المركز العربي للبحوث والدراسات : مأزق خلافة خامنئي...هل يستطيع رجال الدين إعادة اختراع الجمهورية في إيران؟ (طباعة)
مأزق خلافة خامنئي...هل يستطيع رجال الدين إعادة اختراع الجمهورية في إيران؟
آخر تحديث: الأحد 26/02/2023 11:04 ص
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
مأزق خلافة خامنئي...هل

ألقت الذكرى الـ44 للثورة الإسلامية في إيران والتى حلت في بداية الشهر الحالي بظلالها على الأزمة  السياسية والاقتصادية، بل والهوياتية التى يعيشها المواطن داخل نظام الولي الفقيه في إيران بالتوازي مع الاحتجاجات المتواصلة منذ سبتمبر 2022. وبالتزامن مع ذلك، تجدد الجدل مرة أخرى حول خلافة المرشد الحالي علي خامنئي، ولاسيما فيما يتعلق بتقدمه في السن وما إذا كان سيستطيع القائد الجديد ردء الفجوة الناشئة عن رفض قطاع عريض من المواطنين لطبيعة الحكم الثيوقراطي ورغبة رجال الدين في استمراره.

وأفادت بعض التقديرات في هذا السياق، بإنه بدأت بالفعل التيارات السياسية المختلفة، بما في ذلك التيار الديني ذاته المناورة لدعم مرشحيه المفضلين وتحديد المعايير السياسية والدينية التى من المتوقع أن يتم على أساسها اختيار المرشد الأعلى الجديد؛ فرغم نجاح النظام نسبياً في قمع الاحتجاجات، إلا أن ظهور نقاش عام حول الحجاب – الذى يعد أحد الركائز الرئيسية التى تأسس عليها النظام في إيران خلال فترة ما بعد الثورة-  أصبح مرتبطًا بشكل لا ينفصم بالتنافس على خلافة المرشد الأعلى.

وهنا، تحاول كافة التيارات السياسية استغلال هذا النقاش العام داخل المجتمع الإيراني للإشارة إلى موقفهم بشأن كيفية إعادة اختراع الجمهورية الإسلامية، أو بالأحرى إعادة التكيف مع هذه المتغيرات الناشئة والدور الذي يجب أن يلعبه القائد الجديد في هذه العملية.

أولاً- تحدى السلطة النهائية

يمكن القول أن البعد الديني الذى يقوم عليه النظام في إيران بات يمثل أحد أصعب التحديات التى تواجه الجمهورية في الوقت الحالي، ولاسيما فيما يتعلق بالسلطة النهائية التى يجب الخضوع لها في هذا السياق؛ هل هو المرشد الأعلى باعتباره ممثل الإمام الغائب، أم رجال الدين الأكثر اعتدلاً في قم، أم السياسيين المنتخبين من قبل الشعب؟. لقد أدت وحشية النظام التي لا هوادة فيها إلى وضع هذه الأسئلة في صدارة تحديات المستقبل في إيران، وخاصةً بعد أن اعترض عدد من رجال الدين البارزين على السلوك القمعي الذى انتهجته الأجهزة الأمنية تجاه المحتجين.

ونتيجة لذلك، عبرت بعض التيارات السياسية في إيران عن رغبتها في فصل الدين عن الدولة، أو بالأحرى التخلى عن اتخاذ الدين كمنصة لتبرير القمع، ونوهت إلى إنه إذا تم الاعتماد على هذا المسار فإن مجموعة المؤسسات المتنافسة التي وفرت ذات يوم جسراً ليس بالقوياً ولكن لا يزال مهماً بين النظام والشعب سوف يتم تجريدها من أي سلطة شرعية. وبالتالي، قد يؤدى الافراط في القمع إلى تمهيد الطريق لظهور نظام عسكري بالكامل لا يوفر اعتماده على القوة الغاشمة القدر اللازم من الاستقرار.

ثانياً- شروط منقوصة

كشفت بعض التقديرات عن إنه من المتوقع أن يتم التغاضي عن بعض الشروط فيما يتعلق باختيار المرشد الأعلى القادم لإيران مثل رتبته الدينية – مثلما حدث قبيل اختيار خامنئي – في مقابل التمسك ببعض المتطلبات الحيوية بالنسبة للفترة الراهنة التى تعيشها إيران، مثل مدى استعداده لاستخدام كافة الوسائل المتاحه لسحق أي معارضة، وقدرته على الحفاظ على الطبيعة الدينية التى يتسم بها النظام وضمان بقاءه لأطول فترة ممكنة.

وتمثلت أبرز ملامح ذلك في المحاولة الدائمة لإضفاء الطابع الثيوقراطي على التهم الموجهة للمتظاهرين؛حيث اكتسبت عقوبة الإعدام بعض الوجاهة من تهم مثل "الإفساد في الأرض" و"الحرابة". بل وذهبت بعض وجهات النظر الأخرى، إلى أن مصلحة خامنئي في الوقت الحالي تكمن في الحفاظ على تحالفه مع رجال الدين المتشددين لأنه من خلال القيام بذلك، فهو لا يضمن فقط الحد الأدنى الأيديولوجي للمرشد الأعلى القادم، ولكنه يدافع أيضاً عن مؤسسة حاكمة لديها موارد مالية هائلة سوف تصارع بكل ما لديها من سلطة للحفاظ على وجودها واستمرار هيمنتها.

ثالثاً- انتقادات متصاعدة

رغم السعى الحثيث من قبل بعض المتشددين لحماية وتعزيز موقع المرشد الأعلى الحالي في صدارة المشهد السياسي، إلا أن ذلك لم يحد من الانتقادات التى وجهها بعض رجال الدين إلى العنف الذى مارسه النظام في مواجهة المحتجين، وهو الأمر الذى من المتوقع أن يكون له تداعيات وخيمة على قضية الخلافة. حيث أكد عضو مجلس الخبراء(المعني باختيار خليفة المرشد الحالي) آية الله مرتضى مقتدي على أن النظام أساء استخدام مفهوم "الحرابة" بطرق تتعارض مع الفقه الإسلامي، بل والتلاعب  بالشريعة الإسلامية لتبرير القتل غير القانوني لمعارضيه. الأمر الذى يوحى بوجود انشقاق في صفوف المجلس نفسه، ويمنح في الوقت ذاته وزناً سياسياً وأخلاقياً لهذه الانتقادات.  

والجدير بالذكر، أن التحدى الحقيقي لمن يقومون على تحديد معايير اختيار المرشد التالي يتمثل في اختيار زعيم جديد يمكنه ضمان بقاء النظام، ولكن بطرق تعيد تشكيل قدر ولو ضئيل من الشرعية العملية لرجال الدين في إيران، فضلاً عن تأمين بل وتعزيز وضع الحرس الثوري الإيراني، الذى من المحتمل أن يمارس نفوذاً قد لا يبدو هيناً على الدائرة المعنية باختيار المرشد القادم، نظراً لارتباط شرعيته بالطابع الأيديولوجي الذى يقوم عليه نظام الولي الفقيه في إيران.

رابعاً- مستقبل غامض

تأسيساً على ما سبق، يلوح في الأفق سؤال غاية في الأهمية يتمثل في؛ هل سيظل منصب المرشد مهماً في نظام تم تجريده من الآليات الكاملة لتنافس النخبة والمنافسة الانتخابية الحقيقية؟. ورغم إنه كان ولايزال بمثابة جسر بين الدولة والمجتمع ولو بشكل نسبي، إلا أن النظام الأمني الذي يتم إفراغه من القنوات المؤسسية لإدارة الصراع النخبوي لا يمكنه توفير  أمناً ولا استقراراً حقيقياً.

ورغم دعوة بعض أقطاب التيار المحافظ مثل رئيس مجلس الشورى الحالي محمد باقر قاليباف إلى إجراء بعض الإصلاحات، إلا إنه لم يتم تحديد هويتها، وهل ستخصم من الرصيد الشعبي الذي يتمتع به رجال الدين في إيران ـأم لا؟. ولكن توحى الجهود التى يقوم بها قاليباف وأقرانه إلى إنه يخشى انتقال التنافس على الخلافة إلى نقطة الغليان.  

ولكن ينص الدستور على إنه إذا فشل مجلس الخبراء في التوصل إلى اتفاق، يمكن تأسيس "مجلس قيادة" مؤقت من الشخصيات الدينية،  الذي سيحكم حتى يتم الاتفاق على مرشح واحد. وإذا استمر هذا النوع من نظام الحكم الجماعي لأسابيع أو شهور، فقد يدفع الحرس الثوري الإيراني إلى فرض مرشحه المفضل. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تسلط الضوء على فشل قادة إيران في إيجاد صيغة عملية لإنقاذ الجمهورية الإسلامية من الانزلاق نحو شكلها الخاص من الاستبداد.