المركز العربي للبحوث والدراسات : لماذا تريد تركيا تحسين العلاقات مع نظام الأسد (طباعة)
لماذا تريد تركيا تحسين العلاقات مع نظام الأسد
آخر تحديث: السبت 21/01/2023 02:59 م
أحمد سامي عبد الفتاح أحمد سامي عبد الفتاح
لماذا تريد تركيا

منذ أن بدأت الثورة السورية في 2011، اتخذت تركيا موقفا مناهضا للنظام السوري وعملت على اسقاطه من خلال دعم المقاومة المسلحة ضده بكل الطرق. كما قامت تركيا بشن العديد من العمليات العسكرية في سوريا بهدف منع الاكراد من اقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بهم في سوريا.

مؤخرا، بدأت تخرج تصريحات من تركيا تؤكد رغبتها في تحسين العلاقات مع النظام السوري. يعد الانفتاح الأخير على الأسد مهم أيضا لأنه يمثل خطوة أخرى نحو عودة تركيا إلى سياسة خارجية أقل عدوانية. كان هذا التغيير في المسار واضحا على عدة جبهات في العام الماضي، حيث قامت تركيا بإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية التي حصلت تركيا على دعمها الاقتصادي والمالي الحاسم. كما قامت تركيا باصلاح العلاقات مع الامارات، فضلا عن عقد عدة لقاءات مع مسئولين مصرين من أجل تحسين العلاقات ( كان أخرها لقاء الرئيس التركي رجب أردوغان بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في قطر أثناء حفل افتتاح كأس العالم).

يتماشى تصحيح مسار السياسة الخارجية هذا مع هدف أردوغان لتعزيز مصالح تركيا الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط من أجل زيادة فرص إعادة انتخابه. وبالمثل، فإن الانفتاح على الأسد ليس سوى أحدث نتيجة لعملية التوازن المستمرة بين تركيا وروسيا، والتي أصبحت معقدة بشكل متزايد بعد غزو الأخيرة لأوكرانيا. بالنسبة لروسيا، فإن الحوار التركي السوري سيحقق فائدة تتمثل في تقليص فرص توسيع الوجود العسكري التركي في شمال سورية، بينما من المتوقع أن يؤثر هذا الأمر بالسلب على علاقة تركيا بحلفائها الغربيين الذين يعارضون أي مصالحة مع النظام السوري. وتتلخص الأسباب التي دفعت أنقرة لتغير موقفها فيما يلي:

أولا: لعبة الانتخابات الرئاسية

            لعبت الانتخابات الرئاسية في تركيا دورا هاما في دفع النظام الحاكم نحو تحسين العلاقات مع النظام السوري، حيث كانت سورية أحد الموضوعات الساخنة في الجدل السياسي التركي هذا الصيف. بعد الإعلان عن نية القيام بعملية عسكرية جديدة في شمال سورية، لم يتمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من إقناع نظيريه الروسي والإيراني بالموافقة على خطته في القمم الدولية المتعاقبة. واختار الجيش التركي بدلاً من ذلك تكثيف ضربات الطائرات من دون طيار والصواريخ في المنطقة، حيث تبين أن الأشهر القليلة الماضية كانت من أكثر الشهور دموية في السنوات الأخيرة.

في أغسطس الماضي، كانت الذكرى السنوية الأولى لأعمال شغب عنيفة ضد الجالية السورية في أنقرة بمثابة تذكير آخر بتصاعد المشاعر المعادية للاجئين في تركيا العام الماضي. ورغم أن النظام التركي قد شجب أعمال الشغب إلا أنه بات يدرك أن جزء كبير من الأتراك يرفضون وجود اللاجئين لتداعيات الأمر الاقتصادية عليهم. ويهدف النظام التركي من خلال تحسين العلاقات مع النظام إلى عودة ملايين اللاجئين إلى سوريا.

ثانيا: مواجهة الأكراد

يعد هذا الأمر نقطة محورية للغاية بالنسبة لتركيا. فبعد أن شنت تركيا ثلاثة عمليات عسكرية ضد الوحدات الكردية في سوريا، إلا أنها تدرك تماما أن خطر اقامة منطقة حكم ذاتي كردي في سوريا لا تزال قائمة، ما يشكل تهديدا جوهريا لأمن تركيا. علاوة على ذلك، وقع عمل ارهابي في اسطنبول قبل عدة أسابيع، وقد أعلنت السلطات التركية أن الوحدات الكردية في سوريا تقف خلفه.

