المركز العربي للبحوث والدراسات : تحديات عديدة: اتجاهات ومسارات الانتخابات التركية (طباعة)
تحديات عديدة: اتجاهات ومسارات الانتخابات التركية
آخر تحديث: الإثنين 13/03/2023 01:14 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
تحديات عديدة: اتجاهات

أنهى قادة المعارضة في تركيا شهورا من الجدل الحاد واتفقت أحزاب المعارضة التركية على اختيار مرشح واحد هو كمال كليجدار أوغلو لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات التي ستجرى في مايو 2023، ويرأس كمال كليجدار أوغلو حزب المعارضة العلماني الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط.

وبعد اختياره مرشحًا للمعارضة قال كيلجدار أوغلو: "سننجح في الانتخابات باتفاقنا واتحادنا"، مضيفاً: "اتفقنا على العودة للنظام البرلماني". كما أكد أن "بقية رؤساء أحزاب الطاولة السداسية سيكونون نوابا للرئيس ".  ينص الاتفاق الهادف إلى تجنب تشتيت أصوات المعارضة، على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو على أمل إنهاء حكم اردوغان المستمر منذ عقدين. وقال كلجدار أوغلو أمام حشد كبير من المؤيدين بعد انتهاء محادثات متوترة بين الأحزاب المعارضة استمرت ساعات، "كنا سنقضي على أنفسنا لو انقسمنا". وتابع "سنعمل معا على ترسيخ قوة الأخلاق والعدالة"، مضيفا "نحن، بصفتنا تحالف الأمة، سوف نقود تركيا على أساس التشاور والتسوية".

ويشارك في الطاولة السداسية، أو ما يسمى تحالف الأمة، زعماء حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم. وكان زعماء المعارضة المنقسمة قد التقوا في محاولة جديدة للاتفاق على مرشح مشترك يواجه الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وجاء هذا الإعلان بعدما شهد معسكر المعارضة في أنقرة هزة سياسية قوية بعد الخروج المفاجئ لقائدة حزب الخير ميرال أكشنار من "تحالف الأمة"، وكاد أن ينفرط عقد التحالف بسبب اعتراض زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار على اختيار زعيم حزب الشعب الجمهوري مرشحًا موحدًا للرئاسة وتفضيلها ترشيح إما أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول أو رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش. بعد أن اتهمت جميع القادة الخمسة الباقين بالتآمر ضدها وضد حزبها، إلا أنها عادت للتحالف مرة أخرى، ويبدو أن نقاشات طويلة أقنعت أكشنار بالتراجع عن الانسحاب من التحالف وسط حرص المعارضة على اظهار الوحدة واغتنام تعاظم مشاكل حزب العدالة والتنمية بعد موجة غضب في المناطق المنكوبة بزلزال 6 فبراير 2023.

سياقات متعددة

لتجنب تشتيت أصواتها، نجحت المعارضة التركية بالاتفاق على ترشيح قائد حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو (74 عامًا) لمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقررة في 14 مايو 2023. وكانت آخر مرة اتحدت فيها المعارضة في 2019 للإطاحة بحلفاء أردوغان في الانتخابات البلدية. وينص الاتفاق الهادف إلى تجنب تشتيت أصوات المعارضة على ترشيح كيلجدار أوغلو على أمل إنهاء حكم أردوغان المستمر منذ عقدين.

وقد تآكلت شعبية أردوغان، قبل كارثة الزلزال، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع قيمة الليرة، كما واجهت حكومته موجة انتقادات حادة بسبب استجابتها البطيئة لأكثر الزلازل دموية في تاريخ البلاد الحديث. ويسعى أردوغان إلى تمديد حكمه لذلك أعلن أنه سيجري الانتخابات في مايو تجنبًا لفترة العطلات في يونيو. وأثيرت شكوك حول قدرة السلطات الانتخابية على الاستعداد واتخاذ الترتيبات اللوجستية لتصويت المتضررين في منطقة الزلزال، التي يقطنها نحو 14 مليون شخص.

وتجب الإشارة إلى أن أردوغان يخوض اختبارًا حاسمًا في الانتخابات، التي يعتبرها عديدون الأكثر أهمية في تركيا منذ إعلان الجمهورية قبل نحو قرن. ويحتاج الرئيس البالغ 68 عامًا إلى تجاوز عقبتي الأزمة الاقتصادية والزلزال المدمر في محاولته للبقاء في الحكم بعد أكثر من عشرين عامًا في السلطة، وقد تجعله الأزمة الاقتصادية والأخطاء التي ارتكبت خلال الزلزال أكثر ضعفًا مما كان عليه في الانتخابات السابقة.

على الجانب الآخر، يتمتع كليجدار أوغلو بمظهر يعطي الثقة بأنه زعيم يعطي الأولوية لتركيا، وليس لحزبه أو شخصه، خاصة وأن المعارضة حطمت قدرة حزب العدالة والتنمية الحاكم على استعادة رئاسة بلدية أكبر مدينتين في البلاد، وأضعفت هالة أردوغان ومهدت الطريق لاحتمال عودة حزب مؤسس الدولة العلمانية مصطفى كمال أتاتورك إلى السلطة. وجادل كلجدار أوغلو سابقًا بأنه يجب على يافاش وإمام أوغلو البقاء في منصبيهما رئيسين للبلديتين لتجنب إجراء انتخابات جديدة يمكن أن تعيد أيا من المدينتين إلى إدارة حزب أردوغان.

 وفي حال نجاح المعارضة في ذلك فإنها تعهدت بالتراجع عن كثير من سياسات أردوغان في الاقتصاد والحقوق المدنية والشؤون الخارجية من خلال ما يعتبرها الكثيرون الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية الممتد 100 عام. وتعهدت المعارضة بإلغاء الرئاسة التنفيذية القوية التي أنشأها أردوغان، وإعادة تركيا إلى الديمقراطية البرلمانية، وعودة الاستقلال للبنك المركزي الذي نفذ خطط أردوغان بخفض معدلات الفائدة، مما قاد نموًا اقتصاديًا لكنه تسبب في تراجع سعر الليرة وارتفاع التضخم بشدة.

تحديات الاستحقاق

على الرغم من كارثة الزلزال وتأثيراته اعتراف أردوغان بأن حكومته كانت بطيئة في الاستجابة بالأيام الحاسمة الأولى للأزمة، وطلب من الناخبين قبول اعتذاره عن بعض التأخير في عمليات الإنقاذ. وعن مدى استعداد المناطق للاقتراع في الانتخابات فإن المناطق جاهزة على المستوى اللوجستي. وقد بدأت الحكومة فعلاً في تسجيل أسماء الوافدين وإرساء وضع مؤقت لهم، يسمح لهم بممارسة حقوقهم بشكل طبيعي، مثل الإقامة والدراسة والاقتراع.

عقب إعلان المعارضة، ارتفعت أسهم الشركات التركية وسندات يوروبوند على حد سواء وسط تزايد آمال مستثمرين في أن يتمكن المرشح المشترك من التغلب على اردوغان والعودة لتطبيق سياسات نقدية تقليدية بعد سنوات من الاضطرابات.

ويقول منتقدون إن حكومة أردوغان كممت أفواه المعارضة، وقوضت الحقوق، وأخضعت النظام القضائي لنفوذها، وهي الاتهامات التي ينفيها المسؤولون الذين يقولون إن الحكومة وفرت الحماية للمواطنين في مواجهة التهديدات الأمنية غير المسبوقة، بما في ذلك محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016. ويقول اقتصاديون إن دعوات أردوغان لتطبيق أسعار فائدة منخفضة أدت إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له في 24 عامًا، ليصل إلى 85 بالمئة العام الماضي، كما انخفضت الليرة التركية إلى عُشر قيمتها مقابل الدولار خلال العقد الماضي.

وبالنسبة للأكراد، وبعد رحيل أكشنار التي عارضت بشكل قاطع أي تعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، أشار قادة الشعوب الديمقراطي إلى أنه يمكنهم إطلاق تفاهم جديد مع تحالف الأمة. وفي بيان بعد اجتماع رفيع المستوى في الحزب، قال الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي مدحت سانجار: "إنه يوم توسيع الأمل والنضال المشترك. إن حزب الشعوب الديمقراطي على دراية بمسؤولياته ولديه الإرادة للوفاء بهذه المسؤولية".

ولم يعلن حزب الشعوب الديمقراطي بعد عن مرشحه للرئاسة، لكنه كان يعطي في السابق رسائل مفادها أنه لن يرشح أحدا للانتخابات الرئاسية في حالة خوض زعيم حزب الشعب الجمهوري كلجدار أوغلو السباق كمرشح مشترك.

ولكن بعد عودة أكشنار فيمكن أن يكون هناك تباينات في الكتلة التصويتية للأكراد تجاه تحالف المعارضة وهو ما يؤدي إلى تغيرات كبيرة في نتائج الانتخابات، ومن جانب آخر، يمكن أن يتقدم الحزب بمرشح رئاسي وهو ما قد يؤدي إلى تفتيت الأصوات.

وفي غضون ذلك، تنظر المحكمة العليا في تركيا في قضية حظر ثالث أكبر حزب برلماني، وهو حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وجمدت بعض حساباته. ويقبع الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، في السجن منذ عام 2016 بتهمة إهانة الرئيس.

وفي محاولة لتوحيد الصفوف في مواجهة أردوغان وحزبه قال مدحت سانجار الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد إن الحزب قد يدعم كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية بعد "محادثات واضحة وصريحة". وقال سانجار في بث مباشر لقناة خبر ترك الخاصة "إذا تمكنا من الاتفاق على مبادئ أساسية، فقد ندعمه في انتخابات الرئاسة".

في الختام: لن تقرر تلك الانتخابات فقط من يقود تركيا، ولكنها ستقرر أيضًا كيف تُحكم البلاد، وإلى أين يتجه اقتصادها، وما هو الدور الذي قد تلعبه لتهدئة الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط. كما أنه في حال خسر أردوغان الانتخابات، فمن غير الواضح ما إذا كان خليفته سيكون قادرًا على أن يلعب نفس الدور الذي يلعبه هو حاليًا على المسرح العالمي - وهي النقطة التي من المرجح أن يؤكد عليها أردوغان في الحملة الانتخابية. وفي ظل إدراك أردوغان بأن ارتفاع تكاليف المعيشة يهدد احتمالات إعادة انتخابه، لذلك أعلن عن مضاعفة الحد الأدنى للأجور ضمن حزمة من الإجراءات التي ستسمح أيضًا لأكثر من مليوني عامل بالتقاعد مبكرًا.