المركز العربي للبحوث والدراسات : مأزق القيادة المتهورة ....هل يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبتعد عن التوترات بين أذربيجان وإيران؟ (طباعة)
مأزق القيادة المتهورة ....هل يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبتعد عن التوترات بين أذربيجان وإيران؟
آخر تحديث: الأحد 27/11/2022 11:55 ص
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
مأزق القيادة المتهورة

إلدار محمدوف، عرض: مرفت زكريا

تتمثل إحدى نقاط الضعف المستمرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في ميلها إلى تمكين ما أسماه الباحث البارز باري بوزن "القيادة المتهورة" - بتشجيع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها ، عن قصد أو بغير قصد، على اتباع سياسات محفوفة بالمخاطر لن يشرعوا فيها لولا ذلك، على خلفية اعتقادهم في أن واشنطن ستدعمهم.  

والمثال الكلاسيكي للقيادة المتهورة هو قرار الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بشن هجوم لاستعادة منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية في عام 2008 مما عجل برد روسي مدمر. وقد شجع ساكاشفيلي في أفعاله اعتماده المفرط على إشارات إدارة جورج دبليو بوش لدعم طموح جورجيا في الانضمام إلى الناتو. في النهاية، لم تأت واشنطن فقط لإنقاذ ساكاشفيلي، ولكن بقاءه ، وبقاء جورجيا كدولة مستقلة  أصبحا يعتمدان على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه مع موسكو الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي.

ومن الأمثلة الحديثة العهد في هذا الإطار وعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "بنقل الحرب إلى إيران" خصمه الإقليمي الرئيسي. وقد شجعه سياسة إدارة ترامب المتمثلة في "الضغط الأقصى" على طهران و "الحد الأقصى من الحرية" تجاه الرياض والتي امتدت إلى دعم الولايات المتحدة لتدخل محمد بن سلمان الكارثي في ​​اليمن. ومع ذلك، عندما أطلقت إيران صواريخ على منشآت نفطية سعودية رئيسية في عام 2019، مما تسبب في أضرار جسيمة، فشلت الولايات المتحدة في الرد عسكريًا نيابة عن الرياض.

وتأسيسًا على ما سبق، فإن تقديم دعم غير مشروط تقريبًا يشجع الجهات الفاعلة الإقليمية الطموحة على التصرف بناءًا على افتراض أن واشنطن ستدافع عن شركائها. ومع ذلك، نظرًا لأن أفعالهم قد تتعارض مع المصالح الأمريكية، فإن الدعم الأمريكي المفترض لم يتحقق، وتواجه هذه الجهات الفاعلة العواقب (الكارثية عادةً) لتجاوزها.

ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة تشجيع ما يعرف بـ" القيادة المتهورة"، ففي مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية، أيد المتحدث نيد برايس أذربيجان بشكل لا لبس فيه، عندما سئل عن التوترات المتصاعدة بين إيران وأذربيجان. وبحسب برايس، فإن إيران تمثل "تهديدًا للمنطقة". لذلك، فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب شركائها وتدعمهم، وفي النهاية ستقف ضد التأثير المزعزع للاستقرار الذي تمثله إيران. ومن المفهوم أن يُنظر إلى إيران من منظور سلبي، أكثر من ذلك بكثير في سياق القمع الدموي المستمر للنظام ضد مواطنيه ودعم طهران النشط للحرب الروسية في أوكرانيا.

ومع ذلك ، فإن إلقاء نظرة فاحصة على جنوب القوقاز يكشف عن صورة أكثر دقة؛ صحيح أن إيران شددت مؤخرا من خطابها ضد أذربيجان التي تتهمها بالتواطؤ مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران، وأجرت إيران مناورات عسكرية تهديدية بالقرب من الحدود الأذربيجانية، واتهمت طهران باكو بالوقوف وراء الهجوم الإرهابي على مرقد شيعي في مدينة شيراز، دون أن تقدم، حتى الآن، أدلة دامغة لدعم مزاعمها.

لكن أذربيجان بعيدة كل البعد عن البراءة في هذه الأزمة المتصاعدة بسرعة؛ حيث دأبت وسائل الإعلام الحكومية الأذربيجانية منذ شهور على بث الدعوات الوحدوية للانفصال عن المناطق الشمالية الغربية العرقية التي يهيمن عليها الأذربيجانيون والتي يسميها القوميون الأذربيجانيون "أذربيجان الجنوبية". في نظام محكوم بإحكام مثل النظام الأذربيجاني، من غير المتصور أن مثل هذا الخطاب الملتهب لم يتلق الضوء الأخضر من أعلى مستويات السلطة.

وفي هذا السياق ، ألقت السلطات في باكو القبض على أعضاء مزعومين في شبكة تجسس إيرانية تتألف من معتنقين شيعة وآخرين متهمين بجمع معلومات استخبارية عن البنية التحتية النفطية والأصول العسكرية في أذربيجان، ولكن يؤكد الكاتب على ضرورة التعامل مع مثل هذه الادعاءات بحذر لأن لدى باكو سجل حافل في تأطير الشيعة الناشطين سياسيًا كعملاء لإيران - وهي اتهامات يستحيل إثباتها نظرًا لغياب المحاكم المستقلة والنزيهة في البلاد.

وتبنى الرئيس إلهام علييف نفسه لغة استفزازية بشكل متزايد من خلال ادعائه عباءة الحامي لعدد كبير من السكان الأذريين في إيران. ومن المحتمل أن يكون دور أذربيجان الذي تم اكتشافه حديثًا كمورد للغاز إلى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا، لتحل محل روسيا، قد زاد من إحساس علييف بالحصانة تجاه إيران.

ورد المسؤولون ووسائل الإعلام الإيرانية بالرد ، مع مقال رأي في صحيفة إصلاحية مؤثرة دعا طهران إلى إلغاء الاعتراف الدبلوماسي الذي منحته لأذربيجان بعد خروجها من الانهيار السوفيتي في عام 1991.

وعليه، لا توجد مصلحة وطنية واضحة للولايات المتحدة الأمريكية للتورط في هذا الخلاف،  فالورقة الرابحة الرئيسية لأذربيجان في الغرب – المتمثلة في الغاز- لا تصل إلى الحجم لجعلها بديلاً قابلاً للتطبيق للإمدادات الروسية، كما إن "مذكرة التفاهم" التي تم التوقيع عليها مع الإتحاد الأوروبي باكو لا تلزمها بتقديم حتى المبالغ المتواضعة التي يمكن أن تقدمها.

وبالتالي، فإن أفضل مسار للولايات المتحدة  الأمريكية هو الالتزام بالحياد وحث كلا الجانبين على نزع فتيل التوترات. ومع ذلك، يمكن تفسير تصريحات برايس على أنها استعداد واشنطن لتقديم المساعدة العسكرية لباكو،  هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة سخرية علييف من إيران. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة  الأمريكية، وكما هو الحال مع ساكاشفيلي ومحمد بن سلمان من قبل، لن تنقذه إذا تجاوز حدوده، لذلك يجب على واشنطن ألا تشجع التوقعات الخاطئة في باكو.

وإذا كان هناك أي تهديدات في القوقاز، فإن واشنطن وطهران يجب أن يكونا في نفس الإتجاه بدلاً من اللجوء إلى الأهداف المتعارضة، لأن كلاهما يشعر بقلق متزايد من محاولات أذربيجان العدوانية لفرض السلام من جانب واحد في المنطقة بشروطها الخاصة. ونددت واشنطن بالهجمات الأذربيجانية على الأراضي الأرمنية، وسافرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى يريفان لإظهار الدعم.

وإيران من جانبها  إنحازت بالمثل إلى أرمينيا، وفتحت قنصلية في بلدة كابان الحدودية، في لفتة رمزية تؤكد دعمها لسيادة أرمينيا على الأراضي التي تطالب بها أذربيجان، وفي حين أن إيران مدفوعة بالسياسة الواقعية، مثل الخوف من فقدان ارتباطها القديم بأرمينيا، فإن نتيجة سياساتها تساهم بشكل موضوعي في أهداف واشنطن المعلنة السلام القائم على احترام سيادة جميع دول المنطقة.

حيث إن تعزيز مثل هذا السلام ودعم أذربيجان ضد إيران ليسا سياسات متوافقة مع بعضها البعض. لا يمكنها العمل إلا من خلال المضي قدمًا في عملية مصالحة حقيقية بين أرمينيا وتركيا وأذربيجان. ومع ذلك، وبالنظر إلى التاريخ السام بين الثلاثة، فإن الأمر سيستغرق عقودًا من بناء الثقة لتحقيق مثل هذه المصالحة في أفضل الأوقات، ناهيك عن إصدار أذربيجان للتهديدات باستمرار. في ظل هذه الظروف، لا تستطيع أرمينيا ببساطة تحمل رفاهية الاضطرار إلى الاختيار بين الولايات المتحدة وإيران.

وعادة ما يُنصح المسؤولون الأمريكيون بمراعاة تعقيدات الصراعات في المناطق النائية قبل أن يسارعوا إلى تقديم دعم قوي وغير مشروط - حتى خطابيًا - لأحد الجانبين، لاسيما إذا كانت سياسات هذا الجانب المتهورة عاملًا رئيسيًا في تأجيج الصراع.

Eldar Mamedov, The US should stay away from Azerbaijan-Iran tensions, Quincy Institute for Responsible Statecraft, November 16, 2022, available at https://responsiblestatecraft.org/2022/11/16/the-us-should-stay-away-from-azerbaijan-iran-tensions/?fbclid=IwAR0PyC4jacSovwG4IBpB673GNVfGnQLT1WCoXpXfqdC0DAH6bnTLrru9yB4