على صعيد متصل، حاولت تركيا القيام بعملية عسكرية جديدة إلا أنها لم تتمكن من الحصول على موافقة روسيا. وفي هذا الشأن، قد قامت الوحدات التركية المسلحة بالتنسيق مع نظام الأسد من أجل منحه السيطرة على المدن التي تنوي تركيا الهجوم عليها، مما أعاق مخططات تركيا لأن هذا الأمر يضعها في موجهة مباشرة مع النظام السوري وحلفائه. ولذلك، تحاول أنقرة من خلال المصالحة مع النظام السوري تكوين جبهة موحدة ضد الأكراد. تشترك أنقرة ودمشق في مصلحة وضع حد للاستقلال الجزئي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، والتي يسميها الأكراد روج آفا، وهي منطقة تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية. هذه المجموعة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية. إن اتخاذ موقف متشدد من الأكراد السوريين من شأنه أن يحفز الناخبين الوطنيين لأردوغان، مما يعقد خطط المعارضة للوصول إلى الأكراد الأتراك، وهم جمهور رئيسي لهزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في صناديق الاقتراع.

ثالثا: أسباب اقتصادية

يمر الأقتصاد التركي بمرحلة تعد الأسوأ له منذ وصول العدالة والتنمية لسدة الحكم في عام 2022، حيث تراجعت الليرة بشدة أمام الدولار( يبلغ سعر الدولار حاليا أكثر من 18 ليرة)، كما ارتفع معدل التضحم، ومن ثم شهدت الأسعار ارتفاعا مبالغا فيه بشدة. وقد أثر هذا الأمر على شعبية الحزب الحاكم، كما تظهر استطلاعات الرأي الصادرة عن مراكز بحثية مختصة. ولذلك، يرغب الحزب الحاكم في تحسين العلاقات مع النظام السوري من أجل تسهيل عودة اللاجئين (تنفق عليهم تركيا مليارات الدولارات سنويا وفقا لاحصاءات رسمية) وفتح باب التصدير للنظام السوري، ما سوف يمنح تركيا مزيدا من العملة الصعبة. و يعتقد النظام التركي أن العلاقة الأكثر إيجابية مع الرئيس السوري ستسرع من إعادة ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون حاليا في تركيا، وهو وعد انتخابي رئيسي في وقت تتفاقم فيه حالة الاستياء ضد اللاجئين بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد. 

رابعا: تحديات محتملة

تتطلب التغييرات في الوضع الراهن من تركيا التخلي عن المناطق التي تسيطر عليها حاليا، وأن يستولي النظام السوري على الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية في الشمال الشرقي، وأن تتوصل الحكومتان إلى تسوية أمنية جديدة للحدود التركية السورية. من المحتمل أن يكون مثل هذا الاتفاق مستوحى من اتفاقية أضنة لعام 1998، التي أجبرت دمشق على إنهاء دعمها لحزب العمال الكردستاني. بالتأكيد انسحاب تركيا من الأراضي التس تيسطر عليها لن يكون بالأمر السهل بالنسبة للحزب الحاكم لأن سوف يزعج القوميين الأتراك المتمثليين في حزب الحركة القومية، فضلا عن تركيا لا تزال لا تثق بالنظام السوري. ولذلك، من المرجح أن تقبل تركيا بالفكرة مضمونا، لكنها سوف تؤجل التنفيذ الإجرائي لها لعدة سنوات مقبلة حتي تتأكد من تلاشي الخطر الكردي عليها.

هناك عقبات أخرى قد تعوق تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا، وتتضمن طبيعة المفاوضات حول عودة اللاجئين فضلا عن توقف تركيا عن دعم المعارضة السورية  المسلحة، حيث قد تطالب تركيا بضمانات قد لا يتمكن نظام الأسد من توفيرها. علاوة على ذلك، وقف كل أنواع الدعم للمعارضة سوف يكون مطلبا سوريا مشروعا، فضلا عن طرد المعارضة السورية من تركيا، وهو  أمر قد لا تتمكن تركيا من تنفيذه بشكل عاجل.

في النهاية، ذهب النظام التركي إلى سوريا مجبرا لأن بات يدرك أهمية النظام السوري في حل أهم المشاكل والعقبات التي تواجه تركيا أمنيا واقتصاديا وسياسيا. فالعودة الطوعية للاجئين سوف تحسن من أداء الاقتصاد التركي وسوف تقلل من غضب الأتراك تجاه الحزب الحاكم. علاوة على ذلك، المصالحة مع النظام السوري سوف تمنح تركيا مزيدا من الضغط على الأكراد، ومن ثم سوف تحسن من فرص الحزب الحاكم للبقاء في الحكم.