المركز العربي للبحوث والدراسات : تضامن مشروط...ما هي أبرز محددات تطور العلاقات العسكرية الروسية الإيرانية بعد الحرب الأوكرانية؟ (طباعة)
تضامن مشروط...ما هي أبرز محددات تطور العلاقات العسكرية الروسية الإيرانية بعد الحرب الأوكرانية؟
آخر تحديث: الأحد 25/12/2022 02:26 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
تضامن مشروط...ما

ألقى تصريح مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في 17 ديسمبر 2022 بظلاله على تطور العلاقات بين روسيا وأوكرانيا، ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية؛ حيث أكد بيرنز على أن واشنطن قلقة بشأن التعاون المتزايد بين روسيا وإيران وتخشى أن يتطور ذلك في النهاية إلى شراكة دفاعية كاملة.

وفي هذا السياق، أفادت بعض المصادر الاستخباراتية بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد صفقة لشراء صفقات من الطائرات المسيرة مع إيران أثناء حضوره لقمة طهران في أواخر يوليو الفائت. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تطور إلى تعاون صناعي عدد المشاريع المشتركة بشكل كبير، بما في ذلك المشاريع العسكرية، ولاسيما فيما يتعلق بقطع غيار الطائرات إلى المركبات الفضائية.

وسيتم العرض فيما يلي لأبرز محددات هذا التعاون:

أولاً- صفقة الطائرات المسيرة

كشفت بعض التقديرات عن أن إيران أمدت روسيا خلال عمليتها العسكرية في أوكرانيا بطائرات  مسيرة من طراز "شاهد ١٣٦"و"مهاجر ٦"، وتتمثل أبرز مميزات هذه الطائرات بالنسبة لروسيا في انخفاض تكلفتها الكبيرة بالنسبة لأنواع أخرى من الطائرات المسيرة الموجودة لدى روسيا؛ حيث أكدت بعض التقارير على أن الطائرة المسيرة الروسية تبلغ تكلفتها حوالي 1000 طائرة إيرانية نظرًا للتكنولوجيا المتقدمة التى تتمتع بها مثل هذه الطائرات.

وفي إطار التعاون في هذا النوع من الأنشطة بين إيران وكازاخستان فسيكون من  السهولة بمكان تلبية المتطلبات التي تحتاجها روسيا بالإضافة إلى عملية التطوير. ومن ناحية أخرى تتضح فاعلية هذه الأنواع من الطائرات في ردء الثغرات الدفاعية الروسية، واستهداف البنية التحتية في أوكرانيا؛ حيث استُخدمت الدرونز الإيرانية في هجمات على مواقع حساسة في زباروجيا،  بمحيط المفاعل النووي.

كما تظهر فاعلية الطائرات المسيرة الإيرانية في تفادي المنظومات الدفاعية الغربية عالية التقنية؛ حيث باتت أوكرانيا تمتلك منظومات دفاع غربية يمكنها العمل بكفاءة لاعتراض الصواريخ الروسية، لكن لا ينطبق هذا الوضع على الطائرات دون طيار التي يمكنها تفادي هذه المنظومات مع التحرك على مستويات منخفضة.

ثانيًا-  التدريبات العسكرية المشتركة

أجرت كل من إيران وروسيا مجموعة من المناورات العسكرية المشتركة خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذى تمثل في استضافة فنزويلا لتدريبات عسكرية مشتركة بين كل من القوات الروسية والصينية والإيرانية في فنزويلا، الأمر الذي يشير إلى أن هذه المناورات هي رسالة إلى واشنطن، لأنها تجرى في الفناء الخلفي لها بأمريكا اللاتينية.

كما شاركت طهران في مناورات القوقاز الروسية في سبتمبر 2020 ، واتفق الجانبان آنذاك على إجراء مناورات بحرية منتظمة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز، فضلاً عن تنفيذ تدريبات عسكرية بحرية مشتركة بين روسيا والصين وإيران في خليج عمان. وفي السياق ذاته، قدمت إيران تسهيلات عسكرية لروسيا بشأن استخدام قواعدها العسكرية في الخليج العربي إذا اقتضت الضرورة.

ثالثًا- التعاون في المجال الفضاء

شهد مجال الفضاء أو الأقمار الصناعية الفضائية تعاونًا كبيرًا بين كل من إيران وروسيا ولاسيما خلال فترة الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي؛ حيث أطلق يوم   9 أغسطس 2022 من القاعدة الروسية الفضائية "بايكونور" بكازاخستان، القمر الصناعي الإيراني "خيام1"، وأعلنت طهران أنه مخصص للأغراض المدنية مثل (زيادة الإنتاجية الزراعية، ومراقبة الموارد المائية وإدارة المخاطر الطبيعية)، كما كشفت عن تحويل اتفاق شراء الأقمار الصناعية من روسيا إلى "اتفاق لنقل التكنولوجيا الفضائية"، وسيتم بناءًا على ذلك تصنيع روسي إيراني مشترك لأقمار (خيام 2 و3 و4) ليسجل بداية لتعاون جديد بينهما في مجال الفضاء.

ولكن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة الأمريكية لطالما شككت ومازالت في الطبيعة السلمية لبرنامج الأقمار الصناعية الفضائية، مشيرة إلى أنها مصنوعة بأهداف عسكرية وليس مدنية سلمية كما تدعي إيران، وأن روسيا ستسخدمه في إطار عمليتها العسكرية الروسية لعدة أشهر، ثم تتيحه لإيران لاستغلاله في التجسس على دول الشرق الأوسط.

رابعًا- التنسيق في إطار مكافحة الإرهاب 

تعمل كل من روسيا وإيران بشكل وثيق في محاربة الإرهاب ولاسيما فيما يتعلق بحركة طالبان التى سيطرت على الحكم في أفغانستان عقب الخروج الأمريكي في أغسطس 2021؛ حيث توصل الطرفان إلى اتفاق مع طالبان بشأن تعزيز التعاون الأمني.

والجدير بالذكر، أن سوريا كانت الميدان الأكبر الذي ترجم فيه التعاون العسكري والاستراتيجي بين روسيا وإيران، إذ شاركت الدولتان مبكراً في مواجهة الجماعات الإرهابية في البلاد، بدعوة من الحكومة السورية، وقد تميز هذا التعاون بتنسيق عسكري على الأرض، ومواكبة سياسية ودبلوماسية من كلا البلدين. على أن يتمثل الهدف الرئيسي لروسيا بوتين من ذلك في حماية مجالها الحيوي من انتشار الإرهاب، ولاسيما فيما يتعلق بدول أسيا الوسطى.

خامسًا – توسيع نطاق التعاون الاقتصادي 

شهدت فترة الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي تنامي التعاون الاقتصادي بشكل ملحوظ بين كل من موسكو وطهران؛ حيث كشفت بعض الإحصاءات عن أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال الفترة من يناير إلى مايو 2021 1.371 مليار دولار، محققاً زيادة قدرها 27.7% من حيث القيمة السنوية.

وخلال هذه الفترة أيضًا، أشارت  بيانات مصلحة الجمارك الفيدرالية الروسية أشارت أيضاً إلى أن حجم الصادرات الروسية إلى إيران بلغ 900.6 مليون دولار، بزيادة نسبتها 27.7%، وبلغ حجم الواردات من إيران 469.9 مليون دولار، بزيادة نسبتها 27.7%.

وفي هذا السياق، تتمثل أبرز مجالات التعاون بين الطرفين في المجال النفطي، ولاسيما فيما يتعلق توسيع حقول الغاز والنفط الإيرانية، وإنشاء مصافٍ بتروكيماوية، ونقل التكنولوجيا والتجهيزات المتطورة في هذه المجالات إلى إيران.

وتأسيسًا على ما سبق، يبدو أن الدولتين ترغبان في تعزيز مستويات التعاون على جميع الأصعدة بما يمكنهما من التغلب على التداعيات السلبية التى تسببت فيها العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليهما، الأمر الذى يكشف عن إنهما لن يوقفا نشاطهما الاقتصادي إلى ما بعد رفع هذه الجزاءات الاقتصادية، بل ستتم مواجهتها.

وختامًا: يمكن القول إنه على الرغم من التطورات المتسارعة التي تحكم مسار العلاقات بين روسيا وإيران، إلا إنه هناك العديد من المعوقات التى يمكن أن تعرقل إنطلاقها الأمر الذى يتمثل في الخبرة التاريخية السلبية في الداخل الإيراني حول تطوير العلاقات مع روسيا التى كانت أحد المستعمرين لإيران وقصفت قبة ضريح الإمام الرضا عام 1912، فضلاً عن تعارض المصالح الاستراتيجية بين كلا الدولتين.