

29.   مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أدوات سيادة القانون اللازمة لدول ما بعد الصراع (تدابير العفو)، نيويورك وجنيف: منشورات الأمم المتحدة، 2009، .

30.   موجز تقرير الامين العام للأمم المتحدة حول (سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع)، مجلس الامن، 24/8/2004, التقرير المرقم 616/2004/ s .

31.   ود. على يوسف الشكري، المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، سنة 2003.