فرغم تحديد موعد لاختيار الرئيس العراقي المقبل، إلا إنه وصلت الخلافات بين
الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق (الديمقراطي والاتحاد الوطني) إلى ذروتها،
وأدت إلى عدم اتفاق الطرفين على مرشح تسوية لرئيس جمهورية العراق المقبل، على
الرغم من التدخلات المحلية والدولية.
فالمناصب الرئيسية في العراق مقسمة على المكونات الرئيسية الثلاثة: للسنّة
رئيس البرلمان إذ أُعلن محمد الحلبوسي من تحالف السيادة، والشيعة نصيبهم رئيس
الحكومة وجرى الاتفاق الأولي على رئيس الحكومة بترشيح محمد شياع السوداني من
الإطار التنسيقي، وما زال الكرد يتصارعون على منصب رئيس الجمهورية الذي يُكلف رئيس
الحكومة باختيار الوزراء.
والجدير بالذكر، ويشهد العراق منذ الانتخابات البرلمانية
المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر 2021، شللاً سياسياً تاماً، تأزم أكثر منذ
يوليو 2022 مع نزول طرفي الخلاف الأبرز إلى الشارع واعتصامهم وسط بغداد (الصدر
والإطار). وبلغ الخلاف أوجه مع بدء مطالبة التيار الصدري بحل مجلس النواب وإجراء
انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات في ظل رفض خصومه
هذا التوجه، وإصرارهم على تشكيل حكومة بمرشحهم قبل أي انتخابات جديدة.
ثانيًا - تأخر عمليات
الإصلاح
وجدد
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي دعوته الأطراف السياسية كافة إلى الحوار لحل
الأزمة في البلاد، بمناسبة مرور عام على الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، وشدد في بيان
نشره مكتبه الإعلامي، على ضرورة الاحتكام إلى منطق الحوار العاقل الهادئ والبناء
لحل الأزمة والدفع بحلول وطنية شاملة تدعم ركائز الاستقرار.
كما أكد أن الانتخابات التشريعية الماضية، اتسمت
بالنزاهة والمهنية، لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن الظروف أثبتت أن الاقتراع يجب
أن يرتبط بإيمان كل القوى السياسية المشاركة فيه بالمبادئ الديمقراطية.
ومن
جهتها، حذرت بعثة الأمم المتحدة من أنه لم يعد أمام العراق "الكثير من الوقت،
لاسيما أن الأزمة التي طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار والأحداث الأخيرة
دليل على ذلك، كما حثت في بيان نشرته على تويتر الجهات الفاعلة كافة إلى الانخراط
في حوار دون شروط مسبقة وتقديم تنازلات تهدف لتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة
وفاعلة.
وتأتي
تلك الدعوات فيما تعيش البلاد منذ العام الماضي على وقع أزمة سياسية محتدمة بين
التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وبين "الإطار التنسيقي" الذي يضم
ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالي، وتحالف الفتح، وفصائل أخرى موالية لإيران،
حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس جديد أو تشكيل حكومة. فيما عقد الكاظمي عدة جولات
حوارية داعيا كافة الأفرقاء للمشاركة فيها، إلا أن الصدر تمنع مؤكدا أنه لن يجلس
مع "فاسدين". ليعود لاحقا ويعلن استعداده للمشركة في جلسة حوار بشرط أن
تكون علنية.
ثالثًا- اتساع نطاق التدخلات
الخارجية
انتهجت الحكومة الانتقالية سياسة متوازنة عبر ابتكار
آلية الحوار الاستراتيجي على المستويين الدولي والإقليمي. وبناءً على هذا الاتجاه،
تم ترتيب عملية انتهاء الدور القتالي الأمريكي في العراق، مع الإبقاء على دور
أمريكي للتدريب ومكافحة الإرهاب. وبالصيغة ذاتها سعت الحكومة الانتقالية إلى بناء
توازنات ما بين القوى الإقليمية العربية وغير العربية المجاورة للعراق.
لكنّ هذه الصيغ لم تصمد طويلاً، حيث ظل العراق ساحة
للاستقطابات والتجاذبات الأمريكية-الإيرانية. كما عمقت طهران من سياساتها التدخلية
التي أفضت إلى انقسامات رأسية حادة أدت إلى انقسام البيت الشيعي، وهو ما انعكس في
الوضع السياسي والأمني المتأزم. وبالتبعية، لم تتمكن الأطراف العربية من بناء
توازنات مع القوى الإقليمية غير العربية، في ظل مواصلة القوى غير العربية نهج
عسكرة سياساتها التدخلية، وأقرب الأمثلة إلى ذلك المعارك التي تخوضها كلٌّ من
إيران وتركيا ضد الأكراد على الساحة العراقية.
وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال
الفترة القليلة القادمة إلى "ضرورة العمل المشترك على المستوى الإقليمي
والدولي؛ لعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية العراقية، وحماية السيادة"،
لافتا إلى أن "الاستقرار الداخلي ينعكس على استقرار المنطقة؛ معللا ذلك بأن
التوتر يؤدي إلى زعزعة الوضع الأمني في المنطقة، ومن ثم يتأثر السلام
الدولي".
وأشار الوزير العراقي إلى "القصف المدفعي والصاروخي
الذي قامت به إيران على بعض المواقع داخل الأراضي العراقية في الأيام القليلة
الماضية، مطالبا بضرورة وقف مثل هذه الانتهاكات من الجانب الإيراني، عادا أنها
تخالف المواثيق والقوانين الدولية"، منوها بأن "الحكومة تحرص على انتهاج
سياسة متوازنة في إقامة العلاقات مع الجميع، ولاسيما دول الجوار".