المركز العربي للبحوث والدراسات : تحالف أم تضامن مصالح...لماذا ترغب إيران في تكثيف تعاونها مع الصين؟ (طباعة)
تحالف أم تضامن مصالح...لماذا ترغب إيران في تكثيف تعاونها مع الصين؟
آخر تحديث: الأحد 19/02/2023 11:24 ص
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
تحالف أم تضامن مصالح...لماذا

قام الرئيس الإيراني أية الله إبراهيم رئيسي بزيارة إلى الصين مساء 13 فبراير 2023 على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى في زيارة جاءت تلبيةً لدعوة رسمية من نظيره الصيني شي جين بينغ لمدة 3 أيام، ويرافقه فيها كل من وزراء الخارجية والاقتصاد والطرق والنفط والزراعة ومحافظ البنك المركزي وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني.

ورغم إعلان السلطات الإيرانية عن أن الزيارة ذات طابع اقتصادي بالأساس، إلا إنه كشفت بعض التقديرات الأخرى عن عدد من الأهداف التى ترغب إيران في تحقيقها من خلال هذه الزيارة وهو الأمر الذى يمكن توضيحه فيما يلي:  

أولاً- تخطى العقوبات

يمكن القول أن زيارة رئيسي إلى الصين في ذلك الوقت تهدف بالأساس – بالمثل كالعلاقات الإيرانية الروسية- إلى فتح أفاق اقتصادية جديدة مع بكين، على خلفية تدهور وضع الاقتصاد الإيراني واستمرار فرض، بل وتكثيف العقوبات الغربية على إيران سواء بسبب برنامجها النووي أو ملف حقوق الإنسان. وفي السياق ذاته، أكدت بعض المنصات الإعلامية في إيران على أن هدف الزيارة الأساسي يتمثل في إدخال اتفاقية التعاون الاستراتيجي ذات الـ 25 عاماً التى عقدتها طهران وبكين في وقت سابق إلى حيز التنفيذ.

وعلاوة على ذلك، ترغب إيران في استغلال فترة الانفتاح الاقتصادي في الصين اللاحقة على انحسار موجات جائحة كورونا، وتحسين مستوى التبادل التجارى مع بكين؛ حيث انخفض مستوى التبادل التجاري بين الصين وإيران اعتباراً من عام 2018 مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية  من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرضها عقوبات على طهران، إلا أن هذا التبادل عاود الارتفاع في عام 2021، مع زيادة قدرها 58% للصادرات الإيرانية نحو الصين بين مارس 2021 ومارس 2022.

والجدير بالذكر، أن الصين لاتزال شريك تجاري أساسي لإيران وأكبر مشتري لصادرات النفط الإيرانية التي تخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة  الأمريكية. لذا، تعد الصين في الوقت الحالي بالنسبة لإيران شريان حياة رئيسي، يمكن أن يساهم في الحد من الأزمة الاقتصادية لدى إيران.

 وفي هذا السياق، تستهدف زيارة رئيسي عقد عدد كبير من الاتفاقيات في مجالات عدة يتضح أبرزها في النفط، والبنى التحتية، والزراعة، والصحة، والسياحة، والثقافة، والتعاون العسكري والدفاعي، وزيادة الصادرات الإيرانية إلى الصين، وزيادة الاستثمارات الصينية في إيران، بما يمكن الأخيرة من التغلب على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن.

ثانياً- مواجهة واشنطن

تأتي زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في وقت يحتدم فيه الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وتأجيل وزير الخارجية الأمريكي زيارته إلى بكين بعد أزمة المنطاد وخضوع شركات إيرانية وصينية لعقوبات أمريكية. الأمر الذى يكشف عن حاجة الصين لاستخدام علاقاتها المتطورة مع إيران كورقة ضغط على واشنطن، التى تعتبرها طهران بمثابة الشيطان الأكبر.

وفي هذا السياق، قال إبراهيم رئيسي خلال تصريح له مع صحيفة " الناس" الصينية البارزة التابعة للحزب الشيوعي الحاكم في ذلك: "ترى إيران والصين أن الأحادية واللجوء إلى الإجراءات القسرية، بما في ذلك العقوبات القمعية هي الجذور الرئيسية للأزمة في كلا البلدين، مما يؤدى إلى خلق حالة من انعدام الأمن".

ويتزامن ذلك، مع حالة من التعثر الشديد التى تخيم على وضع مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (4+1)، الأمر الذى تحاول إيران من خلال علاقتها الجيدة مع الصين استخدامه كورقة ضغط على واشنطن، لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات، بل وتنحية بعض الملفات الأخرى مثل حقوق الإنسان جانباً.

 

 

ثالثاً- تعزيز العلاقات مع دول الخليج

كشفت بعض التقديرات عن أن إيران تهدف من وراء هذه الزيارة إلى دفع الوساطة الصينية بين إيران ودول الخليج العربي ولاسيما المملكة العربية السعودية قدماً، ولاسيما إنه خلال الزيارة التى قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في بدايات ديسمبر الفائت إلى الرياض، تعهد بإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين إيران ودول الخليج، وأن ينضم إلى العراق في الوساطة بين طهران والرياض.

وتتمثل أبرز المنافع الاستراتيجية التى يمكن أن تعود على الصين من تطوير علاقتها بكل من المملكة العربية السعودية وإيران في ضمان أمن الطاقة، باعتبار أن كل من طهران والرياض من أكبر المصدريين للطاقة في المنطقة، فضلاً عن إنجاح مبادرة "الحزام والطريق" في ظل العقبات التى تضعها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الإطار.

رابعاً- تنسيق أمني

أكد بعض المسؤولين الإيرانيين على أنه من المقرر أن يتباحث الرئيسان الصيني والإيراني خلال هذه الزيارة الأوضاع الإقليمية والدولية، ولاسيما فيما يتعلق بالوضع الأمني في أفغانستان والتعاون مع حركة "طالبان"، وخصوصاً بعدما هدد تنظيم "داعش" منذ عدة أيام بالاعتداء على السفارات الصينية والهندية والإيرانية في أفغانستان، وعليه من المقرر أن يتم التطرق خلال هذه الزيارة إلى سبل تحقيق المزيد من الأمن والاستقرار في المنطقة.

وعلى الجانب الآخر، ترغب إيران من خلال تعاونها مع الصين في تأسيس ممر يربط بين الشرق والغرب باعتبار أن الصين تقع في شرق آسيا وإيران في غربها، وبالتالي، يمكنهما إنشاء خط اتصال مهم من شرق إلى غرب آسيا، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى تسريع نقل البضائع بين دول شرق وغرب أسيا بشكل عام، بل وتطوير العلاقات بين إيران والصين بشكل خاص.

وختاماً: يمكن القول إنه مهما بلغ مستوى تطور العلاقات بين إيران والصين، إلا إنه لا يمكن وصف العلاقات القائمة فيما بينهما بـ"التحالف"، بل يمكن أن نطلق عليها "تضامن مصالح"، لإنه إذا انتفت هذه المصالح في يوم ما، من المتوقع أن يحدث نوعاً من التعارض في وجهات النظر بشأن عدد لا بأس به من القضايا.

ويستند هذا التوجه على بعض المعطيات الهامة التى تتضح في معارضة الصين – كروسيا- لأن تصبح إيران دولة نووية، الأمر الذى تمثل في تأييد الصين لفرض عقوبات دولية على إيران خلال فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ويضاف إلى ذلك أن كل من الصين وإيران لديهما رغبات توسعية في المنطقة، حتى وإن اختلف طابع هذا التوجه، الذى يعد اقتصادياً بالنسبة للصين وسياسي مذهبي بالنسبة لإيران، إلا إنه من شأنه أن يخلق نوعاً من التنافس بين الطرفين في المنطقة على المديين المتوسط والطويل